موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الحادي والثلاثون: في بيان عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من كل حركة أو سكون أو قول أو فعل ينقص مقامهم الأكمل

وذلك لدوام عكوفهم في حضرة اللّه تعالى الخاصة، فتارة يشهدونه سبحانه وتعالى ، وتارة يشهدون أنه يراهم ولا يرونه ولا يخرجون أبدا عن شهود هذين الأمرين، ومن كان مقامه كذلك لا يتصور في حقه مخالفة قط حقيقية، وإنما هي مخالفة صورية كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى ، وتسمى هذه حضرة الإحسان ومنها عصمة الأنبياء وحفظ الأولياء، فالأولياء يدخلون ويخرجون، والأنبياء مقيمون فيها، ومن أقام فيها من الأولياء كسهل بن عبد اللّه التستري وسيدي إبراهيم المتبولي فإنما ذلك بحكم الإرث والتبعية للأنبياء استمدادا من مقامهم لا بحكم الاستقلال فافهم. إذ علمت ذلك فلنذكر لك نقول المتكلمين في مبحث العصمة ثم نقول الصوفية فنقول وباللّه التوفيق:

* - قال أئمة الأصول: الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم معصومون لا يصدر عنهم ذنب، ولو صغيرة سهوا، ولا يجوز عليهم الخطأ في دين اللّه قطعا وفاق للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني وأبي الفتح الشهرستاني والقاضي عياض والشيخ تقي الدين السبكي وغيرهم، وقال جماعة: لا ينبغي إجراء الخلاف في الأنبياء والمرسلين أبدا وإنما الخلاف في الأنبياء الذين لم يرسلوا، وهو كلام محشو أدبا وذلك لتوقف حجية الرسل على القول بالعصمة. وأيضا فإن الرسول مشرع لنا بجميع أقواله وأفعاله وتقريراته فلو أنه صدق عليه الوقوع في معصية ما لصدق عليه تشريع المعاصي ولا قائل بذلك أبدا، وعبارة الشيخ محيي الدين في « الفتوحات »:

ويشترط في حق الرسول العصمة في جميع ما يبلغه عن اللّه عزّ وجلّ فإن عصم في غير ما يبلغه فمن مقام آخر كأن يخاطب بالتأسي به فيصير ذلك التأسي أصلا لا يجوز عليه فيه فعل حرام قطعا ولا فعل مكروه إلا لبيان الجواز انتهى. وكان إمام الحرمين رحمه اللّه يقول: من جوز وقوع الصغيرة من الأنبياء سهوا قيدها بغير الدالة على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف في الكيل والوزن بتمرة مثلا ثم لا بد أن ينبهوا عليها على الفور، وأما استغفاره صلى اللّه عليه وسلم أكثر من سبعين مرة.

كما ورد فكان لأجل الترقي في المقامات فكان يستغفر من كل مقام ترقى عنه وثم مقام رفيع وأرفع وكان الإمام الجنيد يقول في حديث: إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه تعالى في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة. إن المراد أنه ليغان على قلبي مما اطلعت عليه مما يقع لأمتي بعدي من المخالفات فأستغفر اللّه لهم أكثر من سبعين مرة انتهى. وقال جماعة من علماء الأصول: الأنبياء الذين لم يرسلو معصومون قطعا من غير خلاف ومن قال فيهم غير ذلك فعليه الخروج من عهدته بين يدي اللّه عزّ وجلّ وبين يديهم فإن بداية النبوة تؤخذ من بعد انتهاء الولاية فمن أين يتعقل الواحد منا اسم ذنوب الأنبياء وقد قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين فافهم والزم الأدب وأجب عن الأنبياء عليهم السلام جهدك كل من كان في حجاب عن مقامهم وأي فائدة لتجريح من عدله اللّه تعالى هل يثاب أحد على ذلك. لا واللّه بل ذلك إلى الإثم أقرب. وقال الشيخ أبو طاهر القزويني في الباب الخامس والثلاثين من كتاب « سراج العقول »:

يجب تنزيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن كل ما يتبادر إلى أفهامن من ذكر خطاياهم فإن خطاياهم لا ذوق لنا فيها وإن اللّه تعالى لما اصطفى الأنبياء في سابق علمه للنبوة وأداء الرسالة رشحهم لذلك في مبادئ أمورهم وحماهم من مكايد الشيطان وصفى سرائرهم من الكدورات وشرح صدورهم بنوره وزينهم بالأخلاق الجميلة وطهرهم عن الرجس والرذائل كما روي في الصحيح أن جبريل أتى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو يلعب مع الصبيان فأخذه وصرعه وشق عن قلبه فاستخرج منه شبه علقة وقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب من ماء زمزم ثم لأمه وعاد كم كان في مكانه. قال: وصورة الشق ليست مثل شق الذبح بالسكين وإنما المراد به كشف باطنه بيد جبريل من غير ألم يصيبه أو دم يصيبه وحاشاه صلى اللّه عليه وسلم، من ذلك.

* - قال: وهذا قريب من إخراج اللّه الذرية من ظهر آدم عليه السلام، بمسح اليد كما يليق بجلاله وسبب توقف العقول الضعيفة ووقوع الاشتباه في مثل ذلك تعذر الخروج عن المألوفات وذلك قوله تعالى: لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) [الشرح: 1] فلم يكن فيه بعد ذلك للهوى منفذ ولا للشيطان عليه سبيل وأطال في ذلك وقال الشيخ: العارف باللّه تعالى الجامع بين الطريقين سيدي عبد العزيز الدريني رضي اللّه عنه: لا يجوز قطعا نسبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الذنوب على حد ما نتعقله نحن وإنما سماها اللّه تعالى في حقهم معصية وخطيئة وذلك لأن مقامهم الأرفع لا ذوق لولي فيه ولو ارتفعت درجته فضلا عن غيره من أمثالنا وذلك لأنهم معصومون من الوقوع في ذنوبنا وغاية خطاياهم إنما هو مثل نظره إلى مباح أو لفظة رائحتها رعونة ومكروه وباطنها علم وصلاح مثل قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام، في معرض إقامة الحجة على قومه بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ [الأنبياء: 63] وكما وقع له من قوله إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] حتى لا يخرج مع قومه إلى ما دعوه إليه من اللهو واللعب أي مآلي إلى السقم ونحو ذلك انتهى. وقال الشيخ في الباب الثاني والسبعين وثلاثمائة من « الفتوحات المكية »: يجب قطعا تنزيه الأنبياء مما نسبه إليهم بعض المفسرين من الطامات الكبرى مما لا يجيء في كتاب ولا سنة صحيحة وهم يزعمون أنهم قد فسروا قصصهم التي قصها اللّه تعالى علينا وكذبوا اللّه في ذلك وجاءوا فيه بأكبر الكبائر وذلك كمسألة إبراهيم الخليل عليه السلام وما نسبوه إليه من وقوع الشك بحسب ما يتبادر إلى الأذهان وما نظروا في قوله صلى اللّه عليه وسلم: « نحن أولى بالشك من إبراهيم » وذلك أن إبراهيم عليه السلام لم يشك في إحياء اللّه الموتى معاذ اللّه أن يشك نبي في مثل ذلك وإنما كان يعلم أن لإحياء اللّه الموتى طرقا ووجوها متعددة لم يدر بأي وجه منها يكون إحياء اللّه تعالى للموتى وهو مجبول على طلب الزيادة من العلم فعين اللّه تعالى له وجها من تلك الوجوه فسكن ما كان عنده وعلم حينئذ كيف يحيي اللّه الموتى فما كان السؤال إلّا عن معرفة الكيف لا غير وكذلك القول في قصة سليمان وما نسبوه إلى الملكين ببابل هاروت وماروت كل ذلك لم يرد في كتاب ولا سنة وإنما ذلك نقل عن اليهود فاستحلوا أعراض الأنبياء والملائكة بما ذكروا لهم من تجريحهم أنبياء اللّه تعالى وملأوا تفاسيرهم للقرآن

محبته له فلينظر إلى حاله الذي هو عليه من اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأصحابه والأئمة المهتدين بعده فإن وجد نفسه على هديهم وأخلاقهم من الزهد، والورع، وقيام الليل على الدوام وفعل جميع المأمورات الشرعية وترك جميع المنهيات كذلك حتى صار يفرح بالبلايا والمحن وضيق العيش وينشرح لتحويل الدني ومناصبها وشهواتها عنه، فليعلم أن اللّه تعالى يحبه وإلا فليحكم بأن اللّه يبغضه والإنسان على نفسه بصيرة من ذلك فاللّه تعالى يحفظنا وإخواننا من غلطات الأفكار والأفعال والأقوال آمين انتهى. وقال أيضا في الباب الرابع والخمسين ومائة: ينبغي للواعظ أن يراقب اللّه تعالى في أنبيائه وملائكته ويستحي من اللّه عزّ وجلّ ويجتنب الطامات في وعظه كالقول في ذات اللّه بالفكر والكلام على مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، من غير أن يكون وارثا لهم فلا يتكلم قط على زلاتهم بحسب ما يتبادر إلى أذهان الناس بالقياس على غيرهم فإن اللّه تعالى قد أثنى على الأنبياء أحسن الثناء بعد أن اصطفاهم من جميع خلقه فكيف يستحل أعراضهم بما ذكره المؤرخون عن اليهود قال: ثم إن الداهية العظمى جعلهم ذلك تفسيرا لكلام اللّه تعالى ويقولون في تفسيرهم:

* - قال المفسرون في قصة داود إنه نظر إلى امرأة أوريا فأعجبته فأرسله في غزاة ليموت فيأخذها وكقولهم في قصة يوسف عليه السلام، إنه همّ بالمعصية وأن الأنبياء لم يعصموا عن مثل ذلك وكقولهم في قصة قوم لوط: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: 80] العجز والتحري ونحو ذلك ويعتمدون على تأويلات فاسدة وأحاديث واهية. نقلت عن قوم قالوا في اللّه ما قالوا من البهتان والزور، فمن أورد مثل ذلك في مجلسه من الوعاظ مقته اللّه والملائكة لكونه جعل دهليزا ومهادا لمن في قلبه زيغ يدخل منه إلى ارتكاب المعاصي ويحتج بما سمعه منه في حق الأنبياء ويقول: إذا كان الأنبياء وقعوا في مثل ذلك فمن أكون أنا وحاش الأنبياء كلهم عن ذلك الذي فهمه هذا الواعظ فواللّه لقد أفسد هذا الواعظ الأمة وعليه وزر كل من كان سببا لاستهانته بما وقع فيه من المعاصي ولكن قد ورد أنه لا تقوم الساعة حتى يصعد الشيطان على كرسي الوعظ ويعظ الناس وهؤلاء من جنوده الذين يتقدمون. انتهى.(فإن قلت): فما الفرق بين العصمة والحفظ ؟

(فالجواب): الفرق بينهما أن الأنبياء معصومون من المباح لهوى أنفسهم بخلاف الأولياء فإذا فعل الأنبياء المباح لا يفعلونه لهوى أنفسهم كغيرهم وإنم يفعلونه على جهة التشريع أنه مباح فهو واجب عليهم حينئذ يعني: فعل المباح إذ التبليغ واجب عليهم. ذكره الشيخ محيي الدين في آخر باب سجود التلاوة من « الفتوحات المكية ». وقد حبب لي أن أذكر لك بعض أجوبة عن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، مبتدئا بآدم عليه السلام خاتما بمحمد صلى اللّه عليه وسلم فتحا لباب الأجوبة عن باقيهم فأقول وباللّه التوفيق:

اعلم أن آدم عليه الصلاة والسلام، أول فاتح لباب التوبة حين وقع على يديه ما وقع من أكل الشجرة بعد النهي عنها، فكانت معصية صورية ليعرف بنيه كيف يفعلون إذا وقعوا في المنهي عنه، لأنه عليه السلام هو فاتح القبضة ولو لم يقع ذلك على يديه لوقع على يد غيره.

وقد قال الشيخ محيي الدين في الباب التاسع والثلاثين من « الفتوحات »: كانت معصية آدم عليه السلام من عين نعمة اللّه تعالى عليه لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لا ينقلون قط من حال إلا لأعلى منها فإن اللّه تعالى اجتباهم واصطفاهم بسابق العناية فلا يمكر الحق تعالى بهم أبدا.

* - قال: ومن هنا يعلم أن هبوط آدم عليه السلام، وحواء إلى الأرض لم يكن عقوبة لهما وإنما كان عقوبة لإبليس وحده فإن آدم عليه السلام أهبط بصدق الوعد السابق بأن يكون خليفة في الأرض من بعد ما تاب اللّه عليه واجتباه وبعد ما تلقى الكلمات من ربه بالاعتراف فكان اعترافه عليه الصلاة والسلام، في مقابلة قول إبليس: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: 12] الخ. فعرفنا الحق تعالى مقام الاعتراف عند اللّه تعالى وما ينتجه من السعادة لنتخذ ذلك طريقا إذا خالفنا أوامر ربنا فكان ما وقع من آدم كالتعليم لبنيه إذا وقعوا في مخالفة كيف يكون خلاصهم وتنصلهم منه كما مرّ وأما إبليس فعرفنا الحق تعالى بدعواه الخيرية أن كل من اتبعه في هذه الدعوى طرد عن حضرة اللّه ولعن ورجم لنحذر من أن نقول: نحن خير من فلان فلذلك كان هبوط إبليس إلى الأرض عقوبة له دون آدم فما هبط إبليس إلى الأرض إلا لاكتساب الأوزار بخلاف آدم عليه السلام فإنه أهبط للخلافة والترقي في الدرجات فإن جميع حسنات بنيه في صحائفه وليس عليه من أوزارهم شيء.(فإن قلت): إن معصية إبليس لا تقتضي تأبيد الشقاء لأنه لم يشرك باللّه شيئا وإنما افتخر على آدم عليه السلام، بما جبله اللّه عليه من الطبيعة التي هي النار لكونها أقرب إلى اسمه تعالى النور لما فيها من الإضاءة بخلاف الطين.(فالجواب): إنما جاء الشقاء الأبدي من اعتراضه على اللّه ونسبة أفعاله إلى غير الحكمة مع إضماره في نفسه أنه لو بقي أبد الآبدين لوسوس للناس بالضلالة فجوزي بنظير فعله ونيته ورجع عليه وزر كل مشرك على وجه الأرض وقد قال الشيخ أبو مدين: إنما خلد أهل الجنة والنار بالنيات وإلا فكان العدل أن يعذب الكفار بقدر مدة عصيانهم.(فإن قلت): فهل قوله: حين تبرأ من الذين كفروا بقوله: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ [الحشر: 16] . توحيد يسعد به أم لا ؟

(فالجواب): ليس هو بتوحيد لأنه لا يقدر يوسوس لأحد بالشرك حتى يتصوره في نفسه على الصورة التي إذا حصلت في نفس المشرك زالت عنه صورة التوحيد فإذا تصورها في نفسه كهذه الصورة فقد خرج عن التوحيد ضرورة فلم يسعد به فكان إبليس مشركا في نفسه بلا شك ولا ريب ثم لو قدر أن صفة الشرك ذهبت من نفسه لم يجد المشرك في نفسه من يحدثه بالشرك. فاعلم أن إبليس أول مشرك باللّه وأول من سنّ الشرك فهو أشقى العالمين.

(فإن قلت): فما الحكمة في قوله تعالى في آدم عليه السلام وَعَصى [طه: 121] وفي إبليس أَبى [البقرة: 34] ؟

(فالجواب): ما قاله الشيخ في الباب السابع والستين وثلاثمائة: أن ذلك من علوم الأسرار ولا يذكر إلا مشافهة لأهله.

(فإن قلت): فهل إبليس يجهل شيئا من شرائع الأنبياء عليهم السلام ؟

(فالجواب): هو عالم بها كلها على الكمال وذلك ليوسوس للناس بضد ما أمرت الأنبياء به، ولولا علمه بها، لربما التبس عليه الأمر فأمر الناس بما أمرت به الرسل وذلك لا يصح منه. وقد ذكر الشيخ في باب الحج من « الفتوحات » أن من أغرب الأمور أن إبليس يقف كل سنة مع الناس ولكن لا يقف في عرفة وإنما يقف في عرفة بفتح الراء وهي من عرفات فيقف يبكي على ما فاته من طاعة اللّه عزّ وجلّ ويحزن على ما فاته ولما يراه يحصل لأهل الموقف من المغفرة العامة فيقف بعرفة لعلمه أنها من عرفة، رجاء أن تصيبه الرحمة من باب الامتنان ل

وسكن بحصول ذلك الوجه والزيادة من العلم مما أمرتنا به فأحال سبحانه وتعالى إبراهيم على الكيفية بالطيور الأربعة التي هي مثال الطبائع الأربعة إخبار بأن وجود الآخرة طبيعي يعني:

فتحشر الأجسام الطبيعية إذ كان ثم من يقول: لا تحشر الأجسام وإنم الحشر حشر النفوس بالموت إلى النفس الكلية مجردة عن الهياكل الطبيعية فأخبر اللّه تعالى إبراهيم أن الأمر ليس هو كما زعم هؤلاء فأحاله على أمر موجود عنده تصرف فيه إعلاما بأن الطبائع لو لم تكن معلومة مشهودة متميزة عند اللّه لم تتميز فما أوجد العالم الطبيعي إلا من شيء معلوم عنده مشهود له نافذ التصرف فيه فجمع بعضه إلى بعض فظهر الجسم على هذا الشكل الخاص وبان لإبراهيم من باب الأعمال الصالحة، قال: وإنما لم تطرده الملائكة عن عرفة لعلمهم بأن عنده معرفة اللّه عزّ وجلّ ودخول المشركين المساجد جائز في الجملة انتهى.

(فإن قلت): فما الحكمة في وقوع آدم عليه السلام في أكله من الشجرة ثم نزوله بعد ذلك إلى الأرض التي هي دون الحضرة التي كان فيها ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب التاسع والثلاثين: أن الحكمة في ذلك كله تأنيس العلماء والأولياء إذا وقعوا في زلة فانحطوا عن مقامهم العلي وظنوا أنهم نقصوا بذلك عند اللّه تعالى فيعلمون بقصة آدم عليه السلام، أن ذلك الانحطاط الذي أحسوا به في نفوسهم لا يقضي بشقائهم ولا بد فربما يكون هبوطهم كهبوط آدم للتكريم والحق تعالى لا يتحيز والوجود العلوي والسفلي كله حضرته فليست السماء التي أهبط منها أقرب إلى الحق من الأرض وإذا كان الأمر على هذا الحد فعين هبوط الولي في عين الناس بعد الزلة وزله وانكساره بسببها هو عين الترقي، فقد انتقل بالزلة إلى مقام أعلى عما كان فيه لأن علو الولي إنما يكون بزيادة المعرفة والحال وقد زاد هذا الولي بحصول الذلة والانكسار من العلم باللّه تعالى ما لم يكن عنده قبل الزلة وهذا هو عين الترقي فعلم أن من فقد هذه الحالة في زلته ولم يندم ولم ينكسر ولا ذل، ولا خاف، مقام ربه، فهو في أسفل سافلين ونحن ما نتكلم إلا على زلات أهل اللّه عز وجل إذا وقعت منهم قال تعالى: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا [آل عمران: 135] . الآية. وقال صلى اللّه عليه وسلم:

« الندم توبة » وقيل لأبي يزيد البسطامي أيعصي العارف ؟ فقال: وكان أمر اللّه قدرا مقدورا. فلم يقل: لا يعصي ولا أنه يعصي أدبا مع اللّه تعالى ، ومعنى: وكان أمر اللّه قدرا مقدورا أي: أن معصية أهل اللّه تعالى بحكم القدر النافذ فيهم لا غير ولا يصح في حقهم أن يقعوا في المعاصي قط بشهوتها كما يقع فيها غيرهم لأن في ذلك انتهاكا لحرمات اللّه تعالى وأهل اللّه تعالى محفوظون من شهوة المعاصي والتلذذ بها فإن الإيمان المكتوب في قلوبهم يمنعهم من ذلك.

* - قال سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى: « ومن حكمة وقوع العبد في المخالفة للأوامر وقوعه في مقام الإذلال بالطاعات وعجبه بها ». فإن توالي الطاعات الصرف ليلا ونهارا تورث غالب الناس الزهو والعجب وشهود أنهم خير من كثير من الناس، وهذا غاية البعد من حضرة اللّه عزّ وجلّ، وما جعل اللّه تعالى التكاليف إلا ليذل بها النفوس بين يديه ولا يرى بها المكلف شرف نفسه على أحد من خلق اللّه تعالى فإن ذلك ذنب إبليس الذي أخرج به من حضرة اللّه عز وجل وكل من ادّعى مقام القرب مع عدم الإذلال فهو كاذب انتهى.(فإن قلت): قد ورد أن آدم عليه السلام، لما أكل من الشجرة اسود جسده وقد يتبادر إلى الأذهان أن ذلك يؤذن بأن آدم عليه السلام، أثرت فيه المعصية نقصا ما.(فالجواب): ليس اسوداد بدنه علامة على نقصه بل هو علامة على حصول سيادته كما ذكره الشيخ في الباب الثاني والسبعين في الكلام على حديث: « نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم ». قال: وكذلك القول في اسوداد جسد آدم عليه السلام، لما أكل من الشجرة يدل على سيادته لأن ذلك أورثه الاجتباء والاصطفاء ولولا أكله من الشجرة لما ظهرت سيادته وكذلك الحجر الأسود لما خرج من الجنة وهو أبيض، فلا بد من أثر يظهر عليه تعرف به سيادته في دار الدنيا إذا رجع إلى الجنة ويتميز به عن أقرانه ويظهر به عليه خلعة التقريب الإلهي في جعله يمين اللّه في الأرض ولم يكن من الأكوان ما يدل على السيادة إل اللون الأسود فكساه اللّه تعالى لون السواد إعلاما لنا بأنه صار سيدا بخروجه من الجنة إلى الدنيا.(قلت): ولعل من هذا القبيل جعل ستر الكعبة أسود، وكذلك عمائم خلفاء بني العباس وغيرهم ولعل ذلك هو سر لبسه صلى اللّه عليه وسلم، العمامة السوداء يوم فتح مكة إظهارا لسيادته على الخلق من باب التحدث بالنعمة. فعلم أن معنى قوله في الحديث فسودته خطايا بني آدم. أي: جعلته سيدا بتقبيلهم إياه وكذلك القول في اسوداد جلد آدم هو يدل على سيادته لأن هبوطه الأرض هبوط خلافة له للتناسل والترقي.(فإن قلت): فما الوجه الجامع بين سواد الحجر وجلد آدم وبنيه ؟

(قلنا): وجهه الاجتباء والسيادة فكان تقبيل الحجر يشبه الاجتباء والاصطفاء لآدم عليه السلام، وبنيه بسبب خطاياهم.

(فإن قلت): فلم أمر الناس بالسجود على هذا الحجر وتقبيله والتبرك به ؟

(فالجواب): إنما أمروا بذلك ليكون كفارة لهم من خطاياهم فظهرت سيادته بذلك وحصل به تمييز القائم بآداب العبودية والمخل بالقيام بها، فإن بني آدم ربما زهوا بالصورة التي خلقوا عليها وبالكمالات التي خلعها الحق عليهم على ما سواهم فأمرهم الحق تعالى بالسجود إلى جهة الجماد الذي هو الكعبة مع أنه أنقص رتبة منهم، فمنهم من أطاع فرضي اللّه تعالى عنه، ومنهم من عصى فسخط اللّه عليه.

(فإن قلت): قال القوم: إن حصول معرفة اللّه عز وجل للعبد تمنعه من الوقوع في معصية اللّه وآدم عليه الصلاة والسلام، من رؤوس العارفين باللّه عز وجل فكيف وقع في أكله من الشجرة.(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السابع ومائتين: أن المعرفة تمنع العارف بلا شك. ولكن إذا أراد اللّه تعالى أن يوقع أحدا من الأكابر فيم قدره عليه لحكمة سبق بها علمه فلا بد أن يزين اللّه تعالى له الوقوع في ذلك بتأويل يقع له فيه وجه الحق ولا يقصد بذلك العمل انتهاك الحرمة كما وقع لآدم عليه السلام، ثم إذا وقع ذلك المقرب في المعصية بذلك التأويل أظهر اللّه له فساده فإذا تحقق بعد الوقوع أنه أخطأ علم أنه عصى فعند ذلك يحكم عليه لسان الشريعة بأنه عصى ويشهد على نفسه عند نفسه أنها عصت وأما في حال وقوع الفعل منه فلا لأجل شبهة التأويل فهو كالمجتهد في زمان فتواه بأمر ما اعتقادا منه أن ذلك عين الحكم المشروع في المسألة، وفي ثاني الحال يظهر له بالدليل أنه أخطأ فيكون لسان الظاهر يحكم عليه أنه أخط في زمان ظهور الدليل لا قبل ذلك.(فإن قلت): فهل تكون عقوبة العارفين على الذنب أشد أم عقوبة الجاهلين ؟

(فالجواب): أن عقوبة العارفين باللّه تعالى أشد لشدة اعتناء الحق تعالى بهم وربما كانت زلة العارف ترجح على سبعين زلة من زلات الجاهل ولو لم يكن من عقوبة العارف إلا ما يحصل عنده من الاستحياء والخجل لكان ذلك كفاية بل ربما كان ذلك الخجل أشد على العارف من العقوبة الظاهرة، كما أن المغفرة أشد عليهم من العقوبة وذلك لأن العقوبة جزاء فيجد العبد الراحة عند الاستيفاء منه فهو بمنزلة من أوفى دينه والغفران ليس كذلك فلا يزال العارف ملازم الخجل والحياء مدة طويلة وذلك أشد من العقوبة الشديدة في يوم وتنقضي. كما قال تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة: 191] . ولهذا المعنى الذي ذكرناه كان الحق تعالى إذا اعتنى بعبده وغفر له ذنبه أحال بينه وبين تذكره وأنساه إياه لأنه لو تذكر لاستحى ول عذاب على النفوس الشريفة أعظم من أن ينعم عليها من هي مسيئة في حقه حتى إن صاحب الحياء يود أنه لم يكن شيئا مذكورا كما قالت الكاملة: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا [مريم: 23] مع أن حياءها إنما كان من المخلوقين حين نسبوا إليها ما لا يليق بها ولا بأبيها وأمها، كما أشار إليه قوله تعالى: ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: 28] فبرأها اللّه تعالى مما نسب إليها لأجل ما نالها من عذاب الحياء من قومها فكيف بالحياء من رب العالمين فيما يحققه العبد من تعدي حدود ومجاهرته بالمعاصي.

(فإن قلت): فهل يلزم من كون الحق تعالى ينسى عنده سيئاته أن تكون بدلت بحسنات كما أشار إليه في قوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان: 70] .(فالجواب): لا يلزم ذلك، ولكن قال بعض العارفين: إن في نسيان العبد ذنوبه بالكلية بشرى عظيمة من اللّه بأنه بدل سيئاته حسنات فإن من علامة التبديل نسيان الذنب، وذلك أن الذنب إذا بدله اللّه بحسنات لم يبق للذنب صورة وجود من الوجودات الأربعة. ويؤيد ذلك قول بعض العارفين: كل ذنب لم يذهب من ذهن الإنسان فليحدث له توبة جديدة فإنه إلى الآن لم يبدل وليكثر من الاستغفار طول عمره فواللّه ما خلقنا إلا لأمر عظيم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: « إنم أنسى اللّه تعالى خواص أوليائه ذنوبهم رحمة بهم لأن العبد كلما تذكر ذنبه فكأنه يجعل بينه وبين اللّه تعالى صورة قبيحة تؤذن بالبعد ». ولهذا قالوا:

ذكر الجفاء في وقت الصفاء جفاء انتهى. وسمعت أخي أفضل الدين رحمه اللّه تعالى يقول:

لما أنزل اللّه تعالى على محمد صلى اللّه عليه وسلم، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] كان ذكر الذنب عليه أشد من الذنب لصفاء الحضرة التي كان فيها على أن تلك الذنوب لا يتعقلها مثلن كما مر. لأنها ذنوب بالنظر إلى مقامه الشريف من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، كما بلغنا أن شخصا من العارفين مر على جدار فانتحب عنده بالبكاء فقيل له: ما سبب هذا البكاء ؟ فقال: وقع لي أنني تيممت من تراب بغير إذن صاحبه وهذ الذنب لا يكاد يبكي عليه أحد ولو من صالحي زماننا فضلا عن غيرهم. وقال الشيخ محيي الدين في الباب السابع ومائتين من « الفتوحات » من حين نزل قوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] . وتألم النبي صلى اللّه عليه وسلم، من ذكر الذنب فما نزل عليه جبريل قط إلا في صورة دحية، وكان قبل نزول هذه الآية ينزل عليه في أي صورة شاء وكان دحية أجمل أهل زمانه فكأن الحق تعالى يقول لمحمد صلى اللّه عليه وسلم بلسان الحال: « ما بيني وبينك إلا صورة الجمال والحسن لأنك أعظم حبيب ». وفي آداب الملوك أنه ينبغي للوزراء أن لا يكون في أحد منهم عاهة من برص أو جذام أو تشويه خلقة وأن لا يحضر بين يديهم قط أحد في بدنه عاهة بل يقضون حاجته من غير أن يقفوه بين يدي السلطان فافهم. وكان من كمال دحية أنه ما رأته حامل دخل المدينة إلا ألقت ما في بطنها لم أدركها في نفسها من شهود ذلك الجمال وإنما لم تلق الحوامل ما في بطنها عند رؤية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مع أنه أجمل من دحية بما لا يتقارب لأنه مشرع والناس مأمورون برؤيته فستر اللّه تعالى جماله عن غالب الناس رحمة بهم بخلاف دحية لم يؤمر أحد برؤيته.

(فإن قلت): ما صورة تبديل السيئات بالحسنات هل تصير نفس المعصية التي وقعت حسنة في صحيفة العبد أم يصير العبد يطيع اللّه تعالى بعد أن كان يعصيه ؟

(فالجواب): كما قاله بعض أهل الكشف: إن صور التبديل أن يبدل اسم السيئة في الصحيفة ويكتب مكانها حسنة تشاكلها فإن كانت المعصية كبيرة تكتب مكانه حسنة كبيرة أو كانت صغيرة، كتب موضعها حسنة صغيرة وهذا الأمر أعظم عنايات اللّه تعالى بالعبد إن صح لأنه يعطي النفس حظها في الشهوات الدنيوية ثم يكتب اللّه تعالى له في صحيفة أعمالا صالحة لم يعلم عينها فعلم اللّه تعالى إذا بدل سيئات العارف حسنات رأى ذلك من أكبر النعم عليه.

(فإن قيل): فهل يصح أن يعصي أحد من الخواص ربه على الكشف والشهود إذا رأى في اللوح المحفوظ ما قدره اللّه عليه ؟

(فالجواب): لا يصح ذلك لعارف أبدا، لأن المخصوص بما كشف بقلبه في حضرة الإحسان على الدوام. ولو قدر أنه عصى اللّه تعالى على الكشف لا يشهد الحق تعالى إلا غير راض عنه في ذلك الفعل.

(فإن قيل): قد تقدم قول أبي يزيد حين سئل أيعصي العارف ؟ فقال: وكان أمر اللّه قدرا مقدورا فجوز وقوع العارف في سائر المعاصي.(فالجواب): وهو كذلك فجائز في حق الولي أن يكفر بعد إيمان فضلا عن المعاصي الإسلامية كما وقع لإبليس فإنه عصى بعد معرفته باللّه عز وجل. وإنما جوز أبو يزيد ذلك وعدمه أدبا مع اللّه تعالى أن يحكم عليه بشيء معين كما مر أوائل المبحث، أي: إن كان اللّه تعالى قدر على العارف المعصية فلا بد من وقوعه فيه لكن مع الحجاب بتأويل أو تزيين أو غفلة أو سهو، كما أشار إليه حديث إذا أراد اللّه تعالى إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم. الحديث يعني: العقول الذاكرة أنها بين يدي اللّه عزّ وجلّ حال عصيانها لا عقول التكليف فإياك والغلط واللّه تعالى أعلم.(فإن قلت): قد قال الحق جل وعلا: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: 42] .

وآدم عليه السلام، من عبيد الاختصاص بيقين فكيف كان إبليس واسطة في أكل آدم عليه السلام، من الشجرة.

(فالجواب): أن إبليس لم يأت آدم عليه السلام، من باب المعصية وإنم دلاه بغرور، من ذلك حلفه لآدم عليه السلام، باللّه تعالى إنه له من الناصحين. ومنها أنه قال: إنما نهاك اللّه تعالى عن قرب الشجرة لا عن أكل ثمرها، ومنها: كما هو مشهور في الأجوبة عن آدم عليه السلام، فما أتاه من صورة ما نهي عنه، وإنما أتاه من صورة ما لم ينهه عنه الذي هو الأكل.

وإيضاح ذلك: أن إبليس إذا أراد إغواء عبد ورأى وجه العصمة أو الحفظ محيطا به تجسد له في صورة إنسان مثله، فيتخيل ذلك الولي مثلا أنه إنسان لا شيطان ويأتيه بالإغواء من قبل أذنه فيدخل عليه فيما حجر عليه تأويلا أدناه أن يقول له: إن اللّه غفور رحيم. وهل رحمته إلا للمذنبين، وقال نبيكم شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فإذ أصغى إليه يقول له: افعل فإن مثلك لا يضره الذنب إلا إذا كان دليله لا يحتمل التأويل وقد احتمل دليل هذه المعصية التأويل وذلك أن إبليس يعلم أن الإنسان العاقل لا يقدم على معصية اللّه ابتداء دون وسوسته بالتأويل والتزيين، فإذا أعطاه إبليس هذا الأصل صار العبد من أهل الاجتهاد في وقوعه في الذنب أو تركه فإن أخطأ فله أجر فلم يتم للشيطان مراده من ذلك العبد المحفوظ ما دام العبد ذاكرا قول إبليس فإن نسي ما قاله إبليس وقع ضرورة كما وقع لآدم عليه السلام.

* - قال الشيخ محيي الدين: وإنما أكل آدم وحواء من الشجرة لأن قلوب الأصفياء صافية لا تعتقد أن أحدا يكذب عليهم ولكن من عناية اللّه تعالى لآدم أن تلك الأكلة أعقبته الخلد في جنته وملكا لا يبلى على رغم أنف إبليس لكن من غير ما قصده هو لآدم إنما كان قصده له أن يقع في الذنب ولا يتوب منه فتاب اللّه تعالى على آدم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.(فإن قلت): فهل يمكن أن يكون إبليس قصد بقوله لآدم عليه السلام: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى [طه: 120] الخير الذي آل أمر آدم عليه السلام إليه، فإن إبليس لم يعين وقتا ؟

(فالجواب): لا يصح من إبليس قصد ذلك أبدا لأنه ليس له خير إلى آدم وذريته البتة.

وإنما اللّه تعالى يرد وسوسته خائبة بحسن العاقبة لوليه مثلا فيجتبيه ويصطفيه ضد ما قصد إبليس. وكان الشيخ أبو العباس العريني الشيخ محيي الدين يقول: لم يعص آدم ربه معاذ اللّه وإنما عصى من كان في ظهره من ذريته الذين هم أهل الشقاء لأن ظهره كان كالسفينة لسائر أولاده. وكان الشيخ أبو مدين التلمساني يقول: لو كنت مكان آدم لأكلت الشجرة كلها وفي رواية أخرى: لو علم آدم حين أكله من الشجرة ما يؤول أمره إليه من الخير لأكل الشجرة كلها انتهى. وقد بسط الشيخ الكلام على حديث فجحد آدم فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته في الباب الخامس وثلاثمائة، فراجعه تر العجب في غرائب تلك العلوم وقد سنح لي أن أضرب لك مثلا تعلم به يقينا تنزيه آدم عليه السلام من المعصية المحضة كم يقع فيها غيره وتقوم ببعض واجب حق أبيك عليه الصلاة والسلام فأقول وباللّه التوفيق: اعلم أن اللّه سبحانه وتعالى لما قضى في سابق علمه بالسعادة لقوم والشقاوة لقوم ولم يبدل ذلك القول لديه فلا بد من فاتح يفتح القبضتين فكان إبليس فاتحا لقبضة الشقاوة وآدم عليه السلام فاتحا لقبضة السعادة فإبليس شقي وآدم عليه السلام سعيد هو وذريته الذين اقتفوا آثاره في التوبة والاعتراف فإن آدم مع علمه بأن ما وقع فيه كان بقضاء وقدر، اعترف بذنبه وقال: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ [الأعراف: 23] وأضاف الذنب إلى نفسه ليعلم بنيه كيف يخرجون إذا وقعوا في معصية عن الإثم ول يصرون على المعاصي من غير توبة ولا اعتراف كما وقع فيها إبليس وجنوده من الإنس والجن فكان حكم آدم عليه السلام، فيما وقع له مع الحق جل وعلا حكم عبد قال الحق تعالى له فيما بينه وبينه: إني أريد أن أظهر في هذا الوجود ما كان مكنونا في علمي وبحكم أسمائي في أهل حضراتها من السعداء والأشقياء وتظهر حجتي على عبادي قبل أن أخرجهم من جواري فإن علمي سبق بذلك وأنا كريم ومن شأن الكريم أن لا يخرج أحدا من جواره إلا بحجة ظاهرة تقام عليه بين المحجوبين عن سماع ما قلته لك من سري، فإذ قلت لك: لا تقرب هذه الشجرة فاعلم أني أذنت لك في القرب منها فاقرب لأقيم عليك الحجة وأخرجك إلى دار خلافتك وترقيك بالأعمال فإن هذه الدار التي أنت فيها لا تكليف فيها ولا ترقي لأحد بأعماله كما هي أعمال أهل الجنة التي يؤول أمر المؤمنين إليها بعد يوم القيامة سواء فلا يسع العبد صاحب هذا السر إلا أن يبادر إلى ما أذن له فيه سيده سرا من وراء المحجوبين ولم يكن ذلك معصية إلا عند المحجوبين عن سماع ذلك السر الذي أسره الحق لآدم عليه السلام، وأما الحاضرون السامعون ذلك فليس ذلك بمعصية عندهم، فإن الإذن من الحق في فعل شيء والأمر به واحد في تلك الحضرة كم صرح به الشيخ في الباب الثالث والسبعين في الجواب الثامن والثلاثين من أسئلة الحكيم الترمذي وإنما فرق بينهما في لسان ظاهر الشرع فقط فإن الأمر غير الإرادة في أحكام الشريعة إذ الأمر بخلاف الإرادة اكتفى الحق تعالى فيها بإلجاء العبد في الباطن إلى وقوع ذلك الفعل من غير أن يأمره بذلك إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ [الأعراف: 28] فافهم. وكان الشيخ أبو مدين يقول: قول بعض العارفين ما فعلت الشيء الفلاني إلا بإذن من اللّه تعالى مراده بالإذن هنا الإرادة الأزلية انتهى. فعلم أن في نداء الحق تعالى على آدم بالمعصية والغواية نفعا عظيما لذريته المحجوبين الذي يتعدون حدود اللّه فيتأسون بأبيهم في الندم والاستغفار والاعتراف فلم تكن تلك المعصية مقصودة لآدم بالأصالة كما هي ذنوب الغاوين من ذريته وإنما بكى آدم عليه السلام مع إذن الحق تعالى له في أكله من الشجرة سرا على ما مر في كلام أبي مدين تشريعا لذريته فكان بكاؤه صوريا.

(فإن قلت): فلم لم يفتح آدم عليه السلام، قبضة السعادة بالطاعة الصرف دون وقوعه في المعصية ثم توبته منها ؟

(فالجواب): إنما كان الأمر بعد وقوع المعصية ليظهر آدم بذلك سعة فضل اللّه ورحمته وحلمه على عباده الذين سبق في علمه أنهم يقعون في معاصيه تعالى ، ولو أنه فتح قبضة السعادة بالطاعة المحضة لتعطلت حضرات كثير من الأسماء الإلهية المتعلقة بالعالم المخالف، إذ الطائع لا يحتاج إلى مغفرة ولا رحمة ولا حلم لعدم من يغفر له أو يرحم أو يحلم عليه ويؤيد ذلك حديث لو لم تذنبوا لذهب اللّه بكم وأتى بقوم يذنبون فيستغفرون اللّه تعالى فيغفر لهم فاعلم ذلك. وأما الجواب عن نوح عليه السلام في قوله: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح: 26] فإنما دعا عليهم بذلك رحمة بهم خوف أن يشتد عليهم غضب اللّه تعالى أكثر مما كانوا فيه وقد أمرنا نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يقول أحدنا إذا خاف من وقوعه في فتنة اللهم توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي فلم يكن دعاؤه على قومه من غضب نفسي حاشا الأنبياء من ذلك.

* - وقال الشيخ محيي الدين: ليست دعوة نوح التي يعتذر بها يوم القيامة قوله: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ إنما هي قوله: وَلا يَلِدُوا إِلَّ فاجِراً كَفَّاراً [نوح: 27] لكونه تحكم على اللّه فيما لم يعرفه ولم يزل الحق يربي أنبياءه بأدب بعد أدب قال صلى اللّه عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: وَل تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ [القلم: 48] أدّبني ربي فأحسن تأديبي انتهى. وأما الجواب عن السيد أيوب عليه السلام في جمعه الذهب في ثوبه لما أمطر اللّه تعالى عليه، رجلان من جراد من ذهب وقال له ربه ألم أكن أغنيتك عن هذا فقال: بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن خيرك وبركتك. فالجواب أن أكابر الأولياء فضلا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا ينقص كمالهم أخذ الدنيا وإمساكها، فإن كان أيوب عليه السلام جمع الذهب لما هو عليه من ظاهر الحال فهو صحيح مع أنه قانع بلا شك لأن القناعة عند أهل اللّه تعالى ليست هي الاكتفاء بالموجود من غير طلب مزيد وإن كان فعل ذلك ليقتدي به قومه فما فعل إلا ما هو أولى بالقربة إلى اللّه تعالى من تركه لا سيما وأيوب عليه السلام، ممن هدى اللّه تعالى وممن أمر اللّه نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يقتدي بهداهم وقال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] فقد رجعت القناعة بهذا التقرير إلى بابها في لسان العرب وهي المسألة فإن القانع هو السائل لكن من اللّه لا من غيره قال تعالى في الظالمين يوم القيامة مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ [إبراهيم: 43] أي رافعين رؤوسهم إلى اللّه تعالى يسألونه العفو والمغفرة عن جرائمهم. فعلم أن من سأل غير ربه فهو ظالم إل أن يرى أن ذلك الغير باب من أبواب اللّه تعالى من غير وقوف معه، فإن لم يكن كذلك خيف عليه الحرمان والخسران ولا يخفى أن السائل موصوف بالركون إلى من سأله واللّه تعالى يقول: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود: 113] ومن ركن إلى نفسه أو إلى جنسه فقد ركن إلى ظالم لقوله تعالى: إنه أي الإنسان كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [الأحزاب: 72] . وقد قال الشيخ محيي الدين في الباب الرابع والتسعين: اعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكمل الأولياء ما أمسكوا الدنيا إل باطلاع عرفاني أنتج لهم ما عشقهم في الإمساك من نفع الأنفس بالأقوات التي قدر اللّه تعالى وصولها لأصحابها في أوقات مخصوصة فما أمسكوا الدنيا عن بخل ولا ضعف يقين حاشاهم من ذلك. قال: وانظر إلى أيوب عليه السلام، كيف أعطته المعرفة المذكورة أنه صار يحثو في ثوبه من الذهب لما أمطر عليه وهو يقول: « لا غنى لي عن بركتك » انتهى. وأما الجواب عن يونس عليه السلام فما حكاه اللّه تعالى عنه بقوله: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ [الأنبياء: 87] الآية. فالمراد بقوله: أن لن نقدر عليه أن يونس عليه السلام ظن أن اللّه تعالى لا يضيق عليه، لما عهده من سعة رحمته من باب قوله تعالى:

وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق: 7] أي: ضيق عليه، وإنم آخذه اللّه تعالى لكونه قصر ذلك الاتساع الإلهي على نفسه فقط ولم ينظر ذلك في حق غيره من أمته فلما ظن أن رحمة اللّه تعالى لا تنالهم أثر غضبه ظلمة في ظاهره لعلو منصبه وصفاء قلبه فأسكن في ظلمة بطن الحوت ما شاء اللّه تعالى . لينبهه تعالى على حالته حين كان جنينا في بطن أمه من كان يدبره فيه وهل كان في ذلك الموطن يتصور منه أن يغضب أو يغاضب بل كان في كنف اللّه عزّ وجلّ لا يعرف سوى ربه فرده تعالى إلى هذه الحالة في بطن الحوت تعليما له بالفعل، لا بالقول فنادى في الظلمات أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] ، أي:

سبحانك يا رب تفعل ما تريد وتبسط رحمتك على من تشاء وهذا كالاعتذار عن أمته وقوله:

كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] أي: أثر غضبي رجع على ما أنت ظلمتني لأن علمك ما تعلق إلا على هذا الحال ثم لما زالت ظلمة المغاضبة ظلمة تليق بمقام الأنبياء وانتشر النور اللائق بكمال النبوة في قلبه استجاب له ربه فنجاه من الغم فقذفه الحوت من بطنه مولودا على الفطرة السليمة فلم يولد أحد من بني آدم ولادتين سوى يونس عليه الصلاة والسلام، فخرج ضعيفا كالطفل كما قال تعالى: وَهُوَ سَقِيمٌ [الصافات: 145] ورباه تعالى باليقطين وذلك لأن ورقه ناعم ول ينزل عليه ذباب إذ الطفل لضعفه لا يستطيع أن يرد الذباب عن نفسه فغطاه اللّه تعالى بهذه الشجرة التي من خاصيتها أن لا يقربها ذباب مع نعومة ورقها فإنه مثل القطن في النعومة بخلاف ورق الأشجار كلها فإن فيه الخشونة ذكره الشيخ في الباب الثالث والثلاثين من « الفتوحات ». وأما الجواب عن السيد موسى عليه الصلاة والسلام، في قوله: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ [الشعراء: 21] كيف خاف عليه السلام وهو كامل مع أن الواحد من الأولياء لا يخاف أحدا إلا اللّه تعالى . فالجواب: مقام الخوف أولى من وجوه منها أن الكامل يرى من نفسه الضعف بخلاف صاحب الحال من الأولياء، ومنها: أنه يجب عليه الكامل الفرار من شيء يؤذي بدنه أو يلحقه بالعدم وإن خالف ذلك أثم، ومنها: أن في الخوف عدم تعطيل الأسباب فكان من كمال موسى فراره ويحتمل أن خوفه منهم إنما هو خوف من اللّه تعالى بالأصالة أن يسلطهم عليه فرجع خوفه منهم إلى خوفه من اللّه تعالى وذلك محمود واللّه أعلم. وأما الجواب عن السيد سليمان عليه الصلاة والسلام، في قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ [ص:

33] فهو أن تعلم يا أخي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لا توصف بفعل سفه ولا إتلاف مال لكمالهم وإنما المراد أنه لما أحب الخير الذي هو المال عن ذكر ربه لا عن حكم الطبع طفق يمسح بيده على أعراف الخيل وسوقها فرحا وإعجابا بخير ربه ولعلمه عليه الصلاة والسلام بأن اللّه تعالى يحب من عباده حب الخير وذلك الحب للخير إما أن يراد به حب اللّه إياه أو حب الخير من حيث وصف الخير بالحب، ومعلوم أن الخير لا يحب إلا للأخيار فإنهم محل وجود عينه فلذلك قال سليمان عليه الصلاة والسلام: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي [ص: 32] . أي: أنا في الخير من حيث المحبة كالخير في حبه ولهذا لما توارت بالحجاب، يعني: الصافنات الجياد اشتاق إليها فقال: ردوها عليّ لأنه فقد المحل الذي أوجب له هذه الصفة الملذوذة فإنها كانت محلا له. قال الشيخ في الباب الرابع والعشرين ومائة من « الفتوحات »: وليس للمفسرين الذين جعلوا التواري للشمس دليل لأن الشمس ليس له ههنا ذكر ولا الصلاة التي يزعمون وسياق الآية لا يدل على ما قالوه في ذلك بوجه ظاهر البتة، وأما استرواحهم فيما فسروه بقوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّ سُلَيْمانَ [ص: 34] فالمراد بتلك الفتنة إنما هو الاختبار إذا كان متعلقه الخيل ولا بد فيكون اختباره إذا رآها هل يحبها عن ذكر ربه لها أو يحبها لعينها فأخبر عليه السلام، أنه أحبها عن ذكر ربه إياها لا لحسنها وكمالها وحاجته إليها، فإنه جزء من الملك الذي طلب أن لا يكون لأحد من بعده فأجابه الحق تعالى إلى ما سأل في المجموع ورفع الحرج عنه وقال له: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) [ص: 39، 40] أي: ما ينقصه هذا الملك شيئا من ملك الآخرة كما يقع لغيره من المتنعمين في الدنيا فإن كل شيء تنعموا به في الدنيا نقص من نعيمهم في الآخرة كما ورد.* - قال: ومن هنا يعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يكن شيء يشغلهم عن اللّه تعالى من نعيم الآخرة فضلا عن الدنيا ولذلك سألوا التوسع في الدنيا ومحال أن يسألوا من ربهم ما يحجبهم عنه أو يجيبهم الحق تعالى ، إلى ما يحجبهم إكراما لهم وقد ذكر الشيخ في باب الوصايا من « الفتوحات »: إن الأكابر ما سألوا اللّه تعالى التوسع في الدنيا إلا لغرض صحيح وذلك لأنهم لما أحكموا الزهد في الدنيا والقناعة منها بالقليل، أمنوا على نفوسهم من أن يشتغلوا عن اللّه بشيء فسألوا اللّه التوسع في الدنيا ليوسعوا بها على أنفسهم وعلى من يلوذ بهم إعطاء لنفوسهم ومعارفهم حقهم وليتلذذوا بخطاب اللّه عزّ وجلّ لهم بقوله: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الحديد: 18] فإنه تعالى ما خاطب بذلك إلا أهل الجدة والسعة فلأجل لذة توجه خطاب الحق تعالى لهم في ذلك سارعوا إلى تحصيل مرتبة الغنى بالتجارات والمكاسب الشرعية لعلمهم بأن من لا مال له محروم من لذة هذ الخطاب فقد بان لك أن سليمان عليه السلام، لم يقدح في كماله سؤاله الدنيا أن تكون له بأسرها لفقد العلة التي كرهت الدنيا من أجلها. وقد بلغنا أن نملة طلبت من سليمان الأمان فأعطاها، فقالت: ما ملكك الذي أعطاكه الحق تعالى بسؤالك ! فقال: خاتمي. فقالت: أف لملك يحويه خاتم، ثم قالت له: يا سليمان إذا كانت الأمور التي يعطيها الحق تعالى لعباده لا تخرج عن ملكه تعالى فما فائدة طلبك أن يعطيك ملكا لا ينبغي لأحد من بعدك انتهى.(قلت): وما ذكره الشيخ في هذه الآية تفسير غريب واضح وعليه فلا يصح استدلال الشبلي به، على تحريق ثيابه بالنار حين شغلته عن ربه عزّ وجلّ. وقال: إن سليمان عليه السلام، قطع سوق الخيل وأعناقها لما شغلته عن الصلاة وأما قول بعض العلماء: إن الضمير في توارت للشمس فلا يناسب قوله: ردوها علي إذ الشمس ليس رده في يد قومه حتى يردوها عليه ومع ذلك فإن صح دليل في رد الشمس على سليمان بإظهار الضمير الذي في توارت وردّوها للشمس دون الخيل أتبعناه، واللّه أعلم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه يقول: ثم مقام يقتضي طلب العبد أن يوسع اللّه عليه الدني ليزداد بذلك فقرا إلى اللّه تعالى وإلى نعمه وكيف يعاب على من سأل ربه ما هو أقل من جناح بعوضة انتهى. وأما الجواب عن خطيئة داود عليه الصلاة والسلام، التي استغفر منها وخر راكعا وأناب فكانت نظرة فجأة بغير تقدم نية صالحة ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم: كانت خطيئة أخي داود النظر وذلك أنه رفع رأسه من الأرض بغير نية تناسب مقامه فآخذه اللّه بذلك. ولذلك ورد أنه لم يرفع بصره إلى ناحية السماء بعد ذلك إلى أن مات حياء من ذلك الرفع السابق مع الغفلة فعين الذنب هو رفع البصر ولو إلى مباح بغير نية فافهم. فعلم أن مؤاخذة الأكابر في الحركات والسكنات مع الغفلة لا تختص بالنظر ولا غيره فلو قدر أنه حرك أصابعه مع الغفلة عن شهود الحق بذلك لآخذه اللّه به لوجوب الحضور عليهم مع اللّه تعالى على الدوام وأما ما ذكروه من أن خطية داود كانت هي النظر إلى امرأة أوريا فلم يصح لنا ذلك في حديث واللّه أعلم. وقد بسط ذلك في مبحث الجواب عن آدم عليه الصلاة والسلام فراجعه. وأما الجواب عن السيد يوسف عليه الصلاة والسلام، في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها [يوسف: 24] الآية. فقد ذكر الشيخ في الباب السابع والستين وثلاثمائة من « الفتوحات » أن روحه اجتمعت بروح يوسف عليه الصلاة والسلام، في بعض الإسراآت الروحية. فقال له: يا نبي اللّه ما معنى الاشتراك في إخبار اللّه تعالى عنك بقوله:

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها [يوسف: 24] ، فإنه تعالى لم يعين في ماذا ولا يخفى أن اللسان يدل على أحدية المعنى، فقال يوسف عليه الصلاة والسلام: نعم، ولذلك قلت للملك على لسان رسوله أن يسأل النسوة فما ذكرت المرأة إلا أنها راودتني عن نفسي وما ذكرت أني راودتها فافهم ما قلته لك. فإن به يزول ما كان يتوهمه بعض الناس لما لم يعين اللّه تعالى أمر همي وهمها. فقلت له: يا نبي اللّه اللسان يؤذن بالاشتراك فقال: نعم، صدقت لكن في اللفظ دون المعنى فإنها همت بي لتقهرني على ما كانت أرادت مني وهممت أنا بها لأقهرها بالدفع عن ذلك فالاشتراك في طلب القهر مني ومنها فكأنه تعالى يقول: ولقد همت به. يعني: في عين ما هم به وليس إلا القهر فيما يريد كل واحد من صاحبه دليل ذلك قول المرأة الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: 51] وما جاء في قصتي قط أنني راودتها عن نفسها فأراني اللّه تعالى البرهان غير إرادتي القهر في دفعها عني أول، بالقول اللين كما قال تعالى لموسى وهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً [طه: 44] أي: لا تعسف عليها يا يوسف وسسها فإنها امرأة موصوفة بالضعف على كل حال، قال: الشيخ محيي الدين فقلت له: أفدتني أفادك اللّه تعالى فاعلم ذلك. وأم الجواب عن أبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، فذكر الشيخ في الباب السابع والستين وثلاثمائة أن روحه اجتمعت بروح الخليل عليه الصلاة والسلام، قال: فقلت له يا أبت لم قلت: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260] مع أنك من المؤمنين بذلك بلا شك.

فقال: صحيح، ولكن للإحياء وجوه كثيرة كما كان إيجاد الخلق فمنهم من أوجده اللّه تعالى عن كلمة كن ومنهم من أوجده بيديه ومنهم من أوجده ابتداء ومنهم من أوجده عن خلق آخر فطلبت العلم بتعيين وجه من هذه الوجوه فإذا أعلمني به اطمأن قلبي. قلت: وقد بسط الشيخ الكلام على ذلك في الباب الخامس والعشرين ومائتين، واللّه أعلم. ولنرجع إلى المعنى الذي نحن فيه. قال الشيخ: فقلت له: يا أبت لم قلت بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: 63] قال:

لأنهم كانوا قائلين بكبرياء الحق تعالى على آلهتهم التي اتخذوها فقلت له: فماذا أردت بإشارتك بقولك هذا، قال لي: أنت تعلم المراد بها. فقلت: إني أعلم أنها إشارة ابتداء وخبره، محذوف يدل عليه قولك: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ [الأنبياء: 63] إقامة للحجة عليهم. فقال عليه الصلاة والسلام: ما زدت على ما كان الأمر عليه. فقلت له: فما كانت خطيئتك في قولك: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) [الشعراء: 82] .

فقال: هي نسبة المرض إلى نفسي في قولي: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) [الشعراء: 80] مع أنه في الحقيقة لم يمرضني إلا اللّه تعالى ، فهذا كان خطيئتي فكان في إضافة المرض إلى نفسي ثم طلب المغفرة من تلك الإضافة أدبان فقلت له: فلم قال تعالى في حقك: وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة: 130] فخص صلاحك بالآخرة وأطلق الصلاح لغيرك من الأنبياء في الدنيا والآخرة.

فقال: لأن الصالح من شرطه أن لا يضيف إلى نفسه شيئا إلا بإضافة اللّه تعالى وقد أضفت إلى نفسي وغيرها ما ليس لها بغير إذن خاص من اللّه تعالى بقولي: وَإِذا مَرِضْتُ [الشعراء: 80] وقولي: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: 89] .

وقولي: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: 63] . فقلت: له يا أبت فما قولك في الأنوار الثلاثة فإنك معصوم عن اعتقادك فيها الألوهية في حين من الأحيان. فقال: إنما قلت ذلك إقامة للحجة على قومي ألا ترى إلى ما قال الحق تعالى في القرآن: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ [الأنعام: 83]

وما كان اعتقاد قومي في الإله إلا أنه نمرود ولم تكن تلك الأنوار آلهتهم ولا كان نمرود إلها لهم وإنما كانوا يرجعون في عبادتهم لما نحتوه آلهة لا إليه، ولذلك لما قلت: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة: 258] لم يتجرأ نمرود أن ينسب الإحياء والإماتة إلى آلهتهم التي وضعها لهم لئلا يفتضح، فقال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: 258]

فعدل إلى نفسه تنزيها لآلهتهم عندهم حتى لا يتزلزل الحاضرون فقلت له: فلم عدلت إلى الأقرب في الحجة، فقال: لأني علمت قصور أفهامهم عما جئت به لو فصلته وطال المجلس فعدلت إلى الأقرب في أفهامهم بذكر إتيان اللّه تعالى بالشمس من المشرق وطلبت أن يأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر تعجيزا له من اللّه تعالى . ولنختم الأجوبة بالجواب عن نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم، فنقول: وباللّه التوفيق: اعلم أن الأجوبة عن نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم من علماء أمته لا تحصى ولكن نذكر لك منها طرفا صالحا فنقول وباللّه التوفيق: ذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثامن والتسعين وثلاثمائة أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم، لم يزل معصوما عن كل ما ينقص مقامه الأكمل قبل النبوة وبعدها كم روي أنه عليه الصلاة والسلام، قبل رسالته كان يرعى الغنم بالبادية فكان يهم أن يدخل إلى مكة فيصيب فيها ما يصيب الشبان من اللعب فإذا دخل مكة لذلك أرسل اللّه عليه النوم فيفوته فعل ما دخل لأجله فيستعجل الرجوع إلى غنمه فكان في ذلك عصمته صلى اللّه عليه وسلم، من حيث لا يشعر، وفي المثل السائر من العصمة أن لا تجد ويسمى هذا المقام: علم الحاصل في عين الفائت كما قال: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، فكان في ذلك الفائت سعادة العبد وفضل على الحاصل انتهى. وقد تقدم أوائلالمبحث معنى قوله صلى اللّه عليه وسلم: « إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه تعالى في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة » وإن المراد بذلك أنه كان دائم الترقي فكان يستغفر اللّه عز وجل عن كل مقام ترقى عنه فإنه ثم مقام رفيع، ومقام أرفع. وفي باب الوصايا للشيخ محيي الدين: إذ كان الحق تعالى يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فينبغي للعبد أن لا يتحدث في مناجاته للحق تعالى بما علمه له قبل ذلك فإنه تضييع للوقت وإنما ينبغي له أن يطلب دائما أمرا جديدا انتهى.

(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: 2] ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الجواب الخامس والخمسين من الباب الثالث والسبعين من « الفتوحات » أن المراد بهذا الخطاب وجميع العتاب الذي عاتب اللّه تعالى به نبيه صلى اللّه عليه وسلم، غيره من الأمة نحو: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: 1] لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [الإسراء: 74] فكان من فتوته صلى اللّه عليه وسلم، أنه تحمل عن أمته صولة الخطاب بالعتاب والتوبيخ فالخطاب له والمراد به غيره وهذا أحسن الأجوبة. قال: وأما مغفرته تعالى لبقية النبيين عليهم الصلاة والسلام، فإنما هي لكون الحق تعالى ستر عنهم في هذه الدار العلم بأن جميع مقاماتهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بحكم الأصالة وإنهم نوابه صلى اللّه عليه وسلم، كما ينكشف لهم ذلك كله في الدار الآخرة، وأطال في ذلك. ثم قال: فعلم من قولنا أن المخاطب بتلك المعاتبات كلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، والمراد بذلك غيره أن الحق تعالى من شأنه أن يؤدب الكبير بالصغير وكما أدب تعالى الأمة بتأديب رسولها لتبلغ باستعمال ذلك الأدب إلى نيل مأمولها فخاطب الرسول والمراد من أرسل إليه بالحث عليه انتهى. وقال في الباب الثامن والتسعين ومائة في قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] الآية: هو من باب قولهم إياك أعني واسمعي يا جارة كما يشهد لذلك قرائن الأحوال. قال والحكمة في ذلك مقابلة لإعراض الكفار عن استماع ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فلذلك أعرض الحق عنهم في الخطاب مقابلة إعراض بإعراض، مع كونهم هم المراد بذلك الخطاب فأسمعهم في غيرهم عقوبة لهم واستهانة بأمرهم انتهى. وقال الشيخ في الباب السابع وأربعين ومائتين: اعلم أنه لا يشترط في استغفار الأكابر أن يكون من ذنب وقع وإنما استغفارهم من خوف أن يبدو منهم ما كان ينبغي ستره من الأحوال التي لم يؤمروا بذكرها لقومهم ولهذا ما نقل عن نبي قط أنه ندم على ما قال مما أوحى به إليه ولا سمع منه كلام عادي في حال الوحي حين يفرغ من تنزله عليه فإذا انفصم عنه فحينئذ يخبر بما وقع. قال: وأما ما كان عن نظر من غير وارد وحي فقد يمكن أن يندم على ما جرى منه كما وقع له في أسارى بدر انتهى.

(فإن قلت): فما معنى قوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الأحزاب: 37] وما الذي أوقع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فيما عاتبه اللّه عليه من خشية الناس ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السابع والثلاثين وخمسمائة من « الفتوحات »: أن سبب وقوعه صلى اللّه عليه وسلم في خشيته من الناس قوله: في حق يوسف عليه الصلاة والسلام، لو كنت مكانه لأجبت الداعي يعني: داعي الملك لما دعاه إلى الخروج من السجن فلم يخرج حتى قال له: ارجع إلى ربك يعني: العزيز الذي حبسه فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهنّ وذلك ليثبت عند العزيز براءته فلا تصح له المنة على يوسف في إخراجه من السجن بل المنة للّه وحده فقصد يوسف بذلك براءة ساحته إذ لو بقي الاحتمال لقدح في عدالته وهو رسول من اللّه عز وجل، فلا بد لأمته في طريق انقيادهم له من ثبوت عدالته عندهم فلذلك خشي صلى اللّه عليه وسلم من الناس أن يعيبوا عليه تزويجه بزوجة من تبناه حتى لا يردوا دعوة الحق عليه، فعلم أن اللّه تعالى ما ابتلى نبيه صلى اللّه عليه وسلم، بتزويجه زوجة من تبناه إلا ليذوق بلاء التهمة ويتخلق بالرحمة التامة على كل من اتهم فإن تزوج الرجل زوجة من تبناه مما كان يقدح في كماله صلى اللّه عليه وسلم، عند جهال العرب وهو رسول اللّه ثم إنه تعالى لما أذاقه ألم الجرح في مقامه داواه بإبانته عن العلة في ذلك بقوله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40] ورفع الحرج في مثل ذلك عن المؤمنين فأذاق الحق تعالى رسوله صلى اللّه عليه وسلم، ما أذاق يوسف حين لم يجب الداعي وطلب أن تكون البراءة في غيبته لكونها أكثر تنزيها له لأنه لو حضر ربما قيل ما ذكره إلا في وجهه حياء منه ومن كمال الرجل أن يقف مع ما تمسك عليه المروءة العرفية في كل ما لم يؤمر بفعله حتى يأتيه أمر اللّه فهناك يكون بحسب ما يؤمر به انتهى.

(قلت): ويحتمل أن يكون المراد بقوله صلى اللّه عليه وسلم: « لأجبت الداعي » الثناء على يوسف بالقوة في عدم خروجه من السجن فأظهر صلى اللّه عليه وسلم، ضعف حاله عن حال يوسف كما قال: نحن أولى بالشك من إبراهيم، فإن يوسف اجتمع عليه حالان: حال السجن وحال كونه مفترى عليه وكل رسول يطلب أن يقرر في نفوس أمته ما يقبلون به دعاء ربه في كل ما يدعوهم إليه فكأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال لو كنت مكان يوسف لسارعت إلى الخروج طالبا للبراءة بجدالي عن نفسي لتثبت براءتي عند من أرسلت إليهم ويحتمل غير ذلك واللّه أعلم.(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43] هل هو توبيخ كما فهمه بعضهم أو سؤال عن العلة مثل قوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام: أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ [المائدة: 116] .(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة: أن ذلك سؤال عن العلة لا سؤال توبيخ لأن العفو قد تقدم ذلك، وقوله: حتى يتبين لك إنما هو استفهام مثل قوله تعالى لعيسى ما تقدم، كأنه تعالى يقول: أفعلت يا محمد ذلك حتى يتبين لك الذين صدقوا، فإما أن يقول عند ذلك نعم، أو لا. فإن العفو والتوبيخ لا يجتمعان لا سيما مع تقدم العفو في الذكر كما تقدم فإن من وبخ فما عف مطلقا لأن التوبيخ مؤاخذة وهو تعالى قد عفا قال: ولم كان هذا اللفظ قد يفهم منه في اللسان التوبيخ جاء لأجل ذلك بالعفو ابتداء ليتنبه العارف باللّه تعالى وبمواقع كلامه أنه لم يرد التوبيخ الذي يتوهمه من لا علم عنده بالحقائق انتهى. وقال في الباب الثامن والثلاثين من « الفتوحات » أيضا في قوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: 43]: ذكر أهل التفسير أنه تعالى قدم له البشرى قبل العتاب ليطمئن فؤاده صلى اللّه عليه وسلم، قال: والذي عندنا نحن من العلم الإلهي هذه الآية بشرى خاصة ليس فيها عتاب، إنما هو استفهام لمن أنصف وأعطى كلام اللّه تعالى حقه في الفهم انتهى.(فإن قلت): فما المراد بقوله تعالى في حقه صلى اللّه عليه وسلم، عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى [عبس: 1، 2] إلى آخر النسق هل معناه: على ظاهره أم المراد به غير ذلك ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الرابع وثلاثمائة: ليس ذلك العتاب على ظاهره وإنما نبه نبيه صلى اللّه عليه وسلم، على ما ذكره ليعلمه أنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم أكثر حضورا من الملوك. لأن رحمة اللّه تعالى لا تفارق الفقراء بخلاف الملوك. وإيضاح ذلك أن الحق تعالى يغار على عبده المنكسر القلب من أجل ربه أشد مما يغار لمن تظاهر بصفات العظمة، فإذا حضر عندك ملك مطاع نافذ الأمر زائرا ثم إن فقيرا دخل عليك كذلك زائرا فأقبل على الفقير أكثر من الملك إلا أن تخاف سطوته ولا تعرض عن الفقير حتى يفرغ من حاجته التي جاءك لأجلها. فعلم أن تجلي الحق تعالى بالحضور عند الملك المطاع تجل في غير موطنه اللائق به إذ الكبرياء والعظمة إنما تليق بأهل الجنة في الجنة لعدم التحجير عليهم وزوال التكليف وما عاتب اللّه تعالى نبيه بقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) [عبس: 1، 2] إلا لكون ذلك الأعمى أن جاءه الأعمى فقيرا فغار تعالى لمقام العبودية والفقر أن يستهضم لأجل صفة عزا وقهرا أظهرت في غير محلها وأطال في ذلك.

وأما معنى قوله تعالى: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) [عبس: 5، 6] فذكر الشيخ في الباب التاسع والأربعين وخمسمائة أن معناه:

العتاب في حال اجتماع الفقراء مع الأغنياء لا مع الانفراد فإن من الأدب الإقبال على كل وارد من غني أو فقير وفي الحديث إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وقال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) [الممتحنة: 8] . وهنا نكتة ينبغي لك يا أخي أن تعرفها وهي: أن الملك العزيز في قومه ما جاء إليك ولا نزل عليك حتى ترك جبروته وكبرياءه خلف ظهره قبل أن يأتيك، فما أتاك إلا وهو يرى نفسه دونك فكان جبروتك في نفسك إذا لم تقبل عليه وتتواضع له أعظم من جبروته هو فعلى كل حال يلزمك مقابلته بنظير فعله معك وأنزله أنت منزلته من نفسك قبل أن يأتيك وأدخل عليه السرور والإقبال والتبسم تكن حكيم الزمان فإن اللّه تعالى ما عاتب نبيه صلى اللّه عليه وسلم، في حق الأعمى والأغنياء إلا لكون الفريقين كانا حاضرين فبالمجموع وقع العتب لا مع الانفراد.

وكان سيدي علي الخواص رحمه اللّه تعالى يقول: إنما أقبل صلى اللّه عليه وسلم، على الأغنياء لصفة الغنى التي تظاهروا بها والعارف باللّه تعالى ينبغي له الإقبال على كل نعت إلهي من جلال وعظمة وغيرهما، فإن وقع أن أحدا من العارفين عوتب على إقباله على الأغنياء فليس ذلك من حيث تظاهرهم بالغنى، وإنما ذلك لعلة أخرى فعلم أنه لا ينبغي القياس على هذا العتاب وطرده في حق الأغنياء مطلقا فإن ذلك مزلة قدم عن الشريعة فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قد أمرنا بإكرام كريم كل قوم إذا أتانا كما مر فافهم. وعلم أيضا أن تعظيم العارف للملوك والأمراء والأغنياء، إنما هو من تعظيم الرب جل وعلا، وأما تعظيم الفقراء فإنما ذلك جبر لقلوبهم لانكسارها انتهى. وقال في تفسير هذه الآية أيضا الباب الثالث والستين ومائة: اعلم أن الغنى صفة ذاتية للحق تعالى:

فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24] ، أي: هو الذي يستحق أن يثنى عليه بهذه الصفة وكان مشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حين عاتبه ربه بقوله: عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) [عبس: 1] إلى آخره، إنما هو الصفة الإلهية المذكورة وهو الغنى المطلق الذي لا يكون لغير اللّه قطعا، فلهذ تصدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لأكابر قريش لظهور رائحة هذه الصفة الإلهية فيهم فإنها تعطي بذاتها الشرف والرفعة في ذلك الوقت الذي تصدى لهم فيه فكان قصده صلى اللّه عليه وسلم، بإقباله على الأغنياء إنما هو تعليم أمته أن يتصدوا لكل من اتصف بصفة الغنى من الخلق ثم إذا رسخوا في ذلك المقام أمروا بالترقي إلى شهود عدم تخصيص الصفات الإلهية فإن العالم كله من شعائر اللّه تعالى ، ومن صفته ولا ينفك شيء منه عن مصاحبة معية الحق تعالى له لعدم تحيزه جل وعلا فكل كامل يغار على هضم جناب المنكسرة قلوبهم لأن الحق عندهم كما أخبرنا به الشارع صلى اللّه عليه وسلم، وأيضا فإنه صلى اللّه عليه وسلم، مع هذا المشهد كان له حرص عظيم على إسلام قريش فكان يعلم أن أكابرهم إذا مالوا إليه بقلوبهم وأطاعوه وأحبوه وأسلموا فأسلم بإسلامهم خلق كثير، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ [التوبة: 128] ، أي: إن عنادكم وعدم إسلامكم يعز عليه لمحبته الخير لكم.

(فإن قلت): فكيف أوقع الحق تعالى العتب على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، مع هذا المشهد العظيم الذي قدمناه ؟

(فالجواب): إنما عاتبه وأعلمنا بذلك تأديبا لنا فإن الإنسان محل الغفلات، وهو فقير بالذات ولو صار من أكبر ملوك الدنيا فهو فقير لأن غناه عرضي عرض له من حصول الجاه والمال، فما استغنى إلا بغيره بخلاف الحق، جل وعلا فليست الصفة التي ظهرت في الأغنياء صفة الحق حقيقة حتى يتصدى العبد لها ولذلك قال تعالى في الآية: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى [عبس: 5] بسين الطلب وما قال: أما من هو غني فكان ما أدب اللّه تعالى به نبيه صلى اللّه عليه وسلم، الإعراض عن الأغنياء والإقبال على الفقراء أولا ثم أمره أن يقبل على كل من ترك غناه وكبرياءه وجاء إليه.

* - قال الشيخ: وأكثر الناس غافلون عن هذا الأدب الثاني، فلا يكادون يشهدون له طعما ويتخيلون أن إقبال العارفين على أحد من الرؤساء والأغنياء، إنم ذلك لأجل جاههم ومالهم وليس الأمر كما ظنوا. ثم اعلم أن أهل اللّه تعالى إذا خافوا أن أحد من العوام يتبعهم على تعظيم الأغنياء من غير فهم المعنى الذي قصدوه وخافوا أن يزدادو بذلك الفعل رغبة في الدنيا فلهم إظهار الأنفة على الأغنياء والرؤساء تقديما لمصلحة المحجوبين، وتأمل قولهم شرط الداعي إلى اللّه عز وجل أن يكون غنيا عن المدعوين لا يحتاج إليهم في شيء يمنون به عليه فعرف أنه ينبغي له استجلاب الناس لا تنفيرهم عنه فيحسن إليه بالمال والإقبال ولا ينبغي له قبول صدقاتهم وإحسانهم لأنه يهون بذلك في أعين المدعوين ويجب عليه التعفف عما بأيديهم وكف نفسه عنهم إما بمال أو قناعة قال تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل: 125] . فأما الحكمة فهو غناه عما بأيدي المدعوين وأما الموعظة الحسنة فهو تمهيده بساطا للمدعوين حتى إنهم يصيرون يبادرون إلى فعل ما ندبهم إليه من غير توقف لما يعلمون لنفوسهم في ذلك من المصلحة وفي القرآن وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] وقد استقر الأمر على أن تقديم الفقراء على الأغنياء مطلوب في كل ما فيه إكرام وأنه لا ينبغي لفقير أن يراعي أحدا من الأكابر بعد ما تبين له الحق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر والسلام.(خاتمة): لا ينقص من كمال الأنبياء عليهم السلام، عدم معرفتهم بتدبير أحوال الدنيا في بعض الأوقات كما أشار إليه قوله صلى اللّه عليه وسلم، في مسألة تلقيح النخل أنتم أعلم بأمر دنياكم وذلك أنه صلى اللّه عليه وسلم، مر على قوم وهم على رؤوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء ؟ فقال: يلقحون النخل.

فقال: ما أرى ذلك يجدي شيئا فسمع بذلك الأنصار فتركوا تلقيح نخلهم تلك السنة فقلّ حمل النخل وخرج البلح شيصا فأخبروه بذلك فقال: أنتم أعلم بأمر دنياكم، يعني: في كل ما لم يوح إليه فيه شيء. قال الشيخ محيي الدين: وسبب خفاء بعض أحوال الدنيا على الأنبياء والأولياء، إنما هو لما غلب على قلوبهم من عظيم مشاهدة جلال اللّه تعالى فغابوا بذلك عن تدبيرهم للكون ولو أن ذلك الجلال والعظمة انحجب عنهم لكانوا أعرف الناس بأمر الدنيا لكن لا يخفى أن حجابهم عن تدبير الكون إنما هو لهم في بعض الأوقات لا كلها كما أشار إليه خبر لي وقت لا يسعني فيه غير ربي. قال بعض العارفين: وما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، حتى تزايد كماله وصار يدبر أمر الدنيا والآخرة، ولم يكن يشغله مشاهدة جلال اللّه عز وجل، عن ذلك.

وقد ذكر الجلال السيوطي رحمه اللّه أنه صلى اللّه عليه وسلم، كان مكلفا بالإقبال على اللّه عز وجل، وعلى الخلق معا في آن واحد لا يحجبه الخلق عن الحق.

(فإن قلت): فلم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمشاورة أصحابه مع كونهم دونه بيقين ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين ومائة أن اللّه تعالى ما أمر نبيه صلى اللّه عليه وسلم بالمشاورة لمن هو دونه إلا ليعلمه تعالى أن له في كل موجود خصوصية لا تكون لغيره فقد يلقي اللّه تعالى من الوجه الخاص لآحاد الأمة ما لم يلقه إلى أحد من المقربين بدليل قصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام واللّه أعلم.

 


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!