موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة روح القدس في مناصحة النفس

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

[فصل]

 

 


قالت النفس قلت الحق. وفي هذا غنية لي إن كنت عاقلة فالويل لمن يعلم ول يعمل سبع مرات وقد بقي من كلام أبي الدرداء الكلمتان مقت الناس في جنب اللّه ومقته لنفسه، ومقت الناس مشكل. فقلت لها يا نفس ليس الأمر كما ظننت أما قوله ولا تفقه كل الفقه حتى تمقت الناس في جنب اللّه، فاعلمي أن للإنسان حالتين: لا يخلو إما أن يغلب عليه ربه أو نفسه فإن غلب عليه ربه لم يعرف الناس ولا ما هم عليه وأداه ذلك إلى تركهم في جنب ما حصل في نفسه من الأنس باللّه ويمقت هنا بمعنى يترك فإن من مقت شيئا تركه فكني بالأصل عن الفرع وأما من غلبت عليه نفسه فالمقت هنا على بابه وصورته، ومقته للناس أن الغالب على الناس المخالفة والبطالة، فلا يزال يمقت منهم تلك الأفعال وينبههم عليها ويقرع أسماعهم بها وينصحهم في دين اللّه وجنبه فيثقل ذلك عليهم ويستخفونه ويبردوه ويجتنبوه ويسدون الأبواب في وجهه حتى يتركوه فرد وحيدا لا صديق له ولا معاشر كم قال عليه السلام ما ترك الحق لعمر من صديق فإذا رجع الناس أعداء له لا يكلموه رجع بالضرورة إلى نفسه فمقتها بأنواع من التوبيخ من قلّة الصدق في العمل وعدم الإخلاص ودخول العلل في المخاطبات والخواطر والنصيحة والإرشادات فصار مقته لنفسه أشد من مقته للناس ولا يقدر ينفصل عن نفسه ولا تنفصل عنه مثل الناس فيفتح له في ذلك من الفقه الإلهي والعلم اللدني مال يعرفه إلّا من شاهد، وحسبك يا نفس فقد أطلت على سؤالك فاقنعي بهذا القدر فإن هذه المسألة أعظم وأقوى من أن أبسط شرحها في المجلدات فقالت قنعت وباللّه استغنيت فهات غيره فقد عرفت وتحققت أني لا شيء ولا أصلح لشيء وأنّي في وجودي وفي عيني كم كنت قبل وجودي و قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً و هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً، وفي الحقيقة لم يزل كذلك ولا يزال قلت لها نعم هذا عثمان بن مظعون صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الذي أوذي في اللّه فرضي وتعرض لذلك: لما مات دخل عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين مات فأكب عليه، ثم رفع رأسه ثم حنى الثانية ثم رفع رأسه ثم حنى الثالثة ثم رفع رأسه وله شهيق فعرفوا أنه يبكي فبكى القوم فقال: أذهب عنها أب السائب فقد خرجت منها ولم تدنس منها بشيء. روينا هذا من حديث أبي حامد بن جبلة بسنده إلى ابن عباس (رضي اللّه عنهما) ورويناه أيضا من حديث أبي بكر بن مالك بسنده عن عبد ربه بن سعيد المدائني أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو في الموت فأكب عليه يقبله فقال رحمك اللّه يا عثمان ما أصبت من الدني ولا أثابت منك. ناشدتك اللّه يا نفس فنعمت النفس عهدتك في الإنصاف من نفسك خبريني لو كنت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحالة التي أنت عليها اليوم وتموتين، هل كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفعل بك مثل هذا قالت أما لو جازاني على ما أنا فيه وعليه لخفت أن يقول لأصحابه صلّوا على صاحبكم بل أعتقد واللّه في شأني أني أقرب إلى قوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ مني إلى قوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ هيهات كيف أن يكب عليّ أو يقبلني بل كان يبكي عليّ شفقة لما يراه من سوء حالي وشر ما انقلبت إليه فيا ليته يؤذن له صلى الله عليه وسلم في الصلاة على ، غير أن قوله صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليه ما أصبت من الدني ولا أصابت منك أنه ما سعى لها ولا أصابت من قلبه تشوقا إليها ولكنه أتته من غير سعي إليها فقبلها وتصرف فيها فلبس منها الرقاق وأكل منها الرقاق وعلا مسكنه مع فراغ القلب من ذلك وهذا في القدرة جائز مع القدرة عليه، ولقد رأيت في زماني هذ قوما من أهل التمكين والتحقيق والمعارف قد فعلو مثل ذلك أكلوا الشهي من الطعام الغالي ثمنه وشربوا اللذيذ من الشراب ولبسوا الرفيع من الثياب وربما شيدوا البناء وأحكموا ورفعوا سقوف بيوتهم إلى حيث لا يحتاجونه وذلك عن أمرهم بذلك وعن استحسانهم لذلك وسكوتهم عليه ولم يعدلوا بعد المعرفة والتحصيل لمقام التمكين إلى ما كانو عليه في بدايتهم من ترك الأسباب وطرح الرقاع بعضها على بعض فأخاف أن لا يكون هذ كذلك وقد قيل عنه ما أصابت الدنيا منك شيئا ولا أصبت منه شيئا من باب السعي والكد فأوضح لي شأنه وكيف كان حاله وهذه الحالة التي رجع إليه العارفون هل هي خير مم كانوا عليه أو كانوا في حال فقرهم وتقشفهم أحسن وأثبت قلت لها نعم أما حال عثمان بن مظعون فروينا هذا عنه رضى اللّه وأما حالة العارفين الّذين ذكرتهم من بسط الدني، فروينا من حديث عبد اللّه بن أحمد بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال أخبرنا الربيع الرشدني قال أخبرنا ابن وهب، قال أخبرني يونس بن زيد عن ابن شهاب أن عثمان بن مظعون (رضي اللّه عنه) دخل يوم المسجد وعليه نمرة قد نخلت فرقعها بقطعة من فروة فرق له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ورق أصحابه لرقته فقال مه، كيف أنتم يوم يغدو أحدكم في حلة ويروح في أخرى وتوضع بين يديه قصعة وترفع أخرى وسترتم البيوت كما تستر الكعبة قالوا وددنا أن ذلك قد كان يا رسول اللّه فأصبنا الرخاء والعيش قال فإن ذلك كائن وأنتم اليوم خير من أولئك وهذا الحديث يا نفس قد أنبأ عن الفريقين اللذين سألتيني عنهما هذا حال عثمان على ظاهره فقير من الدنيا وهذا حال من توسع في الدنيا من العارفين قد جعل اللّه حالة الضيق والشدة خيرا للإنسان من الرخاء والسعة.

وكأني واللّه يا نفس بك تقولين: أرى أهل هذا المجلس وهم الصحابة الأخيار وهم العارفون باللّه المحققون حقائق الوجود لما ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم صورة الترفه والتنعم اهتزوا وسألوا متى ذلك وفرحوا بهذا القدر فكذلك أنا أيض أرضى بهذه المنزلة وكذلك العارفون الذين وسعوا على أنفسهم دنياهم فقلت لها م أعماك عن نور مشكاة النبوة الساطعة أنوارها فقالت لا تنظر إلى كلامها ظاهرا هذا لتعلم أن النعيم لا يحجب عن اللّه ولا الشقاء والبؤس يحجب عن اللّه إذا كان الحق غالب على قلب العبد فإنه لا نعيم أشد ولا أعظم من نعيم النبيين والأولياء في الجنة في ملابسهم ومآكلهم ومشاربهم ومناكحهم ومراكبهم ومفاكهتهم ولا يحجبهم ذلك عن اللّه البتة لسرين قلت له فأنا مسلم أن ذلك لا يحجب عن أنه، ولكن قال الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك الجماعة الذين قالوا وددنا أن ذلك قد كان فأصبحنا الرخاء لتحققهم باللّه تعالى وعلمهم أن الأحوال لا تحجب عن اللّه تعالى فإن ذلك كائن يعني بسط الدنيا عليهم مبشرا بفتح ملك كسرى وقيصر، ثم قال لهم أنتم اليوم خير من أولئك فأشار بقوله وأنتم لعصمتهم من الدني وأن فتحت في حياتهم كأبي عبيدة بن الجراح وغيره وفي ذلك ترجيح الفقر وشظف العيش على النعيم فبين لهم هذا المقام ونبههم على نقص ذلك المقام ونقص من اتصف به وإن بقيت عليه مشاهدته ومعرفته فإنه نعيم استعجله في غير موطنه وطرفه استعمله في غير موضعه فوضع الحكمة في غير موضعها فعادت معرفته جهلا وكشفه حجابا وحقيقته خيالا ألم ترى إلى الذي قال لو كشف الحجاب ما ازددت يقينا لعظيم الكشف، وهذا عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) كيف أجتنب طيب الطعام وفهم من كلام اللّه تعالى: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِه إنه ينسحب على كل إنسان من مؤمن وكافر أترى يا نفس هذا العارف الذي وسع عليه في الدنيا يكون أفقه من عمر بن الخطاب الذي وافق رأيه في الأحكام وقد شهد له الرسول (عليه الصلاة والسلام) أنه ليس من الباطل في شيء اجيبيني يا نفس فإنك لا تعدوا قدرك لا أنت ول العارف الذي وسع عليه إذ لا بد من التأسي، فحالة النبي صلى الله عليه وسلم أولى فهو الذي عاش في البؤس وضنك العيش حتى رق له عمر (رضي اللّه عنه) لما أثر شريط « 1 » السرير في جنبه صلى الله عليه وسلم، فقال تذكرت كسرى وقيصر فقال صلى الله عليه وسلم أما ترضي أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة أين أنت يا نفس من قول سلمان الفارسي (رضي اللّه عنه) على ما رويناه من حديث أبي أحمد محمد بن أحمد الغطريفي ومحمد بن عاصم قالا حدثنا أبو القسم البغوي، قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أب البحتري يحدث عن رجل من بني عبس قال صحبت سلمان الفارسي (رضي اللّه عنه) فذكر ما فتح اللّه على المسلمين من كنوز كسرى فقال إن الذي أعطاكموه وفتحه عليكم وخولكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حي، ولقد كان يصبح وما عنده دينار ولا مد من الطعام، بم ذاك يا أخا بني عبس ؟ فانظري يا نفس كلام هذا الصاحب وشرحه لحالة النبي صلى الله عليه وسلم وتعريفه وتقريره في قوله بم ذاك ثم إنه لو كانت الدنيا تنال على حسب المراتب عند اللّه من الرفعة لكانت كلها لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلا أرفع منه منزلة عند اللّه ولا أرفع منه درجة ولا نعيما في الجنة وهذه حالته في دنياه ولم يرض لقرة عينه بنته فاطمة (رضي اللّه عنها) أن تنال فيها راحة ولا توسعا، هذا وقد رأى أثر حبل القربة في عنقها من حمل الماء وأثر الرحى من الطحين في يديها وجاءه السبي فلم ير أن يعطيها خادما يحول بينها وبين ذاك الشقاء الذي نزل بها وأعطاها بدل ذلك تسبيحا وتحميدا وتكبيرا وقال هو خير لكم فأين أنت يا نفس وهذ العارف فلا الحق رضيها لنبيه ولا النبي صلى الله عليه وسلم رضيه لابنته ووصيه وإذا لم تقتد بهذا النبي ولا عرفت تنزيل الحق للمواطن فقد خرجت عن حد المعرفة باللّه وحب حالة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واتباعه ولا فائدة ول تمييز للعارف عن غيره من العوام إلّا باستصحابه في حالته حالة النبي صلى الله عليه وسلم وأما العامة فانهمكت في المباحات فبم تميزت عنهم في ظاهرك كما تدعيه في باطنك. ألست تدري يا نفس ليلة كن عند أبي محمد عبد العزيز المكتوب له هذه الرسالة ونحن على العشاء فتكلمنا في حالة الدنيا إذا أقبلت على العارف وتصرف فيها مع تعري قلبه عن التعلق به، فقال (رضي اللّه عنه) واللّه ما يستوي فراغ قلب عارف عنده درهمان وفراغ قلب عارف عنده درهم فصاحب الدرهم أفرغ من صاحب الدرهمين هذا حكم الشيخ أبي محمد عبد العزيز في هذا الحال، فكيف لو دخل معك في باب المقام والأسرار لكان يرميهم خارج عن المعرفة فإن الحقائق ترميه والموطن يمجه.



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!