موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر

وهو منتخب من كتاب لواقح الأنوار القدسية المختصر من الفتوحات المكية

تأليف الشيخ عبد الوهاب الشعراني

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


المبحث الثالث عشر: في وجوب اعتقاد أنه تعالى لم يزل موصوفا بمعاني أسمائه وصفاته وبيان ما يقتضي التنزيه والعلمية ولا ما يقتضيهم

اعلم أن هذا المبحث من أجل المباحث فلنبسط لك الكلام فيه بكلام محققي المتكلمين ثم بكلام محققي الصوفية فأقول وباللّه التوفيق: قال محقق الزمان الشيخ جلال الدين المحلي: معاني الأسماء والصفات هو كل ما دل على الذات المقدس باعتبار صفة كالعالم والخالق والرازق ونحوها كما أنه تعالى لم يزل موصوفا بصفات ذاته وهي ما دل عليها فعله من قدرة وعلم وإرادة وحياة أو دل عليها التنزيه له عن النقص من سمع وبصر وكلام وبقاء. قال: وأم صفات الأفعال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة فليست أزلية خلاف للحنفية بل هي حادثة من حيث إنها متجددة إذ هي إضافات تعرض للقدرة فتتعلق بها حين أوقات وجدانها وأطال في ذلك ثم قال فإن أريد بالخالق من صدر عنه الخلق فليس صدوره أزليا قاله الغزالي، انتهى كلام الجلال المحلي. قال ابن أبي شريف رحمه اللّه في " حاشيته على شرح جمع الجوامع ": ليس في كلام أبي حنيفة رضي اللّه تعالى عنه ول متقدمي أصحابه أن صفات الأفعال صفات قديمة زائدة على الصفات المتقدمة وإنما أخذ ذلك متأخر وأصحابه من معنى قوله في كتاب " الفقه الأكبر " كان اللّه تعالى خالق قبل أن يخلق ورازقا قبل أن يرزق وذكر أوجها من الاستدلال وأما الأشاعرة فيقول: ليست صفة التكوين سوى صفة القدرة باعتبار تعلقها بإيصال الرزق مثلا وفي كلام أبي حنيفة أيضا ما نصه وكما كان تعالى بصفاته أزليا كذلك لا يزال أبديا ليس منذ خلق الخلق استفاد اسم الخالق ولا بإحداثه البرية استفاد اسم الباري فله تعالى معنى الربوبية ولا مربوب وله معنى الخالق ولا مخلوق وكما أنه يحيى الموتى واستحق هذا الاسم قبل إحيائهم كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم وذلك بأنه على كل شيء قدير، انتهى كلام الإمام أبي حنيفة رضي اللّه تعالى عنه. قال البرماوي: فقول أبي حنيفة ذلك بأن اللّه على كل شيء قدير تعليل وبيان لاستحقاق اسم الخالق قبل المخلوق فأفاد أن معنى الخالق موجود قبل الخلق وأن المراد استحقاق اسمه بسبب قيام قدرته عليه فاسم الخالق ولا مخلوق في الأزل صحيح لمن له قدرة الخلق في الأزل هذا ما يقوله الأشاعرة. قال الكمال في " حاشيته ": وإنما بينت لك هذه العبارة مع طولها لأنها موضحة لكلام الجلال المحلي ومؤيدة له تأييدا ظاهرا انتهى. وسيأتي الكلام على صفات الحق هل هي عينه أو غيره في الخاتمة آخر المبحث إن شاء اللّه تعالى (فإن قيل) فهل الاسم عين المسمى أو غيره

(فالجواب) أن الأصح كما قاله ابن السبكي إن الاسم عينه وبه قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه اللّه، وقال غيره: هو غيره كما هو المتبادر إذ لفظ النار مثلا غيرها بلا شك قال الجلال المحلي: والمراد بما قاله الأشعري بالنظر للاسم اللّه إذ مدلوله الذات من حيث هي بخلاف غيره كالعالم مثلا فإن مدلوله الذات باعتبار الصفة كما قال الأشعري لا يفهم من الاسم اللّه سواه بخلاف غيره من الصفات فإنه يفهم منه زيادة على الذات من علم أو غيره انتهى. قال ابن أبي شريف في " حاشيته ": على أنه لم يظهر لي في هذه المسألة ما يصلح محلا لنزاع العلماء كما وضح ذلك البيضاوي في أول " تفسيره " فقال: اعلم أن الاسم يطلق لمعان ثلاثة الأول: اللفظ المفرد الموضوع لمعنى، الثاني: ذات الشيء والذات والنفس والعين والاسم بمعنى قاله ابن عطية، الثالث: الصفة كالخالق والعليم وغيرهما من أسماء اللّه وهذه الثلاثة أمور لا يظهر كون شيء منها محلا للنزاع لأنه إن أريد بالاسم المعنى الأول الذي هو اللفظ المفرد الموضوع لمعنى فلا شك في كونه غير المسمى إذ لا يشك عاقل أن لفظ النار غيرها كما مر وإن أريد به المعنى الثاني الذي هو ذات الشيء وحقيقته فهو المسمى ول يحتاج حينئذ إلى الاستدلال وإن لم يشتهر استعمال الاسم بمعنى الذات وإن أريد بالاسم المعنى الثالث وهو الصفة كما هو رأي الأشعري انقسم عنده انقسام الصفة إذ هي عنده على ثلاثة أقسام ما يرجع إلى الذات كالاسم اللّه وهو نفس المسمى وما يرجع إلى الأفعال كالخالق والرازق وهو غير المسمى وما يرجع إلى صفات الذات كالعليم والقدير والسميع والبصير فلا يقال إنها عين المسمى ولا غيره فإن المسمى ذاته وهو والاسم علمه الذي ليس هو عين ذاته وهو الظاهر ولا غيره على تفسير الغيرين بما يجوز انفكاك أحدهما من الآخر، قال:

وقد نبه الجلال المحلي على أن الاسم المسمى عند الأشعرية لكن في لفظ الجلالة خاصة من القسم الأول لأن مدلوله الذات من حيث هي كما قال الأشعري لا يفهم من اسم اللّه سواه انتهى كلام الجلال المحلي وكلام ابن أبي شريف.

وأما كلام محققي الصوفية في ذلك فقال الشيخ في الباب الثاني والأربعين وثلاثمائة من الفتوحات: مما يؤيد قول من قال إن الاسم عين المسمى قوله تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي [الشورى: 10] فجعل اسمه تعالى عين ذاته كما قال: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا [الإسراء: 110] ولم يقل قل ادعوا باللّه ولا بالرحمن فجعل الاسم هنا عين المسمى كما جعله في موضع آخر غيره قال فلو لم يكن الاسم عين المسمى في قوله: ذلِكُمُ اللَّهُ [الأنعام: 102] لم يصح قوله ربي انتهى. (قلت) ومما يؤيد ذلك أيضا حديث مسلم مرفوعا أن مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه فإنه تعالى جعل اسمه عين ذاته إذ الذات لا تتحرك بها الشفتان وإنما تتحرك بالاسم الذي هو اللفظ فليتأمل واللّه أعلم. (فإن قلت) فما التحقيق في أقسام الأسماء

الإلهية ترجع هي إلى كم قسم (فالجواب) هي ترجع إلى ثلاثة أقسام أسماء تدل على الذات وأسماء تدل على التنزيه وأسماء تدل على صفات الأفعال وماثم مرتبة رابعة حتى ما استأثر اللّه تعالى بعلمه فإنه يرجع إلى هذه المراتب ثم إن هذه الثلاثة ترجع إلى قسمين: قسم يقتضي التنزيه كالكبير والعلي والغني والأحد وما يصح أن ينفرد به الحق تعالى مما تطلبه الذات لذاتها وقسم يقتضي طلبه العالم كالمتكبر والمتعالي والرحيم والغفور ونحو ذلك مما تطلبه الذات من كونه تعالى إلها، ذكره الشيخ في الباب الثامن والستين من "الفتوحات" والباب الثاني والسبعين وثلاثمائة منها.

 

* - وقال في الباب التاسع والسبعين وثلاثمائة: اعلم أننا ما وجدنا قط اسم للّه تعالى يدل على ذاته خاصة من غير تعقل معنى زائد على الذات أبدا لأنه ما وصل إلى علمنا اسم إلا وهو على أحد أمرين إما يدل على فعل وهو الذي يستدعي العالم ول بد وإما تنزيه وهو الذي يستروح منه إجلاله تعالى عن صفات نقص كوني تنزه الحق تعالى عنها غير ذلك ما أعطانا اللّه تعالى (فإن قلت) فما ثم على هذا اسم علم اللّه تعالى ما فيه سوى العلمية أبدا إلا إن كان ذلك في علمه تعالى (فالجواب) كما قاله الشيخ محيي الدين نعم ما ثم على هذا اسم علم للّه أبدا فيما وصل إلينا وذلك لأن اللّه تعالى ما أظهر أسماءه لنا إلا لنثني بها عليه فمن المحال أن يكون فيها اسم علم لأن الأسماء الأعلام لا يقع بها ثناء على المسمى وإنما هي أسماء أعلام للمعاني التي تدل عليها وتلك المعاني هي التي يثني بها على من ظهر عندنا حكمه بها عينا وهو المسمى بمعانيها والمعاني هي المسماة بهذه المعاني اللفظية كالقادر والعالم ونحوهما قال: ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: 180] بها وليست إلا المعاني لا هذه الألفاظ إذا الألفاظ لا تتصف بالحسن أو القبح إلا بحكم التبعية لمعانيها الدالة عليها فلا اعتبار لها من حيث ذاتها فإنها ليست بزائدة على حروف مركبة ونظم خاص يسمى اصطلاح

(فإن قلت) فإذن فما سميت أسماء اللّه الحسنى ليكون لها مقابل غير حسن وإنما هي حسنى من حيث ظهور حسنها في العرف

(فالجواب) نعم وهو كذلك فما ظهر لنا حسنه في العرف فهو حسن مطلقا وم لم يظهر له حسن في العرف فحسنه مبطون فيه مجهول على العامة وأما الخاصة فحسن جميع الأسماء ظاهر لهم لا يخفى عليهم لمعرفتهم بالحق تعالى في سائر مراتب التنكرات في

العالم هذا ما ذكره الشيخ في الباب التاسع والسبعين وثلاثمائة وكان قبل ذلك يقول: لم نعلم من الأسماء الإلهية اسما يدل على الذات في جميع ما ورد علين في الكتاب والسنة إلا اسم اللّه لأنه اسم علم لا يفهم منه إلا ذات المسمى ولا يدل على مدح ولاذم وبسط الكلام على ذلك في الباب السابع والسبعين ومائة من "الفتوحات" بسطا طويلا لخصت منه ما ذكرته لك وكذلك طالعت جميع كتاب " لواقح الأنوار " في هذا المبحث ولخصته هنا فاعتمده. وقد قال الشيخ محيي الدين في هذا الباب الذي هو السابع والسبعون ومائة: وما قلناه من العلمية هو في مذهب من لا يرى أنه مشتق ثم إنه على قول الاشتقاق هل هو مقصود للمسمى أوليس بمقصود له كما إذا سمينا شخص بيزيد على طريق العلمية وإن كان هو فعل من الزيادة لكننا لم نسمه لكونه يزيد وينمو في جسمه مثلا وإنما سميناه به لنعرفه ونصيح به إذا ناديناه فمن الأسماء ما يكون بالوضع على هذا الحد فإذا قبلت هذه الأسماء على هذا المعنى فهي أعلام وإذا قبلت على أسماء المدح فهي أسماء صفات، قال: وبهذا وردت جميع أسماء الحسنى ونعت به تعالى ذاته من طريق المعنى، قال: وأما الاسم اللّه فنعت به نفسه من طريق الوضع اللفظي فالظاهر أن الاسم اللّه للذات كالعلم ما أريد به الاشتقاق وإن قال بعضهم باشتقاقه (فإن قلت) فهل أسماء الضمائر تدل على الذات كالأسماء الصريحة أم لا (فالجواب) كما قاله الشيخ محيي الدين إنها تدل على الذات بلا شك فإنها ليست بمشتقة ولكنها مع ذلك ليست أعلاما وإن كانت أقوى في الدلالة من الأعلام فإن الأعلام قد تفتقر إلى النعوت وأسماء الضمائر ولا تفتقر وذلك مثل لفظة هو وذا وأنا وأنت ونحن والياء من أني والكاف من أنك، فأما هو فهو اسم لضمير الغائب وهو أعرف عند أهل اللّه من الاسم اللّه في أصل الوضع لأنه يدل على هوية الحق التي لا يعلمها إلا هو وأما ذا فهو من أسماء الإشارة مثل قوله: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ [الأنعام: 102]

وكذلك لفظة ياء المتكلم مثل قوله تعالى: فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]

وكذلك لفظة أنت وتاء المخاطب مثل قوله: كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117]

وكذلك القول في لفظة نحن وأنا مشددة ولفظة نا من نحو قوله: إِنَّ نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر: 9]

وكذلك حرف كاف الخطاب نحو قوله: فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]

فهذه كلها أسماء ضمائر وإشارات وكنايات تعم كل مضمر ومخاطب ومشار إليه ومكنى عنه وأمثال ذلك انتهى.

 

* - وقال في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة الذي هو آخر "الفتوحات": اعلم أن الاسم اللّه إنما مسماه بالوضع ذات الحق تعالى عينه الذي بيده ملكوت كل شيء وأطال في ذلك ثم قال: فعلم أن كل اسم إلهي يتضمن أسماء التنزيه من حيث دلالته على ذات الحق ولكن لما كان ما عدا الاسم اللّه من الأسماء مع دلالته على ذات الحق تعالى يدل على معنى آخر من نفي أو إثبات من حيث الاشتقاق لم تقو أحدية الدلالة على الذات قوة هذا الاسم كالاسم الرحمن وغيره من الأسماء الحسنى قال: وقد عصم اللّه تعالى هذا الاسم العلم أن يتسمى به أحد غير ذات الحق ولهذا قال تعالى في معرض الحجة على من نسب الألوهية لغير اللّه تعالى قُلْ سَمُّوهُمْ [الرعد: 33] فلو سموهم ما سموهم إلا بغير الاسم اللّه لأنهم قالوا ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] فقد علمت أن الاسم اللّه يدل على الذات بحكم المطابقة كالأسماء الأعلام على مسمياتها انتهى.

(قلت) وقد بان لك تناقض كلام الشيخ في قوله إن الاسم اللّه علم أو غير علم فإنه ذكر أولا في الباب السابع والسبعين وثلاثمائة أنه اسم علم ثم ذكر في الباب الذي هو التاسع والسبعون وثلاثمائة أنه غير علم ثم ذكر في الباب الثامن والخمسين وخمسمائة أنه علم فليحرر واللّه تعالى أعلم ،

(فإن قلت) فعلى ما قررتموه من أن المراد من الأسماء الإلهية إنما هو معانيها لا ألفاظها تكون جميع الأسماء التي بأيدينا أسماء للأسماء الإلهية التي سمى الحق تعالى بها نفسه من كونه متكلم

(فالجواب) نعم وهو كذلك فنضع الشرح الذي كنا نوضح به مدلول تلك الأسماء على هذه الأسماء التي بأيدينا فإنه تعالى تسمى بها من حيث ظهورها للعالم فلها من الحرمة ما للأسماء القائمة بالذات كما قلنا في الحروف المرقومة في المصحف إنها كلام اللّه تعالى وإن كان لها تحقيق آخر يعرفه العلماء باللّه

(فإن قلت) فهل يعم تعظيم الأسماء جميع الألفاظ الدائرة على ألسنة الخلق على اختلاف طبقاتهم وألسنتهم

(فالجواب) نعم هي معظمة في كل لغة لرجوعها إلى ذات واحدة فإن اسم اللّه لا تعرف العرب غيره وهو بلسان فارس خداي وبلسان الحبشة واق وبلسان الفرنج كريطور، وابحث على ذلك في سائر الألسن تجد ذلك الاسم الإلهي معظما في كل لسان من حيث ما يدل عليه ولهذا نهانا الشارع صلى اللّه عليه وسلم أن نسافر

بالمصحف إلى أرض العدو وهو بلا شك خط أيدينا وأوراق مرقومة بأيدي المحدثات بمداد مركب من عفص وزاج مثلا فلو لا هذه الدلالة التي في الأسماء والحروف لما وقع لها تعظيم وأطال الشيخ في ذلك في الباب السابع والتسعين ومائتين فراجعه. (فإن قلت) فإذن يحرم علينا التسمي بنظير أسماء اللّه تعالى كنافع ونور ووكيل ونحو ذلك (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثالث والأربعين، نعم يحرم ذلك ويجب علينا شرعا وعقلا اجتناب ذلك وإن أطلقنا أسماء منها على أحد فإنما نذكره مع كوننا ذاهلين عن تعلقه باللّه تعالى كما إذا قلنا فلان مؤمن فإن مرادنا به كونه مصدقا بما وعد اللّه به وأوعد وليس مرادنا المعنى المتعلق باسم اللّه تعالى المؤمن وأما تسمية الحق تعالى عبده محمدا صلى اللّه عليه وسلم رؤوفا رحيما فإنما نذكر ذلك على سبيل التلاوة والحكاية لكلام اللّه تعالى فنسميه صلى اللّه عليه وسلم بما سماه اللّه تعالى به ولا حرج لأن صاحب الاسم هو الذي خلع عليه ذلك الاسم مع اعتقادن أنه صلى اللّه عليه وسلم في نفسه مع ربه عبد ذليل خاشع أواه منيب انتهى.

(فإن قلت) فهل في أسماء اللّه تعالى أفضل ومفضول وإن عمها كله العظمة والجلال أم كلها متساوية

(فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الحادي والسبعين وثلاثمائة أن أسماء اللّه تعالى متساوية في نفس الأمر لرجوعها كلها إلى ذات واحدة وإن وقع تفاضل فإنما ذلك الأمر خارج فإن الأسماء نسب وإضافات وفيها أئمة وفيها سدنة وفيها ما تحتاج إليه الممكنات احتياجا كليا ومنها ما لا تحتاج إليه الممكنات ذلك الاحتياج الكلي بالنظر للأحوال المشاهدة فالذي يحتاج إليه الممكن احتياجا ضروريا الاسم الحي العالم المريد القادر والأخير في النظر العقلي هو القادر فهذه أربعة يطلبها الممكن بذاته وما بقي من الأسماء فكالسدنة لهذه الأسماء ثم يلي هذه الأسماء الأربعة في ظهور الرتبة الاسم المدبر والمفضل ثم الجواد ثم المقسط فعن هذه الأسماء كان عالم الغيب والشهادة والدنيا والآخرة والبلاء والعافية والجنة والنار انتهى.

وكان سيدي علي بن وفا رضي اللّه تعالى عنه يذهب إلى التفاضل في الأسماء ويقول في قوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا [التوبة: 40] هو الاسم اللّه فإنه أعلى مرتبة من سائر

الأسماء ولذلك تقدم في التسمية وفي نحو قوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:

255] على ما ذكر مما يعطف عليه من الأسماء وأجمع المحققون على أنه الاسم الجامع لحقائق الأسماء كلها قال ونظير ذلك أيضا وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت: 45] أي ولذكر الاسم اللّه أكبر من ذكر سائر الأسماء انتهى. قال الشيخ محيي الدين نحو ذلك أيضا بالنظر للاستعاذة من الشيطان فقال إنما خص الأمر بالاستعاذة بالاسم اللّه دون غيره من الأسماء لأن الطرق التي يأتينا منها الشيطان غير معينة فأمرنا بالاستعاذة بالاسم الجامع فكل طريق جاءنا منها يجد الاسم اللّه مانعا له من الوصول إلينا بخلاف الأسماء الفروع انتهى.

* - وقال أيضا في الباب الثاني والثمانين في قوله تعالى: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: 50] إنما جاء بالاسم الجامع الذي هو اللّه لأن في عرف الطبع الاستناد إلى الكثرة قال صلى اللّه عليه وسلم يد اللّه مع الجماعة فالنفس يحصل له الأمان باستنادها إلى الكثرة واللّه تعالى مجموع أسماء الخير ومن حقق معرفة الأسماء الإلهية وجد أسماء الأخذ والانتقام قليلة وأسماء الرحمة كثيرة في سياق الاسم اللّه انتهى. فتأمل هذا المبحث وحرره واللّه يتولى هداك.

(خاتمة) (فإن قلت) هل يصح لأحد الأنس باللّه تعالى كما يصح الأنس بغيره من الأسماء (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الأربعين ومائتين أن الأنس بالذات لا يصح لأحد عند جميع المحققين لانتفاء المجانسة بل نقول إنه لا يصح الأنس باسم من أسماء اللّه تعالى أبدا إنما حقيقة الأنس ترجع إلى ما يصل إلى العبد من تقريبات الحق تعالى ونور الأعمال لا غير ومن قال إنه أنس بعين ذات الحق تعالى فقد غلط انتهى واللّه أعلم. (فإن قلت) فهل الرحمن الرحيم اسمان كما هو مشهور أم هما اسم واحد مركب كبعلبك ورامهرمز (فالجواب) كما قاله الشيخ في باب الأسرار إن الذي أعطاه الكشف أنهما اسم واحد كما ذكر في السؤال انتهى.

 

* - وقال في الباب الثاني والتسعين ومائة: وقد بلغنا أن الكفار كانو يعرفونه مركبا فلما أفرد أنكروه ولم يعرفوه انتهى ،

(فإن قيل) فهل كل اسم إلهي يجمع جميع حقائق الأسماء الإلهية أم كل اسم لا يتعدى حقيقته (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الرابع من "الفتوحات" أن كل اسم إلهي يجمع جميع حقائق الأسماء ويحتوي عليها مع وجود التمييز بين حقائق الأسماء في

الشهود قال وهذا مقام أطلعني اللّه تعالى عليه ولم أر له ذائقا من أهل عصري انتهى. (فإن قلت) فهل يصح لأحد من الخلق التخلق بالقيومية الذي هو السهر الدائم ليلا ونهارا (فالجواب) كما قاله الشيخ في الباب الثامن والتسعين إنه يصح التخلق به كباقي الأسماء الإلهية التي يصح التخلق بها لأحد من الخلق بلا فرق وليس ذلك من خصائص الحق كما قال به شيخنا أبو عبد اللّه بن جنيد قال والحق ما قلناه من وقوع التخلق به انتهى. (فإن قلت) فهل يصح لأحد التخلق باسم الهوية أو الأحدية أو الغني عن العالمين (فالجواب) كما قاله الشيخ محيي الدين لا يصح التخلق بذلك لأحد لأن هذه الأمور من خصائص الحق تعالى فلا يصح أن يتخلق بها مخلوق لاعيانا ول نظرا عقليا وقد قال أيضا في باب الأسرار: اعلم أن التخلق بالأسماء على الإطلاق من أصعب الأخلاق لما فيها من الخلاف والوفاق فإياك يا أخي أن يظهر مثل هذا عنك قبل وصولك إلى مشهد من قال أعوذ بك منك فيمن استعاذ وإلى من لاذ انتهى. فتأمل في هذه الجواهر فإنك لا تجدها مجموعة في كتاب واللّه يتولى هداك وهو حسبي ونعم الوكيل وإليه المصير.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!