موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تعليقات أبو العلا عفيفي
على فصوص الحكم

تأليف: د. أبو العلا عفيفي

فص حكمة نفسية في كلمة يونسية

[نسخة أخرى فيها المتن مع التعليقات والمقدمات]
  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة نفسية في كلمة يونسية


18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د.أبو العلا عفيفي

تعليقات د.أبو العلا عفيفي على كتاب فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
18 - فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
الفص الثامن عشر حكمة نفسية في كلمة يونسية
(1) فص حكمة نفسية في كلمة يونسية
(1) النقطة الأساسية التي يحوم حولها هذا الفص هي الإنسان، طبيعته و منزلته من الوجود، و لذا نجد وجوه شبه كثيرة بينه و بين الفص الأول لا سيما في اعتبار الإنسان كونا جامعا صغيرا يحوي الكون الجامع الأكبر و يمثل عناصر الوجود فيه.
و لكننا نجد في هذا الفص خاصة إشارات قوية إلى القيمة الانسانية و كرامة الإنسان عند الله الذي خلقه على صورته، كما نجد دعوة حارة من المؤلف إلى الإبقاء على النوع الانساني و صيانته، و تحذيرا قويا ضد هدم النشأة الانسانية لأن في هدمها قضاء على أكمل صورة لله في الوجود.
و للفص صلات أخرى بالفصين السابقين عليه لا سيما فيما يتصل بموضوع الخلافة، غير أن هذا الموضوع يعالج هنا معالجة خاصة من الناحية السيكولوجية، فإن المؤلف يشرح النفس الانسانية و طبائعها الثلاث و يبين أنه ما دام الإنسان حيا فإنه يرجى له أن يصل إلى أعلى درجة من درجات الكمال التي يستطيع أن يصل إليها.
أما نسبة حكمة هذا الفص إلى يونس فلا يمكن تعليلها إلا على أساس أن المؤلف يعتبر يونس مجرد رمز للنفس الانسانية الناطقة التي نادت ربها في ظلمات البدن- المرموز إليه في القرآن بالحوت- فإنه صاح في الظلمات «أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» (قرآن س 21 آية 88).
و إذا كان في مقدور النفس الانسانية وحدها أن تعرف الله و أن تسبحه و تقدسه، فهي الجديرة وحدها بأن تحمل اسم الإنسان و أن تكون منه موضع الكرامة.
بهذه الطريقة نستطيع أن نفسر الصلة بين موضوع هذا الفص واستعمال اسم يونس هذا الاستعمال الرمزي.
(2) «ذكر الله».
(2) الذكر في الأصل معناه التلفظ أو التذكر، و لكن هذه الكلمة قد اكتسبت معنى أوسع من هذا في الاصطلاح الصوفي غير أنها تستعمل في هذا الفص استعمالا خاصا محدودا،
فإن المؤلف يستعملها مرادفة لكلمة الفناء بالمعنى الذي يفهمه أصحاب وحدة الوجود: أعني الحال التي يتحقق فيها الصوفي بوحدته الذاتية مع الله.
فذكر الله معناه هنا الحضور مع الله والفناء فيه وهذا يقتضي الصوفي أن يجمع جميع قواه البدنية والروحية بحيث يكون حضورها جميعا تاما مع الله، وإذا وصل الصوفي إلى هذا المقام انكشف له الحق وانمحى كل أثر بين الواحد والكثير: أي بين الحق والخلق والذاكر والمذكور وتحققت وحدة الاثنين.
وغني عن البيان أن المراد «بذكر الله» الوارد في الحديث التعبد جملة والتأمل الذي ينأى بصاحبه عن الفحشاء والمنكر، ويحصل له الطمأنينة النفسية كما وردت بذلك الآيات القرآنية: قال تعالى: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر».
وقال: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب».
ولكن الذكر كما يفهمه ابن العربي ويشرحه فيما بعد معناه كما قلنا التحقق بوحدة الوجود وهو في نظره أعلى مرتبة من ذكر أي كائن آخر، لأنه صادر عن أكمل المخلوقات.
على أن ذكر الإنسان لله قد يكون في مراتب أخرى أدنى من هذه وذلك إذا كان صادرا عن اللسان وحده أو القلب وحده.
أما إذا صدر عن الإنسان في مرتبة الجمعية وسرى في كل جزء من أجزائه الروحية والبدنية فإنه يمثل أرقى حال وأكمل سعادة يمكن أن يصل إليهما السالك إلى الله.
في هذا تتمثل الكرامة الانسانية ويظهر فضل الإنسان على سائر المخلوقات حتى الملائكة، فإن كل مخلوق يذكر الله ويتجلى له الله بحسب مرتبته في الذكر وهذا معنى أشار إليه ابن العربي في مواضع أخرى عند ما تكلم عن تسبيح الكائنات وتقديسها لله.
ويكون تجلي الله للعبد أكمل ما يكون عند ما تتحقق الوحدة بين الذاكر والمذكور ولا يكون هذا إلا للإنسان.
ولذا يقول ابن العربي فيما بعد «وذلك أنه لا يعلم قدر هذه النشأة الإنسانية إلا من ذكر الله الذكر المطلوب منه».
(3) «فإذا أخذه إليه سوى له مركبا غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها، و هي دار البقاء».
(3) لا يعتبر ابن العربي أن في الموت فناء للميت و إنما هو تفريق أجزاء.
بل إن للموت عنده معنى أوسع بكثير من المعنى العادي لأنه يمثل نقطة الانتقال من حال إلى حال أو من صورة إلى صورة في مجرى الوجود الدائم التغير والتحول:
فإن كل موجود ينتقل في كل آن من صورة إلى صورة أخرى فيفنى في الأولى ويبقى في الثانية.
وهذا هو الخلق الجديد كما أشار إليه مرارا.
فالموت إذن هو فناء الصور، أما الذات التي تعرض لها هذه الصور فهي باقية على الدوام.
على أن العبارة المذكورة قد يفهم منها معنى التناسخ على نحو ما يفهمه فلاسفة الإشراق، فإننا لا نعرف على سبيل التحقيق ما يريد ابن العربي بالصورة (التي يشير إليها باسم المركب) التي يسوي الله للإنسان غيرها عند ما يأخذه إليه، ولكن ليس هناك من شك في أنه لا يدين بمبدإ عودة الإنسان إلى هذا العالم بشخصه في أية صورة أخرى، فإنه يصرح أن الدار التي ينتقل إليها الإنسان هي دار البقاء.
وليس لها معنى في عرف أصحاب وحدة الوجود إلا الذات الإلهية.
ليس في هذه الدار إذن موت، أي ليس فيها تفرق في أجزاء الجسم.
وفي هذا إشارة إلى أن المركب الذي يسويه الله للإنسان عند ما ينتقل إليه ليس جسما.
على أن بعض شراح الفصوص يرون أن ذلك المركب سيكون من صورة مثالية تختلف في لطافتها أو كثافتها بحسب المرتبة الروحية التي بلغها المنتقل إلى الله
.

RKmqnDIQo1I

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!