موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بناء عبد الملك بن مروان قبة الصخرة

روينا من حديث الواسطي قال: نبأ عمر بن الفضل بن المهاجر، عن أبيه، عن الوليد بن حماد الرملي، نبأ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت ابن الأستاذ، نبأ أبو محمد بن منصور، عن جده ثابت، عن رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان من أهل بيت المقدس: أن عبد الملك بن مروان حين همّ ببناء الصخرة، ومسجد بيت المقدس، قدم من دمشق إلى بيت المقدس، وبث الكتب في جميع عمله كله إلى جميع الأمصار: إن عبد الملك أراد أن يبني قبة على الصخرة، صخرة بيت المقدس تكنّ المسلمين من الحر والبرد والمسجد. فكره أن يفعل ذلك دون رأي رعيته، فلتكتب الرعية برأيهم وما هم عليه. فوردت الكتب عليه: إن أمير المؤمنين رأيه موفق رشيد، نسأل الله أن يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده، ويجري ذلك على يديه، و يجعله مكرمة، ولمن مضى من سلفه. فجمع الصنّاع من جميع عمله كله، وأمر أن يصنعوا له صفة القبة وسمتها من قبل أن يبنيها. فعملت له في صحن المسجد، وأمر أن يبنى بيتا للمال في شرقي الصخرة، وهو الذي فوق حرف الصخرة، فأشحن بالأموال، و وكّل على ذلك رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام على النفقة عليها، وأمرهم أن يفرغو المال عليها إفراغا، دون أن ينفقوه إنفاقا. فأخذوا في البناء والعمارة حتى أحكم و فرغ من البناء، ولم يبق لمتكلم فيها كلام. كتب إليه بدمشق:

قد أتم الله ما أمر به أمير المؤمنين من بناء صخرته والمسجد الأقصى، ولم يبق لمتكلم فيها كلام. وقد تبقّى مما أمر به أمير المؤمنين من النفقة عليها بعد أن فرغ من البناء وأحكم مائة ألف دينار، فيصرفها أمير المؤمنين في أحب الأشياء إليه.

فكتب إليهما: قد أمر أمير المؤمنين لكما جائزة لما وليتما من عمارة ذلك البيت الشريف المبارك.

فكتبا: نحن أولى أن نزيده من حليّ نسائنا، فضلا عن أموالنا، فاصرفها في أحبّ الأشياء إليك.

فكتب إليهما: تسبك وتفرغ على القبة، فما كان أحد يقدر أن يتأملها مما عليها من

الذهب. وهيأ لها جلالين: جلال من لبود وجلال من أديم من فوقه، فإذا كان الشتاء ألبسته ليكنّها من الأمطار والرياح والثلوج.

وكان رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام قد حفوا الحجر بدرابزين ساسم، وخلف الدرابزين ستور ديباج مرخاة بين العمد. وكان في كل اثنين وخميس يأمرون بالزعفران أن يدق ويطحن، ثم يعمل من الليل بالمسك والعنبر، والماء والورد الجوري، ويخرّ من الليل، ثم يأمر الخدّام بالغداة فيدخلون حمام سليمان بن عبد الملك يغتسلون ويتطهرون، ثم يأتون الخزانة التي فيها الخلوف، فتلقى أثوابهم عنهم، ثم يخرجون بأثواب جدد من الخزانة، مروي وفوهي وشيء يقال له العصب، ويخرجون منها مناطق محلاّة، ويشدون بها أوساطهم، ثم يأخذون الخلوف، ويأتون الصخرة، فيلطخون ما قدروا أن تناله أيديهم حتى يغمروها كلها، وما لم تنله أيديهم غسلوا أقدامهم، ثم يصعدون على الحجر حتى يلطّخون ما بقي، ثم ترفع آنية الخلوف، ويؤتى بمجامر الذهب والفضة والندّ و العود القماري المطرّى بالمسك والعنبر، فترخى الستور حول العمد كلها. ثم يأخذون في البخور حولها يدورون حتى يحول البخور بينهم وبين القبة من كثرته، ثم تشمر الستور، فيخرج البخور من كثرته حتى يبلغ رأس السوق، فيشمّ الريح من ثمّ، فيقطع البخور من عندهم.

ثم ينادي مناد في صفّ البزازين وغيرهم: ألا إن الصخرة قد فتحت للناس، فمن أراد الصلاة فيه فليأت.

فيقبل الناس مبادرين للصلاة في الصخرة، فأكثر من يدرك أن يصلي ركعتين، وأكثره أربعا.

ثم يخرج الناس، فمن شمّوا رائحته قالوا: هذا ممن دخل الصخرة. ويغسل أثر أقدامهم بالماء، و يمسح بالآس الأخضر، وينشف بالشباني والمناديل، وتغلق الأبواب، وعلى كل باب عشرة من الحجبة، ولا يدخل إلا يوم الاثنين والخميس، ولا يدخلها إلا الخدّام. قال: فكنت أسرجها في خلافة عبد الملك كلها باللبان المدنيّ والزيبق الرصاصي، فكان الحجبة يقولون له: يا أبا بكر، مر لنا بقنديل ندهن به ونطيّب به. وكان يجيبهم إلى ذلك. فهذا ما كان يفعل بها في خلافة عبد الملك كلها. وكانت الأبواب ملبّسة ذهبا وفضة صفائح الأبواب.

فلما قدم أبو جعفر، وكان شرقيّ المسجد وغربيّه قد وقع، فرفع إليه: يا أمير المؤمنين، قد وقع شرقيّ هذا المسجد وغربيّه. وكانت الرجفة سنة ثلاثين ومائة. فقالوا له: لو أمرت ببناء هذا المسجد وعمارته. فقال: ما عندي شيء من المال. فأمر بقلع

الصفائح الذهب والفضة التي على الأبواب، فضربت دنانير و دراهم وأنفق عليها. فلما فرغ منه كانت الرجفة الثانية، فوقع البناء الذي أمر به أبو جعفر.

فلما قدم المهدي من بغداد، وهو خراب، فأمر ببنائه وقال: أنقصوا من طوله وزيدوا في عرضه، فتمّ البناء في خلافته. وأمر ببناء الكنيسة التي تهدمت الفضل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، بأمر المهدي.

هكذ روينا من حديث الرملي، عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت، وكان بين القبتين، من القبة إلى القبة كلاليب حديد، وعوارض حديد، فقلعها أبي لابن أبي يحيى. قال: وكانت الصخرة أيام سليمان بن داود ارتفاعها اثنا عشر ذراعا، كل ذراع ذراع وشبر وقبضة. وكان عليها قبة من العود اليلنجوج، عود مندليّ، وارتفاع القبة ثمانية عشر ميلا، وفوق القبة غزال من ذهب، في عينه درة حمراء، تقعد نساء أهل البلقاء يغزلون على ضوئها. وكانت أهل عمواس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس، وإذا غربت استظل أهل بيت الرامة من الغور بظلها. وكان ولد هارون عليه السلام يجيئون إلى الصخرة، ويسمونها الهيكل بالعبرانية. وكانت تنزل عليهم عين زيت من السماء فتدور في القناديل فتملؤها من غير أن تمسّ.

وكانت تنزل نار من السماء في مثال سبع على جبل طور سيناء، ثم تمتد حتى تدخل من باب الرحمة، ثم تصير على الصخرة. فيقولون ولد هارون: يا أدوناي، وتفسيرها:

تبارك الرحمن لا إله إلا هو. فغفلوا ذات ليلة عن الوقت الذي كانت النار تنزل فيه، فنزلت و ليس هم حضور. ثم ارتفعت النار، فجاءوا، فقال الكبير للصغير: يا أخي، قد كتبت الخطيئة، ليس ينجينا من بني إسرائيل إن تركنا هذا البيت الليلة بلا نور ولا سراج. فقال الصغير للكبير: تعال حتى نأخذ من نار الدنيا، فنسرج القناديل، لئلا يبقى هذ البيت الليلة بلا نور ولا سراج. وأخذوا من نار الدنيا وأسرجوا، فنزلت عليهم النار في ذلك الوقت، فأحرقت نار السماء نار الدنيا، وأحرقت ولد هارون.

قال: فناجى نبي ذلك الزمان فقال: يا رب، أحرقت ولد هارون وقد علمت مكانهم. فأوحى الله عز وجل إليه: إني هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني، فكيف بأعدائي؟ قال: فكان في زمان بني إسرائيل إذا أذنب أحدهم الذنب كتب على جبينه خطيئته، وعلى عتبة بابه: ألا إن فلانا قد أذنب في ليلته كذا وكذا. فيبعدونه ويزجرونه. فيأتي إلى باب التوبة، و هو الباب الذي عند محراب مريم عليها السلام، الذي كان يأتيها رزقها منه،

فيبكي فيه، ويتضرع، ويقيم حينا. فإن تاب الله عليه محا ذلك عن جبينه، فيقربه ب‍ إسرائيل، وإن لم يتب عليه أبعدوه وزجروه.

وبه إلى عبد الرحمن بن محمد يبلّغ به كعبا قال: مكتوب في التوراة أشيروا شلائم، وهي بيت المقدس، والصخرة يقال لها: الهيكل. أبعث إليك عبدي الملك يبنيك ويزخرفك.

وبه إلى عبد الرحمن قال: سمعت من يحكي عن خليل أنه غلب عليه النوم ذات ليلة عن يمين الصخرة، فانتبه، والناس قد انصرفوا، والموضع خال ليس فيه أحد. فقام يطفئ القناديل، والأبواب مفتّحة، فإذا بسبع من نار واقفا على حاجز الصخرة يتوقد نارا. قال:

فطاش عقلي، وقام شعر بدني، وهبت، ثم حملت نفسي على الصبر، وجعلت أطفئ القنديل، وهو يدور معي بحذائي على الحاجز حتى جئت إلى الباب القبلي، فلما أغلقته وثب، ففرق عند المنارة، ولا لي به عهد، فأقمت سنة ما هدئ روعي.

ومن باب النسب، قال العباس بن الأحنف:

إني وجدت الهوى في الصدر إذ ركدا كالنار بل زاد جوف الصدر متّقدا

النار تطفى ببرد الماء إن ضرمت ولو ضربت الهوى بالماء ما برد

وقال بعضهم:

إذا وجدت أوار الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد

هذا يبرّد برد الماء ظاهره فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد

وفي ذلك لابن الرومي:

بعيني دموع لو جرين بقفرة لأضحت بقاع الأرض من مائها وحلا

وفي القلب نار لو تصبّ على الورى لمات جميع الناس واحترقوا كلاّ

وله:

يا موقد النار قد هيّجت أشجانا ولم أطق للذي هيّجت كتمانا

أوقدت نارا على علياء واحدة وأوقد الشوق في الأحشاء نيران

وله:

يا موقد النار يذكيها ويخمدها برد الشتاء بأرياح وأمطار

قم فاصطلي النار من قلبي مضرّمة بالشوق تغن بها يا موقد النار

ويا أخا الذود قد طال الظماء بها لم تدر ما الرأي في جدب وإقتار

رد بالظباء على عيني ومحجرها تروي الظباء بدمع مسيل جاري

يا مزمع البين إن جدّ الرحيل فلا كان الرحيل فإني غير صبّار

ولنا من النظاميات:

رعى الله طيرا على بانة قد أفصح لي من صحيح الخبر

بأن الأحبّة شدّوا على رواحلهم ثم راحوا سحر

فسرت وفي القلب من أجلهم جحيم لبينهم تستعر

أتابعهم في ظلام الدّجى أنادي بهم ثم أقفو الأثر

وما لي دليل على أثرهم سوى نفس من هواه عطر

رفعن السّجاف أضاء الدجا فسار الركاب لضوء القمر

وأرسلت دمعي أمام الركاب فقالوا متى سال هذا النهر

ولم يستطيعوا عبورا له فقلت دموعي جرين درر

كان الرعود للمع البروق وسير الغمام لصوب المطر

وجيب القلوب لبرق الثغور وسكب الدموع لركب النّفر

فيا من يشبّه لين القدود بلين القضيب الرطيب النظر

ولو عكس الأمر مثل الذي فعلت لكان سليم النظر

فلين الغصون للين القدود وورد الرياض لورد الخفر


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!