موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع والستون: في بيان أن تطاير الصحف والعرض على اللّه تعالى يوم القيامة حق

لورود النصوص به لكن لا يخفى أن الناس يتفاوتون في ذلك فأما تطاير الصحف فمنهم من يأخذ كتابه بيمينه ومنهم من يأخذ كتابه بشماله ومنهم من يأخذ كتابه من وراء ظهره، فأما الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم فهم المؤمنون على اختلاف طبقاتهم وأما الذين يعطون كتبهم بشمائلهم فهم المنافقون لا المشركون كما قال الشيخ محيي الدين قال: لأن المشرك لا كتاب له يقرأ ولذلك يقول اللّه عز وجل للمنافق اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) [الإسراء: 14] لأنه كان يعلم ما انطوت عليه نفسه من الكفر خلاف ما كان يظهر للناس ولذلك عقب اللّه تعالى الذي يأخذ كتابه بشماله بقوله: إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) [الحاقة: 33] فسلب عنه الإيمان دون الإسلام لأنه كان منقاد للإسلام في ظاهره ليحفظ دمه وأهله وماله وهو في باطنه إما مشرك أو معطل أو متكبر أو كافر بخلاف الإيمان فإنه من أعمال القلوب لا يطلع عليه أحد إلا اللّه. وأم الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم فهم الذين أوتوا الكتاب فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فإذا كان يوم القيامة قيل لأحدهم خذ كتابك من وراء ظهرك أي من الموضع الذي نبذته فيه في حياتك الدنيا بترك العمل به فهم كتابهم المنزل عليهم لا كتاب الأعمال كما توهمه بعضهم فإن هذا حين نبذه وراء ظهره ظن أن لن يحور أي تيقن أنه لن يرجع وهذا هو الذي يقول اللّه تعالى له يوم القيامة حين يعاتبه ويقرره أظننت أنك ملاقي الحديث ؛ قال: وليس أولئك إلا الأئمة المضلين الذين ضلوا وأضلو فافهم. قال الشيخ محيي الدين: ثم لا يخفى أن هذه الكتب التي كتبتها الحفظة في الدنيا خاصة بأعمال المكلفين وأقوالهم وليس فيها شيء من عقائدهم إلا ما شهدوا به على أنفسهم من تلفظهم به فإن الملائكة لا تكتب من أقوالهم إلا ما تلفظوا به انتهى. وقال الإمام الغزالي رحمه اللّه في قوله تعالى وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (10) كِراماً كاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (12) [الانفطار: 10 - 12] اعلم أن الملكين يوكلان بالشخص إذا قارب البلوغ قال تعالى إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) [ق:

17] وقال تعالى بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف: 80] ثم إذا اتصف العبد بالعقل كان أحد الملكين يهديه والآخر يغويه ورتبة الهادي أعلى من رتبة اللغوي وهما من الملائكة السفرة الكرام البررة الذين هم أعوان الملك الأعظم الذي هو صاحب القلم عند أكثر المحققين قال:

ثم إن الملكين يكتبان الحسنات والسيئات كتابة لا تشبه كتابة أهل الدني لأنهما إنما يكتبان في صحف مطهرة مطوية في سر القلب لا يطلع على ذلك أحد من أهل الدنيا إذ الملكان وكتابتهما وصحفهما وجميع ما يتعلق بهما من عالم الملكوت وذلك لا تدركه أبصارنا في عالمنا هذا ثم إن تلك الصحف المطوية تنشر مرتين مرة عند النزع لقوله فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ [ق: 22] ومرة في القيامة على رؤوس الأشهاد قال تعالى وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء:

13] وذلك عند وضع الميزان القسط فيرى الكتب هناك طائرة من الهواء وهو قوله طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء: 13] طائره في عنقه على أحد التفاسير ثم إذا قرأ كل أحد كتابه يجد حروف كتابه نيرة أو مظلمة بحسب أعماله الحسنة أو القبيحة فصاحب الحسنات يجد كتابه خطوطا بيضاء وصاحب السيئات يجد كتابه خطوطا سوداء. قال الشيخ أبو طاهر القزويني: وأصحاب الكتب يومئذ إذا عرضت عليهم كتبهم مضطرون إلى قراءتها من غير تعليم من أحد بل بإلهام من اللّه تعالى . فنسألك اللهم أن تؤتين كتابنا بأيماننا وتدخلنا جنتك بأيماننا ولا تفضحنا يا أرحم الراحمين. وأما العرض على اللّه يوم القيامة فهو مثل عرض العساكر على الملك فيوقف العبد بين يدي اللّه عز وجل كما يليق بجلاله ويقع السؤال بحسب ما يريد اللّه عز وجل بذلك العبد فيا له من موقف يتساقط فيه لحم الوجوه من شدة الخجل والحياء من اللّه عز وجل وفي الحديث: " من نوقش الحساب عذب ". قال الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والستين وثلاثمائة: والمراد بالمناقشة هو السؤال عن علل الأعمال فيعرض تعالى على العبد عمله قال وهذا السؤال عام في حق كل الخلق حتى الرسل عليهم الصلاة والسلام قال تعالى يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذ أُجِبْتُمْ [المائدة: 109] الآية قال ولكن فرق عظيم بين سؤاله للأنبياء وسؤاله لغيرهم فإن سؤاله للرسل يكون على تكرير النعم على طريق المباسطة وأما سؤاله لغيرهم فيكون في أمور قبيحة نسأل اللّه اللطف وفي الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكل هو وأصحابه رطبا وبسرا وشربوا بعده الماء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة " مع أن هذا كان عقب الجوع كما يدل عليه سياق الحديث فقد شارك هؤلاء الأنبياء في سؤال تقرير النعم في هذه القصة وفارقوهم في سؤال التوبيخ والتقريع.

(فإن قيل): فما سبب شهادة الأعضاء على صاحبها ولم لم يكن يشهد على نفسه بلسانه ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السبعين من "الفتوحات" أن سبب شهادة الأعضاء قبح تلك الذنوب فيستحي العبد بين يدي اللّه عز وجل أن ينطق بها أو بنكرها أصلا وهو تعالى أسرع الحاسبين فلا ينتظر زوال الاستحياء فلذلك تستشهد أعضاؤه ثم يقبل اللّه شهادتها لعدالتها الأصلية من أصل الفطرة والأصل العدالة والجرح طارىء وينقدح من هذا سؤال وهو إذا كانت الأعضاء كلها تشهد وهي عدول مزكاة وما ثم إلا أعضاء فمن المعذب ؟ انظر يحتاج ذلك إلى جواب ولعل تعذيب الأعضاء إنما هو لتلذذها بفعل ما نهيت عنه في دار الدنيا وكان بعضهم يقول في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أن المراد أنه لم يكن في حسابهم إن اللّه تعالى يدخلهم الجنة لسوء ما تعاطوه وقال: ليس المراد أن الحق تعالى لا يحاسبهم على أعمالهم انتهى فليتأمل.

 

* - وقال في الباب الثامن وتسعين ومائة من "الفتوحات": إذا أخبر الحق تعالى عباده بما فعلوه من الجرائم يوم القيامة فيما بينه وبينهم كقوله يا عبدي فعلت كذا وكذا في وقت كذا وكذا لا يكون ذلك منه على وجه التوبيخ وإنما يكون ذلك من باب إعلامه بسعة رحمته تعالى وهذا خاص بالموحدين فافهم.

* - وقال في الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة: اعلم أن كل مسلم استحيى من اللّه تعالى في الدار الدنيا ومن لقائه يوم القيامة فلا بد أن يؤنسه الحق تعالى يوم القيامة ويزيل خجله وأصل الاستحياء يكون من المخالفة أو التقصير في خدمة اللّه تعالى وما ثم غير هذين الطريقين قال: وصورة تأنيس الحق تعالى لعبده المؤمن أن يقول له عبدي ما كان الذي وقع منك في دار الدنيا إلا بقضائي وقدري لأنك موضع جريان أحكامي فيأنس العبد بهذا القول أشد الأنس ولو أن العبد قال هذا القول للّه تعالى ابتداء لأساء الأدب مع اللّه تعالى ولم يسمع منه وبهذا بعينه يؤنسه الحق تعالى فهو من جانب الحق تعلق في غاية الحسن ومن جانب العبد في غاية القبح فليس له أن يقول ي رب كيف تقدر علي المعاصي ثم تؤاخذني وأما الحق تعالى فإذا قال للعبد أنت موضع جريان أحكامي فهو في غاية الفضل والإحسان لأن فيه إقامة العذر للعبد وتأنيسه ومباسطته وإزالة خجله ورفع وجله. قال الشيخ محيي الدين: ولما ورد على هذا التعريف الإلهي في واقعة من الوقائع الشريفة لم يسعني وجودي من الفرح حيث أطلعني على مثل ذلك انتهى. وقال في آخر الباب الثامن والثمانين وثلاثمائة: إنما كان الصابرون يوفون أجرهم بغير حساب أي معين علمه عندنا لأن الصبر يعم جميع الأعمال إذ هو حبس النفس على فعل الأعمال المكروهة فلهذا لم يأخذه المقدار بخلاف بقية الأعمال تأخذها انتهى.

(خاتمة): قال في الباب التسعين من « الفتوحات » في قوله تعالى وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد: 18] اعلم أنه لا ينبغي للعبد أن يقرض اللّه عز وجل لأجل مضاعفة الأجر يوم القيامة وإنما ينبغي له أن يقرض ربه عز وجل امتثالا لأمره تعالى حيث أمره بالإحسان إلى عباده وهذا هو معنى وصف القرض بالحسن. وإيضاح ذلك أن الحق تعالى لا يعاملنا إلا بما شرعه لنا ألا تراه تعالى قد سأل نبيه أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق أي الذي بعثه به لعباده إذ الألف واللام في الحق للعهد أي: رب احكم بالحق المعهود الذي بعثتني به وعلى هذا تجري أحوال الخلائق يوم القيامة فمن أراد أن يرى حكم اللّه تعالى إلى يوم القيامة فلينظر إلى حكم الشرائع في الدنيا من غير زيادة ولا نقصان فكن يا أخي على بصيرة من شرعك فإنه عين الحق الذي إليه مالك يوم الدين انتهى.

* - وقال في الباب الأحد وخمسين وخمسمائة في قوله تعالى فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 105] اعلم أن الحق تعالى إذا حكم يوم القيامة في الأمور بنفسه يكون حكمه على أنواع بحسب المواطن فموطن يحكم فيه سبحانه وتعالى بنفسه بعلمه هو دون رسوله والمؤمنين على حسب ما يراه في العمل وموطن يحكم فيه تعالى بما يراه رسوله صلى اللّه عليه وسلم في العمل على اختلاف الطبقات وموطن يحكم فيه بما يراه المؤمنون يعني الأئمة المجتهدين رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين وموطن يحكم فيه بالمجموع، هذ وجه جمع الرسول والمؤمنين معه تعالى في الحكم بما يرونه مع أن كل ما يراه عباده تعالى فهو حكمه وتقديره بالأصالة وقد قال بعض المحققين: إذا كان الحق تعالى هو الحاكم الحقيقي في جميع أحكام الدنيا فكيف يصح وصف بعض أحكام القضاة بالبطلان انظر انتهى. قلت إنما يصح لنا وصف بعض الأحكام بالبطلان عملا منا بالشريعة التي تعبدن اللّه تعالى بالعمل بها في هذه الدار دون الحقيقة فإن الحق تعالى لم يأمرنا بالحكم بها في هذه الدار لخفاء وجه مطابقتها للشريعة لا مخالفتها لها في نفس الأمر كم قاله المحققون واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!