موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة روح القدس في مناصحة النفس

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[فصل]

 

 


إنما يقع الاعتراف بالتقصير بما ينبغي لجلال الحضرة من الاجتهاد بعد بذل المجهود، وإياك وشطحة من شطح السكر غلب عليه فقال إني أغار على جمال القديم أن يراه المحدث من تدنيس رؤيته فهذه كلمة ليس لها مدخل في الرجولية وإنما هي شطحة من صورة وقف القائل معها تردها الحقائق أو تغتر أيض، بقول القائل: "من ظن أنه بالجهد يصل فهو متعن “ فقد قال هذا أيضا “ ومن ظن أنه يصل بغير الجهد فهو متمن “ فقد أشار إلى ما ندبناك إليه ببذل المجهود وصحة القصد ولا وصول إلّا برحمة اللّه، قال اللّه تعالى في المتمني: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ فذمه، وقال في المتعني: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ وَالَّذِينَ جاهَدُو فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَن، فمدح المتعني فإن كان ولا بد فالتعني أولى وإن استطعت الدعوى مع وجود التعني وعدم الالتفات إلى نتائجه إنما يكون خاليا من جميع أعماله وهو فيها متعرض لنفحة من اجتهاد نفحات الربوبية لأن العبادات بحكم التسخير، إنما هي للفقهاء العامة الذين أعماهم اللّه عن الحقائق فقيل لهم قدموا لتجدوا وهؤلاء هم الجهال عندنا وعليهم توجه التكليف مطابقا لاسمه فيدخل عليهم في أداء العبادة من الكلفة والمشقة ما لا يعلمه إلّا اللّه، وذلك لعدم معرفتهم بمعبودهم واشتغالهم بشهوات نفوسهم وحظوظها عاجلة وآجلة وأما هذه الصوفية المحققون فعبادتهم لا بحكم التسخير لكن من طريق الشكر بشهادة الغنى على ملاحظة العمل ونتائجه فلم يقدموا أعمالهم ليجدوها ويلحقوا بها وإنما عملوا لأن السيد قال لهم اعملوا، فلهم العمل والطرح، وللسيد إن شاء القبول وإن شاء الرد فهؤلاء توجه عليهم بالتكليف وارتفع عنهم معناه أي ما فيه من الكلفة والمشقة لقوة معرفتهم بمعبودهم واشتغالهم بحقوق معبودهم عن حقوق نفوسهم فلم يتصور لهم أن يطلبوا أجر إنما هو في كل نفس معان فيم كلف في ذلك فهو يجني والباري تعالى يدخر له، والفقيه الضعيف الجاهل صاحب علم الرسوم الذي قد ختم اللّه على قلبه بشهواته فتراه يلتفت يمينا وشمالا في صلاته ويحرم الإمام ويبقى هو بعده بقدر ركعة في حضور نيته للصلاة لكثرة شغله عنها بهذيانه ودنياه وكثرة غفلاته ثم يكرر التكبير مرتين وثلاث وأربع في النية لعدم صفاء قلبه وترادف ظلماته فإذا سهل اللّه عليه وأدى ما كلفه اللّه تعالى فهذه حالة المجتهد الحازم وساق هذه الجناية المسودة الوجه بعدم الحضور فيه مع اللّه تعالى وسوء ظنه بربه كيف يكون له ذلك العمل مدخرا عند اللّه تعالى حتى يجده عنده لعدم تطلعه إلى فضل اللّه عليه فييه فيجنح إلى عمله وهذه كلها علامات فاسدة ولكن كما قال اللّه تعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً، فلذلك أكثر الشريعة تجري عليهم رحمة بهم لضعفهم وهم في عماية عن ذلك بل من عظيم جهلهم أنهم ما عقلو عن اللّه رحمة هذه بهم وتخيلوا أنهم إذا فعلوا هذ واقتصروا عليه أنه لا شيء أعل منه والخلق دونه لحفظه الحديث والفقه، ويقال له يا فقيه ما تقول في رجل حلف على كذا فيحكم فيها بحكم اللّه المشروع ويحجبه عن ذلك المنصب عن القلب المختوم عليه بحب الدنيا وتعظيمها ونظره الفقراء وأولياء اللّه تعالى بعين الازدراء والجهل لكونهم لا يعرفون مسائل العتق والطلاق والنكاح فهم الغمر الجهلاء، فهذا وأشباههم حجبهم عن اللّه وطردهم عن بابه وما زالت الفقهاء في كل زمان مع المحققين بمنزلة الفراعنة مع النبيين.

ثم ننقتل يا وليي إلى الأم الثانية من هذه النعم الثانية وهي أن تنظر إلى كونه أوجدك متغذي ناميا ولم يجعلك جمادا صلدا وإن كانت الحجارة والجمادات عندن على خلاف ما يراها الناس كما قال اللّه تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَم يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فوصفها بالخشية وغيره، وقال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وقال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْه، وقال تعالى للسماوات والأرض: ائْتِي طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْن طائِعِينَ، وقال: يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ أي رجعي معه التسبيح وسيري معه، وقال: فَسَخَّرْن لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ، وقال (عليه الصلاة والسلام): "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي “، وقال في أحد: "هذا جبل يحبنا ونحبه “، وقال موسى عليه السلام: "ثوبي حجر ثوبي حجر “ يناديه وسبح الحصى في كفه وما أشبه ذلك، فالجمادات عندنا عالمة باللّه تعالى ناطقة به في عالمها وهي على حسب أفقه وفلكها ولها نذير من جنسها وهي عندن أمة من الأمم قد فضل اللّه بعضها على بعض، فكانت القدرة ممكنة لما أوجدتك ولم تك شيئا أن تنزلك في أمة الجمادات، ولكن مقام النبات أعلى وأمته أفضل فجعلك متغذي ناميا ولم يجعلك جماد وهذه نعمة كبيرة لا يؤدي شكره ولا يقدر قدرها فاجتهد عافاك اللّه جهدك فإنك مسؤول على قدر معرفتك وتدقيقك، فإن العوام ما تسئل عن هذه النعم التي ذكرناها ونسأل نحن عنها فسؤالنا أشد فينبغي أن يكون عملنا أتم، ولا تكن يا وليي كقوم رأيتهم فأبنت لهم ما للّه عليهم من النعم ليجتهدوا وأمرتهم بما أمرتك وأمرت به نفسي فأبوا قبول ذلك، وقالوا - كل واحد منهم لما أراد اللّه خذلانه -: إن العبد لا يفي أبد بشكر نعمة واحدة مما أنعم اللّه به عليه فكيف أن تستغرقه فالتعني لا فائدة له فقلت صدقتم في أن أحدا لا يفي بشكر اللّه تعالى ، فإن الشكر منه على النعمة نعمة ولنا في هذه المعرفة ذراع أطول من ذراعكم وأزيد مما عرفتموه ولو عرفتموه ما عبدتم اللّه أبدا مما ترون من الحقائق، وأنتم قاصرون، ولكن ينبغي للعبد أن يبذل الطاقة التي أعطاه اللّه تعالى في مرضاته على الاستبقاء فإذا لم يبق له اتساع حينئذ يقول إنه لا يفي، وإن ذلك عقد في القلب والجوارح تنصرف بالأعمال فإياك والبطالة فقد تقدمك النبيون والمرسلون والملأ الأعلى من الملائكة، والعارفون وصالحوا المؤمنين بالاجتهاد والكد مع صحة التوحيد والمعرفة والقصد وما قال بقولك هذا إلّا الإباحية والمنحلة عقائدهم الذين قالوا بإسقاط الأعمال نسأل اللّه لن ولكم وللمسلمين العصمة في الحال والمآل. ثم زادك اللّه نعمة على هذه النعمة بأن نقلك من أمة النبات والشجر إلى أمة الحيوان فجعلت حساسا فوجب عليك من الشكر والعبادة ما وجب على الجماد والنبات والحيوان فإنك قد جمعت حقائقهم وزدت على كل واحد منهم فينبغي لك أن تعمل على كشف عبادة العالم سفله وعلوه وما هم فيه فتأخذ نفسك بعبادة كل طائفة منهم فإنك مشارك لهم في حقيقتهم ولهذ أنت الأم الجامعة لحقائقهم، ثم إنه ما منها من أمة من الجماد والنبات والحيوان وغير ذلك إلّا ولهم عبادتان عبادة تعم الأمة كلها وعبادة تخص آحاد الأمة، كما قال تعالى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فهذه عبادة الأشخاص على الانفراد وأنا لا أطالبك بعبادة الأشخاص، وإنما أطالبك بالعبادة التي يشترك فيها جنس تلك الأمة وإنما يتوجه عليك عبادة أشخاصها وإذا أوقفك الحق مع واحد منها فحينئذ، وفي جملة أشياخنا الذين انتفعنا بهم في طريق الآخرة في هذه الأمم ميزاب رأيته في مدينة فاس في حائط ينزل منه ماء السطح مثل ميزاب الكعبة، فوقفت على عبادته وأجهدت نفسي عسى أجري معهم في ذلك، ومنهم ظلي الممتد من شخصي أخذت منه عبادتين قد أخذ نفسه به وأشباه ذلك، وأما الحيوانات فلنا منهم شيوخ ومن جملة شيوخنا الذين اعتمدت عليهم الفرس، فإن عبادته عجيبة والبازي والهرة والكلب والفهد والنحلة وغير ذلك، فما قدرت قط أن أتصف بعبادتهم على حد ما هم عليها وغايتي أن أقدر على ذلك في وقت دون وقت، وهم في كل لحظة مع اعتقادهم بسيادتي عليهم يوبخوني ويعتبوني ولقد ألقى منهم شدة لما يرونه من نقص حالي في عبادتهم، وربما يغتاظ بعضهم علي حتى تحجبه غيرته في دين اللّه تعالى من أجل تقصيري فيهم، ويغيب عن سيادتي عليه لمعصيتي وسوء معاملتي مع اللّه، فتزول طاعتي من عليهم وأعذرهم في ذلك، وأسلم لهم في إخلاصهم، فإن أبا بكر (رضي اللّه عنه) قد قال لما ولي الخلافة « أطيعوني م أطعت اللّه ورسوله فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم » وقال الحق فينبغي لك يا وليي إذ آذاك حيوان من الحيوانات من كلب أو دابة أو حنش وغير ذلك من الأمة الحيوانية أو آذاك عود من شجرة أو ورقة من الأمة النباتية أو آذاك حجر بأن تعثر فيه أو يسقط عليك حائط أو يرميه صبي واحد على شيء فيترك الحجر المشي لما رمي له وينصرف إليك فلا تغضب وانصف وارجع مع نفسك على حالك وأقم عليها ميزان العدل فيما كلفك اللّه من مراقبته والحضور معه فلا بد ضرورة أن تجد قصورا أو تفريطا فيك في العبادة التي توجهت عليك مما تعبد به.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!