موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح بالي أفندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مصطفي سليمان بالي زاده الحنفي

فص حكمة نورية في كلمة يوسفية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة نورية في كلمة يوسفية


09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب شرح الشيخ مصطفى بالي زاده الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

(فص حكمة نورية) أي العلوم المنسوبة إلى النور مودعة (في كلمة يوسفية) أي في روح ذلك النبي عليه السلام (هذه الحكمة النورية) مبتد (انبساط نورها) مبتدأ ثاني الضمير يرجع إلى الحكمة (علی حضرة الخيال) خبر الجملة خبر المبتدأ الأول أي هذه الحكمة النورية التي في كلمة يوسفية ينبسط نورها على حضرة المنام فيرى بسبب هذا النور رؤيا صادقة.
"" يبحث هذا الفص في "عالم المثال" وما يتصل به من القوة الخيالية في الإنسان وما يكشف الإنسان بواسطة اتصاله بالعالم المثالي من صورة الوجود الروحاني بالصور التي ترى في الأحلام.
والعالم المثالي نوراني كما يقولون، أي غير مادي، وتسمية كل روحي لطيف نورة، وكل مادي كثيف ظلمه.""
(وهو) أي انبساط النور على حضرة الخيال (أول مبادىء) أول منشأ ظهور (الوحي الإلهي في أهل العناية) أي في حق الأنبياء فأول الوحي الرؤيا الصادقة وسبب ظهورها انبساط النور عني حضرة الخيال.
وأورد على ذلك دليلا قول عائشة رضي الله عنها فقال : تقول عائشة رضي الله عنه (أول ما بدئ به) أي أول ما ظهر به (رسول الله) صلى الله عليه وسلم (من الوحي الرؤيا الصادقة فكان) رسول الله عليه السلام (لا يرى رؤيا إلا خرجت) أي ظهرت تلك الرؤيا في الحس (مثل فلق الصبح) في الظهور هذا من قول عائشة رضي الله عنها : (تقول) أي عائشة (لا خفاء بها) في صدقها هذا كلام الشيخ تفسير لقول عائشة رضي الله عنها (وإلى هنا بلغ علمها لا غير) وليس الأمر على ما علمت العائشة .
(فكأن المدة له) أي الرسول الله صلى الله عليه وسلم (في ذلك) الوحي (ستة أشهر ثم جاءه الملك) هذا قول عائشة رضي الله عنها قالته في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(وما علمت) عائشة رضي الله عنها أن رسول الله عليه السلام قد قال : "إن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". ذكره العراقي في المغني
وكل ما يرى) رسول الله عليه السلام (في حال النوم) وهو اليقظة في العرف العام التي عبر عنها رسول الله عليه السلام بقوله:" والناس نيام" (فهو) أي كل ما يرى فيه (من ذلك القبيل) أي من قبيل ما رآه رسول الله عليه السلام في ستة أشهر من الرؤيا الصادقة.
فما رأى الملك إلا من حضرة الخيال كالرؤيا الصادقة (وإن اختلف الأحوال) على الرائي باليقظة والنوم (فمضي) عمره في الوحي .
(قولها) أي في قول عائشة في منام بالرؤيا الصادقة (ستة أشهر) ومضى بعد ذلك عمره في الوحي بمجيء الملك في اليقظة لا في المنام .
فما رأى الملك من حضرة الخيال في قولها بل من حضرة الشهادة وليس الأمر كما قالت العائشة (بل) مضى عمره كله في الدنيا في الوحي.
(بتلك المثابة) أي بمثابة ستة أشهر في كون الوحي في المنام فإذا مضى عمره في الوحي بتلك المثابة فوحيه كله إنما هو منام في منام أو فعمره كله في الوحي كله (إنما هو منام في منام).
فالمنام الأول هو حضرة الخيال
والثاني قوله عليه السلام: «الناس نيام» وهو اليقظة ، فكان عمره كله في الوحي في نيام مثل ما قالت العائشة ستة أشهر .
فما ورد الوحي إليه إلا من قبيل المنام في المنام .
(وكل ما ورد من هذا القبيل، أي من قبيل المنام في المنام فهو المسمى علم الخيال) فكان الوحي كلها سواء كان بالرؤيا الصادقة أو بالملك أو بغيرهما سواء سمي نائما كما في الرؤيا أو لم يسمى كما في غيرها من عالم الخيال.
(ولهذا) أي ولأجل كون كل ما ورد من قبيل المنام في المنام من حضرة الخيال (یعبر) بالتشديد على البناء للمفعول (أي الأمر الذي هو في نفسه على صورة كذا ظهر) للنائم (في صورة غيرها) أي غير صورته في نفسه .
قال رضي الله عنه : (فیجوز) أي فيعبر (العابر من هذه الصورة التي أبصرها النائم إلى صورة ما هو الأمر عليه) في نفسه (إن أصاب) العابر.
(كظهور العلم) لرسول الله عليه السلام في منامه (في صورة اللبن فعبر) أي جاز رسول الله عليه السلام (في التأويل من صورة اللبن إلى صورة العلم فتأول) رسول الله عليه السلام (أي قال مال هذه الصورة اللبنية) وهي التي أبصرها رسول الله عليه السلام (إلى صورة العلم) التي لم يبصرها رسول الله (ثم إنه عليه السلام كان إذا أوحي إليه) بدون تمثل الملك .
(أخذ عن المحسوسات المعتادة) أي عن محسوساته المعتادة له (فسجي) بالتشديد أي فستر عن المحسوسات المعتادة (وغاب عن الحاضرين عنده) بدخوله في حضرة الغيب.
قال رضي الله عنه : (فإذا سري) بالتشديد أي رفع (عنه) ما به غاب عن الحاضرين (رد) إلى المحسوسات المعتادة (فما ادركه) أي الأمر حين غيبته عن الحس.
(إلا في حضرة الخيال إلا أنه لا بسمي) رسول الله (نائما) في ذلك الوقت .
قال رضي الله عنه : (وكذلك إذا تمثل له الملك) أي إذا جاءه الملك للوحي فتمثل له (رجلا فذلك) الملك الظاهر له بصفة الرجل (من حضرة الخيال) .
فما رآه رسول الله عليه السلام والأصحاب رضوان الله عليهم إلا من حضرة الخيال لا من حضرة الشهادة وإنما كان ذلك الملك من حضرة الخيال .
قال رضي الله عنه : (فإنه) أي فإن ذلك الملك (ليس برجل في نفسه وإنما هو) في الحقيقة (ملك فدخل في صورة إنسان) فظهر له للوحي (فعبره الناظر العارف) حقيقة الحال وهو الرسول (حتى وصل إلى صورته الحقيقية) وهي صورة الملكية .
(فقال صلى الله عليه وسلم : هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم) أمر (دينكم) فهذا حكم التعبير (و) الحال.
قال رضي الله عنه : (قد قال) عليه السلام (لهم) أي لأصحابه الذين منعوا دخول الرجل عليه (ردوا على الرجل فسماه بالرجل من أجل) أي بسبب (الصورة التي ظهر لهم) أي ظهر جبرائيل لأصحابه الحاضرين في ذلك المجلس (فيها) أي في صورة الرجل .
قال رضي الله عنه : (ثم قال) بعد قوله : ردوا على الرجل (هذا جبرائيل فاعتبر الصورة التي مآل هذا الرجل المتخيل إليها نهر صادق في المقالتين) .
هذا جبرائيل وردوا على الرجل (صدق) في تسمية الرجل (للعين) أي لأجل البصر الذي كان موضعه (في العين الحسية) فإن العين يطلق على البصر وعلى موضعه فإن الحاضرين لا ينظرون إليه إلا بالبصر الذي كان موضعه في عين رؤوسهم لا بالبصر الذي كان في قلوبهم .
ولو أدركوا بذلك لقالوا: هذا جبرائيل كما قال الرسول عليه السلام فما يسمي هذا العين إلا بالرجل .
فصدق الرسول عليه السلام في قوله لأجل هذا العين فهو معنى قوله : فسماه بالرجل من أجل الصورة التي ظهر لهم فهو حكم من الرسول عليه السلام بحسب العين الحسية أو معناه صدق للعين أي تعين الرجل .
قال رضي الله عنه : (وصدق في قوله : إن هذا جبرائيل فإنه جبرائیل) في نفسه (بلا شك) .
ولما فرغ عن بيان حال محمد عليه السلام في الرؤيا والوحي شرع في بيان حال يوسف عليه السلام في رؤياه ليظهر الفرق بينهما في رتب العلم في الرؤيا بقوله:
قال رضي الله عنه : (وقال يوسف) عليه السلام قال رضي الله عنه : («إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين» فرأى إخوته في صورة الكوكب ورأى أباه وخالته في صورة الشمس والقمر هذا أي إدراك هذه الأشياء من جهة يوسف عليه السلام) فقط لا من جهة المرئي .
قال رضي الله عنه : (ولو كان) هذا الإدراك (من جهة المرئي لكل ظهور إخوته في صورة الكواكب وظهور أبيه وخالته في صورة الشمس والقمر مرادا لهم) ولم يكن لهم هذا الظهور
مرادا وإلا لكان لهم علم بما رآه يوسف عليه السلام ولم يكن لهم علم بما رآه يوسف (فلما لم يكن لهم علم بما رآه يوسف عليه السلام كان الإدراك من جهة يوسف في خزانة خياله) لا من المرئي .
فإن إدراك ما في خزانة الخيال قد يكون من الرائي والمرئي مع كظهور جبريل للنبي فإن جبرائیل علم بما رآه محمد عليه السلام فكان الإدراك واقعة منهما بخلاف يوسف عليه السلام مع إخوته (وعلم ذلك يعقوب) عليه السلام أي عدم علمهم بما رآه يوسف عليه السلام (حين قصها عليه).
أي حين قصر الرؤيا علي يعقوب فقال: («يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك») لنلا يطلعوا على رؤياك فإنهم لو اطلعوا رؤياك لعلموا تفوقك عليهم ("فيكيدوا لك كيدا" ) أي فيحتالوا لإهلاكك حيلة.
قال رضي الله عنه : (ثم برأ أبناءه عن ذلك الكيد وألحقه بالشيطان) أي بعد إسناد ذلك الكيد إلى بنية أسند إلى الشيطان لأن كيدهم بإغوائه و إضلاله
قال رضي الله عنه : (وليس) إلحاق الكيد بالشيطان (إلا عين الكيد) من يعقوب مع يوسف عليهما السلام لثلا يبقى عداوة إخوته في قلبه .
فإنه لما أسند الكيد إلى بنيه علم يوسف عليه السلام إن إخوته عدو له فوقع في قلب يوسف عليه السلام عداوة إخوته فعلم يعقوب عليه السلام ذلك من يوسف عليه السلام فألحق الكيد بالشيطان تدفع ذلك من يوسف عليه السلام .
قال رضي الله عنه : (فقال : «إن الشيطان للإنسان عدو مبين» أى ظاهر العداوة) فعلم يوسف عليه السلام من ذلك إن إخوته ليسوا عدوا له بل عدوه الشيطان فكان هذا الكلام من يعقوب عليه السلام عين الكيد مع يوسف عليه السلام حتى لا يزول عن قلبه محبة الأخوة مع بقاء الاحتراز.
وهو قوله : "لا تقصص" فمراد يعقوب عليه السلام إثبات محبتهم في قلبه مع حفظه يوسف عليه السلام عن كیدهم.
وإنما قال الحق الكيد مع أن الملحق العداوة لا الكبد تكون العداوة سببة للكبد فإلحاق العداوة إلحاقة (ثم قال يوسف عليه السلام بعد ذلك) أي بعد ظهور هذه الأشياء له
قال رضي الله عنه : (في آخر الأمر) وهو وقت لقائه إلى أبيه وخالته وإخوته (هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا أي أظهرها في الحس بعدما كانت في صورة الخيال) فلم يعلم تأويل رؤياه إلا بعد وجودها في الحس ففرق بين الصورة الخيالية والحسية ولم يجعل الخيالية من المحسوسات والمحسوسات من الخيالية وليس الأمر كذلك بل كلها خيالية حسية.
قال رضي الله عنه : (فقال له النبي محمد) عليه السلام أي للحس الذي لم يجعله يوسف عليه السلام من الخيال (الناس نيام) فجعله محمد عليه السلام من الخيال .
قال رضي الله عنه : (فكان قول يوسف) عليه السلام في إدراك محمد عليه السلام (قد جعلها ربي حقا بمنزلة من رأى في نومه أنه قد استيقظ من رؤيا رآها ثم عبرها ولم يعلم) هذا الشخص (أنه) أي الشأن موجود (في النوم) .
قال رضي الله عنه : (عينه) بالجر تأكيد للنوم (ما برح) أي ما زال عن النوم (فإذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأني استيقظت واولتها بكذا هذا).
أي قول يوسف عليه السلام : "قد جعلها ربي حقا " (مثل ذلك) الشخص في كونه منامة في منام (فانظر كم بين إدراك محمد عليه السلام وبين إدراك يوسف عليه السلام في آخر امره حين قال: «هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا». معناه ) .
أي معنى قوله : حق (حسا ای محسوسا وما كان) ذلك المرئي في حضرة الخيال قبل قوله حقة أي محسوسة (إلا محسوسة فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات).
قوله : (غير ذلك) مبتدأ (ليس له) خبره ، فالجملة تأكيد لقوله فإن الخيال لا يعطي أبدا إلا المحسوسات أي ليس للخيال إعطاء غير المحسوسات ، ولم يعلم يوسف عليه السلام كما علم محمد عليه السلام فقال : إن الكون كله خيال وما يعطي الخيال إلا المحسوسات .
قال رضي الله عنه : (فانظر ما أشرف علم ورثة محمد) عليه السلام كيف يطلعون هذه الأسرار فإن هذه مسألة دقيقة في الفن لا يطلعها إلا ورثة محمد عليه السلام ، وفيه تعظيم شأن محمد عليه السلام .
والمراد من الورثة وإن أتي بالجمع نفسه قدس سره لأن هذا العلم لا يظهر من أحد من العلماء بالله قبله .
قال رضي الله عنه : (و سأبسط القول) أي و سنفصل القول المجمل المذكور في هذه الحضرة الخيالية فاللام إشارة إلى القوم المذكور فيما سبق لبيان حضرة الخيال.
و سأبسط و أعد إلى تفصيل ما أجمله في حضرة الخيال فقوله: (في هذه الحضرة) متعلق بالقول.
ولما كان حضرة الخيال في روحانية يوسف عليه السلام قال (بلسان يوسف) عليه السلام.
ولما كان نفسه قدس سره وارثا للولاية الخاصة المحمدية قال : (المحمدي) لأنه إذا كان قائما بالولاية الخاصة المحمدية كان جامعا الجميع ولاية الأنبياء.
فكان قائلا بلسان موسى المحمدي عليه السلام وبلسان عيسى المحمدي عليه السلام.
فالمراد بلسان يوسف المحمدي عليه السلام نفسه اى الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي (ما) موصول صفة لمحذوف أي سأبسط البسط الذي (تقف) أي تطلع عليه (إن شاء الله تعالی) أو بدلا من القول أو موصوفة بمعنی بسطأ نقف به على علم ورثة محمد عليه السلام.
ولما بين حضرة الخيال بالنسبة إلى الرؤية فهي بهذا الاعتبار عالم خاص كما ذكر وغيره من العوالم ليس بخيال شرع في بيان أن العالم كله خيال .
قال رضي الله عنه: (فنقول : اعلم أن المقول عليه سوى الحق أو مسمى العالم هو) أي مسمى العالم (بالنسبة إلى الحق كالظل للشخص) فكما أن الظل معدوم في نفسه موجود بالشخص كذلك العالم معدوم في نفسه موجود بالحق.
قال رضي الله عنه : (فهو) أي العالم (ظل الله فهو) أي ظل الله (عين نسبة الوجود إلى العالم) فإذا كان ظل الله هو عين العالم فلا بد في ظهور العالم كل ما لا بد في ظهور العالم بحسب ما يناسب الظهور وإنما كان ظل الله عين نسبة ظل العالم إلى العالم .
قال رضي الله عنه : (لأن الظل) أي ظل العالم (موجود بلا شك في الحس ولكن إذا كان ثمة) أي في الحس (من يظهر فيه ذلك الظل حتی لو قدرت عدم من يظهر فيه الظل كان الظل معقولا غير موجود في الحس بل يكون بالقوة في ذات الشخص المنسوب إليه الظل) ولا بد أيضا من النور ليدرك به . ولم يذكره اكتفاء بذكره بعده .
قال رضي الله عنه : (فمحل ظهور هذا الظل الإلهي المسمى بالعالم إنما هو أعيان الممكنات عليها امتداد هذا الظل فيدرك من هذا الظل بحسب ما امتد عليه من وجود هذا الذات) التي يمتد الوجود عليها فأعيان الممكنات ليست من العالم بل محل ظهور العالم .
فالأعبان لا تظهر أبدا من هذا الوجه فلا يمتد ظلال إلا بحسب اقتضاء المحل (ولكن باسمه النور) أي لكن بمظهر اسم النور وهو الشمس (وقع الإدراك) .
أي وبانبساط نور الشمس على العالم يدرك العالم وهو ظل الإلهي (وامتد هذا الظل على أعيان الممكنات) قوله: (في صورة) متعلق بامتداد (الغيب المجهول) وهو الذي يعلم لنا بالمجهولية فصار معلوما من وجه ومجهولا من وجه .
كشبح تراه من بعيد وهو معلوم لنا بالصورة الشبحية ومجهول لنا بالكيفية والحقيقة. فإنه لا نعرف أنه إنسان أم غيره كذلك العالم معلوم لنا حيث أنه ظل الله ومجهول لنا من حيث الحقيقة .
فإن حقيقته راجعة إلى حقيقة الحق و امداد الظل عليها ظهوره فيها على حسب ما هي عليه من الأحوال .
فكأن صورة الظل صورة غيبه مجهول فإن أعيان الممكنات معدومة في الخارج فكانت مختفية عنا بالظلمة العدمية .
واستدل على ما في الغيب، بما في الشهادة تسهيلا للطالبين بقوله : (ألا ترى الظلال تضرب إلى السواد تشير إلى ما فيها) أي في أنفس الظلال (من الخفاء) وإنما كان الخفاء في الظلال (لبعد المناسبة بينها) أي بين الظلال (وبین أشخاص من هي).
أي الأشخاص (ظل له) أي لتحق فمن عبارة عن الحق والأشخاص العالم فإذا ثبت في ظلالنا الخفاء لبعد المناسبة بيننا وبين ظلالنا ثبت في العالم الخفاء لبعد المناسبة بينه وبين من هو ظل له .
فإن من اتصف بالعبودية بعيد عن من اتصف بالربوبية فإذا كان العالم في صورة الغيب المجهول فلا يعلم العالم من كل الوجوه فلا يعلم الحق من كل الوجوه (وإن) وصل (كان الشخص أبيض فظله بهذه المثابة) أي يضرب إلى السواد واستدل على أن البعد سبب للخفاء بشهادة الوجود الخارجي على طريق التمثيل.
بقوله رضي الله عنه : (ألا ترى الجبال إذا بعدت عن بصر الناظر يظهر سوادة وقد تكون في اعيانها على غير ما بدركها الحس من اللونية وليس ثمة علة) للسواد (إلا البعد و كزرقة السماء فهذا ما أنتجه البعد في الحس في الأجسام غير النيرة قال رضي الله عنه : )وكذلك أعيان الممكنات ليست نيرة لأنها معدومة) فوقع الخفاء في صورتها وهى ظل الله وهو العام.
(وان) وصل (اتصفت بالثبوت لكن لم تنتصف بالوجود الخارجي إذ الوجود نور) لا يجتمع مع الظلمة بخلاف الثبوت فإنه ليست بنور فيجتمع مع الظلمة وهي العدم فظهر الفرق بين الثبوت والوجود .
قال رضي الله عنه : (غير أن الأجسام النبرة يعطي فيها البعد للحس صغرة فهذا) أي الصغر (تاثير آخر للبعد) يعطيه في الأجسام النيرة (فلا يدركها الحس) أي الأجسام النيرة (إلا منيرة الحجم) .
قال رضي الله عنه : (و) الحال (هي) أي الأجسام (في أعيانها) أي في وجودها الخارجي (كبيرة من ذلك القدر واكثر كميات كما بعلم بالدليل أن الشمس مثل الأرض في الجرم مائة وستين مرة وربع وثمن مرة وهي في الحس على قدر جرم الترس مثلا وهذا أثر البعد أيضا) فلما كان البعد علة للخفاء لزم أن يمتد الظل على الأعيان في صورة الغيب المجهول .
فإذا امتد في صورة الغيب المجهول
قال رضي الله عنه : (فما يعلم من العالم)، وهو ظل الله (إلا ما قدر ما يعلم من الظلال) أي من ظلال العالم وما يجعل من العالم إلا قدر ما يجهل من الظلال وما يعلم من الحق إلا ما قدر ما يعلم من العالم
قال رضي الله عنه : (ويجهل من الحق على قدر ما بجهل من الشخص الذي منه) أي عن ذلك الشخص (كان) أي وجل (ذلك الظل) وهو ظل العالم فإذا كان الأمر كذلك (فمن حيث هو) أي العالم (ظل اله) أي للحق (یعلم) الحق للعلم بالظل من هذا الوجه فيعلم من الحق بهذا المقدار .
(من حيث ما) زائدة للتأكيد (يجهل ما) موصولة قائم مقام فاعل يجهل (في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه) ذلك الظل .
قال رضي الله عنه : (يجهل من الحق فلذلك) أي فلأجل أن الظل معلوم من وجه (نقول إن الحق معلوم لنا من وجه) لكون ظله معلوما لنا من وجه (ومجهول لنا من وجه) لكونه ظله مجهولا لنا من وجه ويدل على أن العالم أي الوجود الخارجي ظل إلهي ممتد على أعيان الممكنات .
قوله تعالى : «أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا» [الفرقان:45] أي كیف بسط الوجود الخارجي وهو العالم (ولو شاء) عدم مده (لجعله) أي لجعل ذلك الظل (ساكنا أي يكون فيه) أي في وجود الحق (بالقوة) كظل الشخصي في وجوده إذا لم يكن ثمة من يظهر فيه.
يعني (يقول) الله (ما كان ليتجلى للممكنات) على طريق قوله: " وما كان الله معذبهم وأنت فيهم" قال رضي الله عنه : (حتى يظهر الظل) يعني إنما يتجلى الله للممكنات كي يظهر الظل فلولا تجلي الحق للممكنات لم يظهر الظل.
(فيكون الظل كما بقي) الآن من الممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود الخارجي ويدل على وقوع الإدراك بأسمه النور .
قوله تعالى: (ثم) أي بعد مد الظل (جعلنا الشمس عليه) أي على ذلك الظل (دليلا) ليدرك به ذلك الظل (وهو) أي الدليل (اسمه النور) أي مظهره (الذي قلناه) بقولنا لكن باسمه النور وقع الإدراك .
قال رضي الله عنه : (ويشهد له) أي لكون النور دليل (الحس فإن الظلال لا تكون لها عين) أي وجود في الخارج (بعدم النور) كما في الليل المظلمة (ثم قبضناه) أي ذلك يقبض النور الذي دل عليه (إلينا قبضا يسيرا) يعني لا يعسر علينا قبضه كما لا يعسر مده (وإنما قبضه إليه لأنه ظله فمنه ظهر إليه يرجع) وإليه يرجع (الأمر كله) في القيمة الكبرى لأن جميع الأمور ظلاله والظل لا يرجع إذا رجع إلا إلى صاحبه .
ولما حقق أن العالم كله ظل الحق أراد أن يبين أن العالم من أي جهة أمتاز عن الحق ومن أي جهة اتحد معه. "الأصوب : ظهر به للمتحققين"
فقال رضي الله عنه : (فهو) أي وجود العالم (هو) أي عين وجود الحق من وجه (لا غيره) فإذا كان وجود العالم عین الحق من وجه .
قال رضي الله عنه : (فكل ما تدركه) أنت من العالم (فهو) أي ما تدركه هو (وجود الحق) المنبسط (في أعيان الممكنات) فهذا الاتحاد اتحاد العبد مع الحق في جهة خاصة كاتحاده معه في حقيقة العلم والحياة وغير ذلك .
"" أضاف الجامع : الإتحاد يكون ممكننا بين المتشابهات ولو كان بينهما اى نسبة فى التشابه ولو ضئيلة جدا ،لكن الله عز وجل ليس كمثله شيء .فلا شبيه ولا نظير ولم يقل الله سبحانه انه اتحد مع أحد أو شيء فلا شيء اسمه اتحاد مع الله الا في أوهام عقول الفلاسفة وعلماء الرسوم . إنما يستعمل الممكنات ليظهر و يتجلى بالطريقة والحد الذي يريده ويقدره وحده بلا شريك او نظير. إذ لا ظهور ولا ظلال إلا بالله فقط .. فلا يوجد اتحاد ولكن استخدام واستعمال لقدرته وحكمته ونوره الساري في كل الموجدات والممكنات.
والشيخ رضي الله عنه يقول في هذا الفص:"فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه" ""
وأشار إلى جهة الاتحاد "الإدرك" بقوله : (فمن حيث أن هوية الحق) ظاهرة فيه (هو) أي ما تدركه (وجوده) أي عين وجود الحق فإن عكس الشيء عين ذلك الشيء من وجه (ومن حيث أن اختلاف الصور) واقع (فيه) أي في كل ما تدركه .
قال رضي الله عنه : (هو) أي ما ندركه (أعيان للممكنات نكما لا يزول عنه) أي عن العالم (باختلافي الصور فيه اسم الظل كذلك لا يزول عنه باختلاف الصور اسم العالم أو اسم سوى الحق) فيمتاز بهذا الوجه عن الحق لتنزه الحق عن الحدوث والإمكان وغير ذلك من النقائص الإمكانية .
قال رضي الله عنه : (فمن حيث أحدية كونه) أي كون العالم (ظلا هو الحق) أي هو الموصوف بالواحد الأحد (لأنه) أي لأن الحق أو لأن الظل (الواحد الأحد ومن حيث كثرة الصور هو العالم) فلا يظهر الفرق للناظر إلى هذه المرتبة الأحدية فلا يطلق عليه من هذا الوجه اسم العالم وسوى.
لكن بين أحدية الحق وبين أحدية العالم فرق في نفس الأمر فإن أحدية الحق ، أحدية ذاتية منزعة عن تعين الكثرة .
وأما أحدية العالم فإنه عبارة عن عدم تعین الكثرة ولا يتعين أصلا بتعين الكثرة ولا بعدم تعين الكثرة .
وأما أحدية العالم فإنه عبارة عن عدم اعتبار تعين الكثرة فتعين أحدية العالم بعدم تعين الكثرة كما إذا قطعت النظر عن الشخص الزيدي بقي في نظرك الإنسان .
فهذا أحدية الزيد لا أحدية حقيقة الإنسان فإن ذلك قد عرض عليه التعين فزال فبقي متعينا بزوال التعين لأنه لا يزول على أحدية العالم هذا الوصف العدمي حتى اتحد الأحديتين في نفس الأمر .
فإن المتعين بتعين عدمي مانع الوصول إلى الإطلاق والحقيقي فلا يخرج أحدية العالم تحت الإمكان .
ولا حظ له من الوجوب الذاتي ران اتصف من هذا الوجه بالواحد الأحد وأطلق عليه الحق وإنما لم يطلق عليه من هذا الوجه غيره من الأسماء كالخلق والرازق وغيرهما.
إذ لا يلزم من الاتحاد في الأحدية الاتحاد بالكلية لأن الأحدية وجه من وجوه الحق.
وإنما كان إطلاق اسم الحق على العالم من هذا الوجه عند أهل الله بحسب ما يعطيه النظر من المساواة في هذا الوصف لا بحسب نفس الأمر إذ لا مساواة في الحقيقة.
ولما كانت هذه المسألة أنفع علما اوصى وأمر بالسالكين بالحفظ و التفطن فقال :
(فتفطن وتحقق ما أوضحته لك) فإنه إذا تفطنته وتحققت به فقد وصلت إلى أصل الأصول الذي ينفتح لك منه كثير من مسائل العلوم الإلهية ثم استعمل حرف الشك في محقق الوقوع الذي لا يحتمل خلافه.
وقال رضي الله عنه : (إذا كان الأمر على ما ذكرته لك) مع أن الأمر على ما ذكره في نفسه في يقينه تنبيها للطالبين حتى لا يعتمدوا على أنفسهم في العلم فينقطعوا عن طلب العلم (فالعالم متوهما ما) أي ليس (له وجود حقيقي مغاير) بالذات من كل الوجود لوجود الحق بل الوجود الحقيقي والوجود الإضافي للعالم وليس إلا وهو ظل لوجود الحقيقي فلم يقم بنفسه لكونه ظلا بل قائم بمن هو ظل له فقد عرفت وجه الاتحاد ووجه الامتياز . "الاتحاد = الإدراك بالظهور"
وقال رضي الله عنه : (وهذا) ي كون العالم متوهما لا موجودا حقيقيا (معنى الخيال أي خيل لك أنه) أي العالم (أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الحق) كما أخذ أهل الحجاب هذا التخيل تحقيقا واختاروا مذهبا حقا لأنفسهم .
وقال رضي الله عنه : (وليس العالم كذلك في نفس الأمر) وكيف كذلك في نفس الأمر (ألا تراه) أي ترى الظل (في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه) ذلك الظل (يستحيل عليه) أي على الظل.
وقال رضي الله عنه : (الانفكاك عن ذلك الاتصال) أي كون الظل قائمة بالشخص (لأنه يستحيل على الشيء الانفكاك عن ذاته) فالظل يستحيل انفكاكه عن الشخص الذي امتد عنه لأن الظل عن ذلك الشخص وذاته لا أمر زائد قائم بنفسه خارج عن الشخص.
فما ثمة إلا أمر واحد يظهر بالصورتين : الشخصية والظلية .
وبه يتوهم المغايرة وتخيل أن الظل موجود متحقق فإذا رأيت الظل وعرفت نسبته إلى الشخص أو فإذا تفطنت ما أوضحته لك فتوجه إلى نفسك (فاعرف عينك) أي وجودك الخارجي (و) اعرف (من أنت) لموجود حقيقي أم متوهم متخیل .
وقال رضي الله عنه : (و) اعرف ما هويتك أهو الحق أو غيره (و) اعرف (ما) أي شيء (نسبتك إلى الحق و) اعرف (بما) أي بأي سبب (أنت حق و) إعرف.
(بما) أي بأي سبب (انت عالم وسوى وغير ذلك وما شاكل كل هذه الألفاظ) الكلام إخبار في صورة الإنشاء يعني فإذا تفطنت ما أوضحته لك فقد عرفت في نفسك هذه الأمور فظفرت المطلوب الأعلى في رتب العلم بالله .
وقال رضي الله عنه : (وفي هذا) العلم (يتفاضل العلماء فعالم بالله واعلم) فإن هذه المسألة من أغمض مسائل العلوم الإلهية فكانت محلا لتفاوت شأن العلماء.
ولما بين حكم نسبته الظل إلى الحق أراد أن يبين نسبته الحق إلى الظل بقوله: (فالحق بالنسبة إلى ظل خاص صغير وكبير وصاف وأصفي) في حكم الحس لا في نفس الأمر فإن الظل قد يكون مساوية للشخص وقد يكون صغيرة وكبيرة بحسب اختلاف الأوقات .
فمن نظر إلى الظل مع غيبة عن الشخص وقد حكم على الشخص يحكم الظل بحسب الصور المختلفة والشخص باق على حاله لا يختلف باختلاف الصور الظلية .
فكذلك الحق باقي على حاله منزه عن هذه الأمور في نفسه لكن الحس يحكم عليه بهذه الأحكام المختلفة من أحكام الظل بحسب المحل .
ومثال كون الحق محكوم عليه بهذه الأمور المختلفة (كالنور) أي ضياء الشمس (بالنسبة إلى حجابه) أي إلى ما يحجبه (عن الناظر) .
قوله رضي الله عنه : (في الزجاج) متعلق بحجابه أي حجابه الحاصل في الزجاج او متعلق بالنور أي كالنور الحاصل في الزجاج أو متعلق بالناظر (یتلون) هذه النور (بلونه) أو بلون الزجاج في الحس.
وقال رضي الله عنه : (وفي نفس الأمر لا لون له) أي للنور وإنما كان اللون في الحقيقة للزجاج لا له.
(ولكن هكذا نراه) مبني للمفعول أي أرانا الحق النور في الزجاج حال كونه متلونا بالألوان المختلفة .
وقال رضي الله عنه : (ضرب) أي نوع (مثال لحقيقتك بربك) أي مع ربك (فإن قلت إن النور أخضر لخضرة الزجاج صدقت وشاهدك) اسم فاعل (الحس وإن قلن إنه ليس بأخضر ولا ذي لون لما أعطاه لك الدليل صدقت وشاهدك) على ما حكم به الدليل (النظر العقلي الصحيح) .
إذ الدليل نتيجة النظر العقلي لا نفس النظر العقلي فيجعل شاهدا عليه وجاز أن يكون معناه وشاهدك أي ودليلك فحينئذ يجعل الدليل عين النظر العقلي .
(فهذا) أي النور المتلون بلون الزجاج (نور ممتد عن ظل وهو) أي الظل الذي امتد عنه هذا النور (عين الزجاج فهو) أي النور المتلون (ظل نوري لصفائه) أي لصفاء الزجاج فبقي أصل النور على حاله منزها عن التلون فكما أن النور يختلف عليه الأحكام بحسب ظروفه .
وقال رضي الله عنه : (وكذلك المتحقق منا بالحق تظهر لصفاء صورة الحق فيه أكثر مما تظهر في غيره) لاختلاف أعياننا فلا نسع الحق منا إلا بحسب قابليتنا .
(فمنا من يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه بعلامات) بدلائل (قد أعطاها) أي هذه العلامات الشرع الذي يخبر عن الحق وهو إشارة إلى الحديث القدسي كنت سمعه وبصره الخ .
وقال رضي الله عنه : (ومع هذا) أي مع كونه الحق جميع قوی وجوارح هذا العبد (عين الظل) وهو العبد (موجود) لا فإن في الحق (فإن الضمير) أي ضمير قوله سمعه وبصره (يعود إليه) أي على العبد فعود الضمير على الشيء يدل على وجود ذلك الشيء .
وقال رضي الله عنه : (وغيره من العبيد ليس كذلك) أي ليس بظهر الحق فيهم كظهوره فيه (فنسبة هذا العبد أقرب إلى وجود الحق من نسبة غيره من العبيد) إلى وجود الحق فما حكم على الحق بالأحكام المختلفة إلا أعياننا فالحق في نفسه منزه عن هذه الأحكام .
وقال رضي الله عنه : (وإذا كان الأمر على ما قررناه) من أن العالم ما له وجود حقيقي والموجود الحقيقي هو الحق .


وقال رضي الله عنه : (فاعلم أنك خيال وجميع ما تدركه مما تقول فيه ليس أنا) إل (خیال فالوجود) الظلي (كله خيال في خيال) الخيال الثاني المخاطب أي أنت و قوی مدركك خیال وجميع ما تدركه من العالم كله خيال فيك فليس العالم إلا الوجود المنخيل.
وقال رضي الله عنه : (والوجود الحق) الثابت لذاته (إنما هو الله خاصة من حيث ذاته وعينه لا من حيث أسمائه) فوجوده تعالی عین ذاته من حيث ذاته وغير ذاته من حيث أسمائه .
(لأن أسماءه لها مدلولان) أي لأن مدلول الأسماء مركب من جز این الذات والصفة (المدلول الواحد منه) أي ذات عين الحق .
وقال رضي الله عنه : (وهو) أي الاسم (عين المسمى) وهو ذات الحق فالوجود بهذا الاعتبار هو الله خاصة وكل واحد من الأسماء بهذا الاعتبار عين الآخر (والمدلول الأخر ما يدل عليه مما ينفصل الاسم به ) الدال (به عن هذا الاسم الآخر فيتميز فاین الغفور من الظاهر ومن الباطن وأين الأول من الآخر) فبهذا الاعتبار جميع الأسماء مع مظاهرها كلها ظلال الذات الإلهية.
وقال رضي الله عنه : (فقد بان) أي فقد ظهر (لك بما هو كل اسم عین الاسم الآخر) وهو باعتبار اشتمال كل واحد منها على ذات الحق تعالی وبهذا الإعتبار ليست الأسماء ظلالا لذات الحق (وبما هو غير الاسم الآخر) وهر باعتبار اشتمال كل واحد منها على الصفة المتميزة بها الاسم عن الآخر لما في قوله بما هو كل اسم وفي قوله وبما هو غير الاسم .
(فبما) أي فـ بسبب الذي (هو) أي الاسم (عينه) أي عین الحق أو عين الاسم الآخر (هو) أي الاسم (الحق وبما) أي وبسبب الذي (هو) أي الاسم (غيره) أي غير الحق أو غير الاسم الآخره (هو) أي الاسم (الحق المتخيل الذي كنا بصدده) وهو ظل الله (فسبحان من لم يكن عليه دليل سوى نفسه) لأن العالم كله بحسب الأحدية نفسه .
(ولا يثبت كونه) أي وجود الحق وهو الله خاصة (إلا بعينه) وذاته فإن ما يثبت به المدلول ولا موجود بالوجود الحقيقي إلا هو فلا دليل عليه إلا هر فإذا كان لا يثبت وجود الحق إلا بنفسه .
قال رضي الله عنه : (فما) أي فليس في الكون، أي في الوجود (إلا ما دلت عليه الأحدية) فكان الحق مدلول الأحدية وهي عين الحق إذ ما يدل على الواحد إلا الواحد ولا واحد إلا هو فلا دليل على نفسه إلا هو .
(ما) أي وليس (في الخيال إلا ما دامت عليه الكثرة) إذ الخيال متوهم لا موجود محقق وكذا الكثرة فما دل على الخيال إلا الخيال كما دل على الحق إلا الحق .
قال رضي الله عنه : (فمن وقف) أي ثبت وقنع (مع الكثرة كان مع العالم ومع الأسماء الإلهية وأسماء العالم) . فكان محجوبا عن "حقيقة " وحدة الحق .
(ومن وقف مع الأحدية) الذاتية (كان مع الحق من حيث ذاته الغنية عن العالمين لا من حيث صورته) أي صفاته فكان محجوبا عن صفات الحق وكثرة أسمائه .
ومن وقف معهما نقد نال درجة الكمال .
(وإذا كانت) الذات الأحدية (غنية عن العالمين فهو) أي غناؤها عن العالمين (عين غنائها) أي غناء الذات (عن نسبة الأسماء إليها) أي إلى الذات الأحدية وإنما كان غناء الذات الأحدية عن العالمين عين غنائها عن نسبة الأسماء إليها .
قال رضي الله عنه : (لأن الأسماء كلها لها) أي للذات (كما تدل عليها) أي على الذات (تدل على مسميات) أي مفهومات (آخر يحقق ذلك) المسمى (اثرها) أي أثر الأسماء أو أثر الذات الذي هو العالم وهو عين الأسماء من وجه.
فإذا استغنى الحق من حيث أحديته عن العالم فقد استغني عن نسبة الأسماء إليه من تلك الحيثية .
وقوله ذلك فاعل يحقق وأثرها مفعوله فكانت الذات الإلهية من حيث الأحدية الذاتية غنية عن الأسماء وغير غنية من حيث تحقق أثرها، إذ لا يتحقق أثر الذات إلا بالأسماء فكانت الأسماء من وجه عينه ومن وجه غيره .
فأحدية الله تعالى من حيث عينه لا من حيث أسمائه وصفاته ويدل على ذلك قوله تعالى: ("قل هو الله أحد " من حيث عينه "الله الصمد" من حيث استنادنا) أي استناد وجود العالم (إليه).
إذ الصمد هو المحتاج إليه لا يتحقق بدون المحتاج ("لم يلد" من حيث هويته و) من حيث هو قال رضي الله عنه : (نحن) ولا يجوز أن يكون معناه ونحن نلد لئلا يلزم التكرار.
بقوله : فنحن نلد مع أن المراد بيان صفات الله خاصة فلا يناسب ذكر صفاتنا في خلالها ويدل عليه قوله فهذا نعته ("ولم يولد" كذلك) أي من حيث هويته ("ولم يكن له كفوا أحد" كذلك) أي من حيث هويته.
والمراد بيان سبب تنزيه الحق عن هذه الصفات الثلاث وهو من حيث الهوية الأزلية الدائمة فيوجب دوام سلبها .
فذاته تعالی دائمة وما تقتضيه من الصفات السلبية دائمة فلا يتوهم من قوله كذلك أنه إذا اعتبر خلاف ذلك جاز إثبات تلك الصفات له .
ويدل عليه قوله في النتيجة فنحن نلد ولم يقل فهو يلد فعلم أن المراد سلب هذه الصفات عن الحق من جميع الوجوه .
فما كان السبب لهذا السلب الكلي إلا كون الحق كذلك فلم يزل عنه كونه كذلك فلم يزل عن كونه كذلك فيمتنع إثباتها بوجه من الوجوه (فهذا) المذكور (نعنه نافرد ذاته بقوله الله أحد وظهرت الكثرة بنعوته المعلومة عندنا) وهي صفاته المتكثرة كالعلم والحياة والقدرة .
(فنحن نلد ونولد ونحن نستند إليه ونحن أكفاء بعضنا لبعض وهذا الواحد منزه عن هذه النعوت فهي) أي هذا الواحد أنت الضمير باعتبار الذات .
قال رضي الله عنه : (غني عنها) أي عن هذه النعوت (كما هو) أي هذا الواحد (غنی عنا وما) جاء (للحق نسب) إلهية في سورة نزلت في حقها .
(إلا هذه السورة سورة الإخلاص وفي ذلك) أي في حق التوصيف بتلك الأوصاف (نزلت) فظهر أن النسب بكسر النون وفتح السين جمع نسبة أنسب إلى المقام لا بفتح النون والسين الذي هو مصدر فظهر أن أحدية الحق على نوعين .
قال رضي الله عنه : (فاحدية الله من حيث الأسماء الإلهية التي تطلبنا) لإظهار آثارها فينا يقال له (أحدية الكثرة واحدية الله من حيث الغناء عنا وعن الأسماء) يقال له (احدية العين وكلاهما يطلق عليه اسم الأحد فاعلم ذلك).
حتى لا يشتبه عليك عند استعماله في مقامه (فما أوجد الحق الظلال وجعلها ساجدة) أي منبسطة على الأرض (متفيئة) أي راجعة عن الشمال واليمين إلا دلائل لك عليك وعليه) أي على الحن قال رضي الله عنه : (لتعرفه من أنت) يدل عليك ظلك أنت ظل إلهي من ظلال الذات الإلهية .
(وما نسبتك إليه) أي إلى الحق بدل نسبة ظلك إليك على نسبتك إلى ربك (وما نسبته) أي نسبة الحق (إليك) يدل، نسبتك إلى ظلك على نسبة الحق إليك .
قال رضي الله عنه : (حتى تعلم من أین أو من أي حقيقة إلهية) أي من أي سبب وحكمة.
وقال رضي الله عنه : (اتصف ما سوى الله بالفقر الكلي إلى الله وبالفقر النسبي إليه بافتقار بعضه إلى بعض) . فإذا عرفت أن ظلك لكونه ظلك يفتقر إليك بالفقر الكلي فقد عرفت منه انصافي العالم بالفقر الكلي إلى الله لكون العالم كله ظل الله .
وعرفت منه أيضا انصاف العالم بالفقر النبي إلى الله بافتقار بعضنا إلى بعض يرجع إلى افتقارنا إلى الحق .
لأن افتقار العالم إلى العالم ليس من جهة ظلية بل من جهة ربوبية وهو من هذه الحينية عين الحق لا ظله فما كان الافتقار إلا إلى الله خاصة .
قال رضي الله عنه : (وحتى تعلم من این أو من أي حقيقة اتصف الحق بالغني عن الناس والغنى عن العالمين واتصف العالم بالغني أي بغني بعضه عن بعض بالوجه ما هو عين ما افتقر إلى بعضه به) يعني كما أنك اتصفت بالغني عن ظلك من حيث ذاتك كذلك اتصف الحق بالغني بحسب الذات عن العالم .
فإذا كان ظلك مفتقر إليك ومستغنيا عن غيرك فقد عرفت منه أن اتصاف بعض بالغني عن بعض ليس عین افتقاره إلى بعض كالولد بالنسبة إلى والده مفتقر من حيث ربوبيته ومستغني من حيث أنه عبد محتاج مثله.
فاحتیاجه من هذه الحيثية إلى الله لا إليه فما كان وجه استغنائه وجه افتقاره واستغناؤه لعدم سببية من وجه في وجوده .
وافتقاره لوجود سببية هذا البعض فكان افتقار البعض إلى البعض عین افتقاره إلى الحق فإن ذلك البعض من حيث الربوبية عين الحق .
وهو معنى قوله وبالفقر النبي عليه السلام فقد عرفت منه أيضا أن اتصاف الحق
بالغني عن الناس من أي جهة و بالافتقار إليه من أي جهة فغناؤه بحسب ذاته وافتقاره بحسب ظهور أحكامه .
و إنما افتقر العالم إلى الله سواء كان افتقارة كليا أو افتقار نسبي (فإن العالم مفتقر إلى الأسباب بلا شك افتقارة ذاتية وأعظم الأسباب له سببية الحق) أي أن يكون الحق سببا له لا غيره.
قال رضي الله عنه : (ولا سببية للحق) أي ولا يمكن للحق أن يكون سببا للعالم (يفتقر العالم إليها) أي إلى هذه السببية (سوى الأسماء الإلهية) إذ ما دبر الحق العالم إلا بأيدي أسمائه فسبحان من دبر العالم بالعالم .
قال رضي الله عنه : (والأسماء الإلهية كل اسم يفتقر العالم إليه) سواء كان ذلك الاسم المفتقر إليه من جنس (العالم مثله) أي مثل المفتقر کالوالد بالنسبة إلى الولد، فإنه اسم إلهي يفتقر إليه الولد في وجوده الخارجي مع أنه من العالم مثل الولد فلا يطلق الاسم على شيء إلا بسبب كونه محتاجة إليه للعالم .
(أو) تجلی من (عین الحق) فكيف كان (فهو) أي الاسم المفتقر إليه (الله) أي عين الحق باعتبار الربوبية (لا غيره) وإن كان غيره باعتبار الظلية إذ لا يحتاج إليه ولا يطلق عليه الاسم بهذا الاعتبار فكان العالم كله من الأسماء والأعيان وغيرها يفتقر إلى الله خاصة .
قال رضي الله عنه : (ولذلك) أي ولأجل أن العالم كله محتاج إلى الله لا إلى غيره (قال الله تعالى : «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد» [فاطر: 15].
فالغناء لا يكون إلا لله والفقر لا يكون إلا للعالم (ومعلوم أن لنا افتقارة من بعضنا البعض فاسماؤنا) من جنسنا التي يحتاج إليها أسماء الله تعالى (وأسماء الله تعالی) عین ذاته من حيث الربوبية .
قال رضي الله عنه : (إذ إليه الافتقار بلا شك) لا إلى غيره لأن الغير ظل الله والظل لا يقال فيه يفتقر إليه غيره (واعيننا) أي وجوداتنا الخارجية (في نفس) الأمر (ظله لا غيره) أي لا غير ظله أو لا غير الحق إذ ظل الشيء عينه.
قال رضي الله عنه : (فهو) أي الحق (هويتنا) باعتبار ظهور هوية الحق فينا فلا امتیاز بهذا الوجه وهو وجه الأحدية (لا هويتنا) باعتبار ظهور الاختلاف فينا.


ولما كان هذا البيان أوضح الطريق وأقربه إلى معرفة الحق أوصي للسالكين بقوله: (وقد مهدنا لك السبيل) أي بسطنا و أوضحنا لك طريقة واسعة يوصل لمن سلك به إلى الحق فانظر) فيه تصل إلى مقصودك والله المعين.
.


gbVrFJ73TZ0

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!