موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع والعشرون: في بيان معجزات الرسل والفرق بينها وبين السحر ونحوه

 كالشعبذة والكهانة وبيان استحالة المعجزة على يد الكاذب كالمسيح الدجال وذكر نقول المتكلمين من الصوفية وغيرهم وتحرير مسألة ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي

اعلم أن الحق تعالى ما أرسل الرسل إلا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم وذلك أنه ما بعث رسول إلا في زمن حيرة وتردد بين التنزيه والتشبيه بعقولهم فمنّ اللّه تعالى عليهم بأن أقام الحق تعالى لهم شخصا ذكر أنه جاء إليهم من عند اللّه تعالى برسالة يزيل بها حيرتهم فنظروا بالقوة المفكرة فرأوا أن الأمر جائز ممكن فلم يعزموا على تكذيبه ولا رأوا علامة تدل على صدقه فوقفوا وسألوه: هل جئت بعلامة من اللّه تعالى يعرف بها صدقك في إرساله لك فإنه لا فرق بيننا وبينك إلا ذلك فجاءهم بالمعجزة فمن الناس من آمن ومنهم من كفر.

فعلم أن كل نبي لم يظهر له شيء من الآيات إلا بقدر إقامة الحجة على قومه لا غير فإن جميع الآيات إنما وقعت على يد الرسول من كونه رسولا رفق بالمؤمنين من أمته وحجة على الكافر ألا ترى إلى قصة الإسراء لما خرج إلى الناس صباح تلك الليلة وذكر لأصحابه ما جرى له في إسرائه وما وقع له مع ربه كيف أنكر عليه بعض الناس لكونهم ما رأوا لذلك أثرا في الظاهر إنما زادهم حكما في التكليف وانظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام، لما جاء من عند ربه كساه اللّه نورا على وجهه يعرف به صدق ما ادّعاه فما رآه أحد إلا عمي فكان يمسح وجهه الرائي له بثوب مما عليه فيرد اللّه عليه بصره من شدة نوره ولذلك كان يتبرقع حتى لا يتأذى الناظرون إليه إذا رأوه.

* - قال الشيخ محيي الدين في الباب الثامن والثلاثين وأربعمائة: وكان شيخنا أبو يعزى المغربي موسوي المقام وكان له هذه الكرامة فكان لا يراه أحد إلا عمي وممن رأى وجهه فعمي شيخنا أبو مدين لما رحل إليه فمسح أبو مدين عينه بثوب أبي يعزى فرد اللّه عليه بصره. قال الشيخ محيي الدين: وكان أبو يعزى هذا في زماني ولكن لم أجتمع به لما كنت عليه من الشغل وكان غيره من الأولياء المحمديين ممن هو أكبر منه في الحال والعلم والقرب الإلهي لا يعرفه أبو يعزى ولا غيره. قال الشيخ: من جعل اللّه كرامته في قلبه فقد ملأ يديه من الخير وكان ممن اصطفاهم الحق تعالى لنفسه فلم تعرفه الأبصار في الدنيا ومن جعل اللّه كرامته في الآفاق وخرق العوائد اشتهر ضرورة بين الناس وخيف عليه الفتنة انتهى. فقد بان لك أن اللّه تعالى ما أيد جميع رسله بالمعجزات الباهرات إلا تأسيسا لانقياد قومهم لهم إذ من شأن البشر أن لا ينقاد لبعضه بعضا إلا بظهور برهان وقد حد جمهور الأصوليين المعجزة بأنها أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة من المرسل إليهم بأن لا يظهر بينهم ذلك الخارق كما سيأتي بيانه في المبحث بعده والمراد بالتحدي هو الدعوى للرسالة وفيما قلن تنبيه على أنه ليس الشرط الاقتران بالتحدي بمعنى طلب الإتيان بالمثل الذي هو المعنى الحقيقي للتحدي وإنما المراد أنه يكفي دعواه الرسالة فكل من قيل له: إن كنت رسولا فأتنا بمعجزة فأظهر اللّه تعالى على يديه معجزا كان ظهور ذلك دليلا على صدقه نازلا بمنزلة التصريح بالتحدي قال الشيخ كمال الدين بن أبي شريف: وأصل التحدي أنه تفعل من الحداء أي:

تكلف الحداء على وجه يباري فيه الحادي شخصا آخر انتهى. وخرج بقولنا: مقرون بالتحدي الخارق المتقدم على التحدي وذلك يتناول ما وجد من النبي قبل النبوة وهو المسمى عند علماء أصول الدين إرهاصا أي: تأسيسا للنبوة من أرهصت الحائط إذ أسسته وخرج بالخارق للعادة غير الخارق كطلوع الشمس كل يوم وكذلك خرج أيضا الخارق من غير تحد ككرامات الأولياء وخرج أيضا المتأخر عنه بما يخرجه عن المقارنة العرفية وخرج أيضا السحر والشعبذة من المرسل إليهم إذ لا معارضة بذلك فعلم أن مرادهم بالخارق للعادة أن يظهر على خلافها كإحياء ميت وإعدام جبل وانفجار ماء من بين الأصابع ونحو ذلك.

(فإن قلت): فما القول فيما يظهر على يد المسيح الدجال من دعواه الألوهية وإحياء الموتى وإمطار السماء ونحو ذلك وجعله ذلك دليلا على صدقه في دعواه الألوهية في غاية الأشكال وهو من أكبر القوادح فيما قرره أهل الأصول في العلم بالنبوات من استحالة المعجزة على يد الكاذب وذلك لأنه يبطل بهذه الفتنة كل دليل قرروه وأي فتنة أعظم من فتنة تقدح في الدليل الذي أوجب السعادة للعباد ؟

(فالجواب): جميع ما يقال على يد الدجال ليس هو بأمور حقيقية وإنم هي أمور متخيلة يفتن بها ضعفاء العقول بخلاف ما يقع على يد الأنبياء فإنها أمور حقيقية ولذلك كان صلى اللّه عليه وسلم، يستعيذ تشريعا لأمته من فتنة المسيح الدجال فإن الدجل هو التمويه بإظهار الباطل في صورة حق وما كل أحد يخرق بصره حتى يدرك الأمور المموهة ويميزها عن غيرها إنما ذلك للأنبياء وكمل ورثتهم فإن العقول السليمة إذا شاهدت المعجزات لم يبق عندها شك في أن ما جاء به ذلك الرسول حق من عند ربه عز وجل، وأما العقول الضعيفة فلم تستجب لذلك الرسول ولم تؤمن به، ولهذا قال الشيخ محيي الدين في “ لواقح الأنوار “: نحن لا نشترط المعجزة عليه الصلاة والسلام لأنها ما خرجت عن كونها ممكنة والقدرة لا تتعلق إلا بإيجاد الممكنات وإذ أتى الرسول بالممكن فإنما يكون المعجز في ذلك عدم الإتيان ممن أرسل إليهم بمثل ذلك الذي تحدى به الرسول مع كون ذلك ممكنا وقوعه في نفس الأمر ثم إذا نظرنا إلى الذين انساقوا بالمعجزة إلى الإيمان فرأينا ذلك إنما كان لاستقرار الإيمان عندهم فتوقفت استجابتهم على المعجزة لضعف إيمانهم وأما غيرهم فما احتاج إلى ظهور ذلك بل آمن بأول وهلة بما جاء به رسوله لقوة نصيبه من الإيمان فاستجاب بأيسر سبب وأما من ليس له نصيب في الإيمان فلم يستجب بالمعجزات ولا بغيرها، قال تعالى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام: 125] انتهى. وقد نظم بعض اليهود بالشام أبياتا وأرسله للشيخ صدر الدين القونوي وطلب الجواب عنها. فأجابه الشيخ رحمه اللّه وهي:

أيا علماء الدين ذمي دينكم * تحير دلوه بأوضح حجة

إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم * ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

دعاني وسد الباب دوني فهل إلى * الدخول سبيل بينوا لي قضيتي

قضى بضلالي ثم قال ارض بالقضا * فها أنا راض بالذي فيه شقوتي

فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا * فربي لا يرضى بشؤم بليتي

وهل لي رضا ما ليس يرضاه سيدي * وقد حرت دلوني على كشف حيرتي

إذا شاء ربي الكفر مني مشيئته * فها أنا راض باتباع المشيئة

وهل لي اختيار أن أخالف حكمه * فباللّه فاشفوا بالبراهين غلتي

فأجاب الشيخ رحمه اللّه بقوله:

صدقت قضى الرب الحكيم بكل ما * يكون وما قد يكون وفق المشيئة

وهذا إذا حققته متأملا * فليس يسد الباب من بعد دعوة

لأن من المعلوم أن قضاءه * بأمر على تعليقه بشريطة

يجوز ولا يأباه عقل كما ترى * حدوث أمور بعد أخرى تأدت

كما الري بعد الشرب والشبع الذي * يكون عقيب الأكل في كل مرة

فليس ببدع أن يكون معلقا * قضاء إله الحق رب البرية

بكفرك مهما كنت بالكفر راضيا * تعاطي أسباب الهدى مع مكنة

فمن جملة الأسباب مما رفضته * مع الأمن والإيمان لفظ الشهادة

فأنت كمن لا يأكل الدهر قائلا * أموت بجوعي إذا قضى لي بجوعة

انتهى فليتأمل الجواب ومن فتح اللّه عليه بجواب أوضح منه فليلحقه بهذ الموضع وقد تقدم في مبحث خلق الأفعال أن هذه المسألة من أشكل الأمور فراجعه واللّه أعلم. ورأيت في كتاب “ سراج العقول “ للشيخ أبي طاهر القزويني رحمه اللّه ما نصه: اعلم أن البرهان القاطع على ثبوت نبوة الأنبياء هو المعجزات وهو فعل يخلقه اللّه خارقا للعادة على يد مدعي النبوة معترفا بدعواه وذلك الفعل يقوم مقام قول اللّه عز وجل له أنت رسولي تصديقا لما ادعاه مثاله قال الإنسان في ملأ من الناس بحضرة ملك مطاع، فقال يا معشر الحاضرين إني رسول هذا الملك وإن آية صدقي أن الملك يقوم ويرفع التاج عن رأسه فيقوم الملك في الحال ويرفع التاج عن رأسه عقب دعوى هذ المدعي أليس هذا الفعل منه يتنزل منزلة قوله صدقت أنت رسولي قال: وإنما يراعي في ذلك ثلاثة أمور الفعل الخارق للعادة واقترانه بالدعوى وسلامته عن المعارضة إذ لو رفع التاج بقول غيره أو بعد ذلك بمدة لا يكون حجة لهذا المدعي فهذه الثلاثة بمجموعها برهان قاطع على دعوى المدعي للرسالة نازلة منزلة التصديق بالقول وهو مثل حصول العلم لسائر الأشياء من شواهد المقال وقرائن الحال.

(فإن قلت): اقتران المعجزة بدعواه لا ينهض دليلا على صدقه لأن نفس الاقتران بالإضافة إلى دعواه وإلى غير دعواه من طريق الأقوال والأفعال بمثابة واحدة.(فالجواب): إن سبيل تعريف اللّه تعالى عباده صدق الرسل بالمعجزات كسبيل تعريفه تعالى ألوهيته بالآيات الدالة عليها وذلك قد يكون مرة بالقول ومرة بالفعل فتصديقه بالقول كقوله للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] وتصديقه بالفعل كما علم آدم الأسماء كلها ثم قال للملائكة أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [البقرة: 31] وعلم محمدا القرآن ثم قال: فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة: 23] فكم عجزت الملائكة عن معارضة آدم عليه الصلاة والسلام، كذلك عجزت العرب عن معارضة محمد صلى اللّه عليه وسلم، بالقرآن فدلت الأسماء هنالك والقرآن هنا على صدق النبي الذي هو أول الأنبياء وعلى صدق النبي الذي هو آخر الأنبياء، فعلى هذه الصفة صح أن المقترن بدعواه له تأثير وينهض دليلا بخلاف الاقتران بما لا معجزة للخلق عنه انتهى كلام الشيخ أبي طاهر رحمه اللّه. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه اللّه يقول: تعرف نبوة النبي بأمور منها أن يدعو إلى طاعة اللّه وينهى عن معاصيه. ومنها: أن لا يخالف ما يدعو الناس إليه ويعرف هو نبوة نفسه. ومنها أن يخلق اللّه له علم ضروريا فيعرف أنه رسول. ومنها أن يظهر اللّه له آيات وكرامات فيضطر إلى العلم أنه من عند اللّه وأن البشر يعجزون عن مثله. ومنها أن يخبره اللّه بما في قلبه وصدره فيضطر النبي إلى معرفة كلامه إذ الغيب لا يعلمه إلا اللّه تعالى . واعلم يا أخي أن خرق العوائد يكون على وجوه كثيرة وليس مرادنا هنا إلا خرق العادة من ثبتت استقامته على الشرع المحمدي وإلا فهو مكر واستدراج من حيث لا يشعر صاحبه، وقد ذكر الشيخ في الباب السادس والثمانين ومائة أن من الخوارق ما يكون عن قوى نفسية وذلك أن أجرام العالم تنفعل للهمم النفسية هكذا جعل اللّه الأمر فيها، وقد تكون أيضا عن حيل طبيعية معلومة كالقلفطيريات ونحوها وبابها معلوم عند العلماء وقد يكون عن نظم حروف بطوالع وذلك لأهل الرصد وقد يكون بأسماء يتلفظ بها ذاكرها فيظهر عنها ذلك الفعل المسمى خرق عادة في ناظر عين المرائين لا في نفس الأمر وأطال في ذلك، ثم قال: وهذه كلها تحت قدرة المخلوق بجعل اللّه تعالى قال: ولا يكون خرق العادة على وجه الكرامة إلا لمن خرق العادة من نفسها بإخراجها عن مألوفها الطبيعي إلى الانقياد للشرع في كل حركة وسكون. قال: وليس خرق العادة إلا أول مودة فإذ عاد ثانيا صار عادة وفي حقيقة الأمر جديدا بدا وما ثم ما يعود فما ثم خرق عادة وإنما هو أمر يظهر زي مثله لا عينه فلم يعد فما هو عادة فلو عاد لكان عادة وقد انحجبت الناس عن هذه الحقيقة بل ما رأيت أحدا اطلع عليها من أهل عصري وقد نبهتك على ما هو الأمر عليه إن كنت تعقل ما أقول فإن اللّه تعالى إذا كان خلاقا على الدوام فأين التكرار انتهى.(فإن قيل): فكم الإعجاز على ضرب ؟

(فالجواب): هو على ضربين كما قاله الشيخ في الباب السابع والثمانين ومائة: (الأول):

أن يمكن صرفه فيدعي في ذلك أن الذي هو مقدور لكم في العادة إذا أتيت به دليل على صدق دعواي، فإن الذي أرسلني يصرفكم عنه فلا تقدرون على معارضته وكل من كان في قدرته ذلك يجد العجز في ذلك الوقت فلا يقدر على إتيانه بما كان قبل هذه الدعوى يقدر عليه وهذا أنفع للنفس من الصرف. (الضرب الثاني): أن يأتي بأمر لا يكون في مقدور البشر ولا يقدر عليه إلا اللّه كإحياء الموتى ولكن الوصول إليه على طريق العلم أنه حي في نفس الأمر عزيز لا يدركه إلا أهل الكشف منا فإذا رأينا عص موسى حية وعصى السحرة حيات ولم يفرق العامة بين الحيتين فلهذا كان الوصول إلى علم ذلك عزيزا جدا انتهى.

(فإن قلت): فما المراد بتلقف عصا موسى لما صنعوا ؟

(فالجواب): أن المراد به كما قاله الشيخ في الباب السادس عشر والباب الأربعين من “ الفتوحات “: انكشاف ذلك للسحرة والناس يظنون أن تلك الحيات حبال وعصي لا حيات حين ظهرت حجة موسى عليهم لأن الحبال والعصي انعدمت إذ لو انعدمت لدخل عليهم اللبس في عصا موسى فكانت الشبهة تدخل عليهم في عصا موسى كذا وإيضاح ذلك أن عصا موسى إنما تلقفت صور الحيات من حبال السحرة وعصيهم فقط، فبدت للناس حبال وعصيا كما هي في نفس الأمر هذا تلقفها وذلك كما يبطل الخصم بالحق حجة خصمه ويظهر بطلانها ولو أنه كان المراد بتلقفها انعدام الحبال والعصي كما توهمه بعض المفسرين لدخل على السحرة الشبهة في عصا موسى والتبس عليهم الأمر فكانوا لم يؤمنوا فتنبه يا أخي لذلك فإن اللّه تعالى يقول:

تَلْقَفْ ما صَنَعُوا [طه: 69] وما صنعوا الحبال والعصي بسحرهم وإنما صنعوا في أعين الناظرين صور الحيات من الحبال والعصي. وعلى ما توهمه بعضهم يكون المعنى الذي جاء به موسى من قبيل ما جاءت به السحرة إلا أن سحره أقوى من سحرهم.

(فإن قلت): فما سبب خوف موسى من عصاه حين ظهرت في صورة حية ؟

(فالجواب): إنما خاف موسى من عصاه ليعلم السحرة أن ذلك ليس هو بسحر منه فإن أحدا لا يخاف من فعل نفسه لأنه يعلم أنه لا حقيقة له في نفس الأمر.

(فإن قلت): فما وجه من قال: إن من سحر غيره كفر ؟

(فالجواب): إن في ضمن السحر الكفر لأن الأرواح الكافرة التي هي المعينة له على السحر إنما تجيبه إذا خرج عن دين الإسلام.

(فإن قلت): فلم سمي السحر سحرا ؟

(فالجواب): لأنه مأخوذ من السحر الذي هو الزمان وهو اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس وكذلك هذا الذي يسمى سحرا بسكون الحاء ما هو باطل محقق فيكون عدما فإن العين أدركت أمر ما لا تشك فيه وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس هو في نفس الأمر كم تشهده العين ويظنه الرائي واللّه أعلم، فعلم أن معجزة كل نبي إنما تكون بحسب ما هو غالب على قومه كما أتى موسى عليه الصلاة والسلام، بما يبطل السحر لما كان السحر غالبا على قومه وكما أتى عيسى بإبراء الأكمه والأبرص لما كان الطب غالبا على قومه وكما أتى محمد صلى اللّه عليه وسلم، بالقرآن الكريم المعجز بفصاحته كل بليغ وفصيح لما غلب على قريش التفاخر بالفصاحة والبلاغة.

(فإن قلت): قد شرطتم في المعجزة أن تكون فعلا كما مر ثم ادعيتم أن القرآن معجزة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ومعلوم أن القرآن كلام اللّه والكلام عندكم صفة من صفات الذات كالعلم والقدرة فلو جاز أن تكون صفة الكلام معجزة لجاز أن تكون صفة العلم والقدرة معجزة.(فالجواب): كما قاله الشيخ أبو طاهر القزويني رحمه اللّه، أنه لا يخفى أن المعجز حقيقة إنما هو اللّه تعالى فإنه خالق العجز والقدرة وإنما سمي الفعل الخارق للعادة معجزة على طريق التوسع والمجاز لا على الحقيقة كمن نظر إلى صاعقة تقع من السماء فيقول: انظروا إلى قدرة اللّه تعالى وإنما هي من آثار قدرته وذلك أن العجز إنما يكون عن مقدور عليه وليس إحياء الميت مثلا من مقدور البشر حتى يقال: إن فلانا عجز عن إحياء الموتى والإنسان قد يحس من نفسه عدم القدرة على ذلك وعدم القدرة ليس بعجز كما أن عدم العلم ليس بجهل إذ الجدار مثلا عادم العلم وليس بجاهل لأنه فاقد شرط العلم والجهل معا الذي هو الحياة والعامة يعبرون عن عدم القدرة بالعجز وهو وهم وتخييل لأن العجز لا بد أن يقارن المقدور عليه فعلم مم قررناه أن مرادهم بقولهم: القرآن معجزة أن نظمه وتأليفه على هذه الهيئة الغريبة والأساليب العجيبة هو فعل اللّه تعالى وذلك معجزة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وليس مرادهم أن كلام اللّه الذي هو صفته القائمة بذاته معجزة وقد أعجز اللّه تعالى جميع الخلق عن الإتيان بمثله كل ذلك دلالة على صدقه صلى اللّه عليه وسلم، ولفظ القرآن في العربية يطلق على القراءة والمقروء كما قدمناه في مبحث اسمه تعالى المتكلم واللّه تعالى أعلم، ثم اعلم أن جمهور العلماء قائلون بأن ما كان معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي وخالف في ذلك المعتزلة والشيخ أبو إسحاق الإسفرايني فقالوا:

لا يجوز أن يكون ما ظهر معجزة لنبي أن يكون مثله كرامة لولي من سائر الخوارق وإنما مبالغ الكرامة إجابة دعوة أو موافاة ماء في بادية لا ماء فيها عادة ونحو ذلك مما ينحط عن خرق العادات قال الشيخ محيي الدين في الباب السابع والثمانين بعد المائة من “ الفتوحات “: وهذا الذي قاله الأستاذ هو الصحيح عندنا إلا أني أشرط شرطا آخر لم يذكره الأستاذ وهو: أنا نقول: لا يجوز أن تكون المعجزة كرامة لولي إلا أن يقوم ذلك الولي بذلك الأمر المعجز على وجه التصديق لذلك النبي دون أن يقوم به على وجه الكرامة لنفسه فلا يمتنع ذلك كما هو مشهود بين الأولياء، اللهم إلا أن يقول ذلك الرسول في وقت تحديه بمنع وقوعها في ذلك الوقت خاصة أو في مدة حياته خاصة فإنه جائز أن يقع ذلك الفعل كرامة لغيره بعد انقضاء زمانه الذي اشترطه وأم إن أطلق ذلك النبي ولم يقيد فلا سبيل إلى ما قاله الأستاذ انتهى. قال اليافعي اليمني رحمه اللّه: ولا يرد على قولهم ما جاز أن يكون معجزة لنبي إلى آخره القرآن العظيم للزوم التحدي فلا يجوز وقوع مثله لأحد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بخلاف الكرامة.

(فإن قلت): ما الفرق بين الكرامة والمعجزة ؟

(فالجواب): الفرق بينهما ظاهر وذلك أنه إذا توقفت الإجابة على المعجزة يجب على النبي أن يتحدى بها ويظهرها بخلاف الكرامة لا يجب على الولي إظهارها لأنه إنما يدعو بحكم التبع بشرع نبيه الثابت عنده فلا يحتاج إلى دليل على صحة طريقه ودعواه بخلاف النبي وكان اليافعي رحمه اللّه يقول: يجب على الولي إخفاء الكرامة إلا عن ضرورة أو إذن أو حال غالب لا يكون له فيه اختيار ولا تعمل، أو يكون لتقوية يقين بعض المريدين كالذي غرف عسلا من الهواء ووضعه بين يدي مريده انتهى. وقد فرق الأئمة بين المعجزة والكرامة بفروق كثيرة غير ما ذكرناه فقال بعضهم: من الفرق بينهما: المعجزة تقع عند قصد النبي صلى اللّه عليه وسلم، وتحديه وأما الكرامة فقد تقع من غير قصد الولي، وقال بعضهم: يجوز أن تقع الكرامة أيضا بقصد الولي وإنما الفرق الصحيح بينهما أن المعجزة تقع مع التحدي والكرامة لا يتحدى بها الولي، وقال بعضهم: يجوز للولي أيضا أن يتحدى بالكرامة على ولايته إذ رأى في ذلك مصلحة ونصيحة للخلق حتى يهديهم إلى الحق وإنما الفرق الصحيح بينهما هو أن المعجزة لا تكون إلا بعد دعوى له ولا تكون مع السكوت معجزة والكرامة يجوز أن تقع مع كلامه ومع سكوته معا وهذا القدر من الفروق كاف وحقيقة ذلك أن الولي إذ ادعى بفعل خارق للعادة أنه ولي فإن ذلك لا يقدح في معجزة النبي بخلاف ما إذا ادعى بمثل ذلك الفعل الآن على أنه نبي فإنه يكذب في دعواه والكاذب لا يكون وليا للّه تعالى فلا يصح أن يظهر على يديه ما يظهر على أيدي الأنبياء والأولياء، قال الشيخ أبو طاهر: وهو فرق ظاهر وهو معنى قول المشايخ: المعجزات علامات صدق حيث وجدت فل تظهر على أيدي الأولياء عند دعواهم النبوة لأنها لو وجدت عند ذلك لانقلب الصدق كذبا وهو محال انتهى.

(فإن قلت): هذا الفرق بين المعجزة والكرامة فما الفرق بين المعجزة والسحر والشعبذة ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ أبو طاهر رحمه اللّه: إن الفرق بين المعجزة والسحر ونحوه أن المعجزة تبقى هي أو أثرها بعد النبي زمانا والسحر سريع الزوال. وأما الفرق بين المعجزة والشعبذة فهو أن المعجزة يظهرها النبي على رؤوس الأشهاد وعظماء البلاد والشعبذة إنما يروج أمرها على الصغار وضعفاء العقول وجهلة الناس. قال القزويني رحمه اللّه وقد اختلف الناس في السحر وأثره فقيل: إنه يمكن به تبديل الصورة فيقلب الإنسان كلبا أو تمساحا أو حمارا قال: والظاهر أن أمثال هذه خرافات العوام وأسمار النسوة وأطال في ذكر النيزنجيات والقلفطيريات في كتابه “ سراج العقول “ قال: والسحر في اللغة إراءة الباطل في صورة الحق ومنه وقت السحر للفجر الكاذب وأما الشعبذة فهي منسوبة إلى رجل اسمه شعبان وهو معرب وأصله خفة اليد في تقليب الأشياء. والسحر عندنا حق على معنى أنه ثابت واقع وأنكر المعتزلة والروافض والدهرية السحر والدليل على صحته إجماع الأمم سلفا وخلفا وإجماع أهل الكتاب كلهم من الهند والروم والفرس وآيات القرآن ناطقة بذلك وقال الشيخ محيي الدين في الباب الأحد والسبعين ومائتين في قوله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة: 102]: اعلم أن اللّه تعالى إنما كره التفريق وذم فاعله ندبا إلى الألفة وانتظام الشمل ولما علم اللّه تعالى أن الافتراق لا بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت شرع الطلاق رحمة بعباده ليكونوا تحت الإذن في جميع أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاما للشيطان ومع هذ فقد ورد أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق. وذلك لأنه رجوع إلى العدم إذ بائتلاف الطبائع أظهر وجوب التركيب وبعدم الائتلاف كان العدم وكان تعطيل الأسماء الإلهية عن التأثير في أهل حضراتها فلأجل هذه الرائحة كره التفريق بين الزوجين لعدم الاجتماع انتهى.

(فإن قلت): فما الفرق بين المعجزة والكهانة ؟

(فالجواب): أن الفرق بينهما هو أن المعجزة فعل خارق للعادة مقرون بالتحدي يقوم مقام تصديق اللّه تعالى النبي بالقول كما مر، وأما الكهانة فهي كلمات تجري على لسان الكاهن ربما توافق وربما تخالف والنبي لا يكون قط إلا كامل الخلق والخلق وأما الكاهن فيكون مختل العقل ناقص الخلق مزورا فإن ادّعى النبوة بكهانته فربما قابله بدعواها كاهن آخر فلا يوجد الفرق بينهما البتة بخلاف النبوة فإن النبي إذا تحدى بالمعجزة وقابله مدع كاذب لا يجوز أن يظهر له معجزة مثل معجزة الصادق وقد قدمنا أن المعجزة تصديق اللّه للصادق فكيف تكون تصديقا للكاذب واللّه تعالى لا يصدق الكاذب واللّه تعالى أعلم.

(فإن قلت): فما وجه استحالة المعجزة على يد الكاذب ؟

(فالجواب): وجه ذلك أن الناس قد أشبعوا القول في استحالة المعجزة على يد الكاذب وكان ذلك كالإجماع على استحالتها.

(فإن قيل): إذا جوزتم إضلال اللّه تعالى الخلق وإغواءهم فما يشعركم أنه تعالى يظهر الآيات على أيدي الكاذبين إضلالا وإغواء ومعلوم أن ساحة ربوبيته تعالى بريئة من وجوب إضلال الخلق وهدايتهم.(فالجواب): أننا إنما جوزنا الإضلال لنصوص القرآن مثل قوله: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً [البقرة: 26] وقوله: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: 27] وغيرهما من الآيات وإنما نجوزه فيما لا يؤدي إلى المحال فإن كل ما أدى إلى المحال فهو محال والمحال، لا يكون مقدورا البتة وذلك من وجوه: إما أن يقع على خلاف المعلوم وإما أن يتناقض الدليل والمدلول فيه وإما أن يلتبس الدليل بالمدلول وإما أن يؤدي إلى تعجيز القدرة وتكذيب الحق تعالى فهذه أربعة وجوه تؤدي إلى المحال فلا تتعلق القدرة بها والمعجزة على يد الكاذب من جملته لأن المعجزة مقرونة بالتحدي نازلة منزلة قول الحق تعالى لذلك الرسول: صدقت وأنت رسولي. كم مر وتصديق الكاذب من المحال لذاته وعينه إذ كل من قال له: أنت رسولي صار رسول وخرج عن كونه كاذبا والجمع بين كونه كاذبا ورسولا صادقا محال واللّه أعلم. وقد ذكر الشيخ أبو طاهر أن بعض الأئمة قال: إظهار المعجزة على يد الكاذب من المقدورات بناء على أن ما علم اللّه أنه سيكون لا يخرج عن كونه مقدورا وخلاف المعلوم لا يكون مقدورا ثم الذي نقول به:

إن ذلك ولو كان مقدورا فلا يقع ذلك قطعا كما لا ينقلب العلم جهلا وأطال في ذلك في كتاب “ سراج العقول “ فراجعه إن شئت وحاصله أن شرط المعجز أن يكون ناقض للعادة لأن الفعل المعتاد يوجد مع الصادق والكاذب وأن يكون في أيام التكليف لأن الذي يظهر في القيامة من انفطار السماء وتكوير الشمس أفعال ناقضة للعادة وليست بمعجزة لأن الآخرة ليست بدار تكليف وأن يكون مقرونا بالتحدي لأنه قد يحصل أحيان أفعال ناقضة كالزلازل والصواعق وليست بمعجزة لأنها لم تكن مقرونة بذلك وأن يكون على وجه الابتلاء لأنه لو تلقن إنسان سورة من القرآن ثم مضى إلى قبيلة بعيدة لم تبلغهم الدعوة وتنبأ هناك لم تكن معجزة واللّه سبحانه وتعالى أعلم، فتأمل في هذا المبحث فإنه نفيس واللّه أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!