موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة روح القدس في مناصحة النفس

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[حال أهل التصوف]

 

 


وأما أهل زمانك اليوم يا وليي فكما قال الحكيم أبو عبد اللّه محمد بن علي الترمذي (رحمه اللّه): ضعف ظاهر ودعوى عريضة. فأول ما وصلت إلى هذه البلاد سألت عن أهل هذه الطريقة المثلى عسى أن أجد منهم نفحة الرفيق الأعلى فحملت إلى جماعة جمعتهم خانقاه عالية البناء واسعة الفناء فنظرت إلى مغزاهم المطلوب ومنحاهم المرغوب تنظيف مرقعاتهم بل مشهراتهم وترجيل لحاهم غير أنهم يدعون أن أهل المغرب أهل حقيقة لا طريقة وهم أهل طريقة لا حقيقة وكفى بهذا الكلام فسادا إذ لا وصول إلى حقيقة إلّا بعد تحصيل الطريقة وقد قال الإمام المقدم والصدر المبرز أبو سليمان الداراني (رحمة اللّه عليه) وإنما حرموا الوصول إلى الحقيقة بتضييعهم الأصول وهي الطريقة وقد شهدوا على أنفسهم بفراغهم من الحقيقة فهي شهادتهم بعينها أنهم على غير الطريقة وهاتان جهالتان منهم وهم لا يشعرون فالزمان يا وليي اليوم شديد شيطانه مريد وجباره عنيد علماء سوء يطلبون ما يأكلون وأمراء جور يحكمون بما لا يعلمون وصوفية صوف بأغراض الدنيا موشحون عظمت الدنيا في قلوبهم فلا يرون فوقه مطلبا وصغر الحق في أنفسهم فاعجلوا عنه هربا حافظوا على السجادات والمرقعات والمشهرات والعكاكز وأظهروا السبحات المزينة كالعجائز طغام أطفال صبيان الأحلام لا علم عن الحرام يردهم ولا زهد عن الرغبة في الدني يصدهم اتخذوا ظاهر الدين شرك للحطام ولازموا الخوانق والرباطات رغبة فيما يأتي إليها من حلال وحرام وسعو أردانهم وسمنوا أبوانهم فو اللّه ما أراهم إلّا كما حدثني غير واحد عن القاضي أبي بكر بن العربي المعافري قال حدثني المطهر سعد بن عبد اللّه الأصبهاني قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا بشر بن مطر بن حكيم بن دينار القطيعي، قال: سمعت عمرو بن دينار وكيل آل الزبير يحدث مالك بن دينار قال حدثني شيخ من الأنصار، بحديث عن سالم مولى أبي حذيفة قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليجائن بأقوام يوم القيامة معهم من الحسنات مثل جبال تهامة حتى إذا جئ بهم جعل اللّه أعمالهم هباء، ثم قذفهم في النار، فقال سالم: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي جل لن هؤلاء القوم حتى نعرفهم فوالذي بعثك بالحق إني أتخوف أن أكون منهم قال يا سالم “ إما أنهم كانوا يصومون ويصلون“.

وفي حديث آخر: وكانوا يأخذون وهنا من الليل ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وفي رواية من طريق آخر: شيء من الدنيا وثبوا عليه فأدحض اللّه عز وجل أعمالهم فقال مالك بن دينار هذا واللّه النفاق فأخذ المعلي بن الزياد بلحيته فقال صدقت يا أبا الخير واللّه يا وليي لو رأيتهم في صلاتهم ينقرونها وفي صفوفهم لا يقيمونها يجعل أحدهم بينه وبين صاحبه في الصف قدر ما يدخل فيه ألف شيطان ثم إذا جئت أن تسد ذلك الخلل تراهم قد قطبوا وجوههم فإن غفلت ووطئت سجادة أحدهم لكمك لكمة حيث جاءت منك قد يكون فيها حتفك وهذه وأشباهها هي الطريقة التي أهل زمانك عليها ويرحم اللّه أبا القاسم القشيري حيث أدرك من تحلى بحلية القوم في ظاهره وتعرى عنهم في باطنه فأنشد فيه:

أما الخيام فإنها كخيامهم * وأرى نساء الحي غير نسائه، وهذا الذي قد اشترك معهم في الزي الظاهر وأما اليوم فلا خيام ولا نساء بإجماع من القوم وإن الموت الأخضر عندهم طرح الرقاع بعضها على بعض وذلك شعارهم (رضي اللّه عنهم) فقام هؤلاء فقالوا إنما لنا لبس مرقعة خاصة ولم يلحظوا ما أريد بها فتأنقوا في الثياب المطرحة والأعلام المشهرة وخاطوها على وزن معلوم وترتيب منظوم تساوي مالا عظيما وانسدو عليها ثيابا وسموها مرقعة، فرحم اللّه سيد هذه الطريقة أبا القاسم الجنيد حيث أنشد لما رأى فساد الحال:

أهل التصوف قد مضوا * صار التصوف مخرقة

صار التصوف ركوة * وسجادة ومذلقة

صار التصوف صيحة * وتواجدا ومطبقة

كذبتك نفسك، ليس ذي * سنن الطريق الملحقة

واللّه ما أعلم أهل الطريق كذا وما كان الطريق إلّا بالقعود في مرابض الكلاب مجاهدة وتحمل الأذى وكفه رياضه، والرحمة والشفقة والعطف على الفقراء والمسلمين كافة تحقيقا ومعرفة أين هم من صفة أهل اللّه كما نعتهم الطائفة العالية (رضى اللّه عنهم) على ما حدثنا أبو محمد بن يحيى ، قال:

حدثنا أبو بكر بن أبي منصور وحدثنا أبو الفضل أحمد قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن مقسم قال حدثنا عباس بن يوسف قال حدثني محمد بن عبد الملك قال: قال عبد الباري قلت لذي النون المصري (رحمه اللّه) صف لي الأبدال!

قال: إنك تسألني عن دياجي الظلم لأكشف لك عنها يا عبد الباري هم قوم ذكرو اللّه بقلوبهم تعظيما لربهم لمعرفتهم بجلاله فهم حجج اللّه تعالى على خلقه ألبسهم اللّه النور الساطع من محبته ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته وأقامهم مقام الأبطال لإرادته وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته وطهر أبدانهم بمراقبته وطيبهم بطيب أهل معاملته وكساهم حللا من نسج مودته ووضع على رؤوسهم تيجان مسرته ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب فهي معلقة بمواصلته فهممهم إليه سائرة وأعينهم بالغيب إليه ناظرة أقدامهم على باب النظر من قربته وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته، ثم قال عزّ وجلّ لهم إن أتاكم عليل من فقدي فداووه أو مريض من فرقي فعالجوه أو خائف مني فأمنوه أو آمن مني فحذروه أو راغب في مواصلتي فمنوه أو راحل نحوي فزودوه أو جبان في متاجرتي فشجعوه أو آيس من فضلي فعدوه أو راج لإحساني فبشروه أو حسن الظن بي فباسطوه أو محب فواطئوه أو معظم لقدري فعظموه أو مسئ بعد إحسان فعاتبوه أو مسترشد نحوي فأرشدوه إلى آخر القصة على ما ذكرناه في كتاب البغية لن مستوفاة فهذه أحوال العارفين يا وليي وهكذا تكون عمارة القلوب.

وأما أهل زمانك فواللّه لو أطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيون جامدة، متحركة غير هامدة وإن نظرت إلى نفوسهم رأيت نفوسا سامدة وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبا لاهية من العمارة العلوية والقدسية خالية على عروشها خاوية آجام لأسود ضارية ومرابض لذئاب عاوية، نسأل من اللّه تعالى عند رويتهم العافية أين هم يا وليي من قوم وصفهم أبو الفيض حيث قال إن للّه لصفوة من خلقه وإن للّه لخيرة قيل يا أبا الفيض ما علامتهم قال إذا خلع العبد الراحة وأعطى المجهود في الطاعة وأحب سقوط المنزلة.

ثم قال:

منع القرآن بوعده ووعيده * مقل العيون بليلها أن تهجع

فهموا عن الملك الكريم كلامه * فهما تذل له القلوب وتخضع

فقال له بعض من كان في مجلسه من هؤلاء القوم يا أبا الفضل (رحمك اللّه) ؟.

قال ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا والتراب لوجوههم مهاد هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم فعزلهم عن الأزواج وحركهم بالأدلاج فوضعوه على أفئدتهم فانسرحت وضموه إلى صدورهم فانشرحت وتصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا ولسبيلهم منهاجا ولحجتهم إيلاج أفلاج يفرح الناس وهم يحزنون وينام الناس ويسهرون ويفطر الناس ويصومون ويأمن الناس ويخافون فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون يشمرون يبادرون من الفوت ويستعدون للموت إلى آخر القصة، كم حدثنا أبو الحسن علي بن موسى سنة أربع وتسعين وخمسمائة قال حدثنا محمد بن عبد اللّه قال حدثنا سعد بن عبد اللّه قال حدثنا أحمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن عبد اللّه قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مصقلة قال حدثنا أبو عثمان الخياط عن أبي الفيض ذي النون بن إبراهيم المصري وهو كما علمت يا وليي من ساداتنا.

فهذا وصفه لأولياء اللّه وبهذ حلاهم وهكذ شاهدهم ورآهم ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان ولا يستحيي في ذلك من الرحمن لا يعرف شروط السنة والفرائض ولا يصلح أن يكون خديم في المراحض.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!