موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ولاية بني إسماعيل الكعبة وأمر جرهم

روينا من حديث أبي الوليد، حدثني جدي، نبأ سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج قال: أخبرني ابن إسحاق قال: ولد لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام اثنا عشر رجلا وأمهم أسيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، فولدت له ثابت، وقيدار، وقياس، وآزر، وذابل، ومنشى، و مشنى، وطيما، وقطوار، وقبس، وقيدمان، ومسمع، وماشي، ورما.

وكان عمر إسماعيل عليه السلام فيما يذكرون مائة وثلاثين سنة. فمن ثابت بن إسماعيل و قيدار نشر الله العرب. وكان أكبرهم قيدار وثابت ابنا إسماعيل. وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل، أن إسماعيل لما توفي دفن في الحجر مع أمه، فولي البيت ثابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه.

ثم توفي ثابت بن إسماعيل، فولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي وهو جدّ ثابت بن إسماعيل أبو أمه، وضمّ بني ثابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه، فصاروا مع جدهم مضاض ومع أخوالهم من جرهم، وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملك عليهم، وعلى قطورا رجل منهم يقال له السميدع ملكا عليهم.

وكان حين ظعنا من اليمن أقبلا سيّارة، وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم.

فلم نزلا مكة، رأيا بلدا طيبا، وإذا ماء وشجر، فأعجبهما، فنزلا به، فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم أعلى مكة وقيقعان، فحاز ذلك. ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة.

وكان مضاض بن عمرو يعشر من دخل مكة من أسفلها، ومن كدى، وكل في قومه على جباله ل يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه.

ثم إن جرهم وقطورا بغى بعضهم على بعض، وتنافسوا الملك بها، واقتتلوا بها، حتى نشبت أو شبّت الحرب بينهم. وولاة الأمر بمكة مضاض بن عمرو، وبنو ثابت بن إسماعيل، وبنو إسماعيل، وإليه ولاية البيت دون السميدع. فلم يزل بهم البغي حتى سار بعضهم إلى بعض، فخرج مضاض بن عمرو من قيقعان في كتيبة سائرا إلى السميدع، ومعه كتيبة عدّته من الرماح والدرق والسيوف والجعاب، تقعقع بذلك. ويقال: ما سمّيت قيقعان إل بذلك.

وخرج السميدع بقطورا من أجياد معه الخيل والرجال. ويقال: ما سمي أجياد إلا لخروج الخيل الجياد مع السميدع حتى التقوا بفاضح. فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل السميدع

وفضحت قطورا. ويقال: ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك. ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح، فساروا حتى دخلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة، يقال له شعب عبد الله بن عامر بن كرين بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. فاصطلحوا بذلك الشعب، و أسلموا الأمر إلى مضاض بن عمرو. فلما جمع عمرو أهل مكة وصار ملكها دون السميدع، نحر للناس وأطعمهم، فأطبخ للناس فأكلوا. فيقال: ما سمي المطابخ إلا لذلك. قال: فكان الذي كان بين مضاض بن عمرو والجرهمي في ذلك الحرب بذكر السميدع وقتله و بغيه والتماسه ما ليس له:

ونحن قتلنا سيد القوم عنوة فأصبح فيها وهو حيران موجع

وما كان يبقى أن يكون سواءنا بها ملك حتى أتانا السميدع

فذاق وبالا حين جاول ملكنا وعالج منّا غصّة تتجرع

فنحن عمّرنا البيت كنا ولاته نحامي عنه من أتانا وندفع

وكنّا ملوكا في الدهور التي مضت ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع

قال أبو الوليد: قال ابن إسحاق: وقد زعم بعض أهل العلم إنما سمّيت المطابخ لم كان تبّع نحر بها، وأطعم بها، وكانت منزله. قال: ثم نشر الله بني إسماعيل بمكة، و أخوالهم جرهم إذ ذاك الحكّام بها، وولاة البيت، كانوا كذلك بعد ثابت بن إسماعيل.

فلم ضاقت عليهم مكة، وانتشروا بها، انبسطوا في الأرض، وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض. ولا يأتون قوما، ولا ينزلون بلدا، إلا أظفرهم الله عليهم بدينهم، فوطئوهم وغلبوهم عليها، حتى ملكوا البلاد، ونفوا عنها العماليق، ومن كان ساكن بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم. وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت ل ينازعهم إياه بنو إسماعيل لخئولتهم وقرابتهم، وإعظام الحرم أن يكون فيه بغي و قتال.

قال أبو الوليد: وحدثني بعض أهل العلم، قالوا: كانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة، فضيّعو حرمة الحرم، واستحلوا منه أمورا عظاما، ونالوا ما لم يكونوا ينالوا، فقام رجل منهم يقال له عموق فقال: يا قوم، اتقوا الله على أنفسكم، فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من صدر الأمم قبلكم، قوم صالح، وهود، وشعيب، فلا تفعلوا، وتوصلوا، فل تستخفوا بحرمة حرم الله، وموضع بيته، وإياكم والظلم فيه والإلحاد، فإنه م سكنه أحد قد فظلم فيه وألحد إلا قطع الله دابرهم، واستأصل شأفتهم، وبدّل أرضه غيرهم، حتى لا يبقى لهم باقية. فلم يقبلوا منه ذلك، وتمادوا في هلكة أنفسهم.

قالوا: ثم إن جرهما وقطورا خرجوا سيّارة من اليمن، فأجدبت عليهم، فساروا

بذراريهم وأنفسهم وأموالهم، وقالوا: نطلب مكانا فيه مرعى نسمّن فيه ماشيتنا، فإن أعجبنا أقمنا به، فإن كل بلد نزل به أحد ومعه ذريّته وماله فهو وطنه، وإلا رجعنا إلى بلادنا.

فلم قدموا مكة وجدوا ماء معينا، وعضاها ملتفة من سلم وسمر، ونباتا يسمّن مواشيهم، وسعة من البلاد، ودفاء من البرد في الشتاء.

فقالوا: إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد. فأقاموا مع العماليق، فكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم، وكان ذلك سنّة فيهم، ولو كانوا نفرا يسيرا.

وكان مضاض بن عمرو ملك جرهم، والمطاع فيهم.

وكان السميدع ملك قطورا، فنزل مضاض بن عمرو على مكة، فكان يعشر من دخلها من أعلاها، و كان ناحيتهم وجه الكعبة، الركن الأسود، والمقام، وموضع زمزم، مصعدا يمينا و شمالا، وقيقعان إلى أعلى الوادي. ونزل السميدع أسفل مكة، وإلى أجيادين، وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها. فكان حوزهم المسفلة ظهر الكعبة، والركن اليماني و الغربي، وأجيادين، والثنية إلى الرمضة. فبنيا فيها البيوت، واتّسعا في المنازل، و كثروا على العماليق، فنازعتهم العماليق، فمنعتهم جرهم، وأخرجوهم من الحرم كله، فكانوا في أطرافه لا يدخلونه. فقال لهم صاحبهم عموق: ألم أقل لكم لا تستخفو بحرمة الحرم فغلبتموني؟ فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما، وكثروا، وأعجبهم البلاد، وكانوا قوما عربا، وكان اللسان عربيا.

وكان إبراهيم خليل الله يزور إسماعيل، فلما سمع بلسانهم وأعرابهم، سمع كلاما حسنا، و رأى قوما عربا، وكان إسماعيل قد أخذ بلسانهم.

أمر إسماعيل أن ينكح فيهم، فخطب إلى مضاض بن عمرو بنته دعلة، فزوّجه إياها، فولدت له عشر ذكور، وهي زوجته التي غسلت رأس إبراهيم حين وضع رجله على المقام.

قال: و توفي إسماعيل، وترك ولدا من دعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، فقام مضاض بأمر ولد إسماعيل وكفلهم، لأنهم بنو ابنته، فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة، فكانوا ولاة البيت و حجابه، وولاة الأحكام بها، ثم إن جرهما استخفت بأمر البيت والحرم، وارتكبت أمورا عظاما وأحدثوا إحداثا لم تكن، فقام مضاض بن عمرو بن الحرث بن مضاض فيهم فقال:

ي قوم، احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله، قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق، استخفوا بأمر الحرم فسلطكم الله عليهم فأخرجتموهم، فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت الله، ولا تظلموا من دخله وجاءه معظّما، أو جاء بائعا، أو مترغّبا في جواركم، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوّفت أن تخرجوا منه خروج ذلّ وصغار.

فقال له مجدع: من الذي يخرجنا منه؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وسلاحا؟ فقال له مضاض:

إذا جاء الأمر بطل ما تقولون، فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون، وكانت لهم خزانة بئر في بطن البيت يلقي فيه الحلي والمتاع الذي يهدى له، وهو يومئذ لا سقف له، فتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه، فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم، و اقتحم الخامس، فجعل الله أعلاه أسفله، وسقط منكسا فهلك، وفرّ الأربعة الآخرون.

ومن ذلك الوقت بعث الله حية سوداء الظهر بيضاء البطن، رأسها مثل رأس الجدي، فحرست البيت خمسمائة سنة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!