موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ومن حديث مكة بعد خزاعة وولاية قصيّ بن كلاب البيت الحران وما ذكر من ذلك

ما روين من حديث أبي الوليد، عن جدّه، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن ابن جريج، و عن ابن إسحاق يزيد أحدهما على صاحبه، قال: أقامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة، وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه و تخريبه، فقامت دونه خزاعة، فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع، ثم آخر كذلك.

وأم تبّع الثالث الذي نحر له وكساه، وجعل له غلقا، وأقام عنده أياما ينحر عنده كل يوم مائة بدنة، ولا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره منها شيئا، يردها الناس بالفجاج والشعاب، فيأخذون منها حاجتهم، ثم يقطع الطير عليها، فتأكل ثم تنتابه السباع إذا أمست، ولا يرد عليها إنسان، ولا طائر، ولا سبع. ثم رجع إلى اليمن إنما كان في عهد قريش، قال: فلبثت خزاعة على ما هي عليه، وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة، وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة، فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذرة بن سعد بن زيد، وقد هلك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب، و ترك زهرة وقصيّا ابني كلاب مع أمهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سبل، وسعد بن سبل الذي يقول فيه الشاعر، وكان أشجع أهل زمانه:

لا أرى في الناس شخصا واحدا فاعلموا ذاك كسعد بن سبل

فارس أضبط فيه عسرة وإذا ما عاين القرن نزل

فارس يستدرج الخيل كما يدرج الحرّ القطاميّ الحجل

قال: وزهرة أكبر من قصي سنا، فتزوج ربيعة بن حزام أمهما، وزهرة رجل بالغ، وقصي فطيم، أو في سن الفطيم، فاحتملها ربيعة إلى بلادها من أرض عذرة من أشراف الشام، فاحتملت معها قصيا لصغره، وتخلف زهرة في قومه، فولدت فاطمة بنت عمرو بن سعد لربيعة رزاح بن ربيعة، فكان أخا قصي بن كلاب لأمه ولربيعة بن حزام من امرأة أخرى ثلاثة نفر: حنّ، ومحمودة، وجلهمة، بنو ربيعة.

فبين قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا تنتمي إلى آل ربيعة بن حزام إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء، وقصي قد بلغ، فقال له القضاعي: ألا تلحق بنسبك وقومك فإنك لست منّا؟ فرجع قصي إلى أمه وقد وجد مما قال له القضاعي، فسألها عما قال له، فقالت:

أنت و الله يا بنيّ خير منه وأكرم، أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وقومك عند البيت الحرام وما حوله. فأجمع قصي الخروج إلى قومه واللحاق بهم، وكره الغربة في أرض قضاعة، فقالت له أمه: يا بني، لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام، فتخرج في حاجّ العرب، فإني أخشى عليك، فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام، وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة، فلما فرغ من الحج أقام بها، وكان قصي رجلا جليدا حازما بارعا، فخطب إلى حليل بن حبشية بن سلوك الخزاعي ابنته حني، فعرف حليل النسب، ورغب في الرجل، فزوّجه، وحليل يومئذ يلي الكعبة، و أمر مكة، فأقام قصي معه حتى ولدت حني لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده، وعبد مناف، و عبد العزّى، وعبد بن قصي، وكان حليل يفتح البيت، فإذا اعتل أعطى ابنته حني المفتاح، ففتحت، فإذا اعتلت أعطت المفتاح لزوجها قصيا، أو بعض ولدها فيفتحه، وكان قصي يعمل في حيازته إليه، وقطع ذكر خزاعة عنه، فلما حضرت حليل الوفاة نظر إلى قصي، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته، فرأى أن يجعلها في ولد ابنته، فدع قصيا، فجعل له ولاية البيت، وأسلم إليه المفتاح، وكاد يكون عند حني.

فلما هلك حليل أبت خزاعة أن تدعه هنالك، وأخذوا المفتاح من حني، فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة، ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك، وأن ينصروه ويعضدوه، فأجابوا إلى نصره. وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة، وهو

في بلاد قومه من قضاعة، يدعوه إلى نصره، ويعلمه م حال بينه وبين ولاية البيت، ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه. فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك، فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته من أبيه، حنّ ومحمود و جلهمة بنو ربيعة بن حزام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب، مجمعين لنصر قصي و القيام معه.

فلم اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج، فوقفوا بعرفة بجمع، ونزلوا منى، وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم بمن معه من قضاعة، فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل، وعظموا عليهم القتال في الحرم، و حذروهم الظلم والبغي في الحرم ومكة، وذكروهم ما كانت عليه جرهم، وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم، فأبت خزاعة أن تسلم ذلك، فاقتتلوا بمغضى المأزمين من منى.

قال: فسمي ذلك المكان المفجر، لما فجر فيه، وسفك فيه الدماء من الدم، وانهتك من حرمته، فاقتتلوا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا، وفشت فيهم الحروب و الجراحات، وحاج العرب جميعا ينظرون إلى قتالهم من مصر واليمن. ثم تداعوا إلى الصلح، ودخلت قبائل العرب بينهم، فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فيما اختلفوا فيه. قال: فحكّموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، وكان رجلا شريفا، فقال: موعدكم فناء الكعبة غدا، فاجتمع إليه الناس، وعدّوا القتلى، فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة، وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي خزاعة، إنما كانت مع قريش من بني كنانة غلمان يسيرة، فاعتزلت عنها بكر بن عبد مناف قاطبة.

فلم اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال: ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدميّ هاتين، فلا تباعة لأحد على أحد في دم، وإني قد حكمت لقصيّ بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل، وأن نخلّي بينه وبين ذلك، و أن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة. قال: فسمّي يعمر من ذلك اليوم الشداخ.

فسلمت بذلك خزاعة لقصي، وأعظموا سفك الدماء في الحرم، وافترق الناس، وولّي قصي بن كلاب حجابة البيت وأمر مكة، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعزّ بهم، و تملّك على قومه فملّكوه، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم، لم يتحركوا من مساكنهم، و لم يخرجوا منها، ولم يزالوا على ذلك حتى الآن.

فحاز قصي شرف مكة، وبنى دار الندوة، وفيها كانت قريش تقضي أمورها، ولم

يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة، وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون وخلفاؤهم. وكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكا، فأطاع له به قومه، فكانت إليه الحجابة والرفادة والسقاية و الندوة واللواء والقيادة.

فلما جمع قصي قريشا بمكة سمّي مجمعا، ومن أجل تجمّع قريش إلى قصي سمّيت قريش قريشا.

وقال قصي يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة:

أنا ابن العاصمين بني لؤيّ بمكة مولدي وبها ربيت

لي البطحاء قد علمت معدّ ومروتها رضيت بها رضيت

وفيها كانت الآباء قبلي فما شويت أخيّ وما شويت

فلست لغالب إن لم تؤثّل بها أولاد قيدر والنبيت

رزاح ناصري وبه أسامي فلست أخاف ضيما ما حييت

فقال رزاح في إجابته أخاه قصيّا:

فلما أتى من قصي رسول فقال الرسول أجيبوا الخليلا

نهضنا إليه نعود الجياد ونطرح عنّا الملول الثقيل

نسير بها الليل حتى الصباح ونكمي النهار لئلا يزولا

فهنّ سراع كورد القطا يجئن بنا من قصي رسول

جمعنا من السرّ من أشمدين ومن كل حيّ جمعنا قبيلا

فيا لك حلبة ما ليلة نزيد على الألف سيبا رسيل

فلما مررنا على عسكر وأسهلنا من مستناخ سبيلا

وجاوزن بالركن من ورّقان وجاوزن بالعرج حيا حلول

مررن على الحلى ما ذقنه وعالجن من مرّ ليلا طويلا

فدنا من العود أفلاءها إرادة أن تسترقن الصهيل

فلما انتضينا إلى مكة أنخنا الرحال قبيلا قبيلا

نعاورهم ثم حدّ السيوف وفي كل حوب خلسن العقول

نخبّرهم بصلاب السنو ن خبر القويّ العزيز الذليلا

قتلنا خزاعة في دارها وبكرا قتلنا فجيلا وجيل

نفيناهم من بلاد المليك كما لا يحلّون أرضا وسهولا

فأصبح سبيهم في الحديد ومن كل حيّ شفينا الغليل

وقال ثعلبة بن عبد الله بن دينار بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك، من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه:

جلبن الخيل مضمرة تعالى من الأعراف أعراف الجناب

إلى غوري تهامة فالتقينا من الفيفاء في قاع بباب

فأما صفوة الحسنى فخلّوا منازلهم محادرة الضراب

وقام بنو عليّ إذ رأونا إلى الأسياف كالإبل الظراب

وقال حذافة بن غانم الجمجمي يمدح قريشا وبني قصي:

أبوهم قصيّ كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر

هم نزلوها والمياه قليلة وليس بها إلا كهول بني عمرو

هم ملئوا البطحاء مجدا وسؤددا وهم طردوا عنها عراة بني بكر

وهم حفروها والمياه قليلة ولم تستق إلا بنكد من الحفر

حليل الذي عادى كنانة كلها وأربط بيت الله بالعسر واليسر

حارث أمّا أهلكن فلا تزل لهم شاكرا حتى توسّد في القبر

قال: ولما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده بعد انصرافه من قصي، وقع بين رزاح بن ربيعة وبين فهر بن زيد وحونكة بن أسلم، وهم بطنان من قضاعة، شيء فأخافهم، حتى لحقوا باليمن، وخلّوا عن بلاد قضاعة، وهم اليوم باليمن. قال قصي بن كلاب، وقد كره ما فعل رزاح بهم، شعرا:

ألا من مبلغ عني رزاحا فإني قد لحيتك في اثنتين

لحيتك في بني فهر بن زيد كما فرّقت بينهم وبيني

وحوتكة بن أسلم أنّ قوما عنوهم بالمساءة قد عنوني


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!