موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تعليقات أبو العلا عفيفي
على فصوص الحكم

تأليف: د. أبو العلا عفيفي

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

[نسخة أخرى فيها المتن مع التعليقات والمقدمات]
  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


(الحمد للَّه منزِّل الحكم على قلوب الكَلِم ... إلى قوله وسلم).
الحكمة هي العلم بحقائق الأشياء والعمل بمقتضاها، فلها إذن ناحيتان:
ناحية نظرية وأخرى عملية، وهي بهذا المعنى مرادفة للفلسفة بقسميها النظري والعملي.
وعلى هذا التعريف تكون الحكمة أعم من «العلم» الذي هو إدراك حقائق الأشياء على ما هي عليه، أو محاولة ذلك الإدراك، وأعم من «المعرفة» كذلك.
هذا هو المعنى الاصطلاحي الشائع لكلمة الحكمة.
ولكن الصوفية منذ عصر مبكر استعملوا الحكمة في معنى خاص يتفق من ناحية مع مدلولها الفلسفي ويختلف من ناحية أخرى عند ما ننظر إليه في ضوء نظريتهم العامة في طبيعة المعرفة الإنسانية وطرق تحصيلها. ذلك أنهم قابلوا بين «الحكمة» و «الكتاب»
مستندين إلى الآية الكريمة «كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ». سورة البقرة آية 151.
وقالوا إن المراد بالكتاب تعاليم الدين الخاصة بالشرائع والأحكام، أو ما سموه أحياناً «العلم الظاهر»، والمراد بالحكمة التعاليم الباطنية التي اختص بها الرسول صلى اللَّه عليه وسلم وورثها ورثته من بعده، وأطلقوا على ذلك اسم العلم الباطن.
وليس العلم الباطن عندهم سوى علم الطريق الصوفي وما ينكشف للصوفية من حقائق الأشياء ومعاني الغيب.
فكأنهم بذلك وجدوا أساساً لطريقتهم في نصوص القرآن نفسه، كما نسبوا علم هذه الطريقة إلى النبي وعدوا أنفسهم ورثة هذا العلم الحافظين له المختصين به.
ولا يختلف ابن العربي عن غيره من الصوفية في استعمال كلمة الحكمة التي يوردها في عنوان كل فص من فصوص كتابه إلا في أنه يرى أنها الإرث الباطني الذي ورثه جميع الأنبياء والأولياء لا عن النبي محمد بل عن الحقيقة المحمدية، أو أنها العلم الذي أخذه هؤلاء جميعاً من مشكاة النبي.
وهو لا يشير إلى الأنبياء والأولياء بهذين الاسمين وإنما يسميهم «الكَلِم» جمع كلمة ومعناها عنده الإنسان الكامل أي الإنسان الذي حقق في وجوده كل معاني الكمال الإلهي، وتجلت فيه كل الصفات الإلهية فأصبح من أجل ذلك أحق الموجودات بأن يكون خليفة اللَّه في كونه- لا في أرضه فحسب.
وليست هذه الكلم سوى الأنبياء والأولياء وإن كان كل موجود من الموجودات كلمة من كلمات اللَّه لأنه المظهر الخارجي لكلمة التكوين.
«قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً». سورة الكهف آية 109.
والمراد «بالكلَم» هنا وفي سائر فصول الكتاب بوجه أخص حقائق الأنبياء والأولياء لا أشخاصهم، وعلى رأسهم جميعاً «الكلمة» التي هي الحقيقة المحمدية.
وللمؤلف نظرية خاصة في هذا الموضوع سنعرض لها في مواضعها من الكتاب.
ويذهب القيصري في شرحه على الفصوص إلى أن لفظ «الكلمة» متصل بلفظ النَّفَس، وكما أن الكلمات التي نتلفظ بها ليست إلا تعينات في ذات النفس الذي يخرج من أجوافنا، كذلك ليست كلمات اللَّه إلا تعينات في النفس الرحماني الذي يطلق عليه متصوفة هذه الطائفة اسم جوهر الوجود.
ولكن نظرية ابن عربي في الكلمة أعمق من هذا وأبعد غوراً، وهي كما سنرى نظرية معقدة تمت بصلات وثيقة إلى نظريات أخرى في الفلسفة اليونانية والرواقية واليهودية.
(راجع أيضاً مقالتي عن نظريات الاسلاميين في الكلمة بمجلة كلية الآداب بجامعة فؤاد سنة 1934).
ومن خصائص «الحكمة» التي أشرنا إليها أنها تنزل على القلوب لا على العقول، ولهذا قال «منزل الحكم على قلوب الكلم»، وفي هذا تمييز صريح لها عن الفلسفة التي هي نتاج عقلي صرف.
فالقلب عند الصوفية هو محل الكشف والإلهام وأداة المعرفة والمرآة التي تتجلى على صفحتها معاني الغيب.
ثم أراد المؤلف أن يذكر حكمة من هذه الحكم التي تنزل على قلوب الكلم فأشار إلى العلم بأحدية الطريق الأمم.
والطريق الأمم في مذهبه هو الطريق الواحد المستقيم الذي تؤدي إليه الأديان كلها مهما اختلفت عقائدها وتعددت مذاهبها، وليس هذا الطريق سوى وحدة الوجود ووحدة المعبود.
إذ ليس في الوجود سوى اللَّه وآثاره، ولا معبود إلا هو مجلي من مجالي المعبود على الإطلاق، المحبوب على الإطلاق، الجميل على الإطلاق وهو اللَّه.
هذا هو دين الحب الذي أشار إليه ابن عربي في قوله:
أدين بدين الحب أنَّى توجهت .... ركائبه فالحب ديني وإيماني
وفيه يقول أيضاً:
عقد الخلائق في الإله عقائداً ..... وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه
"ممد الهمم من خزائن الجود والكرم".
المراد بالهمة الإرادة وهي الإقبال بالنفس في حال جمعيتها والتوجه إلى اللَّه والتهيؤ لقبول فيضه. فأحوال الصوفية أحوال إرادية لا صلة لها بالإدراك العقلي المنطقي، والفيض يمد همة الصوفي لا عقله.
أما المراد بخزائن الجود والكرم فقد يكون أحد أمرين:
الأول: العلم الباطن أو الغيبي الذي قال الصوفية إنه يفيض عليهم من مشكاة خاتم الرسل، وبذلك يكون محمد صلى اللَّه عليه وسلم أو الحقيقة المحمدية أو روح محمد مبدأ كل كشف وإلهام ومصدر كل علم باطني، وهذه بالفعل ناحية من نواحي نظرية ابن عربي في الكلمة.
الثاني: أن المراد بخزائن الجود والكرم الأسماء الإلهية المتجلية في الموجودات على اختلاف أنواعها.
فمحمد يمد المخلوقات بها لأنه هو وحده المظهر الكامل لها جميعها وبذلك استحق اسم عبد اللَّه، واللَّه اسم جامع لجميع الأسماء الإلهية ولأن محمداً أو حقيقة محمد واسطة الخلق وحلقة الاتصال بين الذات الإلهية والمظاهر الكونية.
فهو بمثابة العقل الأول في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة وبمثابة المسيح في الفلسفة المسيحية وبمثابة «المطاع» في فلسفة الغزالي.
هذه أيضاً ناحية من نواحي نظرية المؤلف في «الكلمة».
.

....


OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!