موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة روح القدس في مناصحة النفس

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[فصل]

 

 


هذه مسألة من تحقق بها وبمعانيها لم يسكن له جأش ولا يطيب له عيش يشتغله شأنه عن كل شأن لما يؤول إليه حاله فإن قوارع القرآن تزعج العاقل اللبيب وتنغص حياة الفطن المصيب، مثل قوله تعالى: فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ وقوله: يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدى ، وقوله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وأمثال هذه القوارع والزواجر المتلوة في المحاريب والمحاضرة تقرع أسماعنا آناء الليل وأطراف النهار، فلا معرفة ثابتة في القلوب فيردعنا الحياء ولا خوف فيكفينا الوعيد والتقرير فلا ندري في أي نمط نتميز ولا بأي فرقة نلحق نسأل اللّه لنا ولكم وللمسلمين وفي جميع الأحوال هنا وعند الموت وفي المآل العافية.

ومما يحض العقل السليم على الاجتهاد ويحول بين جفنه وبين الرقاد نظره في النعم المترادفة عليه إذا حققها وذلك يا وليي (أبقاك اللّه تعالى) إن أول نعمة عقلتها من ربك إخراجك من العدم إلى الوجود وقد عدد هذا المقام عليك من جملة نعمه، فقال: أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ثم خاطب بهذا المقام الخاصة الرفيعة من عباده الذين نحن اتباع لهم، فقال لنبيه زكريا عليه السلام في وقت تعجبه من قدرة اللّه تعالى على حكم العبادة في إيجاد ابنه يحيى عليه السلام: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً، فإياك أن تتوهم أن هذا الخطاب لزكريا في حق نفسه لإبطال المعنى فيه فإن خلق ابن آدم أعجب من خلقه في حكم العادة، لأن زكريا عليه السلام قد أظهر العلة فلو أحاله على خلق نفسه لما أتاه بأعجب مما تعجب منه وإنم أشار إليه بذلك أن ينظر في أول موجود وهي الحقيقة الإنسانية قبل كل شيء وهي أم الأشياء كلها، وليست من شيء وهي سبب كل شيء، وليست مسببة عن شيء ولهذا قال له: وَلَمْ تَكُ شَيْئاً فإن هذا الخلق الترابي الآدمي مسبب عن أشياء نبه عليها (عليه الصلاة والسلام) ، بقوله: « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » ولا يكون العدم بين أمرين موجودين لانحصاره، وأوصاف لا يوصف بالحصر في شيء، وقال اللّه تعالى في خلق الجسد الآدمي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثم طين وهو خلط الماء بالتراب وقال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وهو المتغير الريح وهو جزء الهواء، وقال مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وهو جزء النار فهذه أمهات الجسد الآدمي وهي كثيرة فل يصح على هذا قوله: وَلَمْ تَكُ شَيْئاً، فإنه قد كان شيئا وانتقل في أطوار العالم من شكل إلى شكل حتى صار على هذه الصفة، وكذلك قال في جسد ابن آدم كما قال في الجسد الآدمي من توقفه على شيء وأن أصله ذلك الشيء، والصورة في عرض فيه فقال: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مما خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ وإياك أن تقول في وقت كذا كذ لم نكن كذا، وقد نبه تعالى على أنك هو ذاك وأن أصل جسمانيتك من شيء فقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ تُرابٍ وهو الأب إن شئت ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وهي الابن ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ تمييز في طور آخر ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ تمييز آخر في طور آخر، وَلَقَدْ خَلَقْنَ الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ فجعلك من شيء وهذا طور، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ هذا طور آخر، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً هذا طور آخر وكله الإنسان فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً هذ طور آخر فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً هذا طور آخر، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً هذ طور آخر ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ هذا طور آخر فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ أثنى على نفسه يعلمك صورة الثناء عليه لتشكره لا لتكفره وهذا كله إنما ذكره ليعدد نعمه التي أختصك بها وحباك وهذه كلها أشياء علق وجود بعضها على بعض فقوله على ما تعطيه الحقائق، ويعظم التعجب عند زكريا عليه السلام: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً إنما يشير إلى البروز الأول من غير شيء لأن زكريا عليه السلام إنما تعجب من بشراه له تعالى بيحيى على كبره وامرأته عاقر، فذكر له ما هو أعجب من ذلك وهو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود فإن النقلة في مراتب الوجود من وجود إلى وجود باختلاف الأحوال أهون من إبراز المعدوم، فلهذا كان أعجب مما تعجب منه زكريا ومن هذا تعجبت امرأة إبراهيم عليه السلام، حين بشرت بإسحاق عليه السلام فقالت: يا وَيْلَتى أَلِدُ وَأَنَ عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشيء عَجِيبٌ وهذا يا وليي إذا نظرته من الأسرار العجيبة فتنبه له وعسى أن تعثر على الفصل بينهم، وذلك أن اللّه قد أخبرنا عن زكريا عليه السلام بما أخبرنا عن امرأة إبراهيم عليه السلام، فبشرك بين المرأة والرجل في هذا التعجب وبشرك بينهما في العلم لأن التعجب على قدر العلم ومعلوم فضل الرجل على المرأة في الميراث والشهادة والصوم والصلاة وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، وهذه المسألة مسألة مفرعة لتعلقها بباب المعرفة وقد أشترك فيها نبي اللّه زكريا عليه السلام وامرأة وليست بكاملة فحقق خاطرك يا وليي في هذه المسألة عسى تعثر عليها وكنت أذكر لك وجه الفصل بينهما وأبينه وأكني رأيتك تحب أن تأخذ العلم من ربك فناديت معك وأبقيتها مهملة قال اللّه تعالى جوابا لزكريا عليه السلام: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً، وقال تعالى جوابا لامرأة إبراهيم عليه السلام: تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ولوحنا لك وألقيناك على الطريق فادرج عليه فإن م بينك وبين العلم إلّا كلمة واحدة وهذا غاية ما قدرنا عليه في حقك من تقريب المسألة إلى هذا، وسترناها خلف حجاب واحد رقيق والخطاب على قدر العقل، فانظر يا وليي أول نعمة أنعم بها عليك لو كلفك اللّه شكر هذه النعمة وحده وجعل معك أهل السماوات والأرض بعبادتهم مؤيدين لك عمرك الأخروي الذي لا نهاية له ما قمت بشكرها، كيف وقد انضاف إليها نعم كثيرة غيرها ثم طالبك في الشكر والعبادة على قدر استطاعتك خاصة، فأبيت الإنصاف وتكاسلت وتخاذلت وتعاميت وتصاممت ما هذا ممن يدعي العقل والمعرفة بحسن.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!