موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الرابع والثلاثون: في بيان صحة الإسراء وتوابعه وأنه رأى من اللّه تعالى صورة ما كان يعلمه منه في الأرض لا غير وما تغيرت عليه صلى اللّه عليه وسلم صورة اعتقاده حال كونه في الأرض

اعلم أن الأصل في قصة الإسراء قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1) [الإسراء: 1] .قال الشيخ محيي الدين: والضمير في قوله: إِنَّهُ: راجع إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،

لا إلى الباري جل وعلا وأطال في ذلك. ثم قال فما نقل الحق تعالى محمد صلى اللّه عليه وسلم، من مكان إلى مكان إلا ليريه ما خص تعالى به ذلك المكان من الآيات والعجائب الدالة على قدرته تعالى من حيث وصف خاص لا يعلم من اللّه تعالى إلا بتلك الآية كأنه تعالى يقول: ما أسريت بعبدي إلا لرؤية الآيات لا إليّ لأنه لا يحويني مكان ونسبة الأمكنة إليّ نسبة واحدة وكيف أسري بعبدي إليّ وأنا معه حيث كان.

(قلت): فما بقي إلا أن رؤية الملك في دسكرة ملكه وجنوده أعلى في التعظيم وحصول الهيبة من رؤيته وهو متنكر وإنما كان تعالى لا يحويه مكان لأن المكان المعفول هو من سقف العرش إلى تخوم الأرضين وذلك كالذرة بالنسبة لما فوق العرش ولما تحت التخوم فإن صعد العرش إلى أبد الآبدين لا يجد بعده سقفا أو نزل العرش أبد الآبدين لا يجد له أرضا ومن أري الوجود هذه الرؤية بعد عن القول بالجسمية تعالى اللّه رب العالمين عن ذلك. قال الشيخ محيي الدين في الباب السابع والستين وثلاثمائة: ولما أراد اللّه سبحانه وتعالى أن يري محمدا صلى اللّه عليه وسلم، من آياته ما شاء أنزل اللّه تعالى إليه جبريل عليه الصلاة والسلام وهو الروح الأمين بدابة يقال لها: البراق إثباتا للأسباب وتقوية له ليريه العلم بالأسباب ذوقا كما جعل الأجنحة للملائكة ليعلمنا بثبوت الأسباب التي وضعها في العالم والبراق دابة برزخية فإنه دون البغل الذي تولد من جنسين مختلفين وفوق الحمار الذي تولد من جنس واحد وذلك لحكمة تعلمها أهل اللّه تعالى فركبه صلى اللّه عليه وسلم، وأخذه جبريل عليه السلام، وسار به في الهواء. قال الشيخ محيي الدين:

والبراق للرسل مثل فرس النوبة الذي يخرجه المرسل للمرسل إليه ليركبه تهمما به في الظاهر وأما في الباطن فمعناه أنه لا يصل إلى حضرته إلا بما كان منه تعالى لا على ما يكون لغيره فهو تشريف وتنبيه لمن لا يدري مواقع الأمور منا فجاء صلى اللّه عليه وسلم، إلى البيت المقدس ونزل عن البراق وربطه بالحلقة التي تربطه بها الأنبياء قبله كل ذلك إثباتا للأسباب فإنه ما من رسول إلّا وقد أسري به راكب على ذلك البراق ولكن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، اختص عنهم في إسرائه بأمور تعرفها أهل اللّه عز وجل.

(فإن قلت): فما الحكمة في ربطه صلى اللّه عليه وسلم، مع علمه بأنه مأمور ؟

(فالجواب): إنما ربطه إثباتا لحكم العادة التي أجراها اللّه تعالى في مسمى الدابة ولو أنه أوقفه من غير ربطه بالحلقة لوقف ولكن حكم العادة منعه من ذلك ألا نراه صلى اللّه عليه وسلم، كيف وصف البراق بأنه شمس وهو من شأن الدواب التي تركب وأنه قلب بحافره القدح الذي كان يتوضأ به صاحبه في القافلة التي لاقته في طريق مكة فوصف البراق بأنه يعثر والعثور هو الذي أوجب قلب الآنية يعني: القدح. ولما جاء جبريل عليه السلام، إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال له: يا محمد اركب فركبه صلى اللّه عليه وسلم، ومعه جبريل وطار به البراق في الهواء واخترق به الجو، عطش صلى اللّه عليه وسلم، واحتاج إلى الشرب فأتاه جبريل بإناءين: إناء لبن وإناء خمر. وذلك قبل تحريم الخمر فعرضهما عليه فتناول اللبن فقال له جبريل عليه السلام: أصبت الفطرة أصاب اللّه بك أمتك.

ولذلك كان صلى اللّه عليه وسلم، يتأول اللبن بالعلم. فلما وصلا إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقال له الحاجب: من هذا ؟ فقال له جبريل: قال من معك. قال: محمد صلى اللّه عليه وسلم. قال: أو قد بعث إليه.

* - قال: قد بعث إليه ففتح فدخل جبريل ومحمد فإذا آدم عليه السلام، وعلى يمينه أشخاص بنيه السعداء عمرة الجنة. وعن يساره نسم بنيه الأشقياء عمرة النار، ورأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، صورته هناك في أشخاص السعداء فشكر اللّه تعالى . وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين وهو عينه لا غيره. فكان له الصورة المرئية والصور المرئيات في المرآة الواحدة والمرايا، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح. ثم عرج في البراق وهو محمول عليه في الفضاء الذي بين السماء الأولى والسماء الثانية. فاستفتح جبريل السماء الثانية كما فعل في الأولى.

* - وقال وقيل له: فلما دخل إذا بعيسى عليه السلام، بجسده عينه فإنه لم يمت إلى الآن. بل رفعه اللّه إلى هذه السماء وأسكنه فيها وحكمه فيها. قال الشيخ محيي الدين: وهو شيخنا الأول الذي رجعنا إلى اللّه تعالى على يديه وتبنا وله عليه الصلاة والسلام بنا عناية عظيمة لا يغفل عنا ساعة واحدة فرحب وسهل ثم عرج إلى السماء الثالثة، فاستفتح فقال وقيل له: ففتح فإذا بيوسف عليه السلام، فسلم عليه ورحب به وسهل وجبريل في هذا كله يسمي له ما يراه من هؤلاء الأشخاص ثم عرج به إلى السماء الرابعة فاستفتح فقال وقيل له: ففتح فإذا بإدريس عليه السلام، جسمه فإنه ما مات إلى الآن. بل رفعه اللّه إلى هذه السماء وأسكنه فيها. قال تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم: 57] . وهو هذه السماء قلب السماوات فسلم عليه ورحب وسهل ثم

عرج به إلى السماء الخامسة فاستفتح فقال وقيل له: ففتح فإذا بهارون عليه الصلاة والسلام، ويحيى بن زكريا فسلما عليه ورحبا به ثم عرج به إلى السماء السادسة فاستفتح فقال وقيل له:

ففتح فإذا بموسى عليه السلام، فسلم ورحب وسهل ثم عرج به إلى السماء السابعة فاستفتخ فقال وقيل له: ففتح فإذا بإبراهيم عليه السلام، مسندا ظهره إلى البيت المعمور فسلم عليه ورحب وسهل وسمى له البيت المعمور الضراح فنظر إليه وصلى فيه ركعتين وعرفنا عليه السلام، أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك من الباب الواحد ويخرجون من الباب الآخر.

فالدخول من باب مطالع الكواكب والخروج من باب مغاربها وأخبر أن أولئك يخلقهم اللّه تعالى كل يوم من قطرات ماء الحياة التي تسقط من جبريل حين ينتفض كم ينتفض الطائر عندما يخرج من الماء عند انغماسه في نهر الحياة فإن له في كل يوم غمسة فيه ثم عرج به إلى سدرة المنتهى. فإذا نبقها كالقلال وورقها كآذان الفيلة فرآها وقد غشاها اللّه تعالى من النور ما غشى فلا يستطيع أحد أن ينعتها لأن البصر لا يدركها حتى ينعتها لشدة نورها ورأى يخرج من أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان. فأخبره جبريل أن النهرين الظاهرين النيل والفرات.

والنهرين الباطنين نهران يمشيان إلى الجنة وأن النيل والفرات يرجعان يوم القيامة إلى الجنة، وهما نهرا العسل واللبن في الجنة. قال الشيخ: وهذه الأنهار تعطي لشاربها علوما متنوعة يعرفها أصحاب الأذواق في الدنيا وأخبره أن أعمال بني آدم تنتهي إلى تلك السدرة وأنها مقر الأرواح فهي نهاية لما ينزل مما هو فوقها ونهاية لما يعرج إليها مما هو دونها، وبها مقام جبريل عليه السلام. وهناك منصته فنزل صلى اللّه عليه وسلم عن البراق بهذه المنصة، وجيء إليه بالرفرف وهو نظير المحفة عندنا فقعد عليه وسلمه جبريل إلى الملك النازل بالرفرف فسأله الصحبة ليأنس به. فقال له: لا أقدر ولو خطوت خطوة لاحترقتوَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ(164) [الصافات: 164] وما أسرى اللّه تعالى بك يا محمد إل ليريك من آياته فلا تغفل فودعه وانصرف مع ذلك الملك والرفرف يمشي به إلى أن ظهر لمستوى سمع فيه صريف القلم والأقلام في الألواح وهي تكتب بما يجريه اللّه تعالى في خلقه وما تنسخه الملائكة من أعمال عباده وكل قلم ملك قال تعالى: إِنَّا كُنَّ نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية: 29] ثم زج به في النور زجة فأفرده الملك الذي كان معه وتأخر عنه فلم يره فاستوحش لما لم يره معه وبقي لا يدري ما يصنع وأخذه هيمان مثل السكران في ذلك النور وأصابه الوجد فأخذ يميل ذات اليمين وذات الشمال واستفرغه الحال وكان تمايله كتمايل السراج إذا هب عليه نسيم رقيق لا يطفئه، وكان سبب الهيمان سماع إيقاع تلك الأقلام وصريفها. أي: صوتها في الألواح فأعطت من النغمات المستلذة ما أداه إلى ما ذكرنا من سريان الحال فيه وحكمه عليه فتقوى بذلك الحال، فعلم أن الرفرف ما تدلى له إلا لكون البراق له مكان لا يتعداه كجبريل عليه السلام لما بلغ إلى المكان الذي لا يتعداه وقف فلو أن الحق تعالى أراد لجبريل الصعود فوق ذلك المقام لما صعد إلا محمولا مثل ما حمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن عروجه إنما كان لعروج البراق بحكم التبعية والحركة القمرية وكذلك المقام الرفرفي لما وصل إلى مقام لا يتعداه الرفرف. زج به في النور فغمره النور من جميع نواحيه كما بسطه الشيخ في الباب الرابع عشر وثلاثمائة، وسيأتي الكلام على عروج الملائكة في مبحثها إن شاء اللّه تعالى ، ثم إنه صلى اللّه عليه وسلم، لم تقوى بالحال أعطاه اللّه تعالى في نفسه علما علم به ما لم يكن يعلمه قبل ذلك عن وحي من حيث لا يدري وجهته فطلب الإذن في الرؤية بالدخول على حضرة ربه الخاصة فرأى صوتا يشبه صوت أبي بكر وهو يقول: يا محمد قف إن ربك يصلي فراعه ذلك الخطاب. وقال في نفسه: أربي يصلي ! فلما وقع في نفسه هذا التعجب من هذا الخطاب وأنس بصوت أبي بكر رضي اللّه عنه، فتلا عليههُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب: 43] فعلم عند ذلك ما هو المراد بصلاة الحق تعالى فلما فرغ تعالى من الصلاة مثل قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ(31) [الرحمن: 31] مع أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ولكن لما كان لخلقه لأصناف العالم أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة، لا يتعدى بها زمانها ولا مكانها، لما سبق في علمه ومشيئته صح قوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْمن هذه الحيثية. أي: فإن ربك قد سبق في علمه أنه لا يجمع بين شغلين ترتب أحدهما على الآخر في آن واحد وظهر بذلك شدة الاعتناء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى يقيمه في مقام التفرغ له بحكم التنزل الإلهي للعقول فهو تنبيه على العناية به واللّه أعلى وأجل في نفس نبيه صلى اللّه عليه وسلم، من ذلك ثم أمر صلى اللّه عليه وسلم، بالدخول لتلك الحضرة الشريفة فأوحى اللّه تعالى إليه في تلك الحضرة ما أوحى ورأى عين ما كان يعلم لا غير وم تغيرت عليه صلى اللّه عليه وسلم، صورة اعتقاده، وذكر الشيخ رجوعه عليه الصلاة والسلام من تلك الحضرة ومراجعته لموسى في شأن الصلوات إلى أن قال: ثم ودع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، موسى وانصرف نازلا إلى الأرض قبل طلوع الشمس، قال الشيخ: كان هذا الإسراء بجسمه الشريف ولو كان الإسراء بروحه صلى اللّه عليه وسلم، ويكون رؤيا رآها كما يرى النائم في نومه ما أنكره أحد من قريش ولا نازعه فيه وإنما أنكروا عليه كونه أعلمهم أن الإسراء كان بجسمه الشريف في تلك المواطن التي دخلها كلها.

(فإن قلت): فكم كانت إسراآته صلى اللّه عليه وسلم ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع عشر وثلاثمائة: أنه كانت أربعة وثلاثين فمرة واحدة بجسمه والباقي بروحه رؤيا رآها قال ومما يدلك على أن الإسراء ليلة فرض الصلاة كان بالجسم ما ورد في بعض طرق الحديث أنه صلى اللّه عليه وسلم استوحش لما زج به في النور ولم ير معه أحدا إذ الأرواح لا توصف بالوحشة ولا بالاستيحاش، وقال: وكذلك مما يدل على أن الإسراء كان بجسمه ما وقع له من العطش فإن الأرواح المجردة لا تعطش.

(قال): وإنما سمع صوت أبي بكر تأنيسا له، وقد أعطت المعرفة بأن الأنس لا يكون إلا بالمناسب ولا مناسبة بين الحق تعالى وبين عبيده وإن أضيف إلى الحق المؤانسة فإنما ذلك على وجه خاص يرجع إلى الكون فافهم، قال الشيخ: وإنما خص أبو بكر بذلك لكونه كان يأنس به في الأرض فحن لذلك وأنس به وتعجّب من ذلك الصوت في ذلك الموطن لكونه جاءه من العلو، وقد تركه في الأرض.

(فإن قلت): فهل ثم في المعراج إلى السماء بالجسم أو الروح فائدة أخرى غير رؤية الآيات ؟

(فالجواب): نعم منها أنه إذا مر على حضرات الأسماء الإلهية صار متخلقا بصفاتها فإذا مر على الرحيم كان رحيما أو على الغفور كان غفورا أو على الكريم كان كريما أو على الحليم كان حليما أو على الشكور كان شكورا أو على الجواد كان جوادا، وهكذا فما يرجع من ذلك المعراج إلا وهو في غاية الكمال، ومنها شهود الجسم الواحد في مكانين في آن واحد كما رأى محمد صلى اللّه عليه وسلم نفسه في أشخاص بني آدم السعداء حين اجتمع به في السماء الأولى كما مر وكذلك آدم وموسى وغيرهما فإنهم في قبورهم في الأرض حال كونهم ساكنين في السماء، فإنه قال الشيخ رضي الله عنه: رأيت آدم رأيت موسى رأيت إبراهيم، وأطلق، وما قال رأيت روح آدم، ول روح موسى فراجع صلى اللّه عليه وسلم موسى في السماء وهو بعينه في قبره في الأرض قائما يصلي كما ورد. فيا من يقول إن الجسم الواحد لا يكون في مكانين كيف يكون إيمانك بهذا الحديث، فإن كنت مؤمنا فقلد وإن كنت عالما فلا تعترض فإن العلم يمنعك وليس لك الاختبار فإنه لا يختبر إلا اللّه، وليس لك أن تتأول أن الذي في الأرض غير الذي في السماء لقوله عليه الصلاة والسلام: " رأيت موسى وأطلق وكذلك سائر من رآه من الأنبياء هناك، فالمسمى موسى إن لم يكن عينه فالإخبار عنه كذب أنه موسى هذ والمعترض يقول رأيتك البارحة في النوم ومعلوم أن المرئي كان في منزله على حالة غير الحالة التي رآه عليها، ولكن في موطن آخر ولا يقول له رأيت غيرك، ثم إن المعترض ينكر على الأولياء مثل هذا في تطوراتهم، وقد كان قضيب البان يتطور فيما شاء من الصور في أماكن متعددة وكل صورة خوطب فيها أجاب أن اللّه على كل شيء قدير، ذكره الشيخ في الباب الرابع والسبعين ومائتين،

* - وقال في الباب السابع وأربعمائة: اعلم أن العبد محمول بالقدرة الإلهية في جميع أحواله لا استقلال له بشيء ولهذا ما أسرى برسول قط إلا على براق إذا كان الإسراء بالجسم المحسوس، فإن كان الإسراء به في النوم كما يقع للأولياء فقد يرى نفسه محمولا على مركب، وقد لا يرى نفسه محمول لكن يعلم أنه محمول في الصور التي يرى نفسه فيها إذ قد علمنا أن جسمه في فراشه وفي بيته نائم.

(فإن قلت): فهل يكون الوارث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام له في هذه المرتبة فيكون محمولا بالقدرة على الكشف والشهود في جميع أحواله ؟

(فالجواب): نعم ولذلك قال تعالى في حق سيد العبيد على الإطلاق محمد صلى اللّه عليه وسلمسُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الإسراء: 1] ، فأقامه في العبودية المطلقة ونزع منه الدعوى والربوبية على شيء من العالم وجرده عن كل شيء حتى عن الأسرار، وجعله يسري به وما أضاف السرى إليه، فإنه لو قال: سُبْحانَ الَّذِي [الإسراء: 1] دعا عبده لأن يسري إليه أو إلى رؤية آياته فسرى لكان له أن يقول ذلك ولكن المقام منعه أن يقول فجعله مجبور لا حظّ له في الدعوى لفعل من الأفعال، ومنها أي من فوائد الإسراء أيضا التنويه بشرف مقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومدحه نظير تمدحه تعالى بالاستواء على العرش والثناء بذلك على نفسه، فإن العرش أعظم الأجسام لاحتوائه على جميع الموجودات فما فوقه سقف في العلو ولا أرض في السفل، وإنما خص الاستواء به لأنه غاية مطمح أبصار المؤمنين، وأما العارفون من الأنبياء وكمل أتباعهم فيرون هذ العرش بالنسبة لاتساع الوجود كالذرة الطائرة في الهواء ليس لها سقف ترسي عليه ول أرض تنزل عليها فسبحان من لا يعرف قدره غيره، وفي كلام سيدي علي بن وفا رحمه اللّه يصف حاله: وقد نفذت من الأقطار أجمعها * وقد تجاوزت حد الخفض والرفعوقال أيضا: ليس الرجل من يقيده العرش وما حواه من الأفلاك والجنة والنار وإنما الرجل من نفذ بصره إلى خارج هذا الوجود كله وهناك يعرف قدر عظمة موجده سبحانه وتعالى انتهى. وقال الشيخ في الباب السادس عشر وثلاثمائة: اعلم أنه لما كان الاستواء على العرش تمدحا للّه عز وجل، جعل اللّه تعالى لنبيه كذلك نسبة على طريق التمدح عليه حيث كان العرش أعلى مقام ينتهي إليه من أسرى به من الرسل عليهم الصلاة والسلام، قال: وهذا يدل على أن الإسراء كان بجسمه صلى اللّه عليه وسلم ولو كان الإسراء رؤيا رآها لما كان الإسراء ولا الوصول إلى هذا المقام تمدحا ولا وقع من الأعراب في حقه إنكار على ذلك لأن الرؤيا يصل الإنسان فيها إلى مرتبة رؤية اللّه تعالى وهي أشرف الحالات ومع ذلك فليس لها ذلك الموقع من النفوس إذ كل إنسان بل كل حيوان له قوة الرؤيا قال: وإنما قال صلى اللّه عليه وسلم على سبيل التمدح حتى ظهرت لمستوى سمعت فيه صريف الأقلام وأتى بحرف الغاية الذي هو حتى إشارة لما قلناه من أن منتهى السير بالقدم المحسوس للعرش واللّه تعالى أعلم.

(خاتمة): ذكر الشيخ في الباب العاشر ومائة ما نصه:

(فإن قيل): ما الفرق بين تنزل الوحي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبين تنزله على الأولياء في المنام على يد ملك الإلهام ؟

(فالجواب): الفرق بينهما أن تنزل الوحي على النبي يكون على قلبه وعلى صدره لكون نبوته مشهودة له وأما تنزله على الأولياء فيكون بين جنبيهم لأن نبوتهم مستورة عنهم فالوحي

لهم في الظهر لا في الظهور وإلى تلك الإشارة يقول بعض العارفين: لم يمت أبو يزيد البسطامي حتى استظهر القرآن أي من اللّه تعالى عليه بفهم معانيه كله من طريق الإلهام بحكم الإرث لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومن استظهر القرآن هكذا فقد أدرجت النبوة بين جنبيه وأطال في ذلك وسيأتي بسط ذلك زيادة على ذلك في مباحث الولاية إن شاء اللّه تعالى واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!