موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب عقلة المستوفز

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

باب في الاستحالات

 

 


فلمّا كملت هذه الأركان والأفلاك على حسب ما ذكرناها ودارت الأحد عشر فلك وهي آباؤنا العلويّات .

وتحرّكت الأركان لدورانها وهي القوابل الحوامل أمّهاتنا السّفليّات .

وأعطت الحركات في الأركان الحرارة فسخن العالم وتوجّه العقل والنفس الّذي هو القلم واللوح وتوجّه العنصر الأعظم الشريف الّذي هو لكرة العالم كالنقطة والقلم لها كالمحيط واللوح ما بينهما وكما أنّ النقطة تقابل المحيط بذاتها.

كذلك هذا العنصر يقابل بذاته جمع وجوه العقل وهي الرقائق الّتي ذكرناها قبل فهي في العنصر واحدة.

وهي في العقل تتعدّد وتتكثّر لتعدّد قبوله منه فللعنصر التفاتة واحدة وللعقل وجوه كثيرة في القبول.

فلهذا كان العنصر أشدّ تحقّقا بتوحيد خالقه من العقل لأنّه أتمّ نسبة وأقوى

وإلى العنصر والعقل الإشارة الإلهيّة عندنا بقوله تعالى : "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ".

وهي بقيّة الكتب والصّحف والمتنزّلات :"لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ " يشير إلى المحيط من الأسرار والمواهب الّتي بيد الملك القلم " وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ " يشير إلى النقطة من الغيوب واللطائف من العنصر والكلّ منه وهو مستمدّ من اللّه تعالى بذاته .

ولمّا سخن العالم ابتدأت الاستحالات في الأركان الّتي بها يقع التوالد والتناسل وجعل استحالة هذه الأركان بعضها لبعض على حسب ما نظمها العزيز العليم.

وانظر ما أعجب من أنّه جعل أوّل الأركان وهي الأرض وآخر الدوائر السماويّة وهي السماء السابعة على طبيعة واحدة وهي البرودة واليبوسة.

وجعل بين هذه الأركان منافرة فمنها ما يقتضي المنافرة من كل وجه كالنار والماء والهواء والتراب فلم يتجاورو وجعل الحقّ بينهما وسائط :

فجعل الماء بين الهواء والتراب.

وجعل الهواء بين الماء والنار وإن كان بينهما منافرة من وجه فبينهما مناسبة من وجه فالواسطة الّذي هو الماء ينافر النار بذاته ويناسب الأرض بما فيه من البرودة.

ويناسب الهواء بما فيه من الرطوبة .

والواسطة الّذي هو الهواء ينافر التراب بذاته ويناسب النار بما هو حارّ ويناسب الماء بما هو رطب فتستحيل الأرض ماء والماء هواء.

والهواء نارا والنار ترابا بغير واسطة فإذا أراد الأرض تستحيل هواء والهواء يستحيل ترابا فلا بدّ أن يستحيل كلّ واحد منهما ماء وحينئذ تستحيل الأرض هواء والهواء أرضا ويستحيلان نارا وحينئذ يلحق الهواء بالأرض والأرض بالهواء.

وكذلك الماء إذا أراد أن يستحيل نارا والنار ماء فلا بدّ أن يستحيلا هواء أو ترابا وحينئذ يستحيل هذا نارا والنار ماء.

وهذه الاستحالات إنّما تقع بالإفراط فإذا جاوز المستحيل حدّه انتقل إلى ضدّه من الوجه الّذي هو ضدّه فإذا جاوزت اليبوسة حدّها في النار كانت رطوبة فصارت هواء.

وإذا جاوزت الرطوبة في الهواء حدها كانت يبوسة فاستحال الهواء نارا فإذا جاوزت الحرارة والرطوبة حدّهما في الهواء استحل ترابا.

وكذلك النار تستحيل ماء والماء نارا والتراب هواء ولكنّ هذه الاستحالات نادرة الوقوع وما رأيت أحدا نبّه عليها لشذوذ وقوعه .

وما كلّ جائز واقع والّذي بأيدي علماء هذا الشأن أن يستحيل الشيء إلى الشيء إذ كان بينهما مناسبة من وجه ومنافرة من وجه وصورة ترتيبها في النّشء كما تراه في الحاشية .

وبهذه الاستحالات الّتي قبلتها الأركان حدثت دائرة الزّمهرير والجمد الّذي يكون في الهواء وجبال البرد والبحر المسجور والماء الّذي في جوف كرة الأرض

والهواء الدائر بالصخرة المظلم والهواء الّذي يلي النار فوق دائرة

الزمهرير فصورتها اليوم صخرة في المركز دار بها هواء على الهواء ماء ..

على الماء أرض على الأرض ماء على الماء هوا على الهواء جمد على الجمد بحر على البحر هواء على الهواء نار على النار السماء الدنيا وهذه الاستحالات أعطاها م أودعه اللّه في الأدوار كلّها وبأدوار الأفلاك الثابتة خاصّة كانت الجنار ..

وعليها والمخلوقون فيها الّتي هي أرواح محمولة في أنوار وأجسام شفّافة شريفة معدنيّة تناسب فلكها وعنها انتشأت الخزنة.

وكان الخازن الأكبر المقدّم رضوان إذ كانت حالة الرضى هي الحالة الكبرى في الجنّة فما فوقها حالة فسمّى الخازن بها بشرى لهم .

تنبيه وقد ورد في بعض الأخبار النبويّة أنّ الناس في الجنّة إذا أخذو منازلهم فيها ناداهم الحقّ جلّ جلاله بالكلام الّذي ينبغي أن ينسب إليه من غير تكييف ولا تشبيه.

يا عبادي هل بقي لكم شيء فيقولون يا ربّنا ما بقي لنا شيء نجّيتنا من النار وأدخلتنا الجنّة وكسوتن وأطعمتنا وسقيتنا وفعلت وصنعت.

فيقول جلّ جلاله وبقي لكم شيء .

فيقولون : يا ربّنا وما بقي لنا ؟

فيقول أنا أعلّمكم برضائي عنكم فلا أسخط عليكم أبدا هل رضيتم ؟

فيقولون رضينا عنك فما يسّر أهل للجنّة بشيء أعظم من سرورهم بهذا الخطاب "خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ".

هؤلاء المخاطبون بهذا الخطاب هم أهل الجنّة الّذين هم أهلها العاملون له والمتعشّقون بها الّذين ما طلبوا من الحقّ سواها.

وأمّا العارفون أهل اللّه وخاصّته فليس لهم في هذا الخطاب مدخل إذ قد نالوه في الدنيا حال سلوكهم فكانوا هم الّذين " لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا"

وأولئك في الآخرة فالعارفون في الجنّة بحكم العرض لا بحكم الذات وهم مع اللّه بالذات.

فقيل فيهم أهل اللّه وخاصّته ولم ينسبوا إلى الجنّة لكنّ الجنّة تنسب إليهم.

وأمّا أهل الجنّة الّذين هم أهلها فهم مع الجنّة بالذات ومع اللّه بالعرض.

فرويتهم للَّه تعالى في أوقات مخصوصة وكلتاهم في الجنان مع الحور والولدان وبالذات هنا معناه هم مع اللّه بحقائقهم لا يلتفتون إلى ما سواه إلّا بحكم أمره وبمشيئة عدله في عالم النفوس .

وكما انتشأ عالم الرضوان كذلك أيضا لمّا سوى النور ظهر مالك وخزنة النار ومالك هو الخازن الأكبر المقدّم وسمّى مالكا لشدّته وقوّته وقهره الظاهر في عالم الشقاء فيزيد عذابهم وحرجهم لهذا القهر.

فإنّ الأرواح من عالم السعة والانفساح بالأصل فإذا انحصرت في هذا العالم الضّيق بما اكتسبته كان الضيق عليها أشدّ عذابا "وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً ".

لا يتناهى فإنّ عذابكم لا يتناهى ولهم خطاب من الجبّار تعالى :" اخْسَؤُا فِيه وَلا تُكَلِّمُونِ "سخطي عليكم سخط لا رضى بعده .

فلا شيء أشدّ عليهم عذابا من هذا الخطاب وجماع هذا الشكل من المركز إلى المحيط شكل القرن أسفله ضيّق وأعلاه واسع وهو الصّور أي جامع الصّور.

ولذلك كان بالصاد فأهل الجنّة في أعلاه فهم في سعة المحيط وهم علّيّون وأهل النار في أسفله في الضيق وهو سجّين فعلى قدر ما في السعة من النعيم والفرح والسرور والابتهاج لأهل الجنّة قدر ما في الضيق من العذاب والأحزان والغموم .

فنسأل اللّه أن يجعلنا من أهل اللّه بعقولنا ومن عقل السعة بنفوسنا آمين .
dgxfqOkBdpk

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!