موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


خبر سلمان الفارسي و إسلامه

روينا من حديث أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، نبأ محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وحدثنا أيضا أبو عمرو بن عمران، نبأ الحسن بن سفيان، قالا: حدثنا مسروق بن المرزبان الكندي عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عاصم بن عمرو بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان فيه، قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي، وكان أبي دهقان في قريته، وكنت من أحبّ الخلق إليه، فما زال حبه إياي حتى حبسني في بيت كما تحبس الجارية، وكنت قد اجتهدت مع المجوسية حتى كنت فطن النار أوقدها، لا أتركها تخبو ساعة، اجتهادا في ديني، وكان لأبي ضيعة في عمله، وكان يعالج بيتا له في داره، فدعاني فقال: أي بني، إنه قد شغلني بنياني كما ترى، فانطلق إلى ضيعتي هذه، ولا تحتبس عليّ فإنك إن احتبست عليّ كنت أهمّ إليّ من ضيعتي ومن كل شيء، وشغلتني عن كل شيء من أمري. قال: فخرجت أريد الضيعة التي بعثني إليها، فمررت بكنيسة من

كنائس النصارى فسمعت أصواتهم وهم يصلّون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يفعلون، فلم رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم، فقلت: والله هذا خير من الدين الذي نحن عليه، فو الله ما برحتهم حتى غابت الشمس، وتركت ضيعة أبي فلم آتها، ثم قلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، فشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال: يا بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبي، مررت بناس يصلّون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بني، ليس في ذلك الدين خير، بل دينك و دين آبائك خير، قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا. قال: فخافني، وجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيتي.

قال: و بعثت إلى النصارى فقلت: إن قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني. قال:

فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى. قال: فأخبروني. قال: قلت: إذا قضوا حوائجهم و أرادوا الرجعة إلى بلادهم أعلموني بهم. قال: فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام. قلت: من أفضل هذا الدين علما؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته فأعلمته أني قد رغبت في هذا الدين، وأكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك. قال: فافعل وادخل، فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا له شيئا كنزه لنفسه، ولم يعط المساكين منه شيئا.

قال: فم لبث أن مات فعرّفت النصارى بأمره، قالوا: وما علمك ذلك؟ قلت: أنا أدلكم على كنزه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وفضة وورقا. فلم رأوها قالوا: والله لا ندفنه، وصلبوه، ثم رموه بالحجارة، ثم جاءوا برجل آخر، فجعلوه مكانه. قال: فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، وأزهد في الدنيا، و لا أرغب في الآخرة، والآداب، ليلا ونهارا. قال: فأحببته حبا لم أحب شيئا كان مثله، فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة.

قال: قلت له: يا فلان، إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحب شيئا كان قبلك مثله، وقد حضرك م ترى من أمر الله تعالى، من تأمرني؟ قال: أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس، وبدّلوا كثيرا مما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما غيب لحقت بصاحب الموصل فقلت: ي فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. فقال:

أقم عندي. قال: فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني إليك، وأمرني باللحوق لك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني؟ قال: والله إني ما أعلم رجلا على ما كنت عليه إلا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به.

فلما مات و غيّب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته وأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي، فقال: أقم عندي، فوجدته على أمر صاحبه، فأقمت معه، فكان خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضرته الوفاة قال: قلت: يا فلان، إن فلانا أوصاني إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من توصيني وما تأمرني؟ قال: أي بني، ما أجد أحدا بقي على أمرن آمرك أن تأتيه إلا رجل بعمورية من أرض الروم، فإنه على مثل أمرنا، فإن أحببت فائته. فلما مات وغيّب لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري. فقال: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم. قال: ثم اكتسبت حتى كان لي بقرات و غنيمة.

قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان فأوصاني إلى فلان، ثم أوصاني فلان إلى فلان، ثم أوصاني فلان إليك، فإلى من توصيني و تأمرني؟ فقال: أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنّا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرة إلى أرض بين الحرنين بها نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدبة ولا يأكل الصدفة، بين كتفيه خاتم النبوّة، فإن استطعت أن تلحق به بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات و غيّب.

ومكث بعمورية ما شاء الله أن أمكث.

ثم مرّ بي نفر من كلب تجار، فقلت: أتحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقري هذا وغنمي هذه؟ فأعطيتهم إياهها، وحملوني معهم حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني وباعوني من رجل يهودي، فكنت عنده، ورأيت النخل، فرجوت أن يكون البلد الذي وصفه لي صاحبي، فبينما أنا كذلك إذ قدم ابن عم له من المدينة من بني قريضة، فابتاعني منه، فحملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر، على ما أن عليه من شغل الرقّ، ثم هاجر إلى المدينة، فبالله أني لفي رأس عذق لسيدي، أعمل فيها بعض عمله، وسيدي جالس تحتي، إذ أقبل عم له، فوقف عليه فقال: يا فلان، قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن مجتمعون بقبا على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعم أنه نبيّ، قال: فلما سمعتها أخذتني العراء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال: فنزلت عن

النخلة، وجعلت أقول لابن عم سيدي: ما تقول؟ فغضب سيدي فلطمني لطمة شديدة، ثم قال لي: ما لك ولهذا؟ اقبل على عملك، قال: قلت: لأي شيء أردت تستبين عما قال؟ وكان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقبا، فدخلت المسجد عليه فقلت له: بلغني أنك رجل صالح، معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، ثم قرّبته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا» ، وأمسك يده ولم يأكل، قال:

فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا، ولما تحوّل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فجئته، فقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي:

هاتان اثنتان، قال: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الفرقد، تبع جنازة رجل من أصحابه، عليه شملتان، فسلمت عليه، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني استثبت في شيء وصف لي، فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبّله وأبكي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحوّل» ، فتحولت، فجلست بين يديه، فقصصت حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع أصحابه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتب يا سلمان» ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة، أجيبها بالفقر، وبأربعين أوقية ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعينوا أخاكم» ، فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين، والرجل بخمسة عشر، والرجل بقدر ما عنده، حتى جمعوا ثلاثمائة و دية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب يا سلمان ففقّرها، فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي» ، قال: ففقرت لها، فأعانني أصحابه، حتى إذا فرغت جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلنا نقرب له الوادي، و يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة، حتى فرغنا، فو الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل الفارسي المكاتب؟» ، قال: فدعيت له، قال: «خذ هذه، فأدّها بم عليك يا سلمان» ، قال: قلت: ما تقع هذه يا رسول الله مما عليّ؟ قال: «خذها فإن الله سيؤدي بها عنك» ، فأخذتها فوزنت لهم منها، والذي نفسي بيده أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم، وعتق سلمان، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق و أحدا.

ثم لم نعتني الفقر مخرج الماء من القناة، فقرّت للودية تفقيرا، وهو أن يحفر حفرة حول النخلة إذا غرست.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!