موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بشرى سيف بن ذي يزن لعبد المطلب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وخلافة بني العباس حين وفد عليه في وفد قريش

روينا من حديث أحمد بن عبد الله قال: ثنا سليمان إملاء، ثنا أحمد بن يحيى بن خالد الراقي، نبأ عمرو بن بكر بن بكّار القصيّ، عن أحمد بن قاسم الطائي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما ظهر سيف بن ذي يزن على اليمن فظفر بالحبشة ونفاهم عنها، وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، أتته وفود العرب و أشرافها وشعراؤها تهنّئه وتمدحه، وتذكر ما كان من بلائه في طلب ثأر قومه، فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم، وأمية بن عبد شمس، وعبد الله بن جدعان، و خويلد بن أسد بن عبد العزّى، ووهب بن عبد مناف بن زهرة، في أناس من وجوه قريش، فقدموا عليه بصنعاء، وهو في رأس قصر له يقال له غمدان، وهو الذي قال فيه أمية بن أبي الصلت:

لا تطلب الثأر إلا كابن ذي يزن يتمّم البحر للأعداء أخوالا

أتى هرقل وقد شالت نعامته لم يجد عنده النصر الذي شال

ثم انتهى عنه كسرى بعد تاسعة من السنين يهين النفس والمال

حتى أتى ببني الأحزان يحملهم تخالهم فوق متن الأرض أجبالا

من مثل كسرى شهنشاه الملوك لهم ميل وهدي يؤم الجيش أرسال

لله درهم من فتية صبروا ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا

بيض مرازبة غلب حجا حجة أسد يربين في الغيضات أشبال

يرمون عن شدف كأنها غيظ بزمخر تعجل المرمى إعجالا

لا يضجرون وإن كلّت نوائلهم ولا ترى منهم في الطعن ميّال

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد أضحى شديدهم في الناس إقلال

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا في رأس غمدان دار منك محلال

واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم واسبل اليوم في برديك إسبال

تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوال

قال: فاستأذنوا عليه، فأذن لهم، فإذا الملك متضمّخ بالعنبر ينطف، وبيض المسك من مفرقه، وعن يمينه وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول، فلما دخلوا عليه دنا منه عبد المطلب فاستأذن في الكلام، قال له سيف بن ذي يزن: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك. فقال عبد المطلب: أيها الملك، إن الله قد أحلّك محلا رفيعا شامخا منيعا، وأنبتك منبتا طابت أروبته، وعذبت جرثومته، وثبت أصله، و بسق فرعه، في أطيب موطن، وأكرم معدن، فأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي تخصب به، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، و معقلها الذي يلجأ إليه العباد، سلفك لنا خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلم يهلك من أنت خلفه، ولم يخمد ذكر من أنت سلفه، نحن أيها الملك أهل حرم الله و رسوله ونبيّه، أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشف الكرب الذي فدحنا، ونحن وفد التهنية لا وفد المرزية.

فقال سيف بن ذي يزن: وأيهم أنت أيها المتكلم؟ قال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: ابن أختنا. قال: نعم. فأدناه ثم أقبل عليه وعلى القوم. قال:

مرحبا و أهلا، وناقة ورحلا، ومناخا سهلا، وملكا رعلا، يعطي عطاء جزلا. قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، وأنتم أهل الليل والنهار، لكم الكرامة إذا أقمتم، والحباء إذا أظعنتم، انهضوا إلى دار الضيافة والوفود. وأمرهم بالإنزال، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه، ولا يؤذن لهم في الانصراف. ثم انتبه لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب دونهم، فلما دخل عليه أدناه وقرّب مجلسه و استحباه، ثم قال له: يا عبد المطلب، إني مفوّض إليك من سرّ علمي ما لو غيرك يكون لم أبح به، ولكن وجدتك معدنه، فأطلعتك طلعه، فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه، فإن الله تعالى بالغ أمره،

إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا، و احتقبناه دون غيرنا، خبرا عظيما، وخطرا جسيما، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة، للناس كافة، ولرهطك عامة، ولك خاصة.

فقال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سرّك وبرّ، فما هو؟ فذاك أهل الوبر زمرا بعد زمر. قال: إذا ولد بتهامة غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. قال عبد المطلب: أبيت اللعن، لقد أبت بخير ما آب به وافد قومك، ولو لا هيبة الملك وإعظامه وإجلاله لسألته من سأراه إياي ما ازداد به سرورا.

قال سيف بن ذي يزن: هذا حين يولد فيه أو قد ولد، اسمه محمد، بين كتفيه شامة، يموت أبوه و أمه، ويكفله جده وعمه، قد وجدناه مرارا، والله باعثه جهارا، وجاعل له من أنصارا، يعزّ بهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم الأرض، يعبد الرحمن، ويزجر الشيطان، ويخمد النيران، ويكسر الأوثان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.

قال عبد المطلب: أيها الملك، عز جارك، وسعد جدك، وعلا كعبك، ونما أمرك، وطال عمرك، و دام ملكك، فهل الملك سارّي بإفصاح، فقد أوضح بعض الإيضاح. قال سيف بن ذي يزن: و البيت ذي الحجب، والعلامات ذي النقب، إنك يا عبد المطلب لجده بلا كذب.

قال: فخرّ عبد المطلب ساجدا. فقال سيف: ارفع رأسك، فقد ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك؟ قال عبد المطلب: نعم أيها الملك، إنه كان لي ابن، وكنت به معجبا، وعليه رفيقا، فزوّجته كريمة من كرائم قومي: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام وسمّيته محمدا، ومات أبوه وكفلته أنا وعمه، بين كتفيه شامة، و فيه كلما ذكرت من علامة.

فقال سيف: إن الذي ذكرت لكما ذكرت، فاحتفظ به، واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء، و لن يجعل الله لهم عليه سبيلا، واطو ما ذكرت لك دون هذا الرهط الذي معك، فإني لست آمن أن يدخلهم التحاسد من أن يكون لك الرئاسة فيبغون لك الغوائل، وينصبون له الحبائل، وهم فاعلون أو أبناؤهم، ولو لا أني أعلم أن الموت محتاجي قبل مبعثه، لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار ملكه، فإني أجد في الكتاب الناطق، والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره، وموضع قبره، وأهل نصرته، ولو لا أني أقيه من الآفات، وأحذر عليه من العاهات، لأوطأت أسنان العرب كعبه، ولأعلنت على حداثة من سنّه ذكره، ولكني صارف إليك من غير تقصير بمن معك.

ثم أمر لكل رجل منهم بمائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشرة إماء، وعشرة أرطال فضة، و خمسة أرطال من الذهب، وكرش مملوء عنبرا، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك، و قال له: إذا كان رأس الحول فائتني بخبره، وما يكون من أمره.

فهلك سيف بن ذي يزن قبل رأس الحول، وكان عبد المطلب يقول: لا يغبطني يا معشر قريش رجل منكم لجزيل عطاء الملك وإن كثر، فإنه إلى نفاد، ولكن يغبطني بما يبقي له شرفه وذكره، و لعقبي من بعدي. فكان إذا قيل له: وما ذاك؟ قال: سيعلن ولو بعد حين.

وفي ذلك يقول أمية بن أبي الصّلت:

جلبن النصح معقبة المطايا على أكوار جمال ونوق

مغلغلة مرافقها تعالى إلى صنعاء من فجّ عميق

نؤمّ بها ابن ذي يزن وتفري بطون خفافها أمّ الطريق

ونلمح من مخايله بروقا مواصلة الوميض إلى بروق

فلما واقعت صنعاء صارت بدار الملك والحسب العتيق

وفي الحديث المشهور عن ابن عباس أن الحبر قال لعبد المطلب: أشهد أن في إحدى يديك ملكا، وفي الأخرى نبوءة، وذلك قبل تزويج عبد الله في بني زهرة، فكان كما قال: النبوّة والخلافة العباسية.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!