موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الستون: في بيان وجوب نصب الإمام الأعظم وثوابه ووجوب طاعته

وأنه لا يجوز الخروج عليه وأن وجوب نصبه علينا لا على اللّه عز وجل وأنه لا يشترط كون الإمام أفضل أهل الزمان بل يجب علينا نصبه ولو مفضولا وذلك ليقوم بمصالح المسلمين كسد الثغور وتجهيز الجيوش وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطرق وقطع المنازعات الواقعة بين الخصوم وحفظ جميع مصالح الناس الدينية والدنيوية. فلو لا الإمام الأعظم ما زجر الناس عما يضرهم ولا نفذت أحكامهم ولا أقيمت حدودهم ولا قسمت غنائمهم وقد أجمع الصحابة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على نصبه حتى جعلوه أهم الواجبات وقدموه على دفنه صلى اللّه عليه وسلم ولم يزل الناس في كل عصر على ذلك. ويؤيد ذلك أيضا عدة أحاديث منها حديث مسلم: من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. وقال الكمال في " حاشيته ": نصب الإمام واجب سماعا أي شرعا لا عقلا وقال أصحاب الجاحظ والبلخي والبصري من المعتزلة بوجوب نصب الإمام على الحق تعالى عقلا لأنهم يقولون الضرر مع عدم الإمام متوقع من الظلمة على الضعفاء ودفع الضرر المظنون واجب عقلا وذلك إنما يندفع بنصب إمام يقوم بأحكام الشرع وهم موافقون لأهل السنة في تعيين الأئمة. وأما أهل السنة فذهبوا إلى أن الإمام يعرف بأمور إم بنصب من يجب أن يقبل قوله كنبي أو إمام أو بإجماع المسلمين وكان الإمام بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم بالإجماع أبا بكر الصديق ثم عمر الفاروق بنص أبي بكر عليه ثم عثمان بنص عمر على جماعة جعل أمر الخلافة شورى بينهم فإنه لم يستخلف أحدا فاجتمع الناس على إمامة عثمان ثم على المرتضى وأجمع المعتبرون من الصحابة على ذلك وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون ثم وقعت المخالفة بين الحسن ومعاوية وصالحه الحسن واستقرت الخلافة عليه ثم على من بعده من بني أمية وبني مروان حتى انتقلت الخلافة إلى بني العباس وأجمع أكثر أهل الحل والعقد عليهم، وانساقت الخلافة منهم إلى أن جرى ما جرى. وأما قول بعض الروافض إن أبا بكر غصب الخلافة وتقدم على علي رضي اللّه عنه ظلما فهو باطل يلزم منه إجماع الصحابة على الظلم حيث مكنوا أبا بكر من الخلافة وحاشاهم من ذلك فإنهم حماة الدين. وقالت الخوارج والأصم من المعتزلة لا يجب عل الناس نصب إمام ومنهم من قال بوجوب نصبه عند ظهور الفتن دون زمن الأمن وبعضهم عكس الأمر. وقالت الشيعة المسلمون بالإمامية بوجوب نصب الإمام على اللّه تعالى والحق أنه لا يجب على اللّه تعالى شيء ولو أوجبه على نفسه أو حرمه كما في قوله تعالى: وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] وكما في قوله تعالى في الحديث القدسي: إني حرمت الظلم على نفسي، وذلك لأن حضرته سبحانه وتعالى لا تقبل التحجير وبذلك باين خلقه إذ التحجير لا يكون إلا من أعلى على أدنى فإنهم. وقالت المعتزلة يجب على اللّه تعالى أشياء يترتب الذم بتركها منها الجزاء اي الواب على الطاعة والعقاب على المعصية ومنها اللطف بأن يفعل بعباده ما يقويهم على الطاعة ويقربهم منها ويبعدهم عن المعصية بحيث لا ينتهون إلى حد الإلجاء، ومنها فعل الأصلح لهم في الدنيا من حيث الحكمة، وقولنا في ترجمة المبحث لا يجوز الخروج على السلطان قد خالفنا فيه المعتزلة فجوزوا الخروج على السلطان الجائر بناء على انعزاله بالجور عندهم وقولنا يجب نصب الإمام ولو مفضولا قد خالفنا قوم في ذلك فقالوا: لا يكفي نصب الإمام المفضول مع وجود الفاضل بل يتعين نصب الفاضل ونقل ذلك عن الإسماعيلية وهم قوم منسوبون إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق المدفون بالقرب من البقيع ويسمون بالباطنية وبالملاحدة أما الباطنية فلكونهم يقولون لكل ظاهر باطن وأما تلقيبهم بالملاحدة فلعدولهم عن ظواهر الشريعة إلى بواطنها في بعض الأحوال. واعلم أن بعضهم جعل كلام بعض الصوفية في دقائق العلوم كمذهب الباطنية سواء والحق أن بينهما فرقا فإن الصوفية لا يعتمدون قط على باطن إلا إن وافق ظاهر الشريعة وإلا رموا به، وكتبهم مشحونة بذلك بخلاف الباطنية يعتمدون ما انتحله أكابرهم سواء وافق الشريعة أو خالفها فافهم. وقد تقدم في مبحث الكلام على القطب والأفراد أنه قد يكون من الأفراد من هو أكمل من القطب لأن القطب لم ينل في هذ المقام بفضله على الكافة من الأولياء وإنما هو لسبق العلم بأنه لا بد في العالم من واحد يرجع إليه أمر الناس فتعين للقطبية لا بأولوية فكذلك القول في مبحث الإمامة هنا لا يشترط أن يكون الإمام أفضل الرعية واللّه أعلم. واعلم أنه لا يشترط في الإمام العصمة ولا كونه هاشميا ولا علويا خلافا للرافضة وذهب الجمهور إلى أن الإمام الأعظم لا ينعزل بالفسق. وفي كتب أصحاب إمامنا الشافعي رضي اللّه عنه يشترط أن يكون الإمام بالغا عاقلا مسلما عدلا حرا ذكرا مجتهدا شجاعا ذا رأي وكفاية قرشيا سميعا بصيرا ناطقا سليم الأعضاء من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض فإن لم يوجد قرشي اجتمعت فيه الشروط فكناني فإن لم يوجد فغيره والجاهل العادل أولى من الجاهل الفاسق كما هو مقرر في كتب الفقه، هذا ما رأيته في كتب المتكلمين. وأما عبارة الشيخ محيي الدين رحمه فقال في الباب الثاني والعشرين وثلاثمائة من "الفتوحات".

(فإن قلت): إن الشارع لم ينص على الأمر باتخاذ الإمام فمن أين يكون واجبا ؟

(فالجواب): إن اللّه تعالى أمرنا بإقامة الدين ولا سبيل إلى إقامته إلا بوجود الأمان على أنفس الناس وأهليهم وأموالهم ومنع تعدي بعضهم على بعض وذلك لا يصح لهم إلا مع وجود إمام يخافون سطوته ويرجون رحمته ويرجعون إليه ويجتمعون عليه فإن لم يأمنوا على أنفسهم لا يتفرغون لإقامة الدين الذي أوجب الحق تعالى عليهم إقامته وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب فاتخاذ الإمام واجب علين على اللّه تعالى قال ويجب أن يكون واحدا لئلا يختلفا فيؤدي إلى الفساد في الكون كما أن إله العالم واحد وكما أن القطب الغوث في العالم واحد فنصب الإمام واحدا واجب شرعا انتهى.

(فإن قلت): إذا صحت إمامة شخص فبماذا ينعزل منها ؟

(فالجواب): ينعزل بعجزه عن القيام بحقها من منع بغي الرعية على بعض ونحو ذلك مما تقدم في شروط الإمامة كما هو مقرر في كتب الفقه. وقد قال الشيخ محيي الدين في الباب الستين من "الفتوحات": كل إمام لا ينظر في أحوال رعيته ولا يمشي فيهم بالعدل والإحسان فقد عزل نفسه من الإمامة في نفس الأمر دون الظاهر، قال: وعندي أن الحاكم إذا جار أو فسق انعزل فيما فسق فيه خاصة لأنه لم يحكم بما أمره اللّه أن يحكم به وقد أثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للولاة اسم الإمامة ولو جاروا فقال فإن عدلوا فلكم ولهم وإن جاروا فلكم وعليهم، ونهانا أن نخرج يدا من طاعة ولا خص بذلك واليا دون آخر ومن هنا قلنا إنه انعزل في نفس الأمر دون الظاهر انتهى. فعلم أنه ليس للإمام مخالفة الشريعة أبدا لكن رأيت في الباب التاسع والستين وثلاثمائة في الكلام على علم السياسة للملوك أن يعفوا عن كل شيء إلا عن ثلاثة أشياء وهي التعرض للحرم وفشاء السر والقدح في ملكهم انتهى. ورأيت في " تاريخ الخلفاء " للجلال السيوطي أن ذلك من كلام أبي جعفر المنصور وكذلك رأيت في " الأحكام السلطانية " أن للوالي أن يضرب المجرم حتى يقر وليس ذلك للقاضي فليتأمل ذلك. وقال في علوم الباب الرابع والستين وثلاثمائة من "الفتوحات": من طعن في الولاة فقد نسب من نصبهم إلى السفه وقصور النظر وهو باب خطير جدا قال: ولهذا نهى الحق تعالى عن الطعن في الملوك والخلفاء وأخبر أن قلوبهم بيد اللّه تعالى إن شاء قبضها عنا وإن شاء عطف بها علينا وأمرنا أن ندعو لهم لأن وقوع المصلحة بهم في العامة أعظم من جورهم مع أنهم باب اللّه تعالى في قضاء الحوائج في أهل الأرض سواء كانوا فاسقين أو صالحين عادلين أو جائرين فلا يخرجهم ذلك عن إطلاق اسم النيابة عليهم انتهى. وقال في الكلام على الإمامة من صلاة الجماعة في أبواب الصلاة من "الفتوحات" في قوله صلى اللّه عليه وسلم صلوا خلف كل بر وفاجر، المراد بالفاجر هنا هو العاصي المسلم لا الكافر فما دام الإمام فيه ربقة الإسلام قبلنا الصلاة خلفه وإن كان ذلك مكروها لكن لا يخفى أن الكراهة خاصة بما إذا كان فسق الإمام بأمر متيقن لا مظنون لأنه يبعد من المؤمن الكامل اعتقاد الفسق في أحد بالظن انتهى. وقال في الكلام على الطواف من باب الحج من "الفتوحات" إنما جوز إمامة الفاسق مع الكراهة ولم تبطل الصلاة خلفه لأنه لا يدخل للصلاة إلا حتى يتوضأ الوضوء المشروع ثم إنه يحرم بالصلاة فلا يزال في خير وعبادة ما دام بين قراءة وذكر وخضوع حتى يسلم من الصلاة ولا يوصف إذ ذاك بفسق بل هو في طاعة اللّه عز وجل وقد صلى عبد اللّه بن عمر خلف الحجاج وكفى به فاسقا، وأيضا فإنه ما من معصية تقع من المسلم إلا والإيمان بأنها معصية يصحبه فالحجاج ونحوه حال صلاته وإن كان فاسقا خارجها مؤمن مطيع للّه تعالى بإيمانه والإيمان لا يقاومه شيء فضعف جانب المعصية فلذلك قلنا إن إمامته مكروهة لا باطلة، انتهى كلامه وفيه نظر أن الكراهة ليست من حيث عدم وصفه بالمعصية في الصلاة وإنما هي من حيث استصحابه الظلم والجور ولو خارج الصلاة فلذلك كانت إمامته مكروهة.

(فإن قلت): فما شبهة الإمامية في قولهم يشترط أن يكون الإمام معصوم ؟

(فالجواب): شبهتهم قولهم إن الإمام إذا صلى لا يناجي إلا صفته الأحدية خاصة فيجب عصمته في الصلاة حتى يسلم منها وهم قائلون بعدم عصمته خارج الصلاة قالوا وأصل هذا المقام إنما هو خاص بالأنبياء، ولكن من قدم للإمامة من غيرهم يجب علينا القول بعصمته حتى يفرغ من الصلاة انتهى، والحق الواضح بل الواقع عدم وجوب عصمة الأئمة فإنه ما من إمام إلا ويقع له في السهو في صلاته وإن لم يسه عن صلاته فإن بين المقامين فرقا فإنه يلزم من السهو عن الصلاة عدم فعلها بالكلية بخلاف الساهي فيها وأطال في ذلك في الباب السابع والأربعين وثلاثمائة. ومما يؤيد عدم القول بعصمة الأئمة أيضا ما قاله الشيخ في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة من قوله: اعلم أن الحق تعالى لا ينظر إلى القطب الذي هو السلطان الباطن إلا بعين الأهلية ولو أنه تعالى نظر إلى السلطان الظاهر بهذا العين ما جار إمام قط كما يراه الإمامية فإن العصمة ليست من شرط الإمام الظاهر ولو كانت الإمامة غير مطلوبة له ثم أمره اللّه تعالى أن يقوم بها لعصمة اللّه بلا شك كما وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإلى ذلك الإشارة بحديث من أعطيها يعني الإمارة بغير مسألة وكل اللّه تعالى به ملكا يسدده، قال وهذ هو معنى العصمة لكن الأدب أن يقال إنه محفوظ لا معصوم وأما قوله تعالى في حق داود عليه الصلاة والسلام وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص: 26] فالمراد بهذا الهوى عدم اتباع إشارة من أشار عليك بما يخالف ما أوحينا به إليك من فعل الأولى لا المكروه ولا الحرام لأن مقام الأنبياء يجل عن ذلك كما بسطه الشيخ في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة وأنشد في ذلك يقول: عجبت لمعصوم يقال له اتبع * ولا تبتدع واحكم بما أنزل اللّه

وكيف يرى المعصوم يحكم بالهوى * مع الوحي والتحقيق ما ثم إلا هو

إلى آخر ما قال، وكذلك بسط الشيخ الكلام في ذلك أيضا في الباب الخامس عشر وخمسمائة فراجعه.

(فإن قلت): فهل بين الخلافة والملك فرق ؟ فإن في الحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا، ومن أقرب إلى صفات الحق تعالى الخليفة أو الملك ؟

(فالجواب): بين الخلافة والملك فرق ظاهر كما صرح به الحديث وكم تقدم في مبحث النبوة والرسالة وقد قال الشيخ في الباب السابع والسبعين ومائة: الفرق بين الخليفة والملك أن الخليفة يعلم الأسماء ومصارفها بخلاف الملك لا يلزم منه أنه يعرف علم الأسماء ولا مصارفها فليس هو بخليفة في العالم،

* - وقال في الباب الستين ومائتين: لا يكون القرب الصوري من اللّه تعالى إلا للخلفاء خاصة سواء أكانوا رسلا أم غير رسل، قال ثم إن قربهم على نوعين الأول الخلافة عن التعريف الإلهي بمنشور والثاني خلافة لا عن تعريف إلهي مع نفوذ الأحكام منه ومثل هذا لا يسمى بلسان الأدباء خليفة وفي الحقيقة هو خليفة.

(فإن قلت): فأيهما أتمّ ؟ فالجواب الخلافة بغير تعريف إلهي إتم في القرب المعنوي فإن الخليفة بالتعريف والأمر الظاهر يبعد من المستخلف في الصورة فإن حكمه في العالم لم يكن عن أمر من غيره بل هو حاكم لنفسه فهو أقرب إلى الصفة الإلهية ممن عقدت له الخلافة بتعريف ومنشور ولكن هذا أقرب إلى السعادة المطلوبة ممن لم يقترن بخلافته أمر إلهي إذ القرب من السعادة هو المطلوب عند العلماء باللّه تعالى .

* - وقال في الباب السابع والسبعين ومائة.

(فإن قلت): فهل الأولى للخليفة التحكم في العالم أو التسليم ؟

(فالجواب): هو مخير في ذلك فإن شاء تحكم وظهر كالشيخ عبد القادر الجيلي وإن شاء سلم وترك التصريف لربه في عباده مع التمكن منه كأبي السعود بن الشبل تلميذ الشيخ عبد القادر إلا أن يقترن بذلك أمر إلهي كداود عليه السلام فل سبيل إلى رد أمر اللّه فإنه من الهوى الذي نهى الخليفة عن أتباعه وكعثمان بن عفان رضي اللّه عنه نهاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يخلع ثوب الخلافة فلم يخلعه من عنقه حتى قتل لعلمه بما للحق تعالى في ذلك. وأما من لم يقترن بتحكمه أمر إلهي فهو مخير إن شاء ظهر به بحق وإن شاء لم يظهر به فاستتر بحق مع أن ترك الظهور أولى عند كل عاقل فعلم أن الأولياء قد يلحقون بالأنبياء في الخلافة وأما الرسالة والنبوة فلا لأن ذلك باب مسدود بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فللرسول الحكم ثم استخلف فله التحكم أيضا فإن كان رسولا فتحكمه بما شرع وإن لم يكن رسولا فتحكمه عن أمر اللّه بحكم وقته الذي هو شرع زمانه وبذلك الحكم ينسب إلى العدل والجور.

(فإن قلت): فهل رتبة التحكم للإنسان ابتلاء أو تشريف ؟

(فالجواب): هو ابتلاء له إذ لو كانت تشريفا لبقيت معه في الآخرة في دار السعداء ولما كان يقال للخليفة ولا تتبع الهوى فإن التحجير مؤذن بالابتلاء بل شك بخلاف التشريع فإنه إطلاق لا تحجير فيه، وأيضا فلو كانت تشريفا لما نسب في التحكم إلى عدل ولا إلى جور ولا كان يتولى الخلافة في العالم إلّا أهل اللّه خاصة وقد ولى اللّه تعالى بعض الفسقة وأمرنا بالسمع والطاعة لهم وإن جاروا هذه حالة ابتلاء لا حالة تشريف.

(فإن قلت): فأيهما أكمل خلافة ؟ هل هو آدم عليه السلام أم داود عليه السلام ؟

(فالجواب): كل منهما فاضل من وجه مفضول من وجه آخر كما قاله الشيخ في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة فقال: اعلم أن الحق تعالى لما شرح صدر آدم عليه الصلاة والسلام لأن يهب ابنه داود من عمره ستين سنة ثم نسي آدم ذلك عند الوفاة وجحد ما أعطاه من عمره حصل لداود انكسار قلب عند ذلك فجبره اللّه بذكر لم يعطه آدم عليه السلام وذلك أنه تعالى قال في آدمإِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] وما عينه باسمه ولا جمع له بين أداة المخاطب وبين ما شرفه فلم يقل له وعلمتك الأسماء كلها وقال في داودجَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ [ص: 26] فسماه فلما علم اللّه تعالى في سابق علمه أن مثل هذا المقام والاعتناء قد يورثه النفاسة على أبيه من وجه بشريته بحسب النشأة قالوَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص: 26] فحذره فاشتغل بذلك الحذر عن الفرح بم حصل له من تعيين اللّه تعالى له باسمه وأمره بمراقبة السبيل ثم إن الحق تعالى سلك مع داود سلك الأدب حيث قال له: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ [ص: 26] ولم يقل له إنك إن ضللت عن سبيل اللّه لك عذاب شديد وأطال الشيخ في ذلك.

(خاتمة): ذكر الشيخ في الباب الستين من "الفتوحات" أن اللّه تعالى جعل في السماوات نقباء من الملائكة وجعل لكل ملك نجما هو مركبه الذي يسبح فيه وجعل الأفلاك تدور بهم كل يوم دورة فلا يفوتهم شيء من مملكة السماوات والأرض فكل سلطان لا ينظر في أحوال رعيته فقد عزل نفسه في نفس الأمر قال: وقد جعل اللّه تعالى بين ولاة السماوات وولاة الأرض مناسبات ورقائق تمتد إلى أهل الأرض من الولاة بالعدل مطهرة من الشوائب مطهرة من العيوب فتقبل أرواح هؤلاء الولاة الأرضين من أرواحهم بحسب استعدادهم حسنا أو قبحا فلا يلومن الوالي إلا نفسه. قال وقد بسطنا الكلام على ذلك في التنزلات الموصلية واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!