موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث التاسع عشر: في الكلام على الكرسي واللوح والقلم الأعلى

اعلم يا أخي أن الحق تعالى كما جعل العرش محل الاستواء كما يليق بجلاله كذلك جعل الكرسي محل بروز الأوامر والنواهي المعبر عنهما في حديث الكرسي بتدلي القدمين من العرش إليه إذ العرش محل أحدية الكلمة العلية المشتملة على الرحمة كم أشار إلى ذلك تخصيص الاستواء بالاسم الرحمن، وأما الكرسي فقد انقسمت الكلمة فيه إلى أمرين ليخلق تعالى من كل شيء زوجين فظهرت الشفعية في الكرسي بالفعل وكانت في العرش بالقوة فإن قدمي الأمر والنهي لما تدلتا إلى الكرسي انقسمت فيه الكلمة الرحمانية هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي فاستقرت كل قدم في مكان غير مكان القدم الآخر وهو منتهى استقرارهما فسمى أحدهما جنة والآخر جهنم وليس بعدهما مكان ينتقل إليه أهل القدمين كما ذكر الشيخ محيي الدين في الباب الثامن والتسعين ومائة. وما ذكرناه من أن المراد بالقدمين اللتين تدلتا إلى الكرسي هما: الأمر والنهي هو الصحيح خلاف ما توهمه المجسمة تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرذكره الشيخ في الباب الرابع والسبعين وثلاثمائة.

وعبر عن القدمين في الباب الثالث عشربأنهم الخير والشر وكلاهما صحيح لأن الخير والشر الأمر والنهي فاعلم ذلك فإنه نفيس لا تجد تأويله في كتاب.

(فإن قيل): فما محل استقرار أعمال بني آدم إذا صعدت بها الملائكة ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والخمسين من “ الفتوحات “: أنه ينتهي صعودها إلى سدرة المنتهى فإن كل شيء يرجع نهايته إلى ما منه بدأ.

(فإن قيل): إن الكرسي هو موضع القدمين اللذين هما الأمر والنهي فل يتأخر عن الكرسي عمل ؟

(فالجواب): إن ذلك خاص بعالم الخلق والأمر وأما التكليف فإن أصله إنما هو منقسم من السدرة فقطع أربع مراتب قبل السدرة، والسدرة هي المرتبة الخامسة وإيضاح ذلك أن التكليف ينزل من قلم، إلى لوح، إلى عرش، إلى كرسي، إلى سدرة.

ومعلوم أن أحكام التكليف خمسة لا سادس لها واجب ومندوب وحرام ومكروه ومباح فظهر الواجب من القلم والمندوب من اللوح والمحظور من العرش، والمكروه من الكرسي، والمباح من السدرة.

إذ المباح هو حظ النفس فلذلك كان منتهى نفوس عالم السعادة إلى السدرة وإلى أصولها وهي:

الزقوم ينتهي نفوس عالم الشقاء فإذا صعدت الأعمال التي نشأت من هذه الأحكام الخمسة المذكورة كان غايتها إلى الموضع الذي منه ظهرت انتهى.

(فإن قيل): فما صورة صعود الأعمال مع أنها أعراض ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السابع والتسعين وثلاثمائة: إنها تتطور ملائكة على شاكلة فاعلها ثم تصعد فتخرج من الهيكل إلى محالها على مركبها الذي هو روح الحضور فيها فيضع قدمه منتهى بصره حتى يصل العمل إلى محل انتهائه الذي هو محل بروزه الأول.

(فإن قيل): فما وجه تخصيص هذه الأماكن بالأحكام الخمسة وهو كون الواجب من القلم والمندوب من اللوح ؟ الخ.(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والخمسين: أن وجه التخصيص كون كل محل يمد ما برز منه فيكون من القلم نظر إلى الأعمال الواجبة فيمده بحسب ما يرى فيها ويكون من اللوح نظر إلى الأعمال المندوبة فيمدها بحسب ما يرى فيها ويكون من العرش نظر إلى المحظورات فلا يمدها إلا بالرحمة لأنه محل استواء الاسم الرحمن

* - قال: ولهذا يكون مآل من لم يسبق له شقاوة الرحمة ويكون من الكرسي نظر إلى الأعمال المكروهة فيمدها بحسب ما يرى فيها لكن رحمة الكرسي دون رحمة العرش إذ الرحمة تعظم بحسب الذنب والمكروه أقل قبحا من الحرام بيقين فلذلك عمت رحمة الكرسي جميع من فعل المكروه ورحمة العرش جميع من فعل الحرام إما رحمة إمهال وتخفيف وإم رحمة دوام ولما كان الكرسي محل بروز الأمر والنهي على ما قررناه أسرع في العفو والتجاوز عن أصحاب المكروه من الأعمال ولهذا لا يؤاخذ فاعل المكروه ويؤجر تاركه واللّه أعلم.

(فإن قلت): فما صورة خلقه تعالى اللوح والقلم والكرسي والعرش وأيهم خلق قبل الآخر ؟

 

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثالث عشر من أبواب “ الفتوحات “: أن أول ما خلق اللّه القلم الأعلى فهو رأس ملائكة التدوين والتسطير وأما اللوح فهو مشتق من القلم وقد جعل اللّه لهذا القلم ثلاثمائة وستين سنا كل سن يغترف من ثلاثمائة وستين صنفا من العلوم الإجمالية فيفصلها في اللوح ثم إنه ذكر في الباب الستين منها أن مقدار أمهات فروع علوم القلم المتعلقة بالخلق إلى يوم القيامة ما خرج من ضرب ثلاثمائة وستين في مثلها من أصناف العلوم لا تزيد علم واحدا ولا تنقص انتهى.

 

* - وقال في الباب الثالث عشر: اعلم أن الحق تعالى لما تجلى للقلم وهو في محل التعليم الذهني قذف تعالى فيه ما يريد إيجاده في خلقه لا إلى غاية فأوجده فقبل بذاته علم ما يكون وما للحق تعالى من الأسماء الإلهية الطالبة صدور هذا العالم ثم اشتق من هذا القلم موجودا آخر سماه اللوح وأمر القلم أن يتدلى إليه ويودع فيه جميع ما يكون إلى يوم القيامة لا غير فعلمها اللوح حين أودعه إياها القلم ثم إن اللّه تعالى أوجد الظلمة المحضة التي هي في مقابلة تجليه للعماء بالنور حتى ظهر فيه صور الملائكة ولولا هذا النور ما ظهر لهم في صورة وهذه الظلمة بمنزلة العدم المطلق القابل للوجود المطلق فعند ما أوجدها تعالى أفاض عليها من ذلك النور المتجلي للعماء فظهر الجسم المعبر عنه بالعرش فاستوى عليه الرحمن بالاسم الظاهر فذلك أول ما ظهر من عالم الخلق ثم إنه تعالى خلق من ذلك النور الممتزج الذي هو مثل ضوء السحر الملائكة الحافين بالسرير وهو قوله: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [الزمر: 75] ثم إنه تعالى أوجد الكرسي في جوف هذا العرش وجعل فيه ملائكة من جنس طبيعته فإن كل فلك أصل لما خلق منه من عماره كالعناصر فيما خلق منها من عمارها كما خلق آدم من تراب وعمر به وبنيه الأرض ثم خلق في جوف الكرسي الأفلاك فلكا في جوف فلك ثم خلق بعد ذلك الأرواح ثم الغذاء ثم جعل لكل مكلف مرتبة في السعادة والشقاء انتهى.

(فإن قلت): قد ورد في الحديث أن الحق تعالى قال للقلم: اكتب علمي في خلقي إلى يوم القيامة فذكر الغاية، فما حكم ما يقع بعد يوم القيامة أبد الآبدين ؟

(فالجواب): أن جميع ما يقع للخلق بعد يوم القيامة من توابع الأحكام التي كتبت عليهم في اللوح حتى الشقاء الأبدي لتجزى كل نفس بما تسعى أبد الآبدين، ودهر الداهرين.

* - وقال الشيخ في الباب السابع والعشرين وثلاثمائة: إنما خص الحق تعالى الكتابة في اللوح بأمور الدنيا فقط لتناهيها بخلاف أمور الآخرة فإن القلم لا يقدر يكتب علمه فيها لأنها لا تتناهى وما لا يتناهى أمده لا يحويه الوجود والكتابة وجود ه.(فإن قلت): فما وجه تخصيص القلم الأعلى بالذكر فهل هناك غيره قلم ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب السادس عشر وثلاثمائة من “ الفتوحات “: أن هناك أقلاما أخر دون القلم الأعلى وألواحا أخر دون اللوح المحفوظ كما أشار إليه حديث الإسراء وقوله فيه فوصلت إلى مستوى سمعت فيه صريف الأقلام والصريف هو الصوت.

(فإن قلت): فما عدد هذه الألواح والأقلام ؟(فالجواب): عددها ثلاثمائة وستون قلما وثلاثمائة وستون لوحا ذكره الشيخ في “ الفتوحات “ في الباب المتقدم آنفا قال: ورتبة هذه الأقلام والألواح دون رتبة القلم الأعلى واللوح المحفوظ. وذلك لأن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتبدل ولذلك سمي بالمحفوظ يعني: من المحو فلا يمحو تعالى ما كتبه فيه بخلاف هذه الأقلام والألواح فإن هذه الأقلام تكتب دائما في ألواح المحو والإثبات ما يحدثه اللّه تعالى في العالم من الأحكام المشار إليها بقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد: 39] . قال: ومن هذه الألواح تنزلت الشرائع والصحف والكتب الإلهية على الرسل صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين. ولهذا دخلها النسخ بل دخل النسخ في الشرع الواحد.

* - قال: وإلى محل هذه الألواح كان التردد ليلة الإسراء أي: تردد محمد صلى اللّه عليه وسلم، بين الألواح، وبين موسى عليه الصلاة والسلام، في شأن الصلوات الخمس فكانت حضرة خطاب اللّه تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، في هذه الألواح وإلى الخمس كان منتهاه فمحا اللّه تعالى عن أمة محمد ما شاء من تلك الصلوات التي كتبها في هذه الألواح إلى أن أثبت فيها الخمس وأثبت لمصليها أجر الخمسين وأوحى إلى محمد ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ [ق: 29]

 

فما رجع موسى عليه الصلاة والسلام، بعد الخمس يسأل شيئا من التخفيف على سبيل الجزم وإنما ذلك من حضرة الإطلاق على سبيل العرض قال: ومن حضرة هذه الألواح أيضا نزل

قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام: 2] .

ومنها أيضا وصف الحق تعالى نفسه بالتردد في قبضة نسمة عبده المؤمن حين موته مع أنه تعالى هو الذي قضى عليه بذلك من باب رحمتي سبقت غضبي.

* - قال: ومن هذه الحقيقة الإلهية التي كنى عنها بالتردد يكون سريانها في التردد الكوني في الأمر وحصول الحيرة فيه وذلك أن الإنسان إذا وجد نفسه تردد في فعل ما هل يفعله أم لا.

وما زال ذلك الحال به حتى وقع أخذ الأمور التي كان تردد فيها وزال التردد فذلك الأمر الواقع هو الذي ثبت في اللوح المحفوظ من تلك الأمور المتردد فيها وهو الذي ينتهي إليه أيضا أمر ألواح المحو والإثبات وإيضاح ذلك أن القلم الكاتب في لوح المحو يكتب أمرا ما.

وهو زمان الخاطر الذي يخطر للعبد فيه فعل ذلك الأمر ثم إن تلك الكتابة تمحى فيزول ذلك الخاطر من ذلك الشخص لأنه ثم رقيقة من هذا اللوح تمد إلى نفس هذ الشخص في عالم الغيب.

فإن الرقائق إلى النفوس من هذه الألواح تحدث بحدوث الكتابة وتنقطع بمحوها فإذا أبصر القلم موضعها من اللوح ممحوا كتب غيرها مما يتعلق بذلك الأمر من الفعل والترك فتمتد من تلك الكتابة رقيقة إلى نفس ذلك الشخص الذي كتب هذا من أجله فيخطر لذلك الشخص ذلك الخاطر الذي هو نقيض الأول ثم إن أراد الحق تعالى إثباته لم يمحه فإذا ثبت بقيت رقيقة متعلقة بقلب هذا الشخص وثبتت ليفعل ذلك الأمر أو يتركه بحسب ما في اللوح.

 

فإذا فعله أو ثبت على تركه وانقضى فعله محاه الحق تعالى من كونه محكوم ما بفعله وأثبته صورة عمل حسن أو قبيح على قدر ما يكون ثم إن القلم يكتب أمرا آخر هكذا الأمر دائما فعلم أن القلم الأعلى أثبت في لوحه كل شيء تجري به هذه الأقلام من محو وإثبات ففي اللوح المحفوظ إثبات المحو في هذه الألواح وإثبات الإثبات ومحو الإثبات عند وقوع الحكم وإنشاء أمر آخر فهو لوح مقدس عن المحو ولذلك سمي محفوظ يعني: من المحو كما مر.

(فإن قلت): فهل يدخل المحو في الذوات كالأعمال ؟

(فالجواب): كما قاله سيدي علي الخواص رضي اللّه عنه: لا يدخل المحو في الذوات وإنما هو خاص بالأحوال والأعمال كما أشار إليه حديث إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث انتهى.

(فإن قلت): فهل اطلع أحد من الأولياء على عدد الحوادث التي كتبه القلم الأعلى في اللوح إلى يوم القيامة ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين ومائة نعم. قال: وأنا ممن أطلعه اللّه على ذلك.

(فإن قيل): فكم عدد ما سطر في اللوح من آيات الكتب الإلهية ؟

(فالجواب): عدد ما سطر في اللوح من الآيات التي أنزلت على الرسل مائتا ألف آية وتسع وستون ألف آية ومائتا آية ذكره الشيخ محيي الدين في الباب المتقدم وقال: هذا ما أطلعنا اللّه عليه.

(فإن قلت): فهل اطلع أحد من الأولياء على عدد أمهات علوم أم الكتاب الذي هو الإمام المبين ؟

(فالجواب): نعم يطلع اللّه على ذلك من يشاء من عباده قال الشيخ محيي الدين في الباب الثاني والعشرين: والذي أطلعني اللّه تعالى عليه من طريق الكشف أن عدد أمهات علوم أم الكتاب مائة ألف نوع وتسعة وعشرون ألف نوع وستمائة نوع كل نوع منه يحتوي على علوم جمة انتهى.

(فإن قلت): فما مراد أهل العقائد بقولهم: السعيد من كتبه اللّه تعالى في الأزل سعيدا والشقي من كتبه اللّه تعالى في الأزل شقيا ؟ هل هذه الكتابة المذكورة في اللوح المحفوظ أم غيره ؟ وهل الأزل غير زمان أو زمان لائق بالحق تعالى لا يتعقل ؟

(فالجواب): المراد به: أم الكتاب كما قاله ابن عباس وغيره: فالمراد بالأزل ما لا يدخله تبديل ولا تغيير وفي حديث الترمذي فرغ ربك من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير وقال شيخ مشايخنا الشيخ كمال الدين بن أبي شريف: مرادهم بغير الأزل التي تكتب فيها الملائكة رزق الإنسان وأجله وشقيا أو سعيد عندما ينفخ فيه الروح ولا مانع من تطرق التبديل إلى ما كتب في هذه الصحف لتعلق السعادة والشقاوة فيها على شيء لا يدري الملك أيقع أم لا. مع علم اللّه بما يكون من وقوعه أو عدمه انتهى.

(قلت): وفيه تأييد لما قدمناه من أمر ألواح المحو والإثبات الثلاثمائة وستين لوحا المتقدمة عند أهل الكشف ولعلها هي المرادة في لسان المتكلمين بالصحف.(فإن قلت): هل يقال: إن الحق تعالى تكلم في الأزل كما ذهب إليه بعضهم ؟

(فالجواب): كما قاله الشيخ محيي الدين في بعض كتبه: إن ذلك لا ينبغي لذهاب الذهن إلى الزمان المعقول والحق تعالى منزه عن أن يقول أو يقدر في الأزمان إذ الزمان مخلوق والتقدير قديم فافهم انتهى.

(فإن قيل): كيف دخل التبديل والتغيير للتوراة مع ما ورد أن اللّه كتب التوراة بيده ؟

(فالجواب): أن التوراة لم تتغير في نفسها وإنما كتابتهم إياه وتلفظهم بها لحقه التغيير فنسبة مثل ذلك إلى كلام اللّه تعالى مجاز قال تعالى: يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: 75] فهم يعلمون أن كلام اللّه تعالى معقول عندهم ولكنهم أبدوا في الترجمة عنه خلاف ما في صدورهم وفي مصحفهم المنزل عليهم فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل وأبقوا الأصل على ما هو عليه ليبقى لهم ولعلمائهم بعدهم العلم.

(فإن قيل): إن آدم عليه الصلاة والسلام، خلقه اللّه بيده ومع ذلك فما حفظ من المخالفة ؟ وأين رتبة اليد من اليدين إن جعلتم اليدين كناية عن شدة الاعتناء بآدم عليه الصلاة والسلام ؟

(فالجواب): إنما لم يحفظ آدم عليه الصلاة والسلام، من جريان الأقدار لأنه عبد وليس جريان الأقدار إلا عليه لأنه هو المحل الأعظم لذلك وأم كلام اللّه تعالى فإنما عصم لكونه حكم اللّه وحكم اللّه في الأشياء غير مخلوق لعصمته من ذلك بخلاف آدم ليس هو حكم اللّه.

(فإن قلت): فإذا كان خلق آدم باليدين إنما هو لشدة الاعتناء به على غيره فإذن الحق تعالى بالأنعام أشد اعتناء بها منه لأن اللّه تعالى جمع الأيدي في خلقها فقال: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً [يس: 71] .(فالجواب): أن توجه اليدين على آدم أقوى من توجه الأيدي على الأنعام، لأن التثنية تدرج بين المفرد والجمع فلها القوة والتمكين من حيث إنه لا يواصل إلى الجمع إلا بها ولا ينتقل عن المفرد إلا إليها.(فإن قلت): فكيف سمى الحق تعالى نفسه بالدهر مع أن الخلق لا يتعقلون الدهر إلا زمانا ؟

(فالجواب): أن المراد بالدهر هنا هو الأزل والأبد اللذان هما الأول والآخر وهما من نعوت اللّه عز وجل بلا شك. فإنه تعالى سمى نفسه بالأول لكن لا بأولية تحكم عليه كالأوليات المسبوقة بالعدم لأن ذلك محال في حق الحق وكذلك القول في الآخر فإنه تعالى آخر لا بآخرية تحكم عليه نظير اسمه الأول.

(فإن قلت): فما سبب كفر الدهرية على هذا التقدير ؟

(فالجواب): سبب كفرهم تعقلهم في الدهر الذي جعلوه إلها أنه زمان فلكي إذ الفلكي لا حقيقة له في زمان اللّه الذي لا يتعقل ولو أنهم اعتقدوا الدهر كما ذكرنا ما كفروا لقوله صلى اللّه عليه وسلم: يقول اللّه: أنا الدهر واللّه تعالى أعلم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!