موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


استنصار دوس ذي ثعلبان قيصر ملك الروم على ذي نواس

روينا من حديث ابن إسحاق، عن المكي، عن سعيد بن جبير، وعكرمة، عن ابن عباس، أن زرعة ذ نواس لما قتل أصحاب الأخدود وقد ذكرنا قصته في هذا الكتاب، أفلت رجل منهم يقال له دوس ذو ثعلبان، فذهب على فرس له يركض عليه حتى أعجزهم في الرمل، فأتى قيصر فذكر له ما بلغ منهم ذو نواس، واستنصره، فقال: بعدت بلادك، ونأت دارك عنّا، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة، فإنه على ديننا فينصرك. فكتب له إلى النجاشي يأمره بنصره. فلم قدم على النجاشي بعث معه رجلا من الحبشة يقال له

أرباط، و قال: إن دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، واخرب ثلث بلادها. فلما دخلوا أرض اليمن و هم في سبعين ألفا من الحبشة، من جملتهم أبرهة الأشرم أحد أجناد أرباط، وكان طريقهم إلى اليمن في البحر، فلما نزلوا بساحل اليمن سار إليهم ذو نواس في حمير، و من أطاعه من قبائل اليمن، فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه، فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجّه فرسه في البحر فضربه فدخل به حتى لجّج في البحر، فكان آخر العهد به، فدخل أرباط اليمن، ففعل ما أمره به النجاشي من القتل والتخريب.

فقال ذو جدن فيما أصاب أهل اليمن:

دعيني ل أبا لك أن تطيقي لحاك الله قد أنزفت ريقي

لدى عزف القيان إذا انتشينا وإذ نسقى من الخمر الرحيق

وشرب الخمر ليس عليّ عار إذا لم يشكني فيه رفيقي

فإن الموت لا ينهاه ناه ولو شرب الشفاء مع النسوق

ولا مترهب في أسطوان يناطح حدره بيض الأنوق

وغمدان الذي حدّثت عنه بنوه مسمّكا في رأس نيق

بمنهمة وأسفله حروث وحرّ الموحل اللثق اللزيق

مصابيح السليط تلوح فيه إذا تمسي كتوماض البروق

ونخلته التي غرست إليه يكاد البسر يهصر بالغدوق

فأصبح بعد جثته رمادا وغيّر حسنه لهب الحريق

وأسلم ذو نواس مستكينا وحذر قومه ضنك المضيق

المنهمة: التجارة. والحروث: أرض الزرع. وحرّ الموحل: يعني الطين الحرّ الذي هو كالوحل من شدة ريّه.

وقال ذو جدن الحميري أيضا:

هونك م أن يردّ الدمع ما فاتا لا تهلكا أسفا في إثر من ماتا

أبعد بينون لا عين ولا أثر وبعد سلحين يبني الناس أبيات

بينون وسلحين وعمدان: من حصون اليمن الذي هدم أرباط.

زاد ابن هشام في هذا الحديث ما قاله ربيعة بن عبد ياليل الثقفي في ذلك:

لعمرك م للفتى من مفرّ مع الموت يلحقه والكبر

لعمرك ما للفتى صخرة لعمرك ما إن له من وزر

أبعد قبائل من حمير أبيدوا صباحا بذات العبر

بألف ألوف وحرابة كمثل السماء قبيل المطر

بضمر صباحهم المقربات ينفون من قاتلوا بالذفر

سعالى مثل عديد التراب تيبّس منهم رطاب الشجر

يعني من أنفاسهم. وذات العبر: الداهية التي فيها عبر العين، أي سخنتها. وصار ملك اليمن بين أرباط وأبرهة، وكان أرباط فوق أبرهة. فأقام أرباط سنتين في سلطانه ل ينازعه أحد، ثم نازعه أبرهة الحبشي الملك، وكان في جند من الحبشة، فانحاز إلى كل واحد من الحبشة طائفة، ثم سار أحدهما على الآخر، وكان لأرباط في صنعاء وأحوازها، و كان لأبرهة الجند وأحوازها، فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض، أرسل أبرهة إلى أرباط: إنك لا تصنع شيئا بأن تلقي الحبشة بعضهم ببعض فتفني ما بيننا فيضعف أمرها، فابرز إليّ بنفسك، وأبرز إليك، فمن ظهر على صاحبه منّا كان الأمر له. فقال أرباط:

أنصفت. و كان أرباط طويلا في الرجال وسيما عظيم الخلق. وكان أبرهة قصيرا دحداحة، وكان ذ دين في النصرانية، وعقل وحلم. فجعل أبرهة خلفه عبدا له يحمي ظهره يقال له عتودة، فلما دنا كل واحد من صاحبه رفع أرباط الحربة يريد نافوخ أبرهة فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وعينه وأنفه وشفتيه، فبذلك سمي أبرهة الأشرم، وحمل غلام أبرهة عتودة على أرباط من خلف أبرهة فزرقه بالحربة فقتله. فانصرف جند أرباط إلى أبرهة واجتمعت عليه الحبشة باليمن.

وكان م وقع من هذا الأمر كله بين أبرهة وأرباط عن غير علم ولا أمر من النجاشي ملك الحبشة، وكان مسكنه باكسوم من بلاد الحبشة، فلما بلغه ذلك غضب غضبا شديدا وقال: عدا على أميري بغير أمري فقتله، وما كنت أمّرته، ثم حلف النجاشي لا يدع أبرهة حتى يطأ أرضه، ويجزّ ناصيته. فلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه، ثم ملأ جرابا من تراب أرض اليمن، ثم بعث به إلى النجاشي، وكتب إليه: أيها الملك، إنما كان أرباط عبدك، و أنا عبدك، اختلفنا في أمرك وكلنا طاعة لك، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة منه، و أضبط وأسوس لهم منه، وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك، وبعثت به إليه مع جراب من تراب أرضي ليضعه تحت قدميه، فيبرّ بذلك قسمه. فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه، وكتب إليه: أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري. فأقام أبرهة باليمن إلى أن هلك. وقد ذكرت قصة هلاكه في حديث الفيل.

روينا من حديث ابن أبي الدنيا، عن القاسم بن هاشم، عن علي بن عباس، عن إسماعيل بن عيّاش عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد أن بني إسرائيل لم يكن فيهم

ملك إلا ومعه رجل حكيم، فإذا رآه غضبان كتب له صحائف، في كل صحيفة ارحم المسكين، واخش الموت، واذكر الآخرة. فكلما أخذ الملك صحيفة قطعها حتى يسكن غضبه.

وحدثن عبد الصمد بن علي قال: كان ببلاد فارس في زمان الأكاسرة ينادي كل يوم مناد على باب قصر الملك: لا يكون ملك إلا بالرجال، ولا يثبت الرجال إلا بالمال، ولا يحصل المال إلا بالعمارة، ولا تصحّ العمارة إلا بالعدل.

وحدثن بعض الهنود أن الملك فيهم إذا خرج ركب على الفيل وبين يديه راكب مشرف على الناس ينادي بلسانهم وفي يده طشت من ذهب فيه جمجمة إنسان، وفي يده اليمنى قضيب، فيقول: يا أيها الناس، وقال: ينظر إلى الملك ويقول: يا أيها الملك، أنت ملك الناس قد ركبت على ملك السباع وإلى هذا مصيرك، ويشير بالقضيب إلى الجمجمة، والملك يبكي و ينظر في أمور الناس إلى أن يرجع.

ووقفت في كتاب «سر الأسرار» لأرسطو على دائرة اصطنعها للإسكندر يوصيه فيها:

تتضمن العالم بستان سياجه الدولة. الدولة سلطان يحجبه السّنة. السّنة سياسة يسوسه الملك. الملك راع يعضّده الجيش. الجيش أعوان يكفلهم المال. المال رزق تجمعه الرعيّة. الرعية عبيد يعبدهم العدل. العدل مألوف فيه صلاح العالم. تصل الكلام بأوله.

وقال عيسى ابن مريم عليهما السلام: معاشر الفقهاء، قعدتم على طريق الآخرة، فلا أنتم مشيتم فوصلتم إليها، ولا أنتم تركتم أحدا يجوزكم إليها، فالويل لمن اغتر بكم.

روينا من حديث ابن مروان، عن عبد الله بن مسلم، عن الرياشي، عن الأصمعي قال: كان بلال بن سعد يصلي الليل أجمع، فكان إذا غلبه النوم في الشتاء، وكان في داره بركة، فيجيء فيطرح عنه ثيابه وينغمس في الماء ليذهب عنه النوم، فعوتب في ذلك فقال:

ماء البركة في الدنيا خير من صديد أهل جهنم.

وكان عندنا بإشبيلية رجل عابد، حسن الصوت، كثير الاجتهاد، سريع الدمعة، دائم العبرة، كثير الفكرة والتهجّد، بتّ معه ليالي عدّة فلم يكن يفتر، فربما أسمعه في بعض الأحايين ينشد بصوت طيّب غرد، ودموعه تنحدر على خدّيه:

قطع الليل رجال ورجال وصلوه

رقدوا فيه أناس وأناس سهروه

لا يميلون إلى النو م ولا يستعذبوه

فكأن النوم شيء لم يكونوا يعرفوه

لبسوا ثوبا من الخد مة حتى خلعوه

مع جلباب من الحز ن فما أن نزعوه

وروينا من حديث الدينوري، عن سعيد بن عمر الأزدي، عن أبيه، عن يونس بن حازم قال: قال العتابي: مررت بدير فصحت: يا راهب، فلم يجبني أحد حتى قلت: يا صاحب الدير، فإذا به قد أشرف عليّ، فقلت له: ما منعك أن تجيبني؟ قال: لأنك سمّيتني بغير اسمي، فقلت: وما اسمك؟ قال: الكلب العقور، وإنما حبست نفسي في هذا الموضع لكي لا أعقر الناس.

وقال العتّابي أيضا: مررت بدير فإذا راهب ينادي، فرفعت رأسي إليه فقال لي:

ويحك، هب أن المسيء قد عفي عنه، أليس قد فاته ثواب الصالحين؟ وقال أبو سليمان الداراني: لقيت راهبا فقلت له: يا راهب كيف ترى الدهر؟ فقال:

يخلق الأبدان، ويجدد الآمال، ويباعد الأمنية، ويقرّب المنية. فقلت له: فكيف ترى أهله؟ فقال: من ظفر بها نصب، ومن فاتته تعب. قال: فما الغنى عنه؟ قال: قطع الرجاء منه. قال: فقلت له: فأي الأصحاب أبرّ وأوفى؟ قال: العمل الصالح والتقى. قلت: فأين المخرج؟ قال: في سلوك المنهج، قلت: وما هو؟ قال: بذل المجهود وخلع الراحة.

قلت: فأوصني، قال: قد فعلت.

رويناه من حديث المالكي، عن أحمد بن عبّاد، عن أحمد بن أبي الحواري، عن أبي سليمان، و رويناه من حديث العتابي قبله من حديثه أيضا، عن علي بن الحسين عنه.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!