موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عقلة المستوفز

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

باب نشأة الإنسان الأوّل

 

 


اعلم أنّ اللّه تعالى لمّا أراد أن يخلق الإنسان بعد ما مهّد له المملكة وأحكم أسبابها إذ كان اللّه قد قضى بسابق علمه أن يجعله في أرضه خليفة نائبا عنه فيه فجعل نسخة من العالم كلّه فما من حقيقة في العالم إلّا وهي في الإنسان فهو الكلمة الجامعة وهو المختصر الشريف وجعل الحقائق الإلهيّة الّتي توجّهت على إيجاد العالم بأسره توجّهت على إيجاد هذه النشأة الإنسانيّة الإماميّة.

فقال عزّ وجلّ للملائكة :" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً "

فلمّا سمعت الملائكة ما قاله الحقّ لها ورأت أنّه مركّب من أضداد متنافرة وأنّ روحه يكون على طبيعة مزاجه قالوا " تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيه وَيَسْفِكُ الدِّماءَ ".

غيرة منهم على جناب الحقّ ثمّ قالوا عن أنفسهم بما تقتضيه نشأتهم " وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ". قالَ:" إِنِّي أَعْلَمُ ما ل تَعْلَمُونَ ".

ثمّ نرجع ونقول إنّا روينا أنّ اللّه تعالى وجّه إلى الأرض ملكا بعد ملك ليأتو بقبضة منها ليفتح فيها صورة جسدا الإنسان وما من ملك منهم إلّا وتقسم الأرض عليه بالّذى أرسله أن لا يأخذ منها شيئا

يكون غذا للنار فيرجع إلى أن وجّه اللّه عزرائيل فأقسمت عليه كما أقسمت على غيره فقال لها إنّ الّذي وجّهني وأمرني أولى بالطاعة فقبض منها قبضة من سهلها وحزنه وأبيضها أحمرها فظهر ذلك في أخلاق الناس وألوانهم .

فلمّا حضر بين يدي الحقّ شرّفه الحقّ بأن ولّاه قبض أرواح من يخلقه من تلك القبضة فتميّز وتعيّن مخمّر اللّه طينة آدم بيديه حتّى قبلت بذلك التعفين النفخ الإلهيّ وسرى الروح الحيوانيّ في أجزاء تلك الصورة .

ثمّ فتح بعد التمييز والنفخ هذه الصورة الآدميّة وعيّن لها من النفس الكلّيّة النفس الناطقة الجزئيّة فكان الروح الحيوانيّ والقوى من النّفس الرحمانيّ بفتح الفاء .

وكانت النفس الناطقة الجزئيّة من أشعّة أنوار النفس الكلّيّة وجعل بيد الطبيعة العنصريّة تدبير جسده وبيد النفس الجزئيّة تدبير عقله .

وأيّدها بالقويّ الحسّيّة والمعنويّة وتجلّى لها في أسمائه لتعلم كيفيّة تدبير ما ملّكها إيّاه ثمّ جعل في هذه النفس الناطقة قوّة اكتساب العلوم بواسطة القوى الّتي هي كالأسباب لتحصيل ما تريد تحصيله .

فبالنّفس الرحمانيّ كانت حياة هذه النشأة وبالنّفس الناطقة علمت وأدركت وبالقوّة المفكّرة فصّلت ما أجمل الحقّ فيها فأنزلت الأشياء مراتبها وأعطت كلّ ذي حقّ حقّه فبما هو من الطبيعة هو من ماء مهين وآدم " مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ . وصَلْصالٍ . ومِنْ تُرابٍ . والشَّياطِينُ .

وغير ذلك وبما هو من النّفس الكلّيّة والروح المضاف إليه تعالى هو حافظ عاقل دراك متصوّر ذاكر إلى أمثال هذه الصفات الإنسانيّة والقوى.

ولمّا سرّت النّفخة فيه خرج الهواء من منخريه فعطس فتغيّرت صورته فلمّا انفصل عنه عادت صورته كما كانت.

فقال له الملك احمد اللّه على ردّ حسن صورتك إليك فحمد اللّه.

فقال له ربّه "يرحمك ربّك "

يا آدم لهذا خلقتك أي لتحمدني فأرحمك .

فذلك هو تشميت العاطس إذا حمد اللّه ثمّ كان من أمره مع الملائكة ما قصّه اللّه علينا وأنزله في الأرض خليفة جامعا للأسماء الإلهيّة والكونيّة كلّها لجمعيّته الّتي خلقه اللّه عليها فهو المشار إليه وإلى كلّ كامل من الناس بقوله " وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ "

من نفسه" وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ".

من طبعه وهو العليم بما علّمه الحقّ من الأسماء والحكيم بتعيين المراتب وإطلاق الأسماء على مسمياتها .

وهذا كلّه على طريق الإشارة لا على جهة التفسير فاعلم ذلك فأعطته النيابة والخلافة هاتين الصفتين الحقيقيّتين " فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ " فهذا هو الإله المتّخذ وأضلّه اللّه أي حيّره على علّم .

فجعل علمه في حيرته يقول الصدّيق العجز عن درك الإدراك إدراك فعلمك أنّ ثمّ م لا يعلّم علم محقق أنت به عالم بلا شكّ وهو قولنا الحمد للَّه الّذي أنا جامع لعلومه ولعلم ما لم يعلم أنّه لا يعلم.

ولمّا تعدّد الكمّل من هذه النشأة جعلهم الحقّ خلائف بعد ما كان خليفة.

فكلّ كامل خليفة وما يخلو زمان عن كامل أصلا فما يخلو عن خليفة وإمام فلا يخلو الأرض عن ظهور صورة إلهيّة يعرفها جميع خلق اللّه .

معيّنة ما عدا الثّقلين الإنس والجنّ فإنّها معروفة عند بعضها فيوفّون حقّها من التعظيم والإجلال لها "إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ " ثمّ لتعلم أنّ كلّ مولود فإنّه يولد على الفطرة الّتي أخذها اللّه على بني آدم من الإقرار بربوبيّته.

لمّا قبض على ظهر آدم فاستخرج منه ذرّيّته كأمثال الذرّ.

فقال لهم : "أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى" أنت ربّنا فهذه هي الفطرة "الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها" وهي الإقرار بربوبيّة الحقّ عليهم فلمّا كبرو صاروا بحكم الاباء والمربّين وحكم لهم بحكم الذرّ فمن استمرّ على الفطرة إذا كانت أبواه مسلمين إلى أن يموت عليها كان من السّعداء الموحّدين .

وإن طرأ عليه خلل يزيله عن الفطرة كان بحسب ما زال إليه ثمّ يموت على ما هو عليه قبل موته وقبل الاحتضار وإذا انتقل إلى البرزخ وانفصل عن الدنيا انفصال من لا يرجع يكون في البرزخ على الحالة الّتي كان عليها عند الانفصال.

فإن كان على حالة تعطيه السعادة سعد وإن كان على حالة تعطيه الشقاوة شقيّ ثمّ

تردّ عليه حياته وعقله أوفر ما كان في قبره فيأتيه فتّانا القبر ومعهما محمّد صلعم فيقال له ما تقول في هذا الرجل ولا يظهران له بما ينبغي له من التعظيم فإن عصم الميّت منهما فيقول هذا محمّد رسول اللّه جاءنا بالبيّنات والهدى فآمنّا وصدّقنا.

فيقولان له نم هنيئا فقد كنّا نعرف منك هذا وإن وقف مع ما يرى من عدم تعظيم السائلين له صلى الله عليه وسلم ، وتلك فتنة القبر .

فيقول لو كان لهذا عند اللّه قدر مثل ما يعتقده المؤمنون فيه لعظّمه هذان.

فيقول سمعت الناس يقولون فيه أنّه رسول اللّه .

فقلت فيه ما قاله الناس فيقولان له لا سمعت ولا قلت فتتسلّمه ملائكة العذاب ثمّ يبقى على ذلك إلى حين البعث ويبعث على ما مات عليه كان ما كان كما ذكرنا ولا يزال ينتقل في مواطن القيامة من موطن إلى موطن على تلك الصورة الّتي قبض عليها .

فإنّ ذلك الموطن وتلك الدار ما هي دار تكليف لو كانت دار تكليف لنفعهم إيمانهم إذا آمنوا وما بقي كافر إلّا أسلم وآمن فإنّه يعاين ما لا يقدر على جحده ولا إنكاره ثمّ إنّ الناس يحشرون إلى أخذ كتبهم .

فمن الناس من يعطى كتابه بيمينه وهم أهل السعادة.

ومنهم من يعطى كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه وهم الكافرون.

ومنهم من يعطى كتابه بشماله من وراء ظهره يضرب في صدره فينفذ إلى ظهره.

وهم المنافقون والمرتابون.

فأمّا المؤمنون فهم وجه بلا قفا يرون من كلّ جهة.

وأمّا الكافرون فهم قفّا بلا وجه.

والمنافقون وجه وقفا.

ثمّ يرجع لهم الموازين فيوزنون بأعمالهم فإن رجح عمله به ثقل ميزان عمله به وارتفعت الكفّة به فأخذ إلى علّيّين وإن رجح هو بعمله نزل بكفّته إلى سجّين.

وهنالك يقرأ كتابه بما قدّمت يداه وأمّا الكفّار المقلّدة في الكفر فيقول القائل منهما :" لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا . يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا " .

وهم الّذين بلغتهم دعوة الرسل عم فردّوها ولم يعملوا بها وأمّا المجرمون فل يقيم لهم اللّه عزّ وجلّ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ولا يعبأ اللّه بهم من قبورهم إلى جهنّم ويأتي أيضا طائفة مستجيرة يقول مترجمهم ، شعر:

رؤوف رحيم لا يكون مؤاخذا * عبيدا أتاه راجيا متلهّف

لأجل ذنوب قد أتاها بغفلة * ولو كانت الأخرى أتى متكلّف

فإن شئت عفوا لا تؤاخذه إنّه * أتى مستجيرا سائلا متكتّفا.

فأجابه الناطق بلسان الحال ، شعر

إن كنت أنت فأنت * وإن تشأ كنت أنت

يا يا منيتي يا حبيبي * بكم وبي حيث كنت

إني علمت بأني * في حفظكم إذ حفظت

لو كنت أملك نفسي * عنكم لكنت ملكت

عيني ولست بغير * لكم فكن لي وأنت

تم بحمد الله


RItFeh3_swc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!