موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثالث والأربعون: في بيان أنّ أفضل الأولياء المحمديين بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي اللّه عنهم أجمعين

وهذا الترتيب بين هؤلاء الأربعة الخلفاء قطعي عند الشيخ أبي الحسن الأشعري ظني عند القاضي أبي بكر الباقلاني. ومما تشبث به الروافض في تقديمهم علي رضي اللّه عنه، على أبي بكر رضي اللّه عنه، حديث أنه صلى اللّه عليه وسلم، أتي بطير مشوي فقال: " اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير " فأتاه علي رضي اللّه عنه، وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " وأفرد له الحافظ الذهبي جزءا وقال: إن طرقه كلها باطلة واعترض الناس على الحاكم حيث أدخله في " المستدرك " ودليل أهل السنة في تفضيل أبي بكر عن علي رضي اللّه عنهما، الحديث الصحيح ما فضلكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره وهو نص صريح في أنه أفضلهم وفي البخاري عن ابن عمر قال: كنا نقول: خير الناس بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم، أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ولا ينكر ذلك علينا. وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري:

ومما فضل به أبو بكر رضي اللّه عنه، أنه ما زال بعين الرضا من اللّه عزّ وجلّ، أي: بحالة غير مغضوب فيها عليه إذ لم يثبت عنه حالة كفر كما ثبت عن غيره ممن آمن وإن لم يكن موصوفا بالإيمان قبل بعثة النبي صلى اللّه عليه وسلم، إذ حكم السعادة دائر مع حكم التوحيد لا مع الإيمان، إذ متعلق الإيمان إنما هو الخبر الذي جاء به الصادق عن اللّه عزّ وجلّ ولا خبر ولا كتاب في زمن الفترة التي قبل النبوة حتى يتعلق به إيمان أبي بكر رضي اللّه عنه، أو إيمان غيره فصح حينئذ قولهم:

إن أبا بكر ما زال بعين الرضا قد أطبق السلف الصالح من الصحابة والتابعين على احترام هؤلاء الأربعة الخلفاء عند اللّه وتعظيمهم على هذا الترتيب الذي ذكرنا أما الصحابة فلأنهم شاهدوا فضل أبي بكر بقرائن الأحوال المقترنة بقوله صلى اللّه عليه وسلم، وبفعله المنبئين عن الأفضلية عند اللّه تعالى .

وأما التابعون فلأنهم خير القرون بعد الصحابة ولأنهم أعرف بعقائد الصحابة في أبي بكر وغيره. قال العلماء: وإنما كان أبو بكر يدعى بخليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأنه خليفته في أمر الرعية واستخلفه للصلاة بالناس في مرض وفاته صلى اللّه عليه وسلم فأبو بكر أفضل الأولياء المحمديين وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة: الأفضل بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم، علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، ودخل في قولنا إن أبا بكر أفضل الأولياء المحمديين أولياء الأمم السالفة فأبو بكر أفضل منهم بناء على عموم رسالته صلى اللّه عليه وسلم، في حق من تقدمه وفي حق من تأخر عنه بالزمان وخرج بقولنا في الترجمة بعد الأنبياء والمرسلين يعني: الأحياء والأموات غير عيسى عليه السلام، فإنه أفضل من أبي بكر بيقين وكذلك خرج الخضر عليه السلام، فإن مقامه برزخي بين الولاية والنبوة كما ذكره الشيخ في "الفتوحات" وعبارته: ومقام الخضر عليه السلام، دون النبوة وفوق الصديقية كما أخبرنا بذلك عليه السلام، عن نفسه مشافهة. قال: ويسمى مقام القربة وأنكر الإمام الغزالي هذا المقام انتهى. قلت: وذكر النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " ما نصه: الخضر عليه السلام، نبي وإنم اختلف في رسالته وشذ بعض الصوفية فقال بولايته انتهى. واللّه أعلم.

وعبارة الشيخ في الباب الثالث والتسعين من "الفتوحات": اعلم أنه ليس في أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم، من هو أفضل من أبي بكر غير عيسى عليه السلام، وذلك أنه إذا نزل بين يدي الساعة لا يحكم إلا بشرع محمد صلى اللّه عليه وسلم، فيكون له يوم القيامة حشران: حشر في زمرة الرسل بلواء الرسالة.

وحشر في زمرة الأولياء بلواء الولاية انتهى. وقال الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في " حاشيته ": الذي يتجه أن عيسى عليه السلام لا يعد من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنه غير داخل في دعوته فلم يكن من أمة الدعوة ولا من أمة الملة انتهى. وقال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته: ويعتقد أن أبا بكر رضي اللّه عنه، أفضل من سائر الأمة المحمدية وسائر أمم الأنبياء وأصحابهم لأنه كان ملازما لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بالصديقية لزوم الظل للشاخص حتى في ميثاق الأنبياء ولذلك كان أول من صدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال الشيخ في الباب الثالث وثلاثمائة من "الفتوحات": اعلم أن السر الذي وقر في صدر أبي بكر رضي اللّه عنه، وفضل به على غيره هو القوة التي ظهرت فيه يوم موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكانت له كالمعجزة في الدلالة على دعوى الرسالة فقوي حين ذهلت الجماعة لأنه لا يكون صاحب التقدم والإمامة إلا صاحيا غير سكران، فكان رضي اللّه عنه، هو الحقيق بالتقدم ولا يقدح في كماله واستحقاقه الخلافة كراهة بعض الناس فإن ذلك مقام إلهي قال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [الرعد: 15] . فإذا كان بعض الناس يسجد لمن بيده ملكوت السماوات والأرض كرها لا طوعا فكيف بحال أبي بكر أو غيره فعلم أنه لا بد من طائع وكاره: ولو كان يدخل في الأمر على كره لأجل شبهة تقوم عنده إذا كان ذا دين وكل الصحابة كذلك فتقديم بعضهم على بعض كما وقع به الترتيب في أخلاقهم لا بد منه لكونه سبق ذلك في حكم اللّه وأما من حيث قطعنا بتفضيل بعضهم على بعض فذلك مصروف إلى اللّه تعالى . فهو العالم بمنازلهم عنده ولم يعلمنا سبحانه وتعالى بما في نفسه من ذلك فاللّه تعالى يحفظنا من الفضول ومن مخالفة أهل السنة والجماعة آمين. وقال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور كان ترتيب الخلفاء الأربعة كما ذكرناه متعين لترتيب الحكمة وسر كمال دائرة الأمة. وقال الشيخ كمال الدين بن أبي شريف في " حاشيته ": اعلم أن الإمام الحق بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلي رضي اللّه عنهم أجمعين، والأدلة على ذلك من السنة كثيرة يتظافر دلائل مجموعها على تقديم أبي بكر، حتى يظهر ذلك للواقف عليها كفلق الصبح وكانت إمارة عثمان بالعهد من عمر أن يكون الأمر شورى بين ستة يختار خمسة منهم السادس ليكون خليفة فوقع الاختيار على عثمان والوفاق على إمارته وكانت إمارة علي رضي اللّه عنه، باجتماع كبراء المهاجرين والأنصار والتماسهم منه قبول مبايعتهم إياه فبايعوه رضي اللّه عنهم، انتهى. كما قال الشيخ كمال الدين رحمه اللّه تعالى . وقال الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والستين وثلاثمائة: مما يدل على فضل أبي بكر رضي اللّه عنه على غيره كونه كان مع النبي صلى اللّه عليه وسلم، كالمريد الصادق إذا كمل فتحه مع شيخه وبذلك استحق الخلافة فما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى تجرد أبو بكر إلى جانب الحق جلّ وعلا ورأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، عبدا مخلصا ليس له مع اللّه تعالى حركة ولا سكون إلا بإذن من اللّه تعالى . وقال أبو السعود ابن الشبلي رحمه اللّه: ما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى صار أبو بكر متعهدا على اللّه تعالى دون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فكان يأخذ كل شيء يأتيه من الأحكام من اللّه على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولذلك لما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لم يتأثر كل ذلك التأثر كما وقع لغيره، فإنه ما من أحد من الصحابة إلا واضطرب ذلك اليوم وقال: ما لا ينبغي سماعه وشهد على نفسه في ذلك اليوم بقصوره وعدم معرفته بحال رسوله الذي اتبعه، وأما أبو بكر فكان يعلم حقائق الأمور ولذلك صعد المنبر وقرأ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144] الآية، فتراجع من كان حكم عليه وهمه وعرف الناس حينئذ فضله على الجماعة حينئذ استحق الإمامة والتقدم فما بايعه من بايعه سدىّ وم تخلف عن بيعته إلّا من جهل منه ما كان يجهل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أو من كان في محل نظر من ذلك أو متأولا فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قد شهد له في حياته بفضله على الجماعة بالسر الذي وقر في صدره فظهر حكم ذلك السر يوم موته صلى اللّه عليه وسلم، وليس السر إلا ما ذكرناه من استيفائه مقام العبودية بحيث أنه لم يخل منه شيء في حقه ولا في حق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد علم من أبي بكر أنه صار مع اللّه لا مع رسوله صلى اللّه عليه وسلم، إلا بحكم أنه كان يرى ما يخاطبه به الحق تعالى على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم، في كل خطاب سمعه منه وكان لأبي بكر ميزان في نفسه يعلم ما يقبل من خطابه في حقه وما لا يقبل. قال الشيخ محيي الدين: وقد تحققت بمقام العبودية الصرف الخالصة وبلغت فيه الغاية فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يشوبني شيء من دعوى الربوبية على شيء من العالم. قال: ولا أعلم أحدا ممن تقدمني بالزمان ورث مقام العبودية على التمام كما ورثته إلّا ما بلغني عن رجل من رجال " رسالة القشيري " أنه قال: لو اجتمع الناس على أن ينزلوا نفسي منزلتها التي هي عليها من الخشية والتواضع لم يستطيعوا فأنا وإن كان الناس يستفيدون مني العلوم فأنا في نفسي عن ذلك بمعزل انتهى.

(فإن قلت): فما حقيقة الصديقية ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في كتاب " لواقح الأنوار ": إن الصديقية عبارة عن إيمان صاحبها بجميع ما أخبر به الرسل فتصديقه لذلك هو صديقيته.

(فإن قلت): فهل في الصديقية تفاضل ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ محيي الدين: إنه لا تفاضل في الصديقية لأنها كلها حقيقة واحدة فإذا رأيت بين الصديقين تفاضلا فليس هو من باب الصديقية وإنما هو من باب آخر وسر آخر كالذي وقر في قلب أبي بكر، ففضل به على جميع الصديقين لا بنفس الصديقية كما مر.

 

* - وقال في الباب التاسع وثلاثمائة: اعلم أن رأس الأولياء الملامية هو أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه. (فإن قلت): ما المراد بالملامية ؟

(فالجواب): هم قوم لا يزيدون على الصلوات الخمس إلا الرواتب ول يتميزون عن المؤمنين المؤدين فرائض اللّه تعالى بحالة زائدة يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الناس لا يتميزون عن العامة بعبادة ظاهرة قد انفردوا بقلوبهم مع اللّه تعالى راسخون في العلم وفي العبودية لا يتزلزلون عنها طرفة عين فهم لا يعرفون للرياسة طعما لاستيلاء سلطان الربوبية على قلوبهم ولتحقق الإمام أبي بكر رضي اللّه عنه، بمقام العبودية لم ينقل عنه ما نقل عن غيره من الإكثار من نوافل العبادات لكثرة ما كنا يخفي من أحواله فكانت أعماله قلبية من أن كل ذرة ظهرت من أعماله لا يعادلها قناطير من عمل غيره رضي اللّه عنه. قال الشيخ رضي اللّه عنه:

ومما يدل على تفضيل أبي بكر على عمر رضي اللّه عنهما، من وقائع الأحوال ما ثبت في الأحاديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال لأبي بكر: " ما أصبح اليوم عند آل محمد شيء يقوتهم ".

فأتاه أبو بكر بجميع ماله حتى وضعه بين يديه. فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " ما تركت لأهلك يا أبا بكر " فقال: اللّه ورسوله، فسمع عمر رضي عنه، بذلك فأتاه بشطر ماله، فقال له صلى اللّه عليه وسلم: " ما تركت لأهلك يا عمر " ؟ فقال: الشطر يا رسول اللّه. فقال: " بينكما ما بين كلمتيكما " الحديث.

* - وقال الشيخ في الباب الثامن والأربعين ومائتين: وجه التفضيل أنه صلى اللّه عليه وسلم، لم يحدد لهما في مالهما حدا بل عمى الأمر عليهما ليفعل كل واحد بقدر عزمه وإلا فلو أنه صلى اللّه عليه وسلم، كان حد لهما حدا ما تعدياه فكان فضل أبي بكر على عمر لا يظهر فما أراد صلى اللّه عليه وسلم، بإبهام الأمر إلا بيان ظهور فضيلة أبي بكر على عمر رضي اللّه عنهما، قال: وفي قول أبي بكر: تركت لأهلي اللّه ورسوله غاية الأدب حين قرن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مع اللّه تعالى فتحا لباب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لو قدر أنه رد على أبي بكر شيئا من ماله لكان قبله من يده صلى اللّه عليه وسلم، لكونه رضي اللّه عنه ترك رسول اللّه لأهله يعولهم فما حكم أبي بكر في ماله إلا من استنابه رب المال. فانظر يا أخي ما أشد معرفة أبي بكر بمراتب الأمور وبذلك فضل على عمر، وكان قد تخيل أنه يسبق أب بكر ذلك اليوم فلما وقع له ما وقع من إتيانه بشطر ماله قال: لا أسبق أبا بكر بعد اليوم، وسلم له المقام ثم إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لم يرد على أبي بكر شيئا من ماله وذلك لينبه الحاضرين على ما علمه من صدق أبي بكر في المحبة فإنه لو رد على أبي بكر شيئا من ماله لتطرق الاحتمال في حق أبي بكر أنه خطر له الرفق برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأنه إنما عرض على أبي بكر ذلك مكافأة له لما علم من عدم طيب نفسه بإعطائه ماله كله كما وقع لعبد الرحمن بن عوف فإنه جاء مرة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بماله كله فرده عليه ولو علم صلى اللّه عليه وسلم، منه أنه لا يرى له معه ملكا كما كان أبو بكر لم يرده عليه انتهى. وقال الشيخ في بعض كتبه: اعلم أن استحقاق الإمامة لشخص واحد يعرف بأمور منها: نص من يجب قبول قوله من نبي أو إمام عادل ومنها اجتماع المسلمين على إمامته وكان الإمام بالإجماع بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، أبا بكر ثم عمر رضي اللّه عنه بنص أبي بكر عليه، ثم عثمان بنص عمر عليه ثم علي بنص جماعة جعل الأمر شورى بينهم فإنه لم يستخلف أحدا وقد أجمع المعتبرون من الصحابة على إمامة عثمان ثم علي المرتضى، فهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون ثم إن المخالفة وقعت بين الحسن ومعاوية وصالحه الحسن فاستقرت الخلافة على معاوية ثم على من بعده من بني أمية وبني مروان حتى انتقلت الخلافة إلى بني العباس.

وأجمع أهل الحل والعقد عليهم وانساقت الخلافة منهم إلى أن جرى ما جرى. وقول بعض الروافض إن أبا بكر غصب الخلافة وتقدم كرها على الإمام علي رضي اللّه عنهما، باطل ويلزم منه إجماع الصحابة على الظلم حين مكنوا أبا بكر من الخلافة وحاشا حماة الدين رضي اللّه عنهم من ذلك، وكان الشيخ محيي الدين رضي اللّه عنه، يقول: تقديم أبي بكر في الفضل على عمر قطعي وتقديم عمر على غيره ظني قال: والذي أطلعنا اللّه تعالى عليه من طريق كشفنا أن تقدم شخص بالإمامة على آخر إنما هو تقدم بالزمان ولا يلزم منه التقدم بالفضل فإن اللّه تعالى قد أمرنا باتباع ملة إبراهيم وليس ذلك لكونه أحق بها من محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإنما هو لتقدمه بالزمان فإن للزمان حكما في التقدم من حيث هو زمان لا من حيث المرتبة وذلك كالخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن من حكمة اللّه تعالى ترتيبها بحسب الآجال والأعمال التي قدرها اللّه عزّ وجلّ أيام ولاية كل واحد على التعيين مع أن كل واحد أهل لها حال ولاية الآخر وقد سبق في علم اللّه أنه لا بد من ولاية كل واحد من الخلفاء الأربعة على الترتيب الذي وقع حتى لو قدر أن المتأخر تقدم فلا بد من خلعه حتى يلي أحدهم من لا بد من الولاية عند اللّه تعالى ، فكان في ترتيب ولايتهم بحكم أعمارهم عدم وقوع خلع أحدهم مع الاستحقاق إذ الصحابة كلهم عدول ذكره الشيخ في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة في الكلام على اسمه تعالى المعطي. وقال في هذا الباب أيضا في الكلام على اسمه تعالى الآخر: اعلم أن الخلفاء الأربعة لم يتقدموا في الخلافة إلا بحسب أعمارهم فإن الأهلية للخلافة موجودة فيهم من جميع الوجوه فكان سبقهم لا يقتضي التفضيل بمجرده وإنما ذلك بوجود نص قاطع قال: ولما سبق في علم اللّه تعالى أن أبا بكر يموت قبل عمر وعمر يموت قبل عثمان وعثمان يموت قبل علي والكل لهم حرمة عند اللّه وفضل قدم اللّه في الخلافة من علم أن أجله يسبق أجل غيره من هؤلاء الأربعة قال: وفي الحديث: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ". فلو قدر أن الناس بايعوا أحدا من الثلاثة دون أبي بكر مع كونه لا بد لأبي بكر من الخلافة في ذلك الزمان فخليفتان لا يجتمعان وقتل الآخر من هؤلاء الخلفاء لا يجوز وإن قدر خلع أحد من الثلاثة وولي أبو بكر الخلافة كان في ذلك عدم احترام في حق المخلوع ونسبة من خلعه إلى الجور والظلم، فإنه خلع من الخلافة من يستحقها ثم إن قدر أن من قدم لم يخلع كان أبو بكر يموت أيام خلافة من تقدمه من غير أن يلي الخلافة وقد سبق في علم اللّه أنه لا بد له أن يليها ومخالفة سبق العلم محال وأطال الشيخ في ذلك ثم قال: وبالجملة فلا ينبغي الخوض في مثل ذلك إلا مع وجود نص صريح مع أننا قائلون بترتيب هؤلاء الخلفاء الأربعة كما عليه الجمهور، وانما خالفناهم في علة التقديم فهم يقولون: هي الفضل ونحن نقول: هي تقدم الزمان. ولو أن كل متأخر كان مفضولا لكان من تقدم محمدا صلى اللّه عليه وسلم، أفضل منه ولا قائل بذلك من المحققين انتهى، فليتأمل ويحرر قالوا:

وأفضل الناس بعد الخلفاء الأربعة بقية العشرة المشهود لهم بالجنة، وم زاد على العشرة فالأدب الوقف عن الخوض في تفضيلهم مع محبتهم وتعظيمهم ورفع درجتهم على سائر الأولياء. وقال المحدثون أفضل الناس بعد العشرة أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان ثم السابقون من المهاجرين والأنصار من أهل بدر أو أهل أحد أو ممن صلى للقبلتين في ذلك أقوال ذكره الحافظ ابن حجر رضي اللّه عنه.

(خاتمة): ذكر الشيخ محيي الدين في الباب السادس والأربعين وثلاثمائة: أن أهل القرن الأول ما فضلوا على غيرهم إلا بقوة الإيمان فإنهم كانوا فيه أتم وكان التابعون أتم من غالب الصحابة في العلم وكان تابع التابعين أتم من غالب التابعين في العمل. (فإن قيل): فما الحكمة في كون الصحابة أقوى في الإيمان مع أنهم عاصروه صلى اللّه عليه وسلم، ورأوا معجزاته وأخلاقه والقاعدة أن الإيمان بالغيب أشد في حق صاحبه من الإيمان بالحاضر ؟

(فالجواب): أن قوة الإيمان إنما جاءت للصحابة من حيث أن الإنسان فطر على الحسد فإذا بعث إلى أمة رسول من جنسها ثار الحسد في الناس فلم يؤمن به إلا من قوي على دفع ما في نفسه من الحسد وحب الشفوف ولا سيما إذا كان الحاكم عليها من جنسها فكان إيمان الصحابة أقوى بهذا النظر لمشاهدة تقدم جنسهم عليهم أول الإسلام وكان اشتغالهم بما يدفع سلطان الحسد أن يقوم بهم مانعا لهم من إدراك غوامض العلوم والأسرار لنا ففاقونا بقوة الإيمان، وجبر اللّه نقصنا بأن أعطانا التصديق بما نقل لنا عنهم فحصل لنا درجة الإيمان بالغيب في شأن محمد صلى اللّه عليه وسلم، الذي لا درجة للصحابة فيه ولا قدم، لأنهم شاهدوا الشارع وشهدوا أحواله ووقائعه، فآمنو وصدقوا على الشهود فما فضلونا إلا بقوة الإيمان والسبق وأما العلم والعمل فقد يساويهم غيرهم في ذلك فالحمد للّه الذي جاء بنا في الزمن الأخير وجبر قلوبن بالتصديق وعدم الشك والتردد فيما وجدناه منقولا في أوراق سواد في بياض ولم نطلب على ذلك دليلا ولا ظهور آية ولو أننا جئنا في عصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ما كنا نعرف كيف تكون أحوالنا عند مشاهدته هل كان يغلب علينا داء الحسد فل نطيعه أم نغلب نفوسنا ونطيعهوَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب: 25] . وقال الإمام الشافعي رضي اللّه عنه في رسالته القديمة والصحابة رضي اللّه عنهم، فوقنا في كل علم وإيمان وآراؤهم عندن أجمل من آرائنا لأنفسنا انتهى.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!