موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تعليقات أبو العلا عفيفي
على فصوص الحكم

تأليف: د. أبو العلا عفيفي

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية

[نسخة أخرى فيها المتن مع التعليقات والمقدمات]
  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة ملكية في كلمة لوطية


13 - فص حكمة ملكية في كلمة لوطية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي مع تعليقات د.أبو العلا عفيفي

(1)فص حكمة ملكية في كلمة لوطية
(1) من أهم المسائل التي تثار في هذا الفص مسألة «القوة»: مصدرها و ظهورها في الإنسان، وصلتها بقوته الروحية المسماة بالهمة، و متى يجب عليه أن يستخدمها في التصرف بوساطة هذه القوة، و متى ينبغي عليه أن يكف عن هذا التصرف.
ويظهر أن المراد بقوم لوط شهوات النفس البهيمية، وبلوط نفسه تلك القوة الروحية التي تضبط هذه الشهوات وتتصرف فيها.
فهو رمز إما للهمة نفسها أو لقوة روحية أعلى تعرف كيف ومتى تستخدم الهمة.
وقد سبق أن شرحنا معنى الهمة وبيَّنَّا بعض نواحيها ووظائفها في الفص السادس (التعليق الثامن) والفص الثاني عشر (التعليق التاسع).
أما في هذا الفص فيشرح المؤلف التصرف بها ويفسر كيف يفهم العارف التصرف ولِمَ يحجم عنه مع قدرته عليه مستنداً في ذلك إلى نظريته العامة في وحدة الوجود.
يقول إن الإنسان خُلِقَ من ضعف، فلا حول ولا قوة له في ذاته، لأنه لا وجود له في ذاته، والقوة مظهر من مظاهر الوجود، بل الموجود الحقيقي والقويُّ الحقيقي هو الحق وحده.
فإذا آنس الإنسان من نفسه قوة فالحق واهب هذه القوة، بل هو صاحبها ومالكها، ولكن في صورته.
أي أن الإنسان يظهر بالقوة لأنه مظهر الحق والحق قوي في ذاته، والإنسان قوي بالعرض.
هذا دوران أو طوران للإنسان وإن شئت فقل اعتباران: ضعف أصيل وعجز ذاتي ثم قوة إضافية أو عرضية.
وهنالك دور ثالث وهو دور العارف الذي يأنس من نفسه تلك القوة العارضة كما يحسه سائر المخلوقات، و لكنه يدرك أن هذه القوة ليست له، بل للقويِّ على الإطلاق و هو اللَّه،
ويدرك أن من الجهل وسوء الأدب مع اللَّه التصرف بها فيترك التصرف لصاحبه ويرجع بنفسه إلى الحال الأولى التي هي حال العجز المطلق.
هذا هو التفسير الصوفي الفلسفي الذي وضعه ابن العربي لقوله تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً» (قرآن س 30 آية 54) و لعله يفهم الشيبة على أنها رمز لحالة النضوج في المعرفة الصوفية.

(2) «وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفاً. فكلما علت معرفته نقص تصرفه بالهمة».
(2) يدعي جمهور الصوفية أن العارفين منهم المتحققين بمقام الولاية والواصلين إلى درجة القرب من اللَّه، تظهر على أيديهم الكرامات وخوارق العادات، ويرسلون هممهم على من يريدون وما يريدون فيتصرفون في الجميع و يسخرون الناس و الأشياء.
و لكن ابن العربي الذي يخضع لمنطق مذهبه في وحدة الوجود يرى أن هذه دعوى لا أساس لها عند العارف المحقق الواقف على الأمر كما هو عليه.
إذ العارف الذي وصل إلى مقام الجمع- أو مقام الفناء كما يسمونه- و تحقق من الوحدة الوجودية للأشياء و من وحدته الذاتية مع الحق، يترك التصرف مع قدرته عليه، و يزهد فيه، و إن تصرف عرف من هو المتصرِّف و من المتصرِّف فيه، و بأي معنى نَسَبَ التصرف إلى نفسه.
إنه يدرك في هذا المقام أنه مجرد صورة لا وجود ولا قيمة لها في ذاتها وهذا هو التحقق بالعبودية الكاملة ويدرك من ناحية أخرى أحدية المتصرِّف والمتصرِّف فيه فلا يرى غيراً يسلط عليه همته أو يرسل عليه تصرّفه.
فهو من جهة يرى أن إرادته ليست سوى إرادة الحق فيه، ومن جهة أخرى يرى أن غيره من الموجودات التي يؤثر فيها بهمته وتصرفه ليست سوى مجال للحق، بل هي عين الحق ل غيره: فكيف عن التصرف ويدرك أنه ليس له من الأمر شيء.
هذا سبب، و هناك سبب آخر من أجله ترك العارفون من الصوفية التصرف و تبرءوا منه: و ذلك أنهم أدركوا أنه لا شي ء يظهر في الوجود إلا بحسب ما كان عليه في حال ثبوته الأزلي: أي أدركوا أن الأمور مقررة مقدرة أزلًا، و أن لا قوة في الوجود أياً م كانت تستطيع أن تمحو كلمة واحدة مما خطته يد القدر:
ففيم إذن يتصرفون؟ و لِمَ يتصرفون؟
إن المنازع الذي يعصي رسول اللَّه لم يتعد حقيقته ولا أخل بطريقته: إنه يسير في الطريق التي رسمتها له طبيعة الوجود ولا مفر له من أن يسير فيها.
ومهما يحاول الرسول رده عن هذه الطريق بهمته أو بغيرها لا يجديه ذلك فتيلًا.
ألم يقل الحق لنبيه عليه السلام: «إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ؟»
وقال «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ».
على أن هذا المنازع ليس إلا منازعاً في الصورة، ومن قبيل العرض البحت، وإلا فهو في حقيقة الأمر مطيع خاضع لقانون الوجود الذي هو القانون الإلهي.
راجع ما قلناه عن الأمر التكويني و الأمر التكليفي و ما ذكرناه عن نظرية المؤلف في الجبرية.
(الفص الخامس: التعليق 4، 5، 6، و الفص السابع التعليق 4، و الفص الثامن التعليق 6، و الفص العاشر التعليق 6 إلخ).

(3) «والهمة لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه».
(3) الظاهر أن المراد بالجمعية هنا جمعية القلب، أي تركيزه و توجيه نشاطه الروحي نحو أمر من الأمور أو شي ء من الأشياء بقصد التصرف فيه حسبما يريد العارف.
ولكن هذه الجمعية القلبية لا تتم أبداً لصاحب المعرفة الكاملة لأن شعوره بالعجز و القصور، و إدراكه أن ما أودع فيه من القدرة على التصرف في الأشياء ليس له و أنه مجرد أداة في يد الحق، يقفان حائلً دون حصول هذه الجمعية في قلبه.
وإذا لم تحصل الجمعية القلبية في العارف لا يحدث التصرف، وهذا هو معنى ترك كبار الصوفية للتصرف مع قدرتهم عليه كما فعل الشيخ أبو السعود بن الشبل البغدادي تلميذ الشيخ عبد القادر الجيلاني، وكما فعل الشيخ العارف أبو مدين المغربي، بل كما كان عليه حال ابن العربي نفسه الذي يصف نفسه بأنه كان أتم في مقام الضعف والعجز من أبي مدين.
فالتحقق بمقام الضعف والعجز هو الذي يمنع هؤلاء الصوفية من إطلاق تصرفهم في الموجودات، وهو أيضاً مقام التحقق بالعبودية الكاملة.
وهنا نسمع صوت العاطفة الدينية ينبعث من قلب شيخ وحدة الوجود حيث يجرد الإنسان (الصورة) من كل حول وقوة وقدرة على التصرف- بل على الفعل أياً كان نوعه، ويلبسه ثوب الافتقار المطلق، ويعزو القوة الحقيقية والقدرة المطلقة إلى الحق الواحد المتجلي في جميع الصور.
على أن الجمعية المشار إليها يمكن أن تفهم على وجه آخر، وفي بعض ما سبق من النصوص ما يؤيد هذا الوجه.
فقد يكون المراد بها مقام الجمع: أي مقام الفناء والتحقق بالوحدة الذاتية بين الحق والخلق.
وقد سبق أن أشرنا إلى أن هذا المقام متعذر على السالكين الكاملين ما داموا في هذه الدنيا وما دام لهم شعور بفرديتهم.
ويكفي أن يقول الصوفي «أنا» ليثبت «مقام الفرق».
ولهذا يَسْخَر ابن العربي من أولئك الصوفية الذين خدعوا أنفسهم فتكلموا عن الوصول و الاتحاد و الوحدة و م شاكلها. يقول «و لهذا منع أهل الحق التجلي في الأحدية» راجع الفص السابع التعليق الخامس: و الفص الثاني عشر: التعليق 6، 7 إلخ إلخ.

(4) «فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر إلهي وجبر لا باختيار».
(4) هذه ناحية جديدة من نواحي نظرية ابن العربي في الجبر.
كل شي ء في عالم هذا الرجل يخضع لقانون الجبرية الأزلية حتى الاعتقادات والطاعات والمعاصي، والتصرف بالفعل في العالم وعدم التصرف فيه.
فبعد أن شرح معنى التصرف وقيمته في نظر العارف الكامل، وبيَّن أنه قوة يتمكن به الإنسان من إحداث ما يشاء من الآثار في العالم الخارجي، ويحجم العارفون عن استخدامها لعلمهم بمصدرها وحقيقتها، ذكر أن الأنبياء قد أعطوا هذه القوة ليظهرو بما تأتي به من المعجزات بين الناس فيحملوهم على الاعتقاد برسالتهم والتصديق بهم.
هذا حق للأنبياء المرسلين، ولكنهم لو أدركوا الأمر على حقيقته كما يدركه العارفون وهم لا شك يدركونه- لصدفوا عن التصرف وتركوه جانباً، إلا أن يكون اللَّه قد قدر أزلا أنهم سيتصرفون على نحو ما، تحقيقاً لغرض معين.
هذا جانب من جوانب الجبرية في الموضوع. وهناك جانب آخر لا يقل عنه في أهميته.
إذا كانت اعتقادات الخلق في الحق مقدرة أزلًا، وإذا كان كل إنسان يولد عاصياً أو مطيعاً نتيجة لما طبعت عليه عينه الثابتة في العلم القديم، وإذا كان التصديق بالرسل والتكذيب بهم جزءاً من النظام العالم المقرر أزلًا، فما قيمة تصرف الأنبياء وإظهارهم المعجزات؟
نعم يقول اللَّه عز وجل «وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» * و لكنه يقول أيضاً «وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» * أي الذين اقتضت أعيانهم الثابتة هدايتهم فعلم اللَّه ذلك منهم أزلًا، و علم أنهم لن يحولوا عن طريق الهداية أبداً كما أن أهل الضلال لن يحولوا عن طريق ضلالهم مهما بذل رسلهم من تصرف و أظهروا من معجزات.

(5) «فالكل منا ومنهم والأخذ عنا وعنهم»
إن ل يكونون منا ... فنحن لا شك منهم

(5) شرح بما لا مزيد عليه من الوضوح أن الهداية و الضلال مقدران أزلا على كل مهتد و ضال، و أن ذلك التقدير الأزلي راجع إلى طبيعة الأشياء ذاتها، و أنه و ليس شيئاً آخر فرضته قوة خارجة عن القوة السارية في الوجود بأسره.
فإن قيل أن الكفر مقدر على الكافر، و إن الإيمان مقدر على المؤمن، كان معنى ذلك أن العين الثابتة في العلم الإلهي اقتضت كفر الكافر و إيمان المؤمن لا أن الحق تعالى قدر الكفر على الكافر ثم طالبه بما ليس في وسعه أن يأتي به.
هكذا فهم ابن العربي العدالة الإلهية وهي عدالة سلبية أو عدالة معطلة لأن العدالة الحقيقية عمل إرادي يصدر ممن في قدرته أن يعدل وأن يظلم، والحق في نظر ابن العربي ليس له إلا إرادة الموجود الثابت، أو ليس له إرادة أصلًا.
نعم لم يفرض الحق على العبد الكفر ثم يطالبه بالإيمان وإلا كان ذلك عين الظلم، ولكنه لم يفرض عليه شيئاً إطلاقاً، وإنما فرض على العبد الكفر عينُه الثابتة أو طبيعة وجوده:
فإن كان ظلم فهو الظالم لنفسه.
ويحق لنا أن نقول أيضاً، وإن كان عدل فهو العادل في حق نفسه- ولكنا عرفنا فيما سبق أن ابن العربي لا يعتبر الكفر والمعصية ولا أي نوع من أنواع المخالفة للشرع ظلماً أو فجوراً أو شراً إلا من ناحية الدين: أي من ناحية ما ورد في الشرع من أوامر ونواه.
أما في ذاتها فكل أفعال العباد مرضية في نظر أربابها، مقبولة في نظر الحق، عادلة لا ظلم فيها لأنها تطابق تمام المطابقة قوانين الوجود.
بعد كل هذا ذكر البيتين الآنفي الذكر وختم بهما الفص: وفيهما الشيء الكثير من الغموض مما دعا إلى اختلاف الشراح في فهمهما اختلافاً كبيراً.
فكلمة «الكل» الواردة في البيت الأول قد تشير إلى كل «ما هو موجود»، أو إلى كل م ذكره قبل ذلك من الكلام عن الأمر الإلهي (الأمر التكليفي) و طاعة العبد.
و على المعنى الأول يكون معنى البيت: فكل ما هو موجود ينتسب لنا (الحق) من وجه، و ينتسب لهم (الخلق) من وجه آخر: أي أن الوجود حق و خلق، أو حق في خلق كما بيَّن ذلك مراراً.
وعلى المعنى الثاني يكون معناه: فكل ما ذكرناه من أمر وطاعة صادر منا- لأنا نأمر العباد ونطيعهم بأن ننقاد إلى ما تتطلبه أعيانهم من حقائق الوجود وصادر منهم لأنهم يأمروننا بأن يطالبونا بما تقتضيه أعيانهم، و في الوقت نفسه هم يطيعون أوامرنا.
فالأمر والطاعة من الطرفين على قدم المساواة وكذلك يقع الإبهام في كلمة «الأخذ» التي قد تفهم بمعنى استمداد المعرفة، أو استمداد الوجود، وعلى المعنى الأول يستمد العبد معرفته الحقيقية من الحق.
ويستمد الحق علمه بالعبد من ذات العبد وعينه الثابتة.
وعلى المعنى الثاني يستمد العبد وجوده من الحق، ويستمد الحق وجوده الظاهر ووجود ألوهيته من الخلق.
بل إن اللبس قد وقع في الضمائر الواردة في البيتين في قوله منا وعنا، ومنهم وعنهم.
فقد أخذت الضمائر على أنها كلها عائدة على المخلوقات، وأخذت على أن الضميرين في «منَّا» و «عنَّا» عائدان على الحق، و في «منهم» «وعنهم» عائدان على الخلق، وأخذت على أن الضميرين في منا و عنا عائذان على الخلق، وفي منهم و عنهم عائدان على الأسماء الإلهية.
وقد فهم البيت الثاني «إن لا يكونون منا فنحن لا شك منهم»
بمعنى إن لم ينتسبوا إلى الحق، أو إن لم يتحقق وجودهم بوجوده، أو إن لم يستمدوا علمهم منه- فإن الحق لا شك ينتسب إليهم (بالمعنى المتقدم)، أو يوجد في الظاهر بوجودهم أو يستمد علمه بهم منهم.
و نستطيع أن نلخص البيتين إجمالًا في أن كل ما هو موجود بالقوة أو بالفعل له وجهان:
وجه إلى الحق و آخر إلى الخلق: وجه إلى الفاعل و آخر إلى القابل، و أن الحقيقة الوجودية لا تكون إلا عن الوجهين جميعاً. فهما الصفتان المتكاملتان في «الواحد».
فالربوبية وما يلزمها من الأسماء لا وجود لها إلا بالمربوبين، والعبودية وم يلحقها من الصفات لا تَحَقُّق لها من غير الأرباب.
فكل من الربوبية والعبودية إذن لا معنى لها- بل ولا تحقق- إلا بالأخرى.
وكذلك الحال في الألوهية والمألوهية.
فإذا قدَّرنا أن العالم مستقل في وجوده عن اللَّه أصبحت الألوهية اسماً على غير مسمى: وهذا معنى قوله: «إن لا يكونون منا فنحن لا شك منهم»، لأن الأسماء الإلهية التي تطلب المألوهين، و منها يتكوّن مفهوم الألوهية، تصبح في هذه الحالة لغواً من القول. على هذا التقدير يستقيم المعنى في البيتين، ولكن لسوء الحظ ليس في الفص ذكر سابق للأسماء الإلهية حتى تعود عليها الضمائر في منهم وعنهم.
والأقرب إلى روح الفص أن نعيد الضمائر في منا وعنا على اللَّه، وفي منهم وعنهم على العباد، لا سيما وقد ورد البيتان بعد شرح الآية القرآنية التي ينصف اللَّه به نفسه من العباد في قوله «وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
(6) «و قد أدرج في الشفع الذي قيل هو الوتر»
(6) الشفع هو العالم و الوتر هو الواحد الحق- الذات الإلهية أو المطلق.
والمراد أن الذات الإلهية المطلقة قد أدرجت في العالم كم أدرج العدد «واحد» في العدد «اثنين».
وهذا التمثيل الرياضي البديع يشرح لنا نظرية ابن العربي شرحاً دقيقاً ويميز بينه و بين النظريات الأخرى التي قد تختلط بها كنظرية الحلول أو نظرية الفيوضات التي قال بها أفلوطين.
ليس العالم فيضاً عن «الواحد المطلق» كما قال أفلوطين، بل هو هو ذلك الواحد متجلياً في صورة الممكنات المتعينة: أي أنه «المطلق» الذي جرده العقل من إطلاقه عند ما تصوره في صورته المقيدة.
فكما أن «الواحد» العددي هو جوهر الاثنين والثلاثة وسائر الأعداد، وكما أن الأعداد ليست في الحقيقة إل صوراً معقولة للواحد المندرج فيها جميعاً، كذلك الحال في الواحد الحق والكثرة الوجودية التي نسميها بالعالم.
فالواحد العددي ليس له إلا دلالة واحدة وإشارة واحدة و هي إشارته إلى ذاته و دلالته على هذه الذاتية.
أما الأعداد الأخرى فلكل منها دلالتان أو إشارتان: دلالته على نفسه كدلالة الاثنين على الاثنين والثلاثة على الثلاثة وهكذا.
ودلالته على «الواحد» المتكرر أو المندرج فيه.
هكذا الوتر و الشفع: الحق و العالم أو بعبارة أدق الذات الإلهية و العالم. فإن الذات الإلهية إذا نظر إليها معراة عن جميع العلاقات والنسب لم يكن لها دلالة ولا إشارة إلا على نفسها و إلى نفسها.
أما العالم الذي هو كثرة من صور الوجود فله إشارتان: إشارة إلى نفسه، وإشارة إلى الذات المندرجة في كل صورة من صوره.
والحقيقة أن الوتر هو الشفع، ولكنهما متغايران في الذهن، كما أن الواحد العددي هو عين الأعداد كلها، ولكنه مغاير لها ذهناً.
.

19A4wQC5k0E

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!