---

وسماعهم في قول الصّمة وهو:

وحنّت قلوصي آخر الليل جنة فيا روعة ما راع قلبي حنينها

فقلت لها حنّي فكل قرينة مفارقها لا بدّ يوما قرينه

وقلت لها حنّي رويدا فإنني وإياك تخفي غولة سنبينها

سماعهم في القلوص: مركب الحسن. وآخر الليل: انقضاء العمر. فيا روعة هول

المطلع، و الروح والنفس قريبان يتفارقان بالموت، تخفي غولة سنبينها يوم تشهد عليهم ألسنتهم.

ومن باب حنين الإبل وسيرها قوله:

ثوره ناشطة عقالها قد ملأت من بدنها حلالها

فلم تزل أشواقه تسوقها حتى رمت من الوجا رحاله

ما ذا على الناقة من غرامه لو أنه أنصف أو رثا لها

أراد أن يشرب ماء حاجر أربها تطلب أم كلاله

إنّ لها على القلوب ذمّة لأنها قد عرفت بلبالها

كانت لها على الصبا تحيّة أعجلها السائق أن تناله

كم تسأل البارق عن سويقة ولا يجيب عامدا سؤالها

خوفا على قلوبها إن عملت إن الغوادي أدرست أطلاله

فعلّلوها بحديث حاجر ولتصنع الفلاة ما بدا لها

وأمدت الفلاة دون خطوها كأنها قد كرهت زواله

ومن هذا الباب ما أنشدناه محمد بن عبد الله لأبي عبد الله البارع رحمه الله تعالى:

دع المطايا تسم الجنوبا إنّ لها لنبأ عجيبا

حنينها وما اشتكت لغوبا يشهد أن قد فارقت حبيب

شامت بنجد بارقا كذوبا أذكرها عهد هوى قريبا

فغادر الشوق لها حبيبا يضرم في أكبادها لهيب

تزرم إن ما استشرفت كثيبا فإن بالرمل لها سقوبا

ما حملت إلا فتى كئيبا يسرّ مما أعلنت نصيب

يمسي إذا حنت لها مجيبا لو غادر الشوق لها قلوبا

إذا لآثرن بهنّ النيبا إن الغريب يسعد الغريب

ولعلي بن أفلح من هذا الباب:

دعها لك الخير وما بدا لها من الحنين ناشطا عقالها

ولا تعقها عن عقيق رامة فإنها ذاكرة أفعاله

ولا تعلّلها بحيّ بابل فهو أهاج بالجوى بلبالها

نشدتك الله إذا جئت الرّبى فرد أضاها واستظلّ ضاله

وبارح الورق بشجو ثاكل أطغى لها ريب الرّدى أطفالها

و قال أبو نواس في النسيب:

لو ل تذكر من ذكرت بحاجر لم أبك فيه مواقد النيران

يا واقفين معي على الدار طلبا غيري لها إن كنتما تقفان

منع الوقوف على المنازل طارق أمر الدموع بمقلتي ونهاني

إنّا ليجمعنا البكاء وكلنا نبكي على شجن من الأشجان