موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

وهنا قصائد ترجمان الأشواق دون شرح

 

 


16- القصيدة السادسة عشر وهي ستة عشر بيتاً من البحر المتقارب

وقال رضي الله عنه:

1

حَمَلْنَ عَلَى الْيَعْمَلَاتِ الْخُدُورَا

***

وَأَوْدَعْنَ فِيهَا الدُّمَى وَالْبُدُورَا

2

وَوَاعَدْنَ قَلْبِيَ أَنْ يَرْجِعُوا

***

وَهَلْ تَعِدُ الْخُودُ إِلَّا غُرُورَا

3

وَحَيَّتْ بِعُنَّابِهَا لِلْوَدَاعِ

***

فَأْذْرَتْ دُمُوعاً تَهِيجُ السَّعِيرَا

4

فَلَمَّا تَوَلَّتْ وَقَدْ يَمَّمَتْ

***

تُرِيدُ الْخَوَرْنَقَ ثُمَّ السَّدِيرَا

5

دَعَوْتُ ثُبُوراً عَلَى إِثْرِهِمْ

***

فَرَدَّتْ وَقَالَتْ: أَتَدْعُوا ثُبُورَا

6

فَلَا تَدْعُوَنَّ بِهَا وَاحِداً

***

وَلٰكِنَّمَا ادْعُ ثُبُوراً كَثِيرَا

7

أَلَا يَا حَمَامَ الْأَرَاكِ قَلِيلاً:

***

فَمَا زَادَكَ الْبَيْنُ إِلَّا هَدِيرَا

8

وَنَوْحُكَ يَا أَيُّهَذَا الْحَمَامُ

***

يُثِيرُ المَشُوقَ يُهِيجُ الْغَيُورَا

9

يُذِيبُ الْفُؤَادَ يَذُودُ الْرُّقَادَ

***

يُضَاعِفُ أَشْواقَنَا وَالزَّفِيرَا

10

يَحُومُ الْحِمَامُ لِنَوْحِ الْحَمَامِ

***

فَنسْأَلُ مِنْهُ الْبَقَاءَ يَسِيرَا

11

عَسـَى نَفْحَة مِنْ صَبَا حَاجِرٍ

***

تَسُوقُ إِلَيْنَا سَحَاباً مَطِيرَا

12

تُرَوِّي بِهَا أَنْفُساً قَدْ ظَمِئْنَ

***

فَمَا ازْدَادَ سُحْبُكَ إِلَّا نُفُورَا

13

فَيَا رَاعِيَ النَّجْمِ كُنْ لِي نَدِيماً

***

وَيَا سَاهِرَ الْبَرْقِ كُنْ لِي سَمِيرَا

14

أَيَا رَاقِدَ الْلَّيْلِ هُنِّئْتَهُ،

***

فَقَبْلَ المَمَاتِ عَمَرْتَ الْقُبُورَا

15

فَلَوْ كُنْتَ تَهْوَى الْفَتَاة الَعَرُوبَ

***

لَنِلْتَ النَّعِيمَ بِهَا وَالسُّـرُورَا

16

تُعَاطِي الْحِسَانَ خُمُورَ الْخِمَارِ،

***

تُنَاجِي الشُّمَوسَ تُنَاغِي الْبُدُورَا

شرح البيت الأول:

1

حَمَلْنَ عَلَى الْيَعْمَلَاتِ الْخُدُورَ

***

وَأَوْدَعْنَ فِيهَا الدُّمَى وَالْبُدُورَا

اليعملات: هي الإبل التي يُعمل عليها، وهي - في إشارة هذا القائل - القوى الإنسانية التي توجهت عليها التكاليف الروحانية والحِسِّية، فهي التي يقع عليه العمل، وكنّى بـ"الخدورا" عن الأمور التي كُلِّفوا بها، وهي الأعمال، وجعلها خدور لأنها تحوي على أسرار من العلوم والمعارف التكليفية، كما تحوي الخدور على هؤلاء الحسان المشبهات بالدمى في حسن الصورة، والبدور في الكمال والرفعة، فتكون المعارف على حسب ما وقع به التشبيه لأن المعارف متنوعة بالذي يريد صاحبها منها عليه يدل بأمر يناسبه من وجه ما مناسبة لطيفة لدلالة غيبية، كما قال تعالى: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: 35]، بشروطه: من الزجاجة (التنزيه)الذي هو الجسم الشفاف الصافي، والزيت المضاف إلى الاعتدال الذي لم تؤثر فيه الأهواء؛فيُعلم من هذا التشبيه أيَّ نورٍ أراد، وهكذا جميع الأمور التي يريد العارف أن يوصلها إلى الأفهام، فينبغي للناظر أن يتحقق ذلك ويُمعن النظر فيه جهده، ولا يبادئ الرأي فيسرع إليه الخطأ، إلا أن يكون هذا الناظر له سلطان على معرفة الخاطر الأولفي كلّ شيء فإنه يقف عنده، فذلك الذي يعطيه هذا المطلوب بلا شك، فلا يخطئ أبداً.

شرح البيت الثاني:

2

وَوَاعَدْنَ قَلْبِيَ أَنْ يَرْجِعُو

***

وَهَلْ تَعِدُ الْخُودُ إِلَّا غُرُورَا

يُنبِّه في هذا البيت على أنّ هذه المعارف التي ذكرها (في البيت السابق)، هي من المعارف التي في طيِّها مكرٌ خفي، نبّه على ذلك بقوله: "وهل تَعِدُ الخودُ إلاّ غرورا؟" ليَطمْئِنَّ العارفُ على عودها عليه أو أمثالها بمجرد ما وعدت (وهي لن تفعل، ولكن) ربما يحمله ذلك على عدم الاستعداد الذي كلَّفهالله تعالى به لتلقيها، فيكون ممن يتبع شهواته ويتمنى على الله الأماني، فينبغي للعارف أن لا يغتَرَّ، وأن يكون قائما على قدم طلب المزيد، كما قال (الله تعالى) لنبيه عليه الصلاة والسلام: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [طه: 114].

شرح البيت الثالث:

3

وَحَيَّتْ بِعُنَّابِهَا لِلْوَدَاعِ

***

فَأْذْرَتْ دُمُوعاً تَهِيجُ السَّعِيرَا

يقول: هذه النكتة الإلهية التي ذكرنا أنها من باب المكر، إنما كانت - لَمَّا كان ينالها من باب الاكتساب لا من باب الوهب - أحدث فيه التعمُّل الكوني تغيرا كنّى عنه بلون العّناب؛ يشير إلى أُنْمُلتها، كأنه توحيد فيه ضرب من الإشراك، ولكن مع هذا كله فإقامتها في القلب أحسن من رحيلها، فإنها عاصمة للعارف ما دامت قائمة به، ولهذا أحس العارف عند وداعها ورحيلها بألم الفراق، فبكى وأحرقته نار الاشتياق إليها. وقد يريد بقوله: "فأذرت دموعا"، أي أرسلت هذه النكتة في القلب علوما، من علوم المشاهدة، تؤثر في القلب اشتياقا شديدا واصطلاما.

شرح البيت الرابع:

ثم قال:

4

فَلَمَّا تَوَلَّتْ وَقَدْ يَمَّمَتْ

***

تُرِيدُ الْخَوَرْنَقَ ثُمَّ السَّدِيرَا

يريد رجوعها إلى الأصل الذي منه ابنعثت، والحضرة التي منها صدرت، فكنّى عنها بالخورنق والسدير، والخورنق قصر بأرض الكوفة والسّدير أرض (قرب الخورنق وفيها قصر السدير أيضاً).

شرح البيتين الخامس والسادس:

5

دَعَوْتُ ثُبُوراً عَلَى إِثْرِهِمْ

***

فَرَدَّتْ وَقَالَتْ: أَتَدْعُوا ثُبُورَا

6

فَلَا تَدْعُوَنَّ بِهَا وَاحِداً

***

وَلٰكِنَّمَا ادْعُ ثُبُوراً كَثِيرَا

يقول: دعوت بالهلاك على عالَم التقييد والتركيب الذي مسكني عنه استصحاب هذه العلوم الإلهية والأسرار العلية التي هي مشهد العالم البسيط على الدوام. وقوله: "فردت وقالت: أتدعو ثبورا؟" تقول له: يا محجوب لِمَ لَمْ تَرَ وجه الحق في كلِّ شيء، في ظلمة ونور، ومركب وبسيط، ولطيف وكثيف، حتى لا تحس بألم الفراق ومغيب عينالمطلوب عنك في كلِّ شيء، فإذا ولا بدّ وقد دعوت بالهلاك على عالم التركيب بهذ الحجاب الذي قام عندك، "فلا تدعون بها واحداً، ولكنما ادع ثبوراً كثيرا"؛ يقول: م هو مخصوص بهذا المقام وحده بالمحجوب عن الأمر الكلي الساري في جميع الموجودات، ففي كل مقام يقام لا بدّ لك من مفارقة ذلك المقام وأنت غائب عن صورة الحق منه، فلابدَّ لك من الألم، وتتخيل أنه فارقك، وما فارقك! وإنما وقوفك معك حجبك عما ذكرناه، فلهذ ادعُ ثبوراً كثيرا، فالتكثير من جهة العدد لتعدد المقامات وفقدانها.

شرح البيت السابع:

7

أَلَا يَا حَمَامَ الْأَرَاكِ قَلِيلاً:

***

فَمَا زَادَكَ الْبَيْنُ إِلَّا هَدِيرَا

يخاطب واردات التقديس والرضى، ويلوح لبعض واردات المشاهدات، فإن الأراك شجر يُستاك به (بمعنى التطهير والتقديس)، يقول: ترفَّق عليّ يا وارد التقديس فإنّ المحل الضعيف يضعف عن أن ينال الطهارة إلا بالاستدراج، ولهذا كان (السواك) مرضاة الربّ - من التربيةوالإصلاح - وهو موضع الرفق، ولهذا قال له "قليلا".

وقوله: "فما زادك البين إلاّ هديرا"، يقول: أيها الوارد لَمَّا لم يكن لك وجود عينٍ إلاّ بي وفيَّ، وأنا مشغول عنك بما قُيِّدتُ به من عالم الظلمة والطبع، فلذلك صرتَ تصيح من أجل الفراق لذهاب عينك.

شرح البيت الثامن:

8

وَنَوْحُكَ يَا أَيُّهَذَا الْحَمَامُ

***

يُثِيرُ المَشُوقَ يُهِيجُ الْغَيُورَا

يقول: وأنت إذا كنت من عالم التقديس والرضى والمشاهدة وأنت بهذه المثابة من البكاء على فقد هذا المحل الطبيعي الكثيف الظلماني، فنحن أعظم بكاءً منك طلباً للتنزُّه في الفسحات العلى، وهو قوله: "يثير المشوق يهيج الغيورا"، والغيرة من رؤية الأغيار، وإلا من عاين الحق في كلِّ شيء لا غيرةَ عنده، فإنه ما رأى في كلِّ شيءٍ إلاّ وجهه، والحق واحد، ولكن للحقِّ تنوُّعٌ في صور التجليات على حسب ما تعطيه المقامات والأحوال؛ فمن هنا يظهر لسان الغيرة في جناب الحق. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إِنّ سَعْداً لَغَيُورٌ، وَإِنِّي أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاَللهُ أَغْيَرُ مِنِّي, وَمِنْ غَيْرَتِهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ» [كنز العمال: 7076 ، 7064]، وهنا نُكتٌ وأسرار إلهية غاب عنها أكثر العارفين، فلا يمكنن كشفها لإخواننا إلاّ مشافهة.

شرح البيت التاسع:

9

يُذِيبُ الْفُؤَادَ يَذُودُ الْرُّقَادَ

***

يُضَاعِفُ أَشْواقَنَا وَالزَّفِيرَا

يقول: دعاءواردات التقديس والرضى التي ذكرناها (وهي نوح الحمام)، يذيب الفؤاد، أي يرده سيالا، ويمنع الرقاد، فصاحبها يألف السهر. وقوله: "يضاعف أشواقنا والزفيرا"؛ زيادة الأشواق إنما تقع من مشاهدة زيادات الحسن في المشهود في نظر العين عند الشهود، والزفير صوت النار، يقول: عن غلبة الاصطلامالوارد على القلوب أنها متضاعفة.

شرح البيت العاشر:

10

يَحُومُ الْحِمَامُ لِنَوْحِ الْحَمَامِ

***

فَنسْأَلُ مِنْهُ الْبَقَاءَ يَسِيرَا

يقول: "يحوم الحمام"، الذي هو مقام انفصال اللطيفة الإنسانية عن تدبير هذ الهيكل الظلماني من أجل ما أسمعته واردات التقديس والرضى والمشاهدة من اللطائف الإلهية والعلوم الربانية. وقوله: "فيسأل منه البقاء يسيرا"، يريد قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأخوين اللذين مات أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذُكر فضل الأول منهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام في حق الثاني: «وَمَا يُدْرِيكُمْ مَا بَلَغَتْ بِهِ صَلاَتُهُ» [كنز العمال: 19022]، واستحباب طول العمر في الإسلام مشروع [كنز العمال: 42645]، وحديث الستة الشيوخ الذين قُدّموا للموت، فكلُّ واحد منهم آثر صاحبه بحياة ساعة ليذكر الله فيها فيرقى مقاما لم يكن عنده،وهذا الباب (أي إيثار الغير بالحياة) فيه إشكال عظيم يحتاج إلى تفاصيل،فلهذا قال: "فيسأل منه البقاء يسيرا"، ثم قال بعد ذلك ما يدل على ما ذكرناه.

شرح البيت الحادي عشر:

وهو قوله:

11

عَسـَى نَفْحَة مِنْ صَبَا حَاجِرٍ

***

تَسُوقُ إِلَيْنَا سَحَاباً مَطِيرَا

الحاجر: هنا حجاب العزة الأحمى المحجوب عن الكون أن يناله ذوقاً، لكن تهبُّ منه نفحاتٌ على قلوب العارفين بضربٍ من التعشق، ولهذا وصفه بالميل الذي هو الصبا، وطلب أن ينال من تلك النفحات الغريبة نسمة ونفحة تهبُّ من ذلك الجناب العالي الأحمى، فيسوق بها إلى هذا القلب المتعطش سحابُ المعارف والعلوم الربانية الأقدسية من باب (قوله تعالى): ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11] فيمطر على هذ القلب، فينبت فيه من ربيع الحِكم ما تنطق به الألسنة الفهوانية، ومن ربيع الأخلاق الإلهية ما يزيده ترقِّياً فوق ترقِّيهِ؛ فإنه متعطِّشٌ لهذا المورد.

شرح البيت الثاني عشر:

ولهذا قال:

12

تُرَوِّي بِهَا أَنْفُساً قَدْ ظَمِئْنَ

***

فَمَا ازْدَادَ سُحْبُكَ إِلَّا نُفُورَا

يقول: تُروِّي بذلك أنفسا ظامئة عاطشة، من قوله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [طه: 114]، ثم أخبر بعدم الإجابة له فيم سأل لِما يجب من تعظيم المقام من العزة والمنع والعلوِّ عن منازل الكون له والإحاطة، يقول ("فَمَا ازْدَادَ سُحْبُكَ إِلَّا نُفُورَ"، أي): لو نيل ما كان حمى ولا اتصف بالحجب، الذي هو المنع. وأما نسبة النفور إلى هذ السحاب فهو مثل قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11]، أي كلُّ م تصوَّر في وهمك أو حاكَ في صدرك أو دلّ عليه عقلك؛ فالله بخلاف ذلك، فإنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ مع كونه هو ﴿السَّمِيعُ البَصِير﴾ [الشورى: 11]، فلا بدّ من هذه الأسماء والكنايات والمعارف. ومع هذا فلا بد من ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ولو وقع الاشتراك في إطلاق العبارات، لكن ما ثَمَّ حدٌّيجمعها أصلاً لعلوِّ المقام ونزاهته. ولَمَّا رأى أنّ هذا مثال المحجورمحال، عاد إلى شكله وجنح إلى مثله.

شرح البيت الثالث عشر:

فقال:

13

فَيَا رَاعِيَ النَّجْمِ كُنْ لِي نَدِيماً

***

وَيَا سَاهِرَ الْبَرْقِ كُنْ لِي سَمِيرَا

"رَعيُ النجوم": هو حفظ ما تحمله العلوم في تعقُّلاتها على اختلاف ضروبها، واتخذ رعاة النجوم ندماء لذلك، فإنّ المنادمة حالُها ضرب الأمثال وإيراد الحكايات والأخبار والنوادر والأشعار بين النديمين، ثم قال: "ويا ساهر البرق"، الذي هو المشهد الذاتي، يخاطب طالبه، يقول: مطلبنا واحد؛ فكن لي سميرا، من المسامرة الذي هو الحديث بالليل، والليل: الغيب، والذات غيب عن الكون، ودليلها الهُو، فيقول له: أنت سميري من حيث أنّ مقامنا واحد، فتفهم عني ما أريد، كما أفهم عنك م تريد، فنحن سكوت والهوى يتكلم.

شرح البيت الرابع عشر:

ثم نظر إلى ما هما فيه من تعبِ الخاطر في نيل ما لا يسعُ الكونَ حملُه، فأخذ يخاطب أهل الغفلة عن هذا المقام، وأهل الفناء فيه عنه:

14

أَيَا رَاقِدَ الْلَّيْلِ هُنِّئْتَهُ،

***

فَقَبْلَ المَمَاتِ عَمَرْتَ الْقُبُورَا

فحظ أهل الغفلة من هذا البيت اشتغالهم بالأكوان وملازمتهم لهذه السُّدَف (جمع سدفة وهي الظلمة) الطبيعية الشهوانية بالتمتع واللذات، وحظ أهل اللقاء الذين ذكرناهم من (قبل) هذا البيت، يقول: يا من اختطف عنه هذا المقام فبقي فيه شبه النائم في الليل: "هنِّئْته"، أي هُنِّئتَ هذا الرقاد الذي هو فناؤك بضرب من الراحة واللذة. وقوله: "فقبل الممات"؛ أي قبل انفصالك عن هذا الجسد الانفصال التام؛ قد اتَّصَفْتَ بتلك الحالة مع تعلُّقِ التدبير فيه منك، فإنك في حالة فناء لا موت، فل بد من الرجوع، ولكن الحال ما يعطي إلاّ مخاطبة أصحاب الغفلات.

شرح البيت الخامس عشر:

وأما قوله:

15

فَلَوْ كُنْتَ تَهْوَى الْفَتَاة الَعَرُوبَ

***

لَنِلْتَ النَّعِيمَ بِهَا وَالسُّـرُورَا

يخاطب هذا الراقد، يقول له: لو تعشَّقْتَ بهذه الفتاة الحسناء، التي هي النكتةالذاتية، التي هي مطلب العارفين، "لنلت النعيم بها والسّرورا"، يريد بسببها، أي: وإنها - وإن لم تحصل - فإنّ تجليها إليك ينصبغلذلك التجلي كلُّ ما في ملكك، فيظهر جميعُ ملكك لك بتلك الصورة الذاتية، فلول تجليها ما اكتسبَتِ المملكة هذه الصورة الحسناء، فالنعيم بجميع المُلك للمشاهِد مع هذا التجلي نعيمٌ بالذات في صورة المُلك، لأن الذات تُفني، ولا تلذّ إلا بالمواد.

شرح البيت السادس عشر:

16

تُعَاطِي الْحِسَانَ خُمُورَ الْخِمَارِ،

***

تُنَاجِي الشُّمَوسَ تُنَاغِي الْبُدُورَا

يقول: هذه الصورة التي اكتسبت حسن الصورة الذاتية بالتجلي الذي ذكرناه، تعاطيك بالغنج والحديث ما يعطيك الخمر من الطرب والسرور واللذة. ولَمَّا كان المشهد ذاتياً، لذلك قال: "تناجي الشموس تناغي البدورا"، فإنّ الشارع (أي المشرِّع، اي النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم) شبه الرؤية في الدار الآخرة بالشمس والقمر، فقال: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ (فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ)» [مسلم: 183].

وجعل (الكاتب في هذه القصيدة) المناجاةَ للشمس إفصاحٌ وإيضاحٌ وبيانٌ في الحديث، لأنه نهار، ونسب المناغاة للبدر لأنه نوَّرَ الليل، وهو إجمال لا تفصيلٌ وبيانٌ، و(هو) محل رمز، فإنّ المناغاة الغالب في استعمالها للطيور، فلهذا جعل المناغاة للبدور.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!