موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عقلة المستوفز

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

باب في النكاح والتوالد

 

 


فأوّل ما دارت الأفلاك وأعطت الاستحالات في الأركان وسخن العالم فأوّل ركن قبل الأثر ركن النار وهو الأثير فظهرت الكواكب ذوات الأذناب.

وهي احتراقات وتكوينات سريعة الاستحالة كما تراها في العين وهي نجوم سريعة التكوين والفساد وكانت رجوما عند مبعث محمّد صلى الله عليه وسلم.

فما يلي منها العلو أطفأه برد السماء وما ولى منها السّفل أطفأه الزمهرير وهو البحر المسجور .

وانتشأ في هذا الركن عالم الجانّ بين سعيد وشقيّ وقد ذكرنا نشأتهم في كتاب أفردناه لهم والمقصود هنا نشأة الإنسان فمن غلب نور روحانيّته على نار طبيعته كان سعيدا ومن غلب نار طبيعته على نور روحانيّته كان شيطانا بما فيه من الرطوبة والبرودة لأنّه ممتزج بالأصالة يقبل العذاب بالنار .

وإنّما نسب إلى العنصر الغالب عليه وهو النار فإنّه فيها يكون وهي الظاهرة فيه على جميع الأركان كما كان الغالب علينا عنصر التراب.

وإن كنّا على جميع الطبائع كلّها فقيل فينا " مِنْها خَلَقْناكُمْ " .

وقيل في إبليس لعنه اللّه وَالْجَانَّ خلق الجانّ من مارج من النّار وكان لهؤلاء الجانّ قبل مبعث محمّد صلى الله عليه وسلم مسالك في كرتهم نحو السماء يسلكون فيه ليستمعوا حديث الملإ الأعلى الملكيّ .

وكان الحكم من آدم إلى محمّد عليهم السلام على ما رتّبه الحقّ للملك الكريم المخلوق على صورة السنبلة.

ولذلك كانت النشأة الترابيّة الإنسانيّة فظهرت أجساد الآدميّين كما سنذكره فلم تكن النجوم ذوات الأذناب بتلك الكثرة لغلبة الجمود والسكون الّذي يقتضيه البرد واليبس فلمّا جاء محمّد صلى الله عليه وسلم .

وانتهى الزمان ودار كهيئته يوم خلقه اللّه انتقل الحكم إلى الملك الكريم الّذي خلقه اللَّه على صورة الميزان وهو العدل .

وأعطى كلّ ذي حقّ حقّه وهو ريحيّ فأشعل الفلك الأثير إشعالا عظيما فكثرت النجوم ذوات الأذناب في الأثير والاحتراقات وجعلها الحقّ" رُجُوماً لِلشَّياطِينِ " .

فعمّرت كلّ مسلك في الأثير فضاقت المسالك على الجنّ الّذين يسترقون السمع ولم يعرفوا ما علّة ذلك .

فقالوا "أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها . مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ".

فالحرس الملائكة وهم الرصد وهو قوله تعالى :" مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً " والشهب النجوم ذوات الأذناب " وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْه مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً " لأنّهم قعدوا لهم كلّ مرصد فكان من أعظم بلاء طرأ على الجنّ والشياطين منعهم علم الغيب .

ومسألة خنافر وشصار فيها كفاية ذكرها أبو عليّ البغداديّ في كتاب النوادر في قوله تعالى :" إِنَّ سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى " ولكن مع هذا كلّه يسلكون بحكم البحث فإن صادفهم شهاب أحرقهم وجعل بأيديهم عالم الخيال ونصب لكبيرهم ورئيسهم عرشا على البحر في مقابلة.

قوله :" وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ " وهذا هو عرش التلبيس وجعل بيده قوّة مثال كلّ شيء في العالم الحقيقيّ يأتي به في عالم الخيال على صورته في العالم الحقيقيّ.

ليضلّ به أهل الكشف في كشفهم وأهل الفكر في النظر في أدلّتهم فبيده مفاتيح الشّبه والشكوك والأوهام بإذن اللّه تعالى ليبتلي عباده بذلك.

وقد ذكرنا هذا في كتاب الكشف مستوفى فلينظر هنالك فإنّ هذا المختصر لا يحتمله.

ثمّ أقول :

وأوجد اللّه تعالى هذه الدورة المحمّديّة السياديّة في هذا الوقت الّذي قدّر فيه هذا الحكم ونصب فيه هذا الوالي لتكون أسراره مكتومة ومقاماته مستورة.

ويكون الطّمس على الأفكار لقوّة ناريّتها وعدم ثبوتها فلا تستقرّ على شيء كم استقرّ القدماء من أهل الأفكار في الدورة الفلكيّة قبل مبعث محمّد صلى الله عليه وسلم.

وقبل استدارة الزمان فكانت الحيرة في أهل الأفكار منّا أكثر من غيرنا من الأمم ومن تعب من الفكر وقف حيث تعب.

فمنهم من وقف في التعطيل .

ومنهم من وقف في القول بالعلل.

ومنهم من وقف في التشبيه.

ومنهم من وقف في الحيرة فقال لا أدرى.

ومنهم من عثر على وجه الدليل فوقف عنده.

فكلّ عنده فكلّ إنسان وقف حيث تعب ورجع إلى مصالح دنياه وراحة نفسه وموافقة طبعه.

فإن استراح من ذلك التعب واستعمل النظر في الموضع الّذي وقف فيه مشى حيث ينتهى به فكره إلى أن يتعب فيقف أيضا.

ويموت هذا كلّه لاشتغال الخواطر وغلبة الحرارة عليها.

غير أنّ الطائف تختلف بانصباب موادّها إلى الموارد مختلفة فأكثر الخلف في هذه الأمّة مجبولون على الأمور الّتي لم يكن أحد من غابر الأمم يصل إليها إلّا بعد الرياضات والمجاهدات والأفكار الدائمة الّتي أمروا باستعمالها.

والخلوات بنفوسهم وهذا كلّه لما أودع اللّه في قوّة هذا الحاكم الملكيّ صلى الله عليه وسلم إذ كان اللّه تعالى قد سبق في علمه أن يفعل ما يفعله عند الأسباب ل بالأسباب إذ لا معين له ولا ينبغي.

فاشتغلت أيضا قلوب أهل الأذكار وهم الصّفوة من عباد اللّه تعالى أهل الذكر والاجتهاد في العبادات وحفظ الشرائع وهم الصادقون من الصوفيّة .

فنالوا المراتب العليّة في العلوم الإلهيّة حتّى كان علماء هذه الأمّة كأنبياء سائر الأمّم وفتح لهم في بواطنهم في مقابلة ما كان يظهر على ظواهر بني إسرائيل من العجائب وهم لا يعرفون ذلك ولا قدره.

فانكتمت سرائر هذه الأمّة لتحقّقها بالحقّ سبحانه حين نزلت عليه من الأكوان شعر:

نزلت على الإله من العباد * عسى ينفى الكيان من الفؤاد

فقال أجل ولكن ثمّ سرّ * إليه في افتقاركم استنادى

فإن يحصل فذاك لكم معين * على ما تطلبون من الجواد

فليس لأولياء هذه الأمّة ظهور إلّا حيث يظهر الحقّ تعالى وذلك في الدار الآخرة فهم الأخفياء الأبرياء الّذين يعاملهم الحقّ بما أمرهم أن يعاملوه به شعر:

إن كنت لي أكون لك * ما أنت لي ما أنا لك

فاصغ إلى قولي تجد * صحّة ما قد قلت لك

ولتلتزم طريقتي * واجهد وخلّص عملك

تنلّ بما جئت به * من كلّ خير أملك

وفي هذه الدورة السياديّة يكثر نطق الجمادات والنباتات يظهر حياتها عليها وقد رأينا من ذلك أشياء وراثة نبويّة فانّه قد ثبت عندنا في الأخبار رواية .

وكشفا أشياء مثل سلام الحجر على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتسبيح الحصى في كفّه وفي كفّ من شاء اللّه من أصحابه وحبّ الجبل إيّاه وحنين الجذع إليه وكلمة الذراع المسمومة من الشاة المصليّة والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

وقوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتّى يكلّم الرّجل عذبة سوطه وتحدّثه فخذه بما عمل أهله وتقول الشجرة يا مسلم هذا يهوديّ خلفي اقتله .

وتخرج الدابّة الّتي تكلّم الناس بما تسم في وجوههم ،.

وجعل اللّه شهورهم قمريّة لا شمسيّة بخلاف من تقدّم من الأمّم السالفة تنبيها من اللّه تعالى للعارفين من عباده لأنّ آية القمر ممحوة عن العالم الظاهر كما قال : " فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ " وذلك بسلخ النهار منه .

وقال لمن اعتبر في قوله وتدبيره " لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ" في علوّ المرتبة والشرف فكان ذلك تقوية لكتم آياتهم الّتي أعطاهم اللّه في بواطنهم وأجراها فيهم ،.

ثمّ إنّ اللّه تعالى خلق الدوابّ الّتي تعمّر البحرّ الّذي بين السماء والأرض ثمّ جبال البرد والثلج الّذي دون البحر ممّا يلي الأرض بقوله تعالى :" وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ".

وكون فيها حيّات بيضاء صغارا وقد يصل إلى هذه الجبال بعض الطيور وربّما تصيد من هذه الحيّات الشّودنيقات الفرْه البلنسيّة .

ورأينا من ذلك حيوانا يسمّى السمندر وله خاصّيّة عجيبة في ترك نبات الشعر وم زال التكوين ينزل إلى أن وصل إلى الأرض.

فأوّل تكوين في الأرض المعادن ثمّ النبات ثمّ الحيوان ثمّ الإنسان.

وجعل آخر كلّ صنف من هذه المكوّنات أوّلا للّذى يليها.

فكان آخر المعادن وأوّل النبات الكمأة.

وآخر النبات وأوّل الحيوان النّخلة وآخر الحيوان وأوّل الإنسان القردة فلنذكر نشأة الإنسان خاصّة الّذي هو المقصود في هذا الكتاب ولنضرب عن ذكر ما سواه إذ ل حاجة لنا بذكره في هذا الموضع " وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ".


RItFeh3_swc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!