موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ولاية خزاعة الكعبة بعد جرهم

روينا من حديث أبي الوليد، عن جده، عن سعيد بن سالم، عن عثمان بن ساج، عن الكلبي، عن أبي صالح، قال: لما طالت ولاية جرهم استحلوا من الحرم أمورا عظاما، ونالوا ما لم يكونوا ينالون، واستخفوا بحرمة الحرم وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى إليها سرا و علانية، وكلما عدا سفيه منهم على منكر وجد من أشرافهم من يمنعه ويدفع عنه، و ظلموا من دخلها من غير أهلها، حتى دخل رجل منهم بامرأة الكعبة، فيقال فجر بها أو

قبّلها، فمسخا حجرين، فرق أمرهم فيها وضعفوا، وتنازعوا أمرهم بينهم و اختلفوا، وكانوا قبل ذلك من أعزّ حيّ في العرب، وأكثره رجالا وأموالا و سلاحا، وأعزه غرة.

فلما رأى ذلك رجل منهم يقال له مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو، قام فيهم خطيب فوعظهم وقال: يا قوم، اتقوا على أنفسكم، وراقبوا الله في حرمه وأمنه، فقد رأيتم وسمعتم من هلك من صدر هذه الأمم قبلكم، قوم هود وصالح وشعيب، فلا تفعلوا، و تواصلوا، وتواصوا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا تستخفّوا بحرم الله تعالى و بيته، ولا يغرّنكم ما أنتم فيه من الأمن. وبالغ في وعظهم، فما ازدادوا إل طغيانا وتجبّرا، فلما رأى ذلك مضاض منهم، عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب، و أسياف، فدفنها في موضع زمزم، وكان زمزم إذ ذاك قد ذهب ماؤه ودرس، فبينما هم كذلك إذ كان من أهل مأرب ما ذكر أنه ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر، وهو الذي يقال له مرتقب ابن ماء السماء، وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث ابن بنت مالك بن زيد بن كهلان بن ساس بن يعرب بن قحطان، وكانت رأت في كهانتها أن سدّ مأرب سيخرب، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين.

وقال فيما حدثه أبو زيد الأنصاري أن عمرا رأى جردا يحفر في سدّ مأرب الذي كان يحبس عليهم الماء، فعلم أنه لا بقاء للسدّ على ذلك، فباع أمواله، وسار هو وقومه من بلد إلى بلد، لا يطول بلدا إلا غلبوا عليه، وقهروا أهله حتى يخرجوا منه، فلم قاربوا مكة ساروا ومعهم طريفة الكاهنة.

فقالت لهم: سيروا، سيروا، فلن تجتمعوا أنتم ومن خلفتم أبدا، فهم لكل أصل، وأنتم لهم فرع، ثم قالت الكاهنة: وحق ما أقول ما علمني ما أقول إلا الحكيم المحكم رب جميع الإنس من عرب وعجم.

قالو لها: ما شأنك يا طريفة؟ قالت: خذوا البعير الشذقم فخضبوه بالدم، تسكنوا أرض جرهم جيران بيته المحرم. قال: فلما انتهوا إلى مكة، وأهلها جرهم قد قهروا الناس، و حازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم، أرسل إليهم ثعلبة بن عمرو بن عامر: ي قوم، إنّا قد خرجنا من بلادنا، فلم ننزل بلدا إلا فسح أهلها لنا، وتزحزحوا عنّا، فنقيم معهم حتى نرسل روّادنا فيرتادون لنا بلدا يحملنا، فأفسحوا لنا في بلادكم حتى نقيم بقدر ما نستريح، ونرسل روّادنا إلى الشام وإلى الشرق، فحيث ما بلغنا أنه أمثل لحقنا به، وأرجو أن يكون مقامنا معكم يسيرا.

فأبت جرهم ذلك، وبعثوا إليهم أن ارحلوا عنّا، فأرسل إليهم ثعلبة أنه لا بدّ لي من المقام في هذا البلد حولا، حتى ترجع إليّ رسلي، فإن تركتموني طوعا نزلت وحمدتكم،

وواسيتكم في الرعي والماء، وإن أبيتم أقمت على كرهكم، ثم لم ترتعوا معي إلا فضلا، ولم تشربوا معي إلا زيفا، وإن قاتلتموني قاتلتكم، ثم إن ظهرت عليكم سبيت النساء، وقتلت الرجال، ولم أترك منكم أحدا ينزل للحرم أبدا. فأبت جرهم أن يتركوه طوعا فاقتتلوا ثلاثة أيام، وأفزع عليهم الصبر، ومنعو النصر، ثم انهزمت جرهم، فلم يلتفت منهم إلا الشريد، وكان مضاض بن عمرو بن الحارث قد اعتزل جرهم، ولم يعنهم في ذلك وقال: قد كنت أحذركم هذا. ثم رحل هو وولده و أهل بيته حتى نزلوا فنونا وحلى وما حول ذلك، فبقايا جرهم بها إلى اليوم وأفنى جرهما السيف في تلك الحرب، فأقام ثعلبة بمكة وما حولها في قومه وعساكره حولا، فأصابتهم الحمى فشكوا إلى طريفة ما أصابهم، فقالت لهم: قد أصابني الذي تشكون، وهو مفرّق ما بيننا. قالوا: فما ذا تأمرين؟ قالت:

فيكم و منكم الأمير، وعلى التيسير. قالوا: فما تقولين؟ قالت: فمن كان منكم ذا همّ بعيد، و حمل شديد، ومزاد جديد، فليلحق بقصر عمان المشيد، فكانت أزد عمان. ثم قالت:

من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أن يأتي الدهر، فعليه بالإدراك من بطن مرة، فكانت خزاعة. ثم قالت: من كان منكم يريد الراسيات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل، فكانت الأوس والخزرج.

ثم قالت: من كان منكم يريد الخمر والخمير، والملك والتأمير، ويلبس الديباج والحرير، فليلحق ببصرى وغوير، وهما من أرض الشام، فكان الذي سكنوها جفنة من غسان.

ثم قالت: من كان منكم يريد البنات الرقاق، والخيل العتاق، وكنوز الأوراق، والدم المهراق، فليلحق بأرض العراق. فكان الذي سكنها آل جذيمة الأبرش، ومن كان بالحيرة من غسان، و آل مخرق، حتى جاءهم روّادهم، فافترقوا من مكة فرقتين: فرقة توجهت إلى عمان وهم أزد عمان، وسار ثعلبة بن عمرو بن عامر نحو الشام، فنزل الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهم الأنصار بالمدينة، ومضت غسان فنزلوا الشام، و انخزعت خزاعة بمكة، فأقام بها ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر وهو لحيّ، فولي أمر مكة وحجابة الكعبة، فلما حازت خزاعة أمر مكة، وصاروا أهلها، جاءهم بنو إسماعيل، و قد كانوا اعتزلوا حرب جرهم وخزاعة، فلم يدخلوا في ذلك، فسألوهم السكنى معهم و حولهم، فأذنوا لهم، فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن الحارث، وقد كان أصابه من الصبابة إلى مكة ما أحزنه، أرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول إليهم والنزول معهم بمكة في جوارهم، وبث إليهم براءته وتوزيعه قومه عن القتال، وسوء السيرة في الحرم،

و اعتزاله الحرب، فأبت خزاعة أن يقرّوهم، ونفتهم عن الحرم كله. وقال عمرو بن لحيّ و هو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر لقومه: من وجد منكم جرهميا قد قارب الحرم فدمه هدر. ففزعت إبل مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي من فنونا تريد مكة، فخرج في طلبها حتى وجد أثرها قد دخلت مكة، فمضى إلى الجبال من نحو جياد حتى ظهر على أبي قبيس يتبصر الإبل في بطن وادي مكة، فأبصر الإبل تنحر وتؤكل لا سبيل له إليها، فخاف إن هبط الوادي أن يقتل فولى منصرفا لأهله، وأنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربع واسطا فجنوبه إلى المنحنى من ذي الإزالة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر

وأبدلنا ربي بها دار غربة بها الذئب يعوي والعدو المحاصر

فإن تنثني الدنيا علينا بحالها فإن لها حالا وفيها التشاجر

فإن تمل الدنيا علينا بكلّها سيصلح حال بعدنا وتشاجر

ونحن ولّينا البيت من بعد ثابت نطوف بذاك البيت والخير حاضر

ملكنا فعزّزنا وأعظم بملكنا فليس لحيّ غيرنا ثم فاخر

فكنا ولاة البيت من بعد ثابت بعزّ فما يخطى لدنيا المكاثر

وأنكح جدّ خير شخص علمته فأبناؤنا منه ونحن الأساهر

فأخرجنا منها المليك بقدرة كذلك بل للناس تجري المقادر

أقول إذا نام الخليّ ولم أنم إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر

وبدلت منهم أوجها لا أحبها وحمير قد بدّلتها والبحاتر

وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة كذلك غضتنا السنون الغوابر

وسحّت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم أمن وفيها المشاعر

بواد أنيس ليس يؤذي حمامة تظل به آمنا وفيه العصافر

وفيه وحوش لا ترام أنيسة إذا خرجت منها فما أن تقادر

فيا ليت شعري هل تعمّر بعدنا جياد فمعضني سيله فالظواهر

فبطن منى وحش كأن لم يسر به مضاض ومن حيي عديّ عمائر

وقال عمرو أيضا يذكر بكرا وغسان ومن خلفهم في مكة بعدهم:

يا أيه الحيّ سيروا إن قصركم أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا

إنّا كما كنتم كنّا فغيّرنا دهر فسوف كما صرنا تصيرون

حثّوا المطيّ وأرخوا من أزمّتها قبل الممات وقصّوا ما تقصّون

قد مال دهر علينا ثم أهلكنا بالبغي فيه وبذء الناس تأسونا

وقال حسان بن ثابت الأنصاريّ يذكر الخزاع خزاعة بمكة، ومسير الأوس والخزرج إلى المدينة، وغسان إلى الشام:

فلم هبطنا بطن مرو تخزّعت خزاعة منا في حلول كراكر

حموا كل واد من تهامة واحتموا بسمر القنا والمرهفات البواتر

فكان لها المرباع في كل غادة تشنّ بنجد والفجاج العوابر

خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة وأنصارنا جند النبي المهاجر

وسرنا فلما أن هبطنا بيثرب بلا وهن منا ولا بتشاجر

وجدنا بها رزقا غدا من بقية من آثار عاد بالخلال الظواهر

فحلّت بها الأنصار ثم تبوأت بيثربها دارا على خير طائر

بنو الخزرج الأخيار والأوس إنهم حموها بفتيان الصباح البواكر

نفوا من طغى في الدهر عنها وديّنوا يهودا بأطراف الرماح الحواطر

وسارت لنا سيّارة ذات قوة بكوم المطايا والخيول الجماهر

يؤمّون نحو الشام حتى تمكنوا ملوكا بأرض الشام فوق المنابر

يصيبون فضل القول من كل خطبة إذا وصلوا إيمانهم بالمخاصر

أولاك بنو ماء السماء توارثوا دمشقا بملك كابرا بعد كابر

قال الخطّاب بن نفيل بن عبد العزّى، وبلغه أن أبا عمرو بن أمية يتواعده:

توعدني بنو عمرو ودوني رجال لا ينهنها الوعيد

رجال من بني تميم بن عمرو إلى أبياتهم يأوي الطريد

جحاجحة شياظمة كرام مراجحة إذا فرع الحديد

خضارمة ملاوية ليوث خلال بيوتهم كرم وجود

ربيع المعدمين وكل جار إذا نزلت بهم سنة كئود

هم الرأس المقدّم من قريش وعند بيوتهم تلقى الوفود

فكيف أخاف أو أخشى عدوا ونصرهم إذا ادعوا عتيد

فليس بعادل بهم سواهم طوال الدهر ما اختلف الجديد


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!