موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


وفي الحكمة القديمة

ليس للعقلاء تنعم إلا بمودة الإخوان. وقال العباس بن جرير: المودة تعاطف القلوب، و ائتلاف الأرواح، وإنس النفوس، ووحشة الأشخاص عند تنائي اللقاء، وظهور السرور بكثرة التزاور، على حسب مشاكلة الجواهر، يكون الاتفاق في الخصال.

وروين من حديث رباح بن عبيد الله، قال: خرج عمر بن عبد العزيز قبل خلافته، وشيخ متكئ على يده، فقلت في نفسي: إن هذا الشيخ جاف، فلما صلى ودخل لحقته، فقلت: أصلح الله الأمير، من الشيخ الذي كان متكئا على يدك؟ فقال: يا رباح، رأيته؟ قلت: نعم، قال: ما أحسبك يا رباح إلا رجلا صالحا، ذاك أخي الخضر، أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة، وأني سأعدل فيها.

وحكى محمد بن فضالة، فيما رواه أبو نعيم، أن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقف براهب في الجزيرة في صومعة له، قد أتى عليه فيها عمر طويل، وكان ينسب إليه علم من الكتاب، فهبط إليه، ولم ير هابطا إلى أحد قبله، فقال له: يا عبد الله، أتدري لما هبطت إليك؟ قال: لا، قال: الحق بأبيك إنّا نجده في أئمة العدل بمنزلة رجب من أشهر الحرم. قال: فسرّه له أبو أيوب بن سويد، فقال: ثلاثة متوالية: ذو القعدة، و الحجة،

والمحرم، أبو بكر، وعمر، وعثمان، ورجب منفرد، منها عمر بن عبد العزيز.

قلت: تكلم أبو أيوب في هذا التفسير ببادئ رأيه، ولم يتحقق مقصد المتكلم، فلم يرد الراهب بقوله العدد، فإنه ما تعرض إليه، وكيف يتعرض للعدد وأئمة الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وحسن رضي الله عنهم أجمعين. وإنما أراد بالمثال أنه كان بين رجب والأشهر الحرم شهور ليست بحرم، و ليست لها تلك المرتبة، كذلك بين أئمة العدل وبين عمر بن عبد العزيز خلفاء ليست لهم في العدل مرتبة، هؤلاء المذكورين.

حكى لن بعض الأدباء، عن أبي الجهم، وكان بدويا جافيا، لمّا قدم على المتوكل وأنشده يمدحه بقصيدته التي يقول فيها يخاطب الخليفة:

أنت كالكلب في حفاظك للودّ وكالتيس في قراع الخطوب

أنت كالدلو لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كثير الذنوب

فعرف المتوكل قوته، ورقة مقصده، وخشونة لفظه، فعرف أنه ما رأى سوى ما شبّه به، لعدم المخالط، وملازمة البادية، فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة، فيها بستان حسن يتخلله نسيم لطيف، يغذي الأرواح، والجسر قريب منه، وأمر بالغذاء اللطيف أن يتعاهد به. وكان يركب في أكثر الأوقات، فيخرج إلى محلات بغداد، فيرى حركة الناس، و لطافة الخضر، ويرجع إلى بيته، فأقام ستة أشهر على ذلك، والأدباء والفضلاء يتعاهدون مجالسته ومحاضرته، فاستدعاه الخليفة بعد هذه المدة لينشده، فحضر وأنشد:

عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

فقال المتوكل: لقد خشيت عليه أن يذوب رقة ولطافة. وخرجت القصيدة عن فكري، فإن وجدتها فسألحقها إن شاء الله في بعض مجالس هذا الكتاب.

وأنشدن أبو حامد الخشني الليلي عن بعض أشياخه، عن ابن مغيث، قال: قال علي بن الجهم من باب الرجوع إلى الله تعالى:

توكلن على رب السماء وسلّمنا لأسباب القضاء

ووطنا على غبر الليالي نفوسا سامحت بعد الآباء

وأبواب الملوك محجبات وباب الله مبذول الفناء

هذه الأبيات قالها لمّا حبسه المتوكل.

وقال أيضا في حبسه ذلك:

قالت حبست، قلت ليس بضائري حبسي وأي مهنّد لا يغمد

وما رأيت الليث بألف غيلة كبرى وأوباش السباع تردّد

والنار في أحجارها مخبوءة لا تصطلي ما لم تثرها الأزند

والبدر يدركه الظلام فينجلي أيامه فكأنه متجدّد

والراعبية لا يقيم كعوبها إلا الثقاف وجذوة تتوقد

غبر الليالي باديات عوّد والمال عارية يفاد وينفد

لا يؤيسنك من تفرج كربة خطب أتاك به الزمان الأنكد

فلكل حال معقب ولربما أجلى لك المكروه عما تحمد

كم من عليل قد تخطاه الردى فنجا ومات طبيبه والعود

صبرا فإن اليوم يعقبه غد ويد الخليفة لا تطاولها يد

والحبس ما لم تغشه لدنيئة شنعاء نعم المنزل المتورد

لو لم يكن في الحبس إلا أنه لا تستذلك بالحجاب الأعبد

بيت يجدد للكريم كرامة وتزار فيه ولا تزور وتقصد

يا أحمد بن أبي داود إنما تدعى لكل كريهة يا أحمد

أبلغ أمير المؤمنين ودونه خوف العدو مخاوف لا تنفد

أنتم بنو عم النبي محمد أولى بما شرع النبي محمد

ما كان من حسن فأنتم أهله كرمت مغارسكم وطاب المحتد

من السوية يا ابن عم محمد خصم تقربه وآخر تبعد

إن الذين سعوا إليك بباطل أعداء نعمتك التي لا تجحد

شهدوا وغبنا عنهم فتحكموا فينا وليس كغائب من يشهد

لو يجمع الخصمين عندك منزل يوما لبان لك الطريق الأقصد

والشمس لو لا أنها محجوبة عن ناظريك لما أضاء الفرقد

وفي نقيض هذا ما أنشده عاصم بن محمد الكاتب لنفسه لما حبس أحمد بن عبد العزيز أب دلف، فقال:

قالت حبست فقلت خطب أنكد أنحى عليّ به الزمان المرصد

لو كنت حرا كان سر بي مطلقا ما كنت أحبس عنوة وأقيّد

لو كنت كالسيف المهند لم يكن وقت الكريهة والشديدة يغمد

لو كنت كالليث الهصور لما رعت فيّ الذئاب وجذوتي تتوقد

من قال إن الحبس بيت كرامة فمكابر في قوله متجلد

ما الحبس إلا بيت كل مهانة ومذلة ومكاره لا تنفد

إن زارني فيه العدو فشامت يبدي التوجع تارة ويفنّد

أو زارني فيه العدو فشامت يبدي التوجع تارة ويفنّد

أو زارني فيه الصديق فموجع يذري الدموع بزفرة تتردّد

يكفيك أن الحبس بيت لا يرى أحد عليه من الخلائق يحسد

تمضي الليالي لا أذوق لرقدة طعما وكيف حياة من لا يرقد

في مطبق فيه النهار مشاكل لليل والظلمات فيه سرمد

فإلى متى هذا الشقاء موكل وإلى متى هذا البلاء مجدد

ما لي مجير غير سيّدي الذي ما زال يقبلني ونعم السيّد

غذيت حشاشة مهجتي بنوافل من سيبه وصنائع لا تجحد

عشرين حولا عشت تحت جناحه عيش الملوك وحالتي تتزيد

فخلا العدو بموضعي من قلبه فحشاه جمرا ناره لا تخمد

فاغفر لعبدك ذنبه متطولا فالحقد منك سجية لا تعهد

واذكر خصائص خدمتي وتعاوني أيام كنت جميع أمري تحمد

وقال بعضهم: سئل عمار بن ياسر عن الولايات، فقال: هي حلوة الرضاع، مرّة الفطم.

وطلبني بعض السلاطين للولاية، وعزم عليّ فيها، فامتنعت عليه إلى أن قال: لا أعزلك، و عليّ العهد بذلك، قلت: الأحوال بروق تلمع، ولا تقم، وهذه الحالة منك غير دائمة، و لا سيما إذا جاء سلطان نقضها.

روي في سبب عزل الحجاج بن يوسف عن مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن عيسى بن طلحة بن عبد الله وفد على عبد الملك بن مروان في وفد أهل المدينة، فأثنى الوفد على الحجاج ثناء كثيرا، وعيسى بن طلحة ساكت، فلما انصرفوا ثبت عيسى مكانه حتى خل له وجه عبد الملك، فقام فجلس بين يديه، فقال: يا أمير المؤمنين، من أنا؟ قال: عيسى بن طلحة بن عبيد الله، قال: فمن أنت؟ قال: عبد الملك بن مروان، قال: أفجهلتنا أم تغيرت بعدنا؟ قال: وما ذاك؟ قال: ولّيت علينا الحجاج بن يوسف يسير فينا بالباطل، و يحملنا على أن نثني عليه بغير الحق، والله لئن أعدته علينا لنعصينك، وإن قاتلتنا أو غلبتنا أو أسأت إلينا قطعت أرحامنا، ولئن قوينا عليك غصبناك ملكك. فقال له عبد الملك:

انصرف و الزم بيتك، ولا تذكرن من هذا شيئا. قال: وقام إلى منزله. قال: فأصبح الحجاج غاديا إلى عيسى بن طلحة، فقال: جزاك الله خيرا عن خلوتك بأمير المؤمنين، أبدلكم بي غيري وولاّني العراق.

أنشدن يونس بن يحيى بمكة، قال: قرأ عليّ محمد بن علي الطائي وأنا أسمع، قيل له: أنشدنا، قال: أنشدنا أبو محمد الحسن بن منصور السمعاني، قال: أنشدنا والدي الشريف المظفّر السمعاني، لأبي بكر بن داود السختياني:

تمسّك بحبل الله واتبع الهدى ولا تك بدعيا لعلك تفلح

ولذ بكتاب الله والسنن التي أتت عن رسول الله تنجو وتربح

ودع عنك آراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أزكى وأرجح

ولا تك من قوم تلهّوا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح

إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه فأنت على خير تبيت وتصبح

روينا من حديث أبي نعيم، انا الوليد، قال: بلغنا أن رجلا ببعض بلاد خراسان قال: أتاني آت في المنام فقال: إذا قام أشجّ بني مروان فانطلق فبايعه، فإنه إمام عدل.

فجعلت أسأل كلما قام خليفة، حتى قام عمر بن عبد العزيز، فأتاني ثلاث مرات في المنام، فلما كان آخر ذلك زبرني فأوعدني، فرحلت إليه، فلما قدمت عليه لقيته فحدثته الحديث، فقال: ما اسمك؟ ومن أنت؟ وأين منزلك؟ قلت: بخراسان، قال: ومن أمير المكان الذي أنت فيه؟ ومن صديقك هناك؟ ومن عدوّك؟ فألطف المسألة. ثم حبسني أربعة أشهر، فشكوت إلى مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز، فقال: إنه كتب فيك، فدعاني بعد أربعة أشهر، فقال: إني كتبت فيك فجاءني ما أسرّ من قبل صديقك وعدوك، فهلم فبايعني على السمع و الطاعة والعدل، فإذا تركت ذلك فليس لي عليك بيعة، قال: فبايعته، قال: ألك حاجة؟ فقلت له: أنا غني في المال، إنما أتيتك لهذا، فودّعني وودّعته ومضيت.

وقال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في خلافته، وقد صعد المنبر، فخطب الناس، فقال: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم.

وقال علقمة بن ليث لابنه: يا بنيّ، إن نازعتك نفسك إلى صحبة الرجال، إذ قد تمسّ الحاجة إليهم، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإن تخفضت له صانك، وإن نزلت بك مئونة مانك، و إن قلت صدّق قولك، وإن صلت به شدّد صولتك، اصحب من إذا مددت يدك إليه لفضل مدها، و إن رأى منك حسنة عدّها، وإن بدت منك ثلمة سدّها،

اصحب من لا يأتيك منه البوائق، ولا تختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق.

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!