موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

مواقع النجوم
ومطالع أهلة الأسرار والعلوم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

باب علامات من تحقق بأعمال أعضائه الشرعية

 

 


اعلم يا بني أنه من ادّعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه شرعا في بصره علامته الغض عن المحرمات والأطراق وقاية عن النظرة الأولى المعفو عنها وكل عمل توجه عليه بصره شرعا ومن لم يشاهد في أحواله مثل هذا فدعواه كاذبة ومن أدعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في سمعه علامته ما قال الله تعالى:

اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وسماع العلم ومواظبة مجالس الذكر والعمل بكل خير يسمعه وكل من ادّعى هذا المقام لم يزل يحن إلى الأوطان والحداة وعلامة صدق حنينه إليها العمل بما يسمع على قدر الإستطاعة فمن نودي من جهة قد تعشق بها وكلّف لكونها منزل حبيبه حن إلى ذلك النداء فمن ناداه حبيبه من جهات حن إلى تلك الجهات ولم ير بها بدلا فمن ناداه الحق من الخلوة حن إليها فاستوحش من المخلوقات وآثرها على جميع المقامات ومن ناداه من الحكم يباشر الناس ولا يباشرونه ومن ناداه من التأثيرات المرقية يباشره الناس حتى يؤذوه وكل صاحب مقام فرح بمقامه مسرور به ويدعو نفسه وغيره إليه كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ بخلاف المكمل فإنه لا يحن إلى مقام أصلا على الاختصاص ولهذا لا يقتصر على مقام وإنما هو صاحب الوقت ورئيسه جامع الحكم لا يدعو غيره أبدا إلاّ من حيث يرى قوته تميل إليه فمن هناك يدعوه إم بالموافقة أو بالمخالفة على ما يرى أنه حسب الأصلح به ولا يدعو نفسه إلاّ من حيث حكم الوقت ومن ادّعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في لسانه علامته قلّة الكلام إلاّ فيما يعرض عليه من نصح وتبليغ رشد وغيره ودوام الذكر وأسترساله على التلاوة إن كان من أهل القرآن وصدقه في الحديث وخجله إن كان من أهل الإلقاء فيم يخبر به عن الحق وبطؤه في الجواب عن المسألة إذا سألها وإذا سأل أن لا يسأل إلاّ فيما فيه فائدة سعادية وأشباه ذلك ومن ادعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في يده علامته أن لا يبطش بها في محرم من لمس امرأة لا تحل له أو قتل إنسان ولطمه أو سرقة أو لمس ذكره بيمينه عند البول وأن يستنجي بها وأن لا يدخلها في الإناء عند القيام من النوم أعني في وضوء وأشباه ذلك، ومن ادّعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في باطنه علامته الورع والإكتساب والبحث عن الكسب وإذا أكل لا يمتلئ من الطعام ولا من الشراب حذرا من كسل الجوارح عن الطاعة والايسار بقوله فما ملئ وعاء شر من بطن ملئ من طعام حلال ومن ادّعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في فرجه فعلامته الحفظ من التحرك إلى غير أهله من أحرار وإماء وهو أمر يقع في قلب العبد المعتني به على حسب مقامه فيسمى ذلك الأمر في حق شخص خوفا وفي حق شخص قبضا وفي حق شخص هيبة وفي حق شخص جلالا هذا مع الحضور إن كان غائبا كان في حقه إما سكرا أو محو أو محقا أو فنا على اختلاف المقامات وهذه كلها على تفاصيلها إذا تحقق شخص ما بأحدهما منعته قطعا من أن يتعدى حدود سيده ومولاه وأن لا يراه حيث نهاه ولا يفقده حيث أمره.

فإذا شاء سبحانه إنفاذ قوله: وكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً على عموم الأفعال في العبد بإيقاع ذلة ما منه قبض عنه ذلك المقام بغفلة تحصل مكانه حتى ينفذ فيه الأمر ويجري عليه القدر بما أراده الحكيم قيل لأبي يزيد أيعصي العارف فقال وكانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً ثم يرد إلى مقامه بعد ذلك إن كان من أهل العناية والوصول فتكون توبته من ذلك على قدر مقامه فيرجى أن يكون في قوة تلك التوبة وعلو منصبها ما يجبر عليه وقت الغفلة حتى تكون له وكأنه ما خسر شيئا وما انتقل كتوبة ما عز الذي قال فيه رسول الله (ص) لو قسمت بين أهل السموات والأرض لو سعتهم ومن ادعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في رجله علامته السعي في مصالح العباد المسلمين والأخوان والسعي إلى العبادة والسعي على العيال وكثرة الخطأ إلى المسجد والنزول في الحرب والثبات يوم الزحف وغير ذلك ومن ادعى مراعاة التكليفات المتوجهة عليه في قلبه علامته الانتباه واليقظة والفكر والهيبة وترك الحسد والغل والتنغيص بالإجتماع إن كان من أهل الأحوال الموقوفة على الخلوة وإن كان في خير ودوام الحزن مقام المحزون عليه والتوكل والتقويض والتسليم والفرح بموارد القضاء والمراقبة والتنزه في العالم وفعل الله فيه وفيهم أشباه ذلك مما لا يحصى كثرة وكل فعل حسن للجوارح أسه انتباه القلب وهذه الأعمال كلها يا بني مبادئ الإرادة والسلوك وليس لها زوال عن شخص حتى يموت فإن عدمها السالك المريد في أحواله وطريقه فهو مخدوع وأما الواصل فلا يتصور منه ترك لها أصلا وإن ادّعى الوصول وفارق المعاملات إستصحاب فدعواه كاذبة ولو فتح له في علم التكوين وسر العالم فمكر واستدراج فلا سبيل إلى الوصول إلى نهاية صحيحة عن الشوب إلاّ بليسي خالصة عن الغرض النفسي ما لم ينزل المريد أولا عن رعونه النفس وكدورة البشرية وعلامة المدعي في الوصول رجوعه إلى رعونه النفس وأغراضها ولهذا قال أبو سليمان الداراني لو وصلوا ما رجعوا وإنما حرموا الوصول لتضييعهم الأصول فمن لم يتخلق لم يتحقق وعلامة من صح وصوله الخروج عن الطبع والأدب مع الشرع واتباعه حيث سلك والشفاء الشافي والدواء الكافي لهذا الداء العضال العلم بشرط التوفيث فإذا اجتمعا فلا حائل بينك وبين التحقيق فافهم ترشد إن شاء الله تعالى.

(منازل هذه الأعضاء كراماتها لأربابها للمتحققين بها) إعلم يا بني أن كل من تحقيق بهذه الأعمال ورسخت قدمه فيها وصح إتصافه بها فإن الله سبحانه وتعالى قد أجرى عادته لأهلها المتحققين بحقائقها أن يهبهم أسرار الاختصاص التي هي حرام على غيرهم الموقوفة على الأسباب وتسمى شواهد الحال الغيبي والتحقق الملكوتي وهو السر الخفي المرموز في قوله تعالى على لسان رسول الله (ص) «و لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذ أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» الحديث وأن ينزلهم سبحانه وتعالى المنازل العلية ويوقفهم عليهم وأن يكرمهم بكرامات في ظاهر الكون ولكن ليست عند القوم بشرط لازم ووقوع واجب فلنذكر في هذا الباب ما يصل إليه كل عضو من هذا الأعضاء الثمانية من البركة وما يصل إليه من الكرامات التي ذكرناها في عالم الملكوت الروحاني كالجن والملائكة والملكوت الترابي المتروحن البشري وهذا السر خفي إذ هذا الرجل إذا تحقق بهذه الأعمال حتى بلغ المنازل التي أذكرها يتروحن باطنا ويجري على العادة ظاهرا لسبب ذكرناه شاف في مشاهدة الأسرار القدسية ولنبدأ بذكر ترتيب الأفلاك العضوية فلك فلك إن شاء الله تعالى. شعر:

يا صاحب الفلك المحجوب ناظره غمض لتدرك من لا شيء يدركه واعلم بأنك إن أرسلته عبثا فإنه خلف ستر الكون يتركه

إعلم يا بني أشهدك الله ذاته في دار القدس أن الإنسان إذا زكت خواطره وأحواله وطابت أقواله وحسنت أفعاله وكان هذا حاله حتى قبضه الله إليه فذلك الموفق السعيد، فإذا تحقق العبد في مراعاه ما توجه عليه من التكليف في بصره ووقف عندم حد له الشارع وصرفه في بعض ما أباحه وإن استطاع أن لا يصرفه إلاّ في واجب أو مندوب فلا يقصر فذلك عندنا صاحب بصر على الحقيقة وأن الله تعالى إذا حصل العبد في هذا الباب ولم يتعد الحد المشروع له في بصره إذا شاء يكرمه بكرامات يختص به المقام وينزله أيضا منازل مختصة به لا ينالها أبدا إلاّ صاحب بصر منة منه سبحانه وتعالى فالمنازل قطعا لا تحصل إلاّ لأهل الوصول المحققين أهل العناية وأم الكرامات فمن حيث هي كرامات هي لهم ومن حيث هي خرق عوائد قد يناله الممكور به والمستدرج فإذا وقعت لك يا بني خرق عادة فل تحجبنك عن نظرك في نفسك كيف هي مع الحد المشروع لك فإن كنت من أهل الإتباع وقام الوزن بين نفسك وما كلفت وجريت مع الشارع بالأدب والامتثال حيث سلك فخذها كرامة واشكر الله تعالى عليها وادعه واسأله أن لا يجعلها حظ عملك وأن لا تكون من العاملين لها وإن رأيت نفسك حائدة عن السنن متعدية للحدود الظاهرة في الشرع فلا تنظرها كرامة في حقك وانظرها منبهة لك إن لزمت بعدها الاستقامة كإبراهيم بن أدهم (رضي الله عنه) حين نودّي من قربوس سرجه وهو غير مستقيم في الحال ثم استقام فكانت له منبهة وكصاحب السرجتين وغيرهما وإن لم تعقبه الإستقامة فانظره مكرا واستدراجا فأسأل الله إلاّ قالة والرجوع إلى الجادة والصراط المستقيم فإن نبهك الله لهذا النظر فهذه الكرامة التي يقال لها كرامة وكل خرق عادة في ظاهر الكون فاعراض زائلة. الكرامات أنواع فمنه رؤية الزائر له قبل قدومه على مسافة بعيدة أو من خلف حجاب كثيف ورؤية الكعبة عند الصلاة حتى يتوجه إليها وما أشبه هذا ومنها مشاهدة العالم الملكوتي الروحاني والترابي والمراد بهذه الكرامات للعبد أن يشهده الله من عجائبه ويريه من آياته ما يزيده رغبة في مقامه وقوة فيما هو بسبيله كما قال تعالى سُبْحانَ اَلَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرامِ إِلَى اَلْمَسْجِدِ اَلْأَقْصَى اَلَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا فذكر العلة فإنه إذا صح ورث النبي الصادق (ص) في أفعاله بحسن الاتباع والإقتداء ليس ببعيد أن يتحف الله عبده الولي بمثل هذه الكرامات التي كانت للنبي (ص) بل أزمن تتميم شرفه كرامة من اتبعه وأحبه وأم قولنا العالم الملكوتي الروحاني والترابي فالروحاني الملكوتي كالملائكة والروحاني الجبروتي كالجن عند بعض أصحابنا والروحاني الطيني والترابي كالأبدال فيشاهد الملائكة والملأ الأعلى الذين قال الله تعالى فيهم: يُسَبِّحُونَ اَللَّيْلَ واَلنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ وسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وقال تعالى: ويَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي اَلْأَرْضِ فما ظنك يا بني بحال شخص جليس لهؤلاء السادات الأعلام المعصومين من فترات الغفلات هل يكون أبدا إلاّ ذاكرا ناظرا نفسه بعين التقصير فيما يأتي به فنون الطاعات لما يعانيه من علو المقام ويشاهده من الجلال فجليس المفلح مفلح ضرورة. وأما الروحاني الترابي فاعني به كل عبد اتصف بأوصاف الملائكة من الحضور مع الحق تعالى في ميدان الجد والاجتهاد والإتصاف بأوصاف الكمال كالخضر (ع) وما أشبهه من الإبدال والأوتاد ألا ترى الخواص حين اجتمع مع الخضر كيف جعل اجتماعه به كرامة وقال له بماذا رأيتك فقال له ببركة برك أمك ولو لم تكن رؤية هذا الصنف كرامة ما سأله الخواص فيمثل هؤلاء السادات والنجباء وصحبتهم فليفرح وليتحقق أن ذلك من اعتناء الله سبحانه وتعالى به حيث جمعه بأهل خاصته وحببهم إليه فأولئك هم الذين انتقلوا عن معادنهم الطينية وخرجو عن رعونة البشرية وطبختهم شمس العناية بأرضهم الطيبة المباركة المعتدلة المزاج اللطيفة الأمشاج فأخرجتهم من مراكزهم وألحقهم بالعالم الأعلى فانخرقت العوائد في الأجسام وضرب بسور القدرة القديمة في وجه للطبيعة الذميمة لما تلطفت الجوهرة وخفت وصفت طلبت العلو فهفت مع تعلقها بتدبير الجسم الذي كلفت وسلطت عليه للقوة القهرية متى شاءت فحجبته عن أعين الناظرين ولحق بالعالم الأعلى في صفاتهم كم تطبخ الشمس الذهب في معدنه الطيب حتى يبرز على وجه الأرض بخلاف غيره من المعادن النازلة عن هذه الدرجة لما صفت جوهريته ولطف معناه فيكما يوجد درجته بعد خروجه عن الأرض إلى طيب الهواء ويشجر حتى يزول منه بقية التغبير والإمتزاج بالطين كذلك هذا العبد إذا خرج عن أرضه كما ذكرناه والتحق بهؤلاء السادات أعني الملائكة اكتسب منهم صفة لم يكن عليها حكم فيها الغائب على الشاهد فخرج عن العادة البشرية بالصفة اللطيفة الملكوتية والتشجير الذي حصل له من تلك المشاهدة حتى خفي عن الأبصار وهذه كرامة أصل وجودها ما ذكرناه وسبب الاحتجاب مانع يقوم بإدراك الرأي حتى يهتف بك وأنت لا تراه ويمشي على الماء وفي الهاء ويصير كالهيولي قابلا للتشكيل والصور كالعالم الروحاني مثل جبريل (ع) الذي كان ينزل تارة على صورة دحية وقد تجلى له (ع) وهو قد سد الآفاق وله ستمائة جناح وتشكل الروحانيين غير منكور عندنا وهكذا رجع الخضر (ع) بتشكل على أي صورة أحب أن يرى فيها وهي على قدر مقامك فالملكة التي أعطى إنما هو فعل يشخصه لك في ذاتك وهو على صورته التي خلقه الله عليها ويغلط في هذا المقام جماعة من المتطفلين على الطريقة وكل ما أتاك يا بني من هذا المقام فهو عائد عليك والمانع فيك غير أن لهم عليك سلطانا وعلى جميع الموجودات ليس لغيرهم واعلم ي بني أن أصل النفوس واحد فإذا ركبت في الجسوم على اختلاف أمزجتها صارت من طبع المزاج للمجاورة حتى تضرم عليها نار المجاهدة ويلقيها في أبواط الرياضة فإن كانت تلك الأرض معتدلة المزاج أعني قريبة الاعدال تخلصت في الحال والتحقت بعالمها ولم يحجبها تدبيرها لذلك الجسم وإن بعد الاعتدال كثر التعب في التخليص والمشقة وطالت الشقة وهذا أيضا راجع للعارف بالتخليص فواصل ومقارب ومدلس فالمدلس المدعي والواصل صاحب الحقيقة والمقارب المجتهد الذي قد لاح له بارقة من مطلوبه عرفها وسكن إليها فالرجال الأمجاد (رضي الله عنهم) ما اشتغلوا بتدبير نفوسهم أن يخلصوه من رعونة الطبع حتى يلحقوها بعالمها ألا ترى سهلا التستري وهو من رؤساء الطريق وساداته لما قيل له ما القوت فقال ذكر الحي الذي لا يموت قيل له هذا قوت الأرواح فما قوت الأشباح قال (رضي الله عنه) دع الديار إلى بانيها فإن شاء عمرها وإن شاء خربها فما أحرم عبدا لم يوفقه الله لتخليص جوهرته نعوذ بالله من الحرمان (منازل هذا العضو) اعلم يا بني إن الإنسان ينتقل من مجالسة العالم الملكوتي الخارج عنه إلى رؤية عالم ملكوته الخاص به الذي هو غيبه أو باطنه وهذه الرؤية عبارة عن فتح عين بصيرته إلى مشاهدة ما أقر الله فيه من الأسرار ورتب فيه من الحكم وأودعه من الفوائد وهذه الحضرة عليها باب مقفل وعلى كل سر فيها ساكن يحجبه وعلى عين البصيرة عطاء في حق من فتحت له عينا وصدأ في حق من فتحت له مرآة على حسب ما نذكره فإذا زال الغطاء والصدأ وانحل القفل وانهدم الكن وطلعت شمس الحقيقة على مرتبة ما من مراتبها على تفاصيلها فاجتمع نور تلك الشمس مع نور العين أو صقالة المرآة نتجت بينهما رؤية وإدراك وانطباع وجاءت العناية العلمية فأزالت القفل عن باب الحضرة الإلهية فدخل الحكيم فوجد الأسرار قد خرجت من أكنتها والأنوار قد تقشعت عنها سحائبها وبرزت مستبشرة بقدوم الحكيم عليها فلا يزال يلتذ بها على قدر كشفه ونظره وذلك أن النظر إذا انسد بالسد عن المحرمات والوقوف عند الحد وانفتح باطن إدراكه إلى خزانة الخيال الصحيح الذي حصلته القوة المفكرة فصفت مرآة تلك الخزانة وكحلت عينها وجليت فتحت لها طاقات لخزانة المعاني السرارية الراسخة في القلب المحجوبة بالريون المحمودة فترفع هذه الحجب وهي عبارة عن فتح الخزائن فتبرز المعاني الإلهية والأسرار العلوية فينجلي في مرآة الخيال فيراها باطن إدراك البصر وهو المعبر عنه بعين البصيرة فيكشف له عن غيابات الوجود في هذا المقام فينبغي للمتوسم به الكلام على الخواطر والفراسة الرئيسة كيفية فام كيفية حصول خواطر الأغيار في نفس الحكيم الإلهي صاحب هذا المقام فإن عين القلب إذا ارتفعت عنه الحجب التي ذكرناها ونكشف الغطاء أدركت بحسها كل قلب يكون مقابلا لها واعلم أن كل قلب كتاب مسطور لكل ما فيه من الخواطر والعلوم وله طبقات نظير أوراق المصحف وكل ذي قلب لا يخلو من قراءة مصحفه أو كتابه ساعة إم مارا عليه أو مترددا أعني لا بد أن يكون مترددا في خاطر واحد أو تمر عليه خواطر شتى فيتطلع الحكيم المكاشف إلى مصحف الداخل وكتابه وينظر في أي صفحة هو وفي أي آية هو منها وذلك لا يشعران خيرا فخير وإن شرا فشر فإن شاء الحكيم بعد تحصيله لما في نفسه أظهر وإن ستر على حسب الوقت وما يعطيه من المنفعة والمصلحة فعلى هذا الحد هو الكشف لبعض العارفين غيوب العالم (كيفية أخرى) وبعضهم يرتقم في مرآة قلبه انطباعا الذي في نفس الغير على وجه المقابلة لصفائها وذلك أن يكون منزها عن الخواطر العرضية عارفا بخواطر المقامات محققا لموارد خواطر مقامه وإذا وجد من هذه صفته خاطرا لا يقضيه مقامه يعلم على القطع أنه خاطر بعض الحاضرين ومتى فرق بين المقامين وقد يعرف الخاطر ولا يعرف لمن خطر فيتكلم هذا الموصوف في ميعاده على ما وجد في نفسه فيعرفه من قام به فيجد شفاءه. . . ورجل آخر عندما يقوم به ذلك الخاطر يعرف صاحب ذلك الخاطر حتى يواجه بالكلام دون غيره وأصل معرفته أن بين القلوب مناسبة في الأصل فإذا خطر الخاطر في قلب الوارد أو المريد فإن كان قبيحا انبعث من القلب فكان يجيء منه سحابة على قلب الشيخ فإذا قابل الشيخ بوجهه من قام به ذلك الخاطر تكاليف ذلك الدخان فإذا خرج عن مواجهته مر عليه متقطعا فيعرف ذلك الشيخ وإن كان حسنا كان بدل الدخان بخارا لطيفا طيب الرائحة يجد طيبها في أنفه والحال كالحال هذا إذا كان صاحب الخاطر حاضرا فإذا كان غائبا كعابد قاعد بالجامع مثل فخطر بأهل داره شهوة اللحم فوجد ذلك في نفسه وهو طاهر النفس عن الشهوات ثم يجد نفسه أنه لا يحمل ذلك الشيء إلاّ لمنزله فإن تمناه شخص مجهول في حق العارف فأراد الله أن يكون قضاء ذلك الشيء على يديه فإنه يشتري تلك الشهوة ومتى يتفق أمران الواحد قد يحصل له مثال وأراد ذلك الشخص حتى يعرف أو يمثل له الشخص إن كان يعرف منزله وإن لم يكن من هذا الصنف فإنه ينصرف حيث حمله الله تعالى لا يقصد طريق معينا وخاطره متحرك أبدا فإذا قابل صاحب ذلك الخاطر أو داره كان حاله معه كحال الخاطر المتقدم فيدفعه له وينصرف (كيفية كشفية) وهذه من لطائف المكاشفات فاكتف من ذلك هو أن يخطر لك خاطر فيجيء المكاشف ويجده مرقوما في ثوبك النهي عنه أو الأمر به كما اتفق للشيخ أبي مدين (رضي الله عنه) حين خطر له أن يطلق امرأته فرأى الشيخ أبو العباس مخطوطا في ثوب الشيخ أبي مدين أمسك عليك زوجك. . .

واتفق لي ألطف من هذا وذاك أني كنت مشغولا بتأليف كتاب القائي فقيل لي أكتب هذا باب يدق وصفه ويمنع كشفه ثم لم أعرف ما أكتب بعده وبقيت أنتظر الإلقاء حتى انحرف مزاجي وكدت أهلك فنصب قدامي لوح نوري وفيه أسطر لحضر نورية فيها مكتوب هذا باب يدق وصفه ويمنع كشفه والكلام على الباب فقيدته إلى آخره ثم رفع عني (كيفية فعلية) وذلك أن الرجل يزني ويسرق أو يفعل فعلا حراما فيدخل على المكاشف فيرى على ذلك العضو الذي يكون منه العمل تخطيطا أسود لا يرى غير ذلك وكان ذلك المقام غالبا على حال أبي يعرى (رضوان الله عليه) وهذه المكاشفة موقوفة على المحققين في مقام الورع. . . وثم لمعرفة الخواطر والفراسة مقام غير هذا يحرم كشفه فمن ذاقه يستلذ به وهو أسنى المقامات لا يناله إلاّ أهل العنايات من الرجال مثل نبي أو بعض الصديقين وهو الكشف الملكي وألطف منه الكشف الوحي وألطف منه الكشف القلمي وألطف منه الكشف النوني وألطف منه الكشف الحقيقي وألطف منه الكشف الإرادي وألطف منه الكشف العلمي وألطف منه الكشف الذاتي (منزل الحركات والسكنات) إما الفراسة فنوعان رئيسية ودون ذلك فأما الدنية فنوعان، النوع الواحد موقوف على العارفين بالمزاج ونتائجه وهذا يعرفه الحكماء من الفلاسفة ولا حاجة لنا لبيانه وأما الرئيسية فسببها حكم غير هذا كله وبها يقطع بخاتمة المتفرس فيه قطعا ويعلمه علما وذلك بأن يمشي الحكيم المختلف الواصل إلى عين الوجود والحقيقة على منازل نفسه وكمالاتها منزل منزل وحالا حالا على الترتيب الحكمي الإلهي في النفوس على الإطلاق مرتبة بعد أخرى على التوالي والتتابع ولا يصح له المشي فيه إلاّ كذلك حتى يعرف المنازل كلها من طريق مقامات ثم ينظر نفسه نظرا مكررا فلا يجد منزلا ولا حالا إلاّ وله حكم وتأثير على ظاهره من حركة أو سكون وهي منازل مختلفة تنتهي إلى غايات مختلفات فإذا تحقق تخلق بهذه الرتبة وعرف تأثيرات المنازل وحالاته صحت له الرئاسة المكملة فصاحب هذا المقام إذا رأى شخصا في الوجود فلا بد أن يكون متحركا أو ساكنا بأي نوع كان من الحركات من لسان أو يد أو غير ذلك فيعرف من ذلك منزلة ذلك الشخص ويعرف تلك المنزلة أي ما لها في الجود فيقطع على ذلك الشخص بها فيكون كما قال.

  وقد اتفق لشيخ الشيوخ أبي مدين هذا (رضي الله عنه) في حق شخص تحرك في مجلسه فأمر بإخراجه وقال سترى ما يكون بعد كذا سنة فاستفصله بعض الحاضرين عن الأمر فقال (رضي الله عنه) أنه يدعي الهداية فكان كما قال الشيخ (رضي الله عنه) بعد عشرين سنة وهذه العلوم كلها من عين اليقين وحق اليقين وهي من العلوم الإلهية الإلهامية والذاتية والزيادة على حسب الفتح ومن مقامات هذه العلوم فرقان بين منزل عال ثم ترتقي من هذه المنازل إلى أن يحصل له رؤية الحق من جهة صفة الكمال فإن كل رؤية تقدمت إنما هي من حضرات الأفعال فلا يزال يرتقي في صفات أطوار مشاهدات الانفعالية إلى مشاهدة صفة الكمال البسائط ثم إلى مشاهدات الجلال التي هي السبب وهي المشاهدة الذاتية المشار إليها في قوله (ص) «إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وجنتنا في هذه الدار ما وصل إليها وهي الطاعة فيما ينتج دخول الجنة هناك نتيجة الطاعات هنا لمن اختصه الله بها واعلم أن العلم المتعلق بالذات إنما يناله كل من نال منه شيئا من جهة السلب لا من جهة الإثبات مثل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وسُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ اَلْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وهذا مقام الحيرة والعجزة وفيه قال الصديق الأكبر أبو بكر (رضي الله عنه) : (العجز عن درك الإدراك إدراك) وقال النبي (ص) «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» جعلن الله ممن استمرت حالته على الاستقامة فإنها أكبر كرامة (الفلك الأذني السمعي) .

يا صاحب الأذن إن الأذن ناداك رفع الخطاب إذ الرحمن ناجاك

فإن وعيت الذي يلقيه من حكم عليك كانت لك الأسرار أفلاك

وإن تصاممت عن إدراك ما نثرت لديك كانت لك الأكوان أشراك

إعلم يا بني وفقك الله أن السمع لا يحضر إلاّ مع الحضور أعني حضور القلب قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى اَلسَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ فحقيقة السمع الفهم عن الله فيما يتلوه عليك سبحانه وتعالى ولا تظن يا بني إن تلاوة الحق عليك وعلى أبناء جنسك من هذا القرآن العزيز خاصة ليس هذا حظ الصوفي بل الوجود بأسره وكِتابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ تلاه عليك سبحانه وتعالى لتعقل عنه إن كنت عالما قال الله تعالى: وما يَعْقِلُها إِلاَّ اَلْعالِمُونَ ولا يحجب من ملاحظة المختصر الشريف من هذا المسطور الذي هو عبارة عنك فإن الحق تعالى تارة يتلو عليك من الكتاب الكبير الخارج وتارة يتلو عليك من نفسك فاستمع وتأهب لخطاب مولاك إليك في أي مقام كنت وتحفظ من الوقر والصمم فالصمم آفة تمنعك من إدراك تلاوته عليك من الكتاب الكبير المعبر عنه بالقرآن والوقر آفة تمنعك من إدراك تلاوته عليك من نفسك المختصرة وهو الكتاب المعبر عنه بالفرقان إذ الإنسان محل الجمع لما تفرق في العالم الكبير ومعنى التلاوة أذكرها في عضو اللسان بعد هذا إن شاء الله تعالى.

فصل: وعلامة السامعين المحققين في سماعهم انقيادهم إلى كل عمل مقرب إلى الله تعالى من جهة سماعه أعني من التكليفات المتوجهة على الأذن من أمر ونهي كسماعه للعلم والذكر والثناء على الحق تعالى والموعظة الحسنة والقول الحسن ومن علامته أيضا التصامم عن الغيبة والنميمة والبهتان والسوء من القول كالخوض في آيات الله تعالى والرفث والجدال وسماع القيان وكل محرم حجر الشارع عليك سماعه وقد وصف الله تعالى من هذه أوصاف في كتابه العزيز في معرض الثناء عليهم ليقتدي بهم ويعرف أنا إذا سلكنا مسلكهم كان لنا نصيب من ذلك الثناء الذي صح لهم من الحق جل اسمه قال تعالى: وإِذا سَمِعُوا اَللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وقالُوا لَنا أَعْمالُنا ولَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي اَلْجاهِلِينَ لما يئسوا من إرشادهم وفلاحهم سلموا الأمر لله تعالى واشتغلوا بما يزلفهم لديه فأعرضوا شرعا وسلموا حقيقة وقال تعالى: وإِذ سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى اَلرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ اَلدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ اَلْحَقِّ الآيات إلى قوله جَزاءُ اَلْمُحْسِنِينَ فانظر كيف جعل الله تعالى السامعين من الكتاب الخارج عنك ممن حاله البكاء لمعرفتهم بما سمعوا ومقامهم الإيمان ومأواهم الجنة مع المحسنين من عباده وقال تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ اَلَّذِينَ يَسْمَعُونَ فأثنى عليهم لما سمعوا داعية بالإجابة الذي أمرهم بها سبحانه في قوله تعالى: يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ الله وكرامة عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه لإرتباط الحكمة في المناسبة فلا يجاب إلاّ من يجيب ألا تراه سبحانه وتعالى كيف قال: وإِذ سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَلدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُو بِي فإذا صحت لهؤلاء الإجابة لما دعاهم إليه وهو حقيقة السماع صح لهم إجابته إذ دعوه والله ذو الفضل العظيم وقال تعالى: إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ الله يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ فانظر قوله تعالى إذا سمعتم فمن لم يحضر عند الكلام بسمعه لم يعرف هل كفر بها أم لم يكفر ولا يصدق في دعواه أنه سمع فإنه لا يغيبه سماع الأذن من الله شيئا قال تعالى: ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُو سَمِعْنا وهُمْ لا يَسْمَعُونَ.

  وقال تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ ، وقال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ فلا يعقل إلاّ من سمع ولا يسمع إلاّ من حضر فلم أخبر سبحانه وتعالى: إِذا رَأَيْتَ اَلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا إذا قعد معهم سماعا لهم أنه في مقامهم وأنه يجزي من جزائهم للاشتراك ولا يرضى بهذه المنزلة إلاّ منافق ولهذا قال في نفس هذه الآية: إِنَّ الله جامِعُ اَلْمُنافِقِينَ واَلْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً فالكافر الخائض والمنافق الجليس المستمع لخوضه كذلك فمن جالس الصديقين والعارفين في مجالسهم المطهرة وأنديتهم المقدسة فإن شريك لهم في كل خير ينالونه وقد قال (ص) فيهم هم القوم الذين لا يشقى جليسهم فالمرء مع من جالس لأن المجالسة والاستماع ينتجان عن المحبة وقال (ص) المرء مع من أحب وهذا سر وفي صوفي يريد (ص) في الدنيا والآخرة في الدنيا بالطاعة والأدب الشرعي وفي الآخرة بالمعاينة والقرب المشهدي فمن لم يتحقق بما سمع وأدعى أنه عقل فدعواه كاذبة ولهذ السماع المبارك كرامات ومنازل كما تقدم للحسن البصري (الكرامات) ومن كرامات إثبات البشرى له بأنه من أهل الهداية والعقل عن الله تعالى وهي الكرامة الكبرى فإنه كما سمع أيضا إجابة الحق له بالبشرى بأنه من المهتدين فتفطن لهذا المعنى فإنه حسن قال تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ اَلْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ اَلَّذِينَ هَداهُمُ الله وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا اَلْأَلْبابِ وقال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ اَلْبُشْرى فِي اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا وفِي اَلْآخِرَةِ والإيمان لا يكون إلاّ بعد سماع الخير وعقله وقال (ص) من خلق للنعيم فسييسر لليسرى وقال تعالى: فَأَمّا مَنْ أَعْطى واِتَّقى* وصَدَّقَ بِالْحُسْنى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ولا يكون هذا كله إلاّ بعد السماع والعقل.

ومنها سماع نطق الجمادات على مراتب نطقها في العوائد وخرقها وخرق العادة فيها على قسمين قسم راجع إليك وقسم راجع إليها فالراجع وإليك فهمك لحقائقها والذي يرجع إليه نطقها في نفسها على طريق الإعجاز والكرامة وكيف ما كانت فالفائدة بذلك التحريض على الطاعة والدوام على الاستقامة لترقي الهمم في المنازل العلية وهذا آخر الميراث النبوي من تسبيح الحصا في كف النبي (ص) ومن شاء الله من الصحابة وحنين الجذع وسلام الحجر عليه وكتف الشاة المسمومة وقال تعالى:

وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فإذا تحقق به يطرأ عليه حالة لا يشاهد فيها شيئا من الموجودات إلاّ مسبحا بلسان ناطق كنطق زيد وعمرو يفهمه صاحب الحال المشاهد له لا بالحال كما يراه بعض المنكرين الذين لم يذوقوا من الطريق إلاّ رسمه فإن سمعت نطقها وهي غير ناطقة في نفسها فذلك قوة خيال وهي عندك تخيلت أن الأمر خارج عنك وهو فيك وإلى هذا المقام يشير المنكرون الذين ذكرناهم وهذه حالة أكثر المؤيدين في زماننا هذا لكنهم لا يشعرون بذلك وقد شاهدناه في أنفسنا في بدايتنا ولله الحمد على ذلك. ومنها أن يكون صاحب هذ المقام محدثا ولا يرى من يحدثه من جهة هذه الحضرة فإن رآه فمن جهة حضرة تحققه بالبصر فيلحقك السماع بدرجة المحدثين ويهتف بك وتسمع الخطاب إما بديها وإم جوابا عن سؤال منك ورد السلام عليك وقد شاهدنا هذه الأمور كلها وأخبرني غير واحد عن أبي العباس الخشاب (رضي الله عنك) أنه كان محدثا اشتهر هذا عنه. ومن هذ الباب سماع سارية صوت عمر من المدينة وبينهما أيام فكل كرامة يكون خطاب فيها فهي من هذا الباب فإن زاد على الخطاب أمر آخر فمن تحققه من حضرة أخرى إذا طلبته وجدتها وهكذا ربط الله سبحانه وتعالى العادة عندنا في الطريق واقتضته مناسبة الحكمة مع جواز التبدل عقلا فإذا صح ما ذكرناه وليس يشترط وجوده بل يكون التحقيق والولاية مع عدم هذه الكرامات ولكن أردنا هذا الكتاب أن تبيّن مراتبها إذا ظهرت ليعلم من ظهرت له من أين صحت له وأين مقامها في الحضرات الوجودية وإذا تقرر هذ فلننتقل إلى ما تيسر من المنازل لهذه المقامات والله المستعان (منازل هذا العضو) . . . أصل حصول هذه المنازل تفريغ الخاطر من كل شاغل يشغلك عن تحققك بما سمعت أو رأيت أو تكلمت في أي مقام كنت من أعمال الجوارح فإن لم تتفرغ الخواطر للسماع لم تتفرغ الأعضاء للتخلق وإذا لم يصح التخلق لم يكن التحقق والتحقق له مقامات متفاضلة وهو الذي أردناه بالمنازل فاسع يا بني في تفريغ الخاطر للسماع المراد منك في أي مكان كنت من خل أو ملأ إن لم يضر الملأ ووجدت فلا حرج عليك في مجالسته وإن حرمت من أجله فالزم الخلوة فهي خير جليس حتى يتقوى حالك فإذا مازجك السماع امتزاج العرض اللازم للجوهر حينئذ لا تيالي بالملأ ولا غيره فإذا انتقلت إلى المنازل تولاك الحق بعنايته وطرد عنك كل خطاب خارج حتى لا يحجبك وصار الخطاب لك من نفسك على قدر مقامك منزلة بعد منزلة وحالا بعد حال طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون بما يستمعون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ناداهم الحق في أنفسهم من أحوالهم تشريفا بأسرارهم فعرفوا حقائق العبودية فوجب عليهم السجود والنزول إلى ذواتهم فترزق حينئذ الفهم عن الله منك به فلا تنادي بأمر من الأمور بسر أو حال منك إلاّ وهبت روح ذلك المنادي به فتكون صاحب سماع وما حظك منه وما حظه في الوجود وعلى كم مرتبة ينقسم فلا يزال هكذا تترقى في أطوار السماع من المقامات المحمدية الحاصلة في الإنسان هكذا ينتهي بك إلى سماع الأشياء من إيضاء على المقامات الإلهية مقاما بعد مقام حتى ينتهي بك إلى ما قدر لك في هذه الدار ثم هذه الصفة لا تزال بك حتى تسمع الكلام القديم حيث أراد سبحانه وتعالى من الوجود فإن قلت وإذا كان غدا ويسمع كلام الله سبحانه القديم شاركني فيه كل سماع هناك فأين الاختصاص الذي أورثني هذه الصفة حتى أزالتني عن درجة البله فاعلم أن الذي قلت لك صحيح غير أن الاختصاص والفائدة ليس في أن الحق تعالى يكلمنا فقط وإنما الفائدة فيما يكلمنا به وفيما نفهم عنه واللذة على قدر الفهم فهنالك يقع التفاضل ويتميز المختص من غيره وكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وكل من تحقق بسماعه من وراء حجابه تخلق على ذلك القدر بسمع على الكشف وارتفاع الوسائط فكن من أي حزب يراد بك بمشيئة التكليف فالعبد المحقق في السماع لا يزال يسمع بالحق حتى يسمعه الحق وحتى يسمع الحق به حتى لا يستمع ولا يسمع فيه فيبقى الحق يسمع للحق على وجه ما والعبد في الحق موجود في حقيقته مفقود حققنا الله بحقائقه (الفلك اللساني وهو عضو اللسان) :

إن اللسان رسول القلب للبشر بما قد أودعه الرحمن من درر

فيرتدي الصدق أحيانا على حذر ويرتدي المين أحيانا على خطر

كلاهما علم في رأسه لهب لا يعقلى الحكم فيه غير معتبر

فانظر إلى صادق طابت موارده وكاذب رائج غاد على سفر

مع اتحادهما والكيف مجهلة من سائل كيف حكم الحق في البشر

إعلم يا بني وفقك الله وعصمك من آفات اللسان وزيادة الحديث أن اللسان أملك شيء للإنسان سريع الحركة حركة أقرب إلى الهلاك منها إلى النجاة كثير العثرات قال (ص) هل يكب الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم وهو ترجمان إرادة الحق بما شاء أن يجزيه في علم الشهادة لا ترجمان الأمر إلاّ بالموافقة فأما صادق وإما دجال لكن الحكم العارف يقول رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ اَلنّارِ وإن كان كاذب أخذ الحكيم منه حكمة وبقي على الكاذب كذبه على أنه أنه ليس في الوجود باطل أصلا وإنما الوجود حق كله والباطل إشارة إلى العدم إذا حققته. واعلم أن اللسان قلم القلب تكتب به يمين القدرة ما تملي عليه الإرادة من العلوم في قراطيس ظاهر الكون وإلى هذا المقام أشرت بقولي:

قلمي ولوحي في الوجود تمده قلم الإله ولوحه المحفوظ ويدي يمين الله في ملكوته ما شئت أجري والرسوم حظوظ وقلت العبد هو محل الإلقاء الإلهي من خير وشر شرعا وهو لوح المحو والإثبات يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فيخطر للعبد خاطر أن يفعل أمرا ما من الأمور ثم ينسخه خاطر آخر فيمحي الأول ويثبت الثاني وهذا ما دام العبد مهتم لخواطره محجوبا عن كشف الإلقاء الإلهي الخصوص فإذا أيد بالعصمة إن كان نبيا أو بالحفظ أن كان وليا عاد قلبه لوحا محفوظا مقدسا عن المحو فإن ظهر ممن هذا مقامه محو في ظاهر الكون بعد إثبات وهو عن أمر يقوم بالقلب من الحق فلا يقال فيه أنه لوح محو وإثبات لأنه صاحب كشف وإنما وقع المحو في ظاهر الكون وبقيت حكمته في القلب وإنما سمينا هذه المقامات بهذه الاسمية لكون الإنسان نسخة من العالم الكبير فأردنا أن نعرفك أين موضع اللوحين في الإنسان المقابلين للوحي العالم الأكبر وكيف يكون ومتى يكون فالكلام عافاك الله تعالى من موارده عمل من الأعمال يحصيه الملك كما قال تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ثم يصعد به في المساء والصباح إلى الواحد جل جلاله فما كان خالصا له سبحانه ألقاه في عليين وما كان غير خالص بنوع ما من أنواع الكدر مثل الزيادات في الحديث والكذب والرياء والمراء والجدال في نصرة الباطل ألقاه في سجين وقال تعالى: كَلاّ إِنَّ كِتابَ اَلْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وقال: كَلاّ إِنَّ كِتابَ اَلفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وسأذكر منزلة الكتابين وبقية الكتب في آخر هذا العضو إن شاء الله تعالى وأين مراتبه في الوجود وأنه حيث ما كان نوديت يوم القيامة إن تقرأه حيث هو إلاّ أن يعصم الله وهو خير الحافظين. . .

وإعلم أن اللسان إذ تحقق في مراعاة ما توجه عليه من الشارع ووقف عند ما حد له فاشتغل بالواجب عليه فيه كشهادة التوحيد وقراءة القرآن في بعض المواطن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح ذات البين وشهادة التعيين وتبيين العالم وإرشاد الضال ورد السلام إلى ما أشبه ذلك كله وهذا كله من الترغيبات في النطق المقرب إليه كتلاوة القرآن ودوام التسبيح والتحميد وجميع الأذكار والمواعظ كما يجب عليه الكف عن التضريب بين الناس والفرية والجهل من القول والنميمة والغيبة وكل نطق مذموم شرعا فإذ تحقق العبد بهذه الأوصاف على ما حد له كان مالكا للسانه وشهابا ثاقبا للشيطان ويسمى هذا صاحب لسان وله كرامات ومنازل كما تقدم في أصحابه من الأعضاء ومنازله العالية المرادة بالعبد منزلتان عظيمتان لا شيء فوقهما.

المنزلة الأولى: أن تتلو على الحق جل جلاله كتابه على ما حد وضعه ورسمه للعارفين المتحققين كما سنبين لك في داخل الباب.

والمنزلة الثانية: هي أن يتلو الحق عليك كتابه على حد يريده وأنت تسمعه وكانت الأولى على ما اشترطنا أن نلقي هذه المنزلة في إدراك السمع فإن العبد هو سامع لا متكلم لكن الإشتراك الإلهي في التلاوة التي تقف عليها إن شاء الله تعالى أخرناها إلى هذا الفصل (الكرامات) فمنها مكالمته للعالم الأعلى ومحادثته لهم فإن العبد قد يتحقق بالسماع فيكون ممن ينادي ويهتف به وإذا تكلم لا يرد عليه فإذا صحت المكالمة بينه وبينهم وتنازعوا الحديث فما كان من حديثه لهم فمن جهة تحققه بلسانه وما كان من حديثهم له فمن جهة تحققه بإذانه وما كان من مشاهدته لهم فمن جهة تحققه ببصره وهكذا في الأعضاء المذكورة وذلك للمناسبة التي بينهم والترتيب الحكمي الاختياري فمن ترتب ورتب فذلك الحكيم. . .

ومنها أيضا نطقه بالكون قبل أن يكون والأخبار بالمغيبات والكائنات قبل حصول أعيانها في الوجود وهي عند القدوم (رضي الله عنهم) على ثلاثة أضرب القاء وكتابة ولقاء وكان تقي بن مخلد (رحمه الله) قد جمعها وكان صاحبا للخضر (ع) شهر عنه هذا وعاين من الرجال الذين صفتهم هذه جماعة وشاهدناها من ذاتنا غير مرة ومن هذا المقام ينتقلون إلى مقام كريم يقولون فيه للشيء كن فيكون بإذن الله تعالى مقام كريم ومشهد عظيم قاله عيسى (ع) في إحيائه الموتى وإبرائه الأكمة والأبرص كل ذلك بإذن الله تعالى وكذلك إبراهيم (ع) حين صار الأطيار جعل على كل جبل منهن جزءا بعد ما قطعهن ومزج لحومهن بعضه ببعض ثم جعل على كل جبل منهن جزءا ثم دعاهن فأتينه سعيا كل ذلك بإذن الله تعالى وليس في قضية العقل ببعيد أن يكرم الله وليا من أوليائه بهذه الكرامة ويجريها على يده فإن شرفها راجع للنبي (ص) فإنه باتباعه ووقوفه عند حدود صح له ذلك الأمر وهذه المسئلة فيها خلاف بين العلماء منهم من يثبت معجزة النبي (ص) كرامة للولي ومنهم من ينفي ذلك ومنهم من يثبت للولي كل كرامة لم تكن معجزة لنبي وأما أصحابنا فلم يتمكن لهم أصلا نفيه لمشاهدتهم إياها في أنفسهم وفي إخوانهم فهم أصحاب كشف لها وذوق ولو ذكرنا ما شاهدنا منها وما بلغنا عن الثقات منها لبهت السامع وربما نرمي به وذلك لقصوره بنظره لنفس من أظهرها الله على يديه وشخصه واحتقاره له فلو تكمل بأن ينظر للفاعل القادر المختار سبحانه الذي أجراها سبحانه على يديه لم يكن ذلك عنده بكبير ولقد رأيت شخصا من فقهاء زماننا يقول لو عاينت أمرا من هذه الأمور على يد أحد لقلت أنه طرأ في دماغي فساد وأما أنه جري ذلك فلا مع جواز ذلك عندي إن الله تعالى إذا شاء أن يجري ذلك على يد من يشاء إجراء فانظر يا بني ما أشد حجاب هذا وما أشد إنكاره وجهله أخذ الله بأيدينا وبيده آمين ونور بصيرته. ثم نرجع إن هذه الإنفعالات الإلهية المختصة بالوجود على يدي هذا الشخص الإنساني على مراتبها أصله الذي ترجع إليه قوى نفسية تسميها الصوفية الهمة ويسميها بعضهم الصدق فيقولون فلان أحال همته على أمر فانفعل له ذلك وفلان صدق في أمرها فكان له ذلك وهذه الصفة يشترك فيها النبي والولي واثنتان لهما الواحدة العلم الكسبي يحصل للنبي والولي من غير إكتساب بل يعطي الدليل والمدلول إبتداء من غير نظر فكري والآخر أن الذي يراه الناس في النوم يراه النبي والولي في اليقظة والثالثة الهمة التي نحن بسبيلها وأنه كل ما لا يتوصل إليه شخص إلاّ بجسمه أو بسبب ظاهر يتوصل إليه النبي والولي بهمته وزيادة وهي الأمور الخارجة عن مقدور البشر رأسا كالأمور التي تقدم ذكرها. واعلم أن وجود هذه الهمة في العبد على نوعين ولها مرتبتان همة تكون في أصل خلقة العبد وجبلته وهمة تحصل له بعد إن لم تكن ومن أصحابنا من يراها في الجبلة رأسا فإن قال قائل كيف هي في الجبلة ونراها لا تكون له إلاّ حين حصول التمييز والتخلق والنطق ولهذه مقامات.

قلنا له ليس الأمر كذلك بل هي في جبلة من أراد أن يخلقه الله عليها لكن لا يشعر بها الفهم أنه عليها ويصرفها في غير ما ذكرناه من الخارق للعادة فإذا علمها من نفسه صرفها فيما أراد من الموجودات كنطق عيسى (ع) في المهد بأمر الله وهمة مريم وشاهد يوسف (ع) ألا ترى صاحب العين يتقوى عنده تخيلا حاكما به حصول الجمل في القدر والطفل في القبر فيكون ذلك وهذه صفة أثبتها الشرع ونعود منها ولكن الفرق بيننا وبين طائفة أخرى أنها عندنا كلها أسباب يفعل الحق سبحانه وتعالى الأشياء عنده لا بها وغيرنا يعتقد خلاف هذا وإن الأسباب هي الفاعلة ومن هذا الباب أعني إنفعال الأجسام الهمم التي هي القوى النفسية أنا نرى شخصا قد ملكه الوهم في أمر ما حتى قضي عليه مثال ذلك شخص نصب له لوح عرض شبر أو شبرين من حائط إلى حائط بينهم فراغ بعيد فتكلّف المشي عليه فعندما يرى الهواء تحته يتخيل في نفسه السقوط في الأرض فإذا تقوى عليه هذا الوهم وغلب سقط الجسم لحينه في الأرض وقد كان ذلك الشخص يمشي على عرض كف أو أصبح ولا يقع ولا يسقط ومثل هذا كثير ومنها أحوال المريدين والقشعريرة ولو رأيت بعين العلم لرأيت إن كل حركة في الوجود أصلها هذه النكتة لكنه يغمض فهذه القوى الإلهية المركبة في النفوس خرق العوائد على مراتبها ومن هذا الباب ما نشاهده من بعض أشخاص جبلهم الله على الدعابة بحيث إذ تكلمو أثروا في نفوس السامعين لهم طربا شديدا وضحكا حتى يظهر ذلك على أجسامهم يضحك الملوك في حال توقيرهم ولا يستطيعون أن يملكون ذلك الطرب والفعل للأجسام تنفعل له إنفعال عظيما لا انطباعه في النفس إنطباع لم ينظر منه إلى سواه وقد نجد من يأتي بذلك الكلام بعينه ولا يكون عنده هذه القوة بل يستثقل وأعجب من هذا أن يوجد عن هذه القوة همم فعالة على السماع من غير مشاهدة لها كقوم أخبروا عمن هذه صفته فاستظرفوا أخباره وتاقت نفوسهم إلى سماعها منه فيأتيهم شخص يقال لهم هذا فلان الذي كنتم تتمنونه وليس هو فعند ما يتكلم بكلام مستثقل وجد عند ذلك طرب عند أولئك وليس طربهم بما تكلم في التحقيق وإنما طربهم تخيلهم الثابت في نفوسهم المانع لهم من النظر فيما تكلم هذا الشخص وقياسه على ما سمع من أخباره بل كان ذلك السماع كسماعهم أصوات الموسيقي الذي هو صوت مجرد وتأثيره منه وهذا هو التعشق النفساني الذي يعرفه الحكيم فإن قيل أن الساحر وصاحب القوة النفسية التي هي أثر لخرق العوائد عندك إذا ادّعى النبوة وأراد خرق عادة لصدق دعواه بقوته النفسية وقد دل الدليل أن ذلك الأمر لا يقع على وفق دعواه أصلا فلو صح أن خرق العوائد أصلها القوة النفسية لوقع الأمر لهذا المدعي إذا هو صاحب قوة قلنا القوة ليست على مرتبة واحدة بل تتفاضل تفاضل بينا عند العقلاء فإذا كان هذا التفاضل فقوي الأنبياء التي وهبهم الحق سبحانه وتعالى لم يعطها غيرهم قال المعترض يدعي هذا الكاذب في نبوته خرق عادة تكون تحت قوته بحيث يصدق في دعواه قلنا لما دل الدليل على إحالة ذلك لا بد من وجود أحد أمرين إن كانت في الجبلة تلك القوة حجبه الله سبحانه وتعالى عن إيقاع ما ملكها إياه بأمر عارض لم يشعر به هذا المدعي وإن لم تكن في الجبلة وكانت مكتسبة كما يرى بعضهم فإن الله تعالى قد أعدمها من ذلك المحل يخلق ضدها كم فعل بإبراهيم (ع) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ فلو ترك لأحرقته إذ حقيقة النار الإحراق فاعدمها وأوجد البرد كذلك تلك القوة فلا سبيل إلى قلب تلك الحقائق فإنه لو صح أن ينقلب من عين حقيقة ما لا انقلبت الحقائق كلها جوازا عقليا يقضي به وم بقي بأيدينا علم أصلا لعله قد انقلبت حقيقة المعلوم ولم يثبت توحيد في قلب أصل لعل من قام الدليل لا على توحيد أمر ما قد زال عن وحدانيته وهذا لا سبيل إليه ومما يؤيد ما ذكرناه قول رسول الله (ص) إذا أراد الله انفاذ قضاه وقدر سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا مضي قدره فيهم ردها عليهم ليعتبروا فلو بقي لهم العقل لبقي لهم النظر.


uvxYRtKsjkc

 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!