موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث العشرون: في بيان صحة أخذ اللّه العهد والميثاق على بني آدم وهم في ظهره عليه الصلاة والسلام

اعلم يا أخي أن المعتزلة قد أنكروا هذا العهد والميثاق وزعموا أن معنى قوله تعالى:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] .

أن المراد به أخذ بعضهم من ظهر بعض بالتناسل في الدنيا إلى يوم القيامة وأنه ليس هناك أخذ عهد ولا ميثاق حقيقة وأن المراد بالعهد والميثاق هو إرسال الرسل واستكمال العقل والنظر والاستدلال توجيه الخطاب إلى العبد ولا يخفى ما في هذ المذهب من الخطأ والغلط وكيف يصح للمعتزلة هذا القول ومعظم الاعتقاد في إثبات الحشر والنشر مبني على هذه المسألة والذي يظهر لي أنهم إنما أنكروا ذلك فرارا من غموض مسائل هذا المبحث ودقة معانيه عليهم فرضوا بالجهل عوضا عن العلم والحق أن اللّه تعالى أخذ عليهم العهد في ظهر آدم حقيقة لأنه على كل شيء قدير.

(فإن قيل): ففي أي محل كان أخذ هذا العهد ؟

(فالجواب): كما قاله ابن عباس: أن ذلك كان ببطن نعمان وهو واد بجنب عرفة وقال بعضهم: بسرندنديب من أرض الهند وهو الموضع الذي هبط به آدم من الجنة وقال الكلبي:

كان أخذ العهد بين مكة والطائف وقال علي بن أبي طالب: كان أخذ العهد والميثاق في الجنة وكل هذه الاحتمالات قريبة ولا ثمرة للتعيين بعد صحة الاعتقاد بأخذ الميثاق.

(فإن قيل): فما كيفية استخراجهم من ظهره ؟(فالجواب): قد جاء في الحديث إن اللّه تعالى مسح: “ ظهر آدم وأخرج ذريته كلهم منه كهيئة الذر “.

ثم اختلف الناس هل شق ظهره واستخرجهم منه أو استخرجهم من بعض ثقوب رأسه وكلا هذين الوجهين بعيد والأقرب كما قاله الشيخ أبو طاهر القزويني رحمه اللّه: أنه تعالى استخرجهم من مسام شعرات ظهره إذ تحت كل شعرة ثقبة دقيقة يقال: مثل سم الخياط وجمعه مسام ويمكن خروج الذرة من هذه الثقب كما يخرج منها العرق المنصب والصنان وهذا غير بعيد في العقل فيجب الاعتقاد بأنه تعالى أخرج الذرية من ظهر آدم كما شاء ومعنى مسح ظهره أنه أمر بعض ملائكته بالمسح فنسب ذلك إلى نفسه لأنه بأمره كما يقال: مسح السلطان طين البلد الفلانية وما مسحها إلا أعوانه فإن الرب سبحانه وتعالى مقدس عن مسح ظهر آدم على وجه المماسة إذ لا يصح اتصال بين الحادث والقديم.

(فإن قيل): كيف أجابوه بقولهم بلى هل كانوا أحياء عقلاء أم قالوه بلسان الحال ؟

(فالجواب): الصحيح أن جوابهم كان بالنطق وهم أحياء إذ لا يستحيل في العقل أن يؤتيهم اللّه الحياة والعقل والنطق مع صغرهم فإن بحار قدرته واسعة وغاية وسعنا في كل مسألة إن ثبت الجواز ونكل كيفيتها إلى اللّه تعالى .

(فإن قيل): إذا قال الجميع بلى فلم قبل قوما ورد قوما ؟

(فالجواب): كما قاله الحكيم الترمذي: أنه تعالى تجلى للكفار بالهيبة

فقالوا: بلى مخافة فلم يك ينفعهم إيمانهم كإيمان المنافقين وتجلّى للمؤمنين بالرحمة فقالوا: بلى طوعا فنفعهم إيمانهم وقيل: إن أصحاب اليمين قالو: بلى حقا فرجع صوتهم إلى جانب أهل الشمال وهم سكوت وكان ذلك لهم كارتداد الصوت في شعاب الجبال والكهوف الخالية الذي يسمونه الصدى وكان هواء الأرض يومئذ خاليا من الأصوات إذ لم يكن أحد في الأرض غير آدم، وإنما هو محاكاة للصوت الأول ولا حقيقة له

وقد أطال الشيخ أبو طاهر القزويني في ذلك ثم قال: والصحيح عندي أن قول أصحاب الشمال: بلى كان على وفق السؤال وذلك أن اللّه تعالى سألهم عن ربهم ولم يسألهم عن إلههم ومعبودهم ولم يكونوا يومئذ في زمان التكليف وإنما كانوا في حالة التخليق والتربية هي الفطرة فقال لهم: ألست بربكم قالوا: بلى لأن تربيتهم إذ ذاك مشاهدة فصدقوا في ذلك كلهم ثم لما انتهوا إلى زمان التكليف وظهور ما قضى اللّه تعالى في سابق علمه لكل أحد من السعادة والشقاوة فكان منهم من وافق اعتقاده في قبول الإلهية إقراره الأول ومنهم من خالفه ولو أنه تعالى كان قال لهم: ألست بأحد. وقالوا: بلى لم يصح لأحد أن يشرك به فافهم.

(فإن قيل): إذا سبق لنا عهد وميثاق مثل هذا فلم لا نذكره اليوم ؟

(فالجواب): إنما كنا لا نذكره لأن تلك البنية قد انقضت وتداولت الإنسان الغير ممرور الدهور عليها في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ثم زاد اللّه تعالى في تلك البنية أجزاء كثيرة ثم استحالت بتصريفها في الأطوار الواردة عليها من العلقة والمضغة واللحم والعظم وهذه كلها مما يوجب الوقوع في النسيان. وكان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: إني لأذكر العهد الذي عهد إليّ ربي وأعرف من كان هناك عن يميني ومن كان عن شمالي. قال: وإنما أخبرنا اللّه تعالى عن أخذ الميثاق منا تذكرة وإلزاما للحجة علينا فهذه فائدة الإخبار لنا لا غير ه.

وكذلك بلغنا نحو هذا القول عن سهل بن عبد اللّه التستري أنه كان يقول: أعرف تلامذتي من يوم ألست بربكم ولم تزل لطيفتي تربيهم في الأصلاب حتى وصلوا إليّ في هذا الزمان.

(فإن قيل): فهل كانت تلك الذرات متصورة بصورة الآدمي أم لا ؟

(فالجواب): لم يرد لنا في ذلك شيء إلا أن الأقرب في العقول أنها لم تكن متصورة والسمع والنطق لا يفتقران إلى الصورة إنما يقتضيان محلا حيا فإذا أعطاه اللّه الحياة والفهم جاز أن يتعلق بالذرة السمع والنطق وإن كانت غير مصورة بصورة إذ البنية عندنا ليست بشرط وإنما اشترطها المعتزلة ويحتمل أن تكون الذرات متصورة بصورة آدمي لقوله تعالى: مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] . ولفظ الذرية يقع على المصورين.

(فإن قلت): فمتى تعلقت الأرواح بالذرات قبل خروجها من ظهور آدم أم بعد خروجها منه ؟

(فالجواب): أن الذي يظهر لنا أنه تعالى استخرجهم حياء لأنه سماهم ذرية والذرية هم الأحياء لقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْن ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) [يس: 41] .

فيحتمل أن اللّه تعالى خلق الأرواح فيهم وهم في ظلمات ظهر أبيهم ويخلقها فيهم مرة أخرى وهم في ظلمات بطون أمهاتهم ويخلقها مرة أخرى ثالثة فيهم وهم في ظلمات بطون الأرض خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث هكذا جرت سنة اللّه تعالى .

(فإن قيل): فما الحكمة في أخذ الميثاق من الذرات ؟

(فالجواب): ليقيم اللّه تعالى الحجة على من لم يوف بذلك العهد كم وقع نظير ذلك في دار التكليف على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام.

(فإن قيل): فهل أعادهم إلى ظهر آدم إحياء أم استرد أرواحهم ثم أعادهم إليه أمواتا ؟

(فالجواب): الذي يظهر أنه لما أعادهم إلى ظهره قبض أرواحهم بناء على أنه لما أراد في الدنيا أن يعيدهم إلى بطن الأرض يقبض أرواحهم ثم يعيدهم فيها.

(فإن قيل): أين رجعت الأرواح بعد رد الذرات إلى ظهره ؟

(فالجواب): أن هذه مسألة غامضة لا يتطرق إليها النظر العقلي ولم يجئ فيها نص فمن أطلعه اللّه تعالى على شيء فليلحقه بهذا الموضع.

(فإن قيل): إن الناس يقولون: إن الذرية أخذت من ظهر آدم واللّه تعالى يقول: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] .(فالجواب): هذا شيء يتعلق بالنظم وذلك أنه لم يقل من ظهر آدم وإن أخرجوا من ظهره لأن اللّه أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهر بعض على طريق ما يتناسل الأبناء من الآباء فاستغنى به عن ذكر آدم استغناء بظهور ذريته، إذ ذريته خرجوا من ظهره ويحتمل أن يقال: إنه أخرج ذرية آدم بعضهم من بعض في ظهر آدم ثم أخرجهم جميعا فيصح القولان جميعا. فإذا قال: أخرجهم من ظهورهم صح.

وإذا قال: أخرجهم من ظهر صح أيضا. ومثال ذلك من أودع جوهرة في صدفة ثم أودع الصدفة في خرقة وأودع الخرقة مع الجوهرة في حقة وأودع الحقة في درج وأودع الدرج في صندوق ثم أدخل يده في الصندوق فأخرج منه تلك الأشياء بعضها من بعض، ثم أخرج الجميع من الصندوق فهذا لا تناقض فيه.

(فإن قيل): ورد في الخبر أن كتاب العهد والميثاق مستودع في الحجر الأسود وإن للحجر عينين وفما ولسانا وهذا غير متصور في العقل.(فالجواب): أن كل ما عسر علينا تصوره بعقولنا يكفينا فيه الإيمان به والاستسلام له ونرد معناه إلى اللّه تعالى . وقد ذكر الشيخ محيي الدين في كتاب “ الحج “ من “ الفتوحات “ قال:

لما أودعت الكعبة شهادة التوحيد عند تقبيلي الحجر الأسود خرجت الشهادة عند تلفظي بها وأنا أنظر إليها بعيني في صورة ملك وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعر الحجر والشهادة قد صارت مثل الكعبة واستقرت في قعر الحجر وانطبق الحجر عليها وانسد ذلك الطاق وأنا أنظر إليه فقالت لي: هذه أمانة لك عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة فشكرتها على ذلك انتهى. وفي الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، خرج يوما وفي يده كتابان مطويان وهو قابض بيده على كتاب فسأله أصحابه ما هذان الكتابان فقال: إن في الكتاب الذي في يدي اليمنى أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول ما خلقهم اللّه إلى يوم القيامة. والذي في يدي الأخرى فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم وعشائرهم من أول ما خلقهم اللّه إلى يوم القيامة انتهى. قال الشيخ محيي الدين في الباب الخامس عشر وثلاثمائة من “ الفتوحات “: ولو أن مخلوقا أراد أن يكتب هذه الأسماء على ما هي عليه في هذين الكتابين لما قام بذلك كل ورق على وجه الأرض قال: ومن هنا يعرف كتابة اللّه من كتابة المخلوقين وهو علم غريب رأيناه وشاهدناه قال: وقد حكي أن فقيرا طاف بالبيت وسأل اللّه أن ينزل له ورقة بعتقه من النار فنزلت عليه ورقة من ناحية الميزاب مكتوب فيها عتقه من النار ففرح بذلك وأوقف الناس عليها وكان من شأن هذا الكتاب أن يقرأ من كل ناحية على السواء لا يتغير كلما قلبت الورقة انقلبت الكتابة لانقلابها فعلم الناس أن ذلك من عند اللّه تعالى وأطال الشيخ في ذكر حكايات تناسب ذلك واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!