موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث السابع والخمسون: في بيان ميزان الخواطر الواردة على القلب

* - قال في " جمع الجوامع " لابن السبكي رحمه اللّه: وإذا ألقي في قلبك ي أخي أمر فزنه بميزان الشرع ولا يخلو ذلك من ثلاثة أحوال إما أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه أو مشكوكا فيه. قال ويعبر عن هذا الذي ألقي في القلب بالخاطر في اصطلاح العلماء فالحال الأول هو أن يكون مأمورا به فلا ينبغي التأخير فيه بل يبادر العبد إلى فعله لأنه من الرحمن تبارك وتعالى رحم العبد به إن أراد به الخير حيث أخطره بباله ليفعله فإن خشي العبد وقوعه منه على صفة منهية كعجب ورياء فلا بأس عليه في وقوع ذلك العمل على تلك الصفة لأن افتتاح هذا العمل أولا على الإخلاص، لكن لا تكون تلك الصفة المذمومة مقصودة له فإن أوقعها قاصدا للرياء مثلا كان عليه إثم ذلك فليستغفر منه وجوبا والحال الثاني وهو أن يكون الخاطر منهيا عنه فلا تنبغي المبادرة إلى فعله بل يجب على العبد أن يرده المرة بعد المرة فإنه من الشيطان، فإن مال العبد إلى فعله ولكن لم يقع فليستغفر اللّه من هذا الميل والحال الثالث أن يكون ما ألقى في القلب مشكوكا فيه بأن لم يظهر للعبد أهو مأمور به أم منهي عنه فمن الأدب الإمساك عن العمل به حذرا من الوقوع في المنهي ومن ثم قال الشيخ أبو محمد الجويني رحمه اللّه: إذا شك المتوضىء أن يغسل ثالثة فيكون مأمورا بها أم رابعة فيكون منهي عنها فلا يغسل خوف الوقوع في المنهي عنه قال الكمال في " حاشيته ": والمعتمد أنه يغسل لأن التثليت مأمور به ولم يتحقق قبل هذه الغسلة فيأتي به انتهى كلام شرح " جمع الجوامع " و " حاشيته ". وأما كلام الشيخ محيي الدين في الخواطر فقال في الباب الرابع والستين ومائتين: اعلم أن للّه تعالى سفراء إلى قلب عبده يسمون الخواطر لا إقامة لهم في قلب العبد إلا زمان مرورهم عليه فيؤدون ما أرسلوا به إلى ذلك العبد من غير إقامة بذواتهم وهم سبعون ألف خاطر في اليوم والليلة على عدد من يدخل البيت المعمور كل يوم لا يزيدون ولا ينقصون فلا تغفل يا أخي عن هؤلاء السفراء فإنهم يمرون بساحتك ضيوفا ولا يثبتون فإن وجدوك متصفا باليقظة فهو المقصود وإن وجدوك متصفا بالغفلة نفروا في مرورهم على بابك لتتيقظ فإن تيقظت فإنهم لا يفوتونك وإن لم تتيقظ لنفرهم تركوك ورجعوا إلى ربهم. وأطال في ذلك. ثم قال: وعدة الخواطر خمسة جعلها الحق تعالى لك لتمشي عليها على القلب وتمشي على الطريق الواحد وجوبا والثاني ندبا والثالث حظرا والرابع كراهة والخامس إباحة وجعل اللّه تعالى في كل طريق من هذه الطرق ملكا يقابل الشيطان يأمر العبد بضد ما يأمره به الشيطان ما عدا طريق الإباحة انتهى.

(فإن قلت): فهل عفو اللّه تعالى عن هذه الخواطر في حق كل الناس أم العفو خاص ببعضهم ؟

(فالجواب): هو خاص ببعضهم عند من يقول إن قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ [البقرة: 284] غير منسوخة أو منسوخة في حق العامة دون الخاصة، أما عند من يقول إنه منسوخة فهي عامة في حق كل الأمة ولكن كتب القوم مشحونة بالمؤاخذة لهم بالخواطر في هذه الدار. وذكر الشيخ في الباب الثاني والعشرين وأربعمائة ما نصه: اعلم أن اللّه تعالى قد عفا عن الخواطر التي لا تستقر عندنا إلا بمكة شرفها اللّه تعالى لأن الشرع ورد أن الحق تعالى يؤاخذ من أراد الظلم فيها، قال وهذا كان سبب سكنى عبد اللّه بن عباس بالطائف احتياطا لنفسه رضي اللّه عنه فإن الإنسان ليس في قدرته أن يمنع قلبه عن الخواطر التي تناقض مقامه إلا أن يكون معصوما أو محفوظا إنما نكر في الآية قوله بظلم ليجتنب الساكن بالحرم كل ظلم انتهى. وقال في علوم الباب التاسع والستين وثلاثمائة أعلم أن حديث النفس إنما كان مغفورا إذا لم يعمل أو يتكلم والكلام عمل فيؤاخذ به العبد من حيث ما هو متلفظ به كالغيبة والنميمة فإن العبد يؤاخذ بذلك ويسأل عنه من حيث لسانه ولا يدخل الهم بالشيء في حديث النفس لأن الهم بالشيء له حكم آخر في الشرع خلاف حديث النفس ولذلك موطن كمن يريد في الحرم المكي إلحاد بظلم فإن اللّه أخبر أنه يذيقه من عذاب أليم سواء أوقع منه ذلك الظلم الذي أراده أم لم يقع وأما في غير المسجد الحرام المكي فإنه غير مؤاخذ بالهم فإن لم يفعل ما هم به كتبت له حسنة إذا ترك ذلك للّه خاصة فإن لم يتركها من أجل اللّه لم يكتب له ولا عليه فهذا هو الفرق بين حديث النفس والإرادة التي هي الهم انتهى.

(فإن قلت): فما حكم من كثرت عليه وسوسة الشيطان في الصلاة ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في باب صلاة شدة الخوف من "الفتوحات": أن حكمه حكم المصلي صلاة شدة الخوف فهو أي الشيطان مع المصلي في حوب عظيم فيصلي من هذه حالته ولو قطع الصلاة كلها في محاربة الشيطان فيؤدي الأركان الظاهرة كما شرعت بالقدر الذي له من الحضور أنه في الصلاة في باطنه كما يؤدي المجاهد الصلاة حال المسابقة بباطنه كما شرعت بالقدر الذي له من الصلاة في ظاهره من الإيمان بعينيه والتكبير بلسانه في جهاد عدوه الظاهر فإن وسوس له الشيطان في ذلك لم يضره وسوسته في صلاته فإن كان قد جعل المصلي في نفسه أنه يصلي رياء وسمعة وكان قد أخلص في أول شروعه في الصلاة فلا يبالي فإن الأصل صحيح في أول نشأة صورة الصلاة فلا يبطل عمله وغرض الشيطان بذلك الخاطر إنما هو أن يترك العبد العمل الذي شرع فيه العبد على صحة ليخالف قوله تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [محمد: 33] بسبب تلك الشبهة التي يلقيها إلى قلب العبد انتهى.

(فإن قلت): فما محل مخالفة النفس من الأحكام ؟

(فالجواب): محل مخالفتها في ثلاثة أمور في المباح والمكروه والمحظور لا غير كما ذكره الشيخ في الباب الثاني عشر ومائة قال: وأما إذا وقعت لها لذة عظيمة في طاعة مخصوصة وعمل مقرب فهنالك علة خفية فيخالفها بطاعة أخرى وعمل مقرب فإن استوى عندها جميع التصرفات في فنون من العبادات سلمنا لها تلك اللذة في تلك الطاعة الخاصة وإن وجدت المشقة في العمل المقرب الآخر الذي هو خلاف هذا العمل فالعدول إلى الشاق واجب لأنها إن اعتادت المساعدة في مثل هذا انتقلت إلى المساعدة المحظور والمكروه والمباح قال: وإذا فكر خبيث السريرة أنه يفعل سوءا إذا فرغ من الصلاة مع كونه مؤمنا فالصلاة صحيحة وهو ممن حدث نفسه بسوء وقد عفا اللّه عنه ما لم يعمله انتهى.

(فإن قلت): فكم ينقسم الخاطر الشيطاني إلى قسم ؟

(فالجواب): ينقسم إلى قسمين: حسي ومعنوي، ثم الحسي ينقسم إلى قسمين لأن الشياطين قسمان شيطان إنسي وشيطان جني قال تعالى شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ [الأنعام: 112] فجعلهم أهل افتراء على اللّه وحدث بين هذين الشيطانين في الإنسان شيطان آخر معنوي وذلك أن شيطان الإنس والجن إذا ألقي في قلب الإنسان أمرا عاما يبعده بذلك عن اللّه فقد يلقى أمرا خاصا أو خصوص مسألة بعينها وقد يلقي أمرا عاما ويتركه فإن كان أمرا عام فتح له في ذلك طريقا إلى أمور لا يتفطن لها الجني ولا الإنسي يتفقه فيه ويستنبط من تلك الشبه أمورا إذا تكلم بها يعلم إبليس الغواية منها فتلك الوجوه التي تنفتح له في ذلك الأسلوب العام الذي ألقاه إليه أو لا شيطان الإنس أو شيطان الجن وتسمى الشياطين المعنوية إذ كل واحد من شياطين الإنس والجن يجهل ذلك ولم يقصدوه على التعيين وإنما أرادوا بالقصد الأول فتح هذا الباب على الإنسان لأنهم علموا أن في قوته وفطنته أن يدقق النظر فيه فينقدح له من المعاني المهلكة ما لا يقدر على رده بعد ذلك وسببه الأصل الأول فإنه اتخذه أصلا صحيحا عول عليه فلم يزل التفقه فيه يسوقه حتى خرج به عن ذلك الأصل. قال: وعلى هذا جرى أهل البدع والأهواء فإن الشياطين ألقت إليهم أولا أصلا صحيحا لا يشكون فيه ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم حتى ضلوا فنسبت ذلك إلى الشياطين بحكم الأصل وما علموا أن الشيطان في تلك المسألة تلميذ لهم يتعلم منهم، قال وأكثر ما ظهر ذلك في الشيعة ولا سيما في الإمامية منهم فأدخلت عليهم الشياطين أولا حب أهل البيت واستفراغ الحب فيهم ورأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى اللّه تعالى وإلى رسوله وكذلك هو ولو وقفوا لم يزيدوا عليه بغض الصحابة وسبهم وأطال في ذلك ثم قال وبالجملة فكل شخص لا يفرق بين الخواطر لا يفلح في طريق أهل اللّه أبدا فإنه ليس غرض الشيطان من الصالحين إلا أن يجهلوه في الخواطر المذمومة فيأخذوا عنه ما يلقيه إليهم من الضلالات والشبه وتقدم في المبحث الثالث والعشرين في إثبات الجن وزيادة على ذلك وكذلك في مبحث الولاية فراجعه واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!