موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

وهنا قصائد ترجمان الأشواق دون شرح

 

 


9- القصيدة التاسعة وهي خمسة أبيات من البحر الكامل

وقال رضي الله عنه:

1

لمَعَتْ لَنَا بِالْأَبْرَقَيْنِ بُرُوقُ

***

قَصَفَتْ لَهَا بَيْنَ الضُّلُوعِ رُعُودُ

2

وَهَمَتْ سَحَائِبُهَا بِكُلِّ خَمِيلَة

***

وَبِكُلِّ مَيَّادٍ عَلَيْكَ تَمِيدُ

3

فَجَرَتْ مَدَامِعُهَا، وَفَاحَ نَسِيمُهَ

***

وَهَفَتْ مُطَوَّقَة وَأَوْرَقَ عُودُ

4

نَصَبُوا الْقِبَابَ الحُمْرَ بَيْنَ جَدَاوِلٍ

***

مِثْلُ الأَسَاوِدِ، بَيْنَهُنَّ قُعُودُ

5

بِيضٌ، أَوَانِسُ، كَالشُّمُوسِ طَوَالِعٌ

***

عِينٌ كَرِيمَاتٌ عَقَائِلُ غِيدُ

شرح البيت الأول:

1

لمَعَتْ لَنَا بِالْأَبْرَقَيْنِ بُرُوقُ

***

قَصَفَتْ لَهَا بَيْنَ الضُّلُوعِ رُعُودُ

"الأبرقين": مشهدين للذات، مشهدٌ في الغيب ومشهدٌ في الشهادة؛ فالغيبُ غير متنوِّع لأنَّهُ سلْبي، والشهاديّ متنوع لأنَّهُ في الصُّوَر، وقوله: "بروق" لتنوُّع الصور فيه، وكنّى عنها بالبروق لسرعة زوالها، وجاء بالرعود بعده، الذي هو الصوت، عبارة عن مناجاة إلهية حصلت عُقَيب هذا الشهود؛ حالةٌ موسويَّة تراءى له النار، الذي هو كالبرق، ثم نوجي فأعقبه الكلام، فكنّى عنه بالرَّعد، لأجل (أي: لمناسبة) البرق، ولأنها مناجاة زَجْر.

شرح البيت الثاني:

2

وَهَمَتْ سَحَائِبُهَا بِكُلِّ خَمِيلَة

***

وَبِكُلِّ مَيَّادٍ عَلَيْكَ تَمِيدُ

"الخميلة": الروضة، وهي قلب الإنسان بما يحمله من المعارف الإلهية، و"السحاب" هنا هي الأحوال التي تُنتج المعارف، و"هَمَت": سحَّت وسكبت عن المطر، وذكر السحاب لتضمُّنِها مع قوله: "هَمَت"، فاستغنى، وكذلك الخميلة فهي: مطرٌ في السحاب وأزهارٌ في الرياض، وكنّى بالغصن ("الميَّاد") في هذه الروضة، يعني الحركة المستقيمة التي هي نشأة الإنسان، من قوله: «خَلَقَ آدَمَ على صُورَتِهِ» [كنز العمال: 1148، 15129]، فمن هذا المقام يَمِيد، أي يَمِيل عليك ليُفِيدك.

شرح البيت الثالث:

ثم قال:

3

فَجَرَتْ مَدَامِعُهَا، وَفَاحَ نَسِيمُهَ

***

وَهَفَتْ مُطَوَّقَة وَأَوْرَقَ عُودُ

يقول: ("فَجَرَت"، أي) سالَت أوديةُ معارِفِها، و("فَاحَ":) نَمَّ ("نسيمها":) عالَم الأنفاس، بما تحمله من طيب أعراف أزهارِ المعارف الإلهية، بحسب مشامّ الطالبين، و"المطوقة" إشارة إلى النفْس الكُلِّيَّة، بالأثر الذي لها في النفْس الجزئية، التي ظهرت على صورتها، في كونها ذات قوتين: علاّمة وفعَّالة.

وقوله: "وأورق عود"، الذي هو لباس الأغصان، يقول (تعالى): ﴿خُذُو زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، فإن زينة الله غيرَ محرَّمَة علينا، والذي وقع الذمّ عليها "زينة الحياة الدنيا" (إشارة للآية 131 من سورة طه: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾)، أي الحياةالقريبة الزوال، أي لا تلبسوا من الملابس إلاّ ما يكون دائماً، كملابس العُلوم والمَعَارف، فإنها لا تَخْلَق (أي لا تتلف) ولهذا قال (تعالى): ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: 26]، يعني المُعَلِّمَ الذي ألبسك التقوى، من قوله (تعالى): ﴿واِتَّقُوا اللهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: 282].

شرح البيت الرابع:

4

نَصَبُوا الْقِبَابَ الحُمْرَ بَيْنَ جَدَاوِلٍ

***

مِثْلُ الأَسَاوِدِ، بَيْنَهُنَّ قُعُودُ

أشار بـ"القباب الحمر" إلى حالة الأعراس المخدَّرات، يريد الحِكم الإلهية، و"الجداول" فنون العلوم الكونية التي متعلقها الأعمال الموصلة إلى هذه الحكم،وشبَّهَه بـ"الأساود"، وهي الحيات، لمشيها على بطونها، فإنه تعالى قال (تعالى): ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ [النور: 45]، يشير إلى الباحثين - من أهل الورع - عن أغذيتهم، فإن بِطِيب المطعم على الوجه المشروع الذي يجذبالقوى لاستعمال الطاعات يتنوَّرُ القلب، فتنزل هذه الحكم الإلهية، التي قال عنه بأنَّهُنَّ "قعود" بين هذه "الجداول" في "القباب الحمر"، فتَنَبَّه لِما أشرن إليه!

شرح البيت الخامس:

ثم أخذ يصف مراتِبَهنَّ في البيت بعده:

5

بِيضٌ، أَوَانِسُ، كَالشُّمُوسِ طَوَالِعٌ

***

عِينٌ كَرِيمَاتٌ عَقَائِلُ غِيدُ

وصَفَهُنَّ بـ"البياض"، أي لا شكَّ فيهنَّ، مثلَ النصوص، كما قال: «(إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ فِي الْجَنَّةِ كَمَا) تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ» [مسلم: 183]، أي هي من الوضوح بحيث أن ل يدخل فيها شكٌّ لمن ينظر إليها. وقوله: "أوانس"، يُتَوَنَّس بهنَّ، من الأُنس، والنظرُ فالنظرُ فيها؛ أي يُبصر بهِنَّ، كما جاء في الخبر الإلهي: «كُنْتُ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ» [البخاري: 6502]. وقوله: "كالشموس" في الرفعة، ومقام القطبية، وارتفاع الشكوك، وإعطاء المنافع في المولِّدات. و"الطوالع": المستشرفات على القلوب الطالبة لها، المتشوِّقة لنزولها عليها، وظهور أنوارها فيها. و"العين": الواسعات النظر، يريد قوَّة النور والكشف. و"الكريمات": الطيِّبات الأصول، أي أنه على نتائج الأعمال المشروعة التي نَصَبها الحق، ما هي مثل حكم الفلاسفة التي هي نتائج أوضاعهم، ويعرف ذلك أصحاب الذوق. و"العقائل" مشتقة من العقل، أي هنَّ مِمَّن يعقِلن ما يُلقى إليهِنَّ ويعرِفْنَ مقداره ويميِّزْنَه، فيكون تنزُّلُهُنَّ على ذلك القدر والحدّ. وقوله: "غيد"، أي مائلات لمن نَزلَتْ عليه بضربٍ من الحنوّ، فإنَّ المَيْل حُنوّ؛ يشير إلى مقام الحنان والرأفة والعطف والمحبة والرغبة. والميلُ لا يكون إلا من استواء، فيشير إلى أنَّهنَّ - من حيث هُنَّ - في مقام الاستواء والاعتدال وعدم الالتفات، وإذا استُدْعينَ بالسؤال والرغبة والتواضع والشوق والمحبة، مِلْنَ عن ذلك الاستواء إلى المنادي لَمَّا لَم يكن في قوَّتِه العروج إليهنّ، فكان منها النزول.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!