موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة روح القدس في مناصحة النفس

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[فصل]

 

 


وأما الأمر الآخر الذي وسعت به النفس عليها بعد تضييقها فهو أن يتخيل أن ذلك لا يؤثر في مقامها ولا ينقص لها من مكانتها ولما كانت غير عاملة للثواب وإنم عملت للعبودية فلا تبال في أي واد مرّ بها إذا صح حاله مع اللّه، وليس ثم أمر ثالث والحمد للّه.

فإن كانت فعلته لهذا فلا تشك أصلا في جهلها وتغريها في نفسها لوجوه كثيرة تدل على جهالتها منها جهله بالموطن حيث عاملته بما لا يليق به فإن “ الدنيا سجن المؤمن “ وهي سجن المؤمنين وأنت تدعي أنك فوق الإيمان وأنا ما أسلمه ولكن صاحب السجن قد أرسلك اليه وأدخلك مع المؤمنين وسجنك معهم بما حجره عليك فلا تقرر أن تشرب خمرا ولا أن تكذب في حديث ولا أن تخلف وعدا ولا أن تحلف فاجرا ولا أن تنكح خمس حرائر وتوجه عليك ما توجه عليك مثل المؤمنين المسجونين، فالحكيم يتنبه ويعرف أن ذلك موطن التكليف وقد لزمه ما لم يكن لزمه وهو خارج السجن فيقول هل هنا أحد من حضرة الملك من طوري وممن هو أرفع مني، فيجد الأولياء والأنبياء والمرسلين فيقول لنا فبهم اقتداء وأنا منهم وهذ أكبر الدعاوي وأنا أسلمها وبهذا أمر اللّه نبيه أفضل الخلق فذكر الأنبياء وم أعطاهم، ثم قال له: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فتنظر في حال الأنبياء فتجد سيدهم وإمامهم أختار الفقر على الغنى والذل على العز للمؤمنين وقد خيره حين نزل عليه إسرافيل، فقال “ إن اللّه خيرك إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملك، فأشار إليه جبريل أن تواضع فقال نبيا عبدا “، قال (عليه الصلاة والسلام) لو قلت نبيا ملكا لسارت معي الجبال ذهب وفضة فأعطته المعرفة والهمة حين أشار إليه شيخه بالأولى تمنى العبودية فلازم الفقر والذلة والخضوع حتى كان يشد الحجارة على بطنه من الجوع، فهلا اقتدا بهم هذا الشخص ولا يذهب طيباته في حياته الدنيا ولو علم أن المراتب في الجنة على قدر المراتب عند اللّه لسعى لنفسه ولعقله وكان من الملوك في الجنة وعند اللّه تعالى ولا كان يتكل على معرفته، ويقول بكمال عقله ويجنح إلى الراحات ويكب على الشهوات ويتنعم في لين الثياب ولذيذ الطعام والشراب وأخوه المؤمن لا يجد ما يأكل، فيقال له واسه فيقول حتى يخطر لي، ما ألقي اللّه عندي فيه شيئا، ما أجهله بخاطر من الحق إنما يفعل العارفون ذلك فيمن لم تبد منه حاجة ويظهر عليه الغنى وهو فقير فيخطر للعارف أنه فقير وهو كشف وإما من ظهر حاله وبانت فاقته فهي الخاطر الذي أعطاك اللّه فيه وأنت لا تشعر وهي أقوى حجة عليك فلا تغتر يا من زاحم الأنبياء بجهله: - سليمان ويوسف (عليهم السلام) –، ولا بقوله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ وأنا أقول مثل ذلك في العارف الذي يرى يده عارية في المنع والعطاء وأن الحساب عنه مرفوع ولكن المواطن تعطيه أنه إذا كسب الدنيا أنه يتأخر عن درجة الذي لم يكتسب ضرورة في الشفاعة وفي دخول الجنة وفي المنزلة عند اللّه وفي الدني، فإن الغني يزور الزاهد والأمراء الصادقون يزورون الفقراء الصادقين، وهنا سر عال أخاف من الفتنة في كشفه وإذاعته فسترته رحمة للعالم حكمت علينا به الحقائق يؤيده من الأخبار “ ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي “ هذا باب فالفقير يدعوه إلى السكون كسر فقاره، فابحث عن السر ولا تفشه ولا تعتمد ول تجعل حقيقة تحكم عليك فالموطن لا يعطيه ولا تترك حقائق حكمة كثيرة يعطي استعماله سعادة لحقيقة واحدة يعطي استعماله إما شقاوة وأما نقصا في المرتبة، فاللّه اللّه عليها كن لها كتوما إن وقفت عليها وقد نبهتك على طرف منه واللّه المستعان، ويكفي هذا المقدار من الوجوه الذي يحتمله هذا الأمر الآخر فهذ الابتلاء الذي ذكرناه يوجب علينا الجد والاجتهاد والتجرد عن الدنيا وأسبابه والتفرغ للعبادة كما كان الأولياء والسادة النجباء مثل أبي بكر وغيره، وقد مشى طرف من أخبارهم في أول هذه الرسالة وأما إن لم تنظر في خلقه لك بيديه ابتداء ونظرته شرفا ورفعة وهو نظر جهل كما حمل الأمانة لحقيقته ولم يحمله غيره ولكن قيل فيه - ظلوما جهولا –، فلو حملها جبرا لم نسب إليه الظلم والجهل ولما حملها اختيارا نسب إليه ذلك فاعلم هذا وأنا أسلم لنفسي هذا الجهل، وأقول لها إنما خلقك بيديه لشرفك على جميع الموجودات وجعلك إنسانا ولم يجعلك ملكا ولا شيطانا فاتصلت على النصف من المعرفة، أنظري يا نفس إلى حال من خلقت نشأته على نصف المعرفة، قال اللّه فيهم: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ل يَفْتُرُونَ يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ل يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ هذا شكرهم على معرفتهم وهي نصف المعرفة، وأنت قد أنشئت من مقام المعرفة بكمالها والصورة الإحاطية والاستخلاف الإلهي، فكان ينبغي أن يكون شكرك أتم من شكرهم وزكاتك أعظم من زكاتهم، لأن معرفتك كلية فكان الأولى بك أن تقوم الركعة الواحدة مقام عبادة أهل السماوات والأرض، فإياك أن تحجب نفسك بأن تقول يا أخي: كاتب هذه الرسالة ما عرف مقامي ول من أنا فما قصدتك بالكلام وإنما تكلمت على ما تقتضيه الحقائق وحصرتها حصرا إحاطي وكشفتها كشفا اعتصامي لم يبق ملك ولا رسول ولا نبي ولا ولي ولا أحد إلّا دخل في هذا الحصر، فلا بد أن تكون يا قارئ هذه الرسالة واحدا من هؤلاء الأقوام والطبقات وأدعى فيمن شب فقد سلمت لك ولو أدعيت الملكية وحدها أو الرسالة أو النبوة أو ما أدعيته: الحقائق تحكم عليك قسرا وتردك إلى العبودية وإلى الموطن إن عصمت، وإن خذلت عميت عن الحقائق واستعجلت الآجلة وأجلت العاجلة وجعلت غيرك المحجوب وأنت العاقل عن اللّه المصيب، فإذ انقلبت وجدت عملك هباء منثورا وطردتك الحقائق السعادية عن بابه وقالت لا أعرفك فإنك ما صاحبتني في الدنيا ولا تعرفت إلي ودعاك خيالك الفاسد القاصر فرمى بك في سواء الجحيم، فكيف ما نظرت في خلق الحق لك بيديه: إن كان ابتلاء فلا بد من الجذر والوزن مخافة النقص والتطفيف وإن كان شرفا ورفعة فلا بد من الجد والاجتهاد في الشكر كما قال (عليه الصلاة والسلام) “ لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا “، وكما قال بعض العارفين وقد رأوا صوفيا يضحك ملأ فيه لا يخلو أن تكون بشرت بسعادتك أم لا فإن كنت لم تأمن فما هذه حالة الخائفين، وإن كنت أمنت فما هذه حالة الشاكرين فقد ناط به الذم من الطرفين في ضحكه، فكيف لو رآه متنعما مترفا ويجمع ويدخر ويمنى نفسه بالغرور، وقد تقدم حديث سلمان الفارسي في وقت ذكره لما فتح اللّه به على بعض الصحابة والتابعين من كنوز كسرى وقيصر وإن اللّه ما أختار لنبيه الدنيا بل اصطفاه فقيرا لا يبيت على معلوم في البيت حتى مات وأشباه ذلك، فإياك يا وليي والمغالطة فإن الناقد بصير وإليه تصير الأمور وقد مضت العبارات وما بقيت إلّا تسبيحات فلا يغتر العالم بعلمه ما لم يستعمله ولا يغتر باستعماله ما لم يخلص ولا يغتر بإخلاصه ما لم يفن عنه.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!