موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


ذكر نسب تنصّر النعمان بن المنذر، ورفعه يوم بؤسه، ووفاء الطائي، وفضل شريك بن عمير

أخبرن بعض الأدباء من إخواننا من سيس، أن النعمان بن المنذر ركب في يوم بؤسه، وكان له يومان: يوم بؤس، ويوم نعيم، لم يلقه أحد في بؤسه إلا قتله، ولا في يوم نعيمه أحد إلا حباه وأعطاه، فاستقبله يوم بؤسه أعرابي من طيّ، فأراد قتله، فقال: حيّا الله الملك، إن لي صبية صغارا لم أوص بهم إلى أحد، فإن رأى الملك في أن يأذن لي في إتيانهم، وأعطيه عهد الله أن أرجع إليه إذا أوصيت بهم حتى أضع يدي في يده. فرقّ له النعمان وقال له: لا، إلا أن يضمنك رجل ممن معنا، فإن لم تأت قتلناه. وكان مع النعمان شريك بن عمرو بن شراحيل، فنظر إليه الطائي وقال:

يا شريك بن عمير هل من الموت محاله

يا أخا كل مصاف يا أخا من لا أخا له

يا أخا النعمان فيك ال‍ يوم عن شيخ علاله

ابن شيبان قتيل أحسن لله فعاله

فقال شريك: هو عليّ، أصلح الله الملك. فمضى الطائي وأجّل له أجلا يأتي فيه.

فلما كان ذلك اليوم، أحضر النعمان شريكا، وجعل يقول له: إن صدر هذا اليوم قد ولّى، وشريك يقول له: ليس لك عليّ سبيل حتى يمسي. فلما أمسى أقبل شخص والنعمان ينظر إليه و إلى شريك، فقال له: ليس لك عليّ سبيل حتى يدنو الشخص، فلعله صاحبي، فبينما هم كذلك إذ أقبل الطائي، فقال النعمان: والله ما رأيت أكرم منكما، وما أدري أيكما أكرم، أهذا الذي ضمنك في الموت أم أنت إذ رجعت إلى القتل؟ ثم قال للوزير الذي هو شريك: ما حملك على ضمانه مع علمك أنه هو الموت؟ قال: لئلا يقال: ذهب الكرم من الوزراء. و قال للطائي: ما حملك على الرجوع إلى القتل؟ قال: لئلا يقال: ذهب الوفاء من الناس، و يكون عارا في عقبي وفي قبيلتي. قال النعمان: فو الله لا أكون ألأم الثلاثة، فيقال: ذهب العفو من الملوك. فعفا عنه، وأمر برفع يوم بؤسه.

وأنشد الطائي يقول:

ولقد دعتني للخلاف جماعة فأبيت عند تجهّم الأقوال

إني امرؤ مني الوفاء خليقة وفعال كل مهذب مبذال

فقال النعمان: ومع ما ذكرت، ما حملك على الوفاء، قال: أيها الملك، ديني.

قال: و ما دينك؟ قال: النصرانية. قال: اعرضها عليّ، فأعرضها عليه، فتنصّر النعمان.

وحدثني أبو جعفر بن يحيى قال: دخل رجل على أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، فقال: ي أمير المؤمنين، عندي نصيحة. قال: وما نصيحتك؟ قال: فلان كان عاملا ليزيد بن معاوية، وعبد الملك، والوليد، فخانهم فيما تولاه في أيامهم، واقتطع أموال جليلة، فمر باستخراجها منه. قال: أنت شر منه وأخون حيث اطلعت على أمره وأظهرته، و لو لا أني أنفر النصّاح لعاقبتك، ولكن اختر مني خصلة من ثلاث، قال:

اعرضهنّ يا أمير المؤمنين. قال: إن شئت فتشنا على ما ذكرت، فإن كنت صادقا مقتناك، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أقلناك. قال: بل يقيلني أمير المؤمنين. قال: قد فعلت، فل تعودنّ بعد هذا إلى قلة الوفاء، وإن ظهر لك من ذي جرمة أمر فاكتمه.

وحدثن مصعب الخشني الخطيب أن مخارف بن عفان، ومعن بن زائدة، تلقيا رجلا ببلاد الشرك و معه جارية لم يريا مثلها شبابا وجمالا وفصاحة، فصاحا به ليخلّي عنها،

ومعه قوص فرمى بها، وهابا الإقدام عليه، ثم عاود ليرمي فانقطع وتره، وسلّم الجارية، واشتدّ يعدو في جبل كان قريبا منه، فابتدر الجارية وفي أذنها قرط فيه درّة، فانتزعاها من أذنها، فقالت: وما قدر هذه؟ لو رأيتما درّتين معه في قلنسوته، وفي قلنسوته وتر قد أعدّه ونسيه من الدهشة. فلم سمعا قول الجارية تبعاه وصاحا به: ارم القلنسوة، وانج بنفسك.

فلما سمع قولهما ذكر الوتر، فأخذه وعقده في قوسه، فولّيا ليست لهما همة إلا النجاء، و خلّيا عن الجارية.

وحدثن أيضا قال: قال سليمان بن عبد الملك: أنشدوني أحسن ما سمعتم من شعر النساء. فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين، بينما رجل من الظرفاء في بعض طرقاته إذ أخذته السماء، فوقف تحت مظلة ليسكن من المطر وجارية مشرفة عليه، فلما رأته حذفته بحجر، فرفع رأسه وقال:

لو بتفاحة رميت رجونا ومن الرمي بالحصاة جفاء

فأجابته:

ما جهلن الذي ذكرت من الشكل ولا بالذي ذكرته خفاء

وداية معها فقالت:

قد بد التيه بالذي ذكرته ليت شعري فهل لهذا وفاء

وسائلة بالباب:

ولعمري دعوتها فأجابت هي داء وأنت منها دواء

قال سليمان: قاتلها الله، وهي والله أشعرهم.

وقرأت في كتاب (المحاسن والأضداد) للجاحظ: عن عنان جارية الناطفي، قال عمرو بن بحر الجاحظ في باب المماجنات من الكتاب، قال السلولي: دخلت يوما على عنان وعندها رجل أعرابي، فقالت: يا عم، لقد أتى الله بك. قلت: وما ذاك؟ قالت: هذا الأعرابي دخل عليّ فقال: بلغني أنك تقولين الشعر، فقولي بيتا. قال السلولي: فقلت لها:

قولي، فقالت: قد ارتجّ عليّ، فقل أنت. فقلت:

لقد جلّ الفراق وعيل صبري عشية عيرهم للبين ذمت

فقال الأعرابي:

نظرت إلى أواخرها مخبّا وقد بانت وأرض الشام أمّت

فقالت عنان:

كتمت هواهم في الصدر مني على أن الدموع عليّ نمّت

فقال الأعرابي: أنت والله أشعرنا، ولو لا أنك بحرمة رجل لقبّلتك، ولكن أقبّل البساط.

وقرأت في الكتاب المذكور: قال عمرو وقال بعضهم: دخلت على عنان فإذا عليها قميص يكاد يقطر صبغه، وقد تناولها مولاها بضرب شديد وهي تبكي، فقلت:

إن عنان أرسلت دمعها كالدرّ إذ ينسل من خيطه

فقالت:

فليت من يضربها ظالما تجفّ يمناه على سوطه

فقال مولاها: هي حرّة لوجه الله، إن ضربتها ظالما أو غير ظالم.

أنشدن أبو عبد الله بن عبد الجليل، قال: أنشدني أبو الحسن علي المسفر بنسبته لنفسه:

يا أيه المبتلي بذمّي قد علم الله ما تقول

فالقول إن خفّ في لساني أخانني وزنه الثقيل

وحافظ كاتب شهيد يكتب عني الذي أقول

من حاسب النفس كلّ حين لم يتهاون بما يقول

كان هذا الشيخ المسفر جليل القدر، حكيما، عارفا، غامضا في الناس محمود الذكر، رأيته بسبته له تصانيف، منها منهاج العابدين الذي يعزى لأبي حامد الغزالي وليس له، وإنما هو من مصنفات هذا الشيخ، وكذلك كتاب النفخ والتسوية الذي يعزى إلى أبي حامد أيضا، وتسميه الناس: المصون الصغير.

ولهذ الشيخ أيضا القصيدة المشهورة، وهي هذه:

قل لإخوان رأوني ميتا فبكوني إذ رأوني حزنا

تظنون بأني ميتكم لست ذاك الميت والله أن

أنا عصفور وهذا قفصي كان سجني وقميصي زمنا

أنا في الصور وهذا جسدي كان جسمي إذ ألفت السجن

أنا كنز وحجابي طلسم من تراب قد تخلى للفنا

فاهدموا البيت ورضّوا قفصي وذروا الكل دفينا بينن

وقميصي مزّقوه رمما وذروا الطلسم بعدي وثنا

لا ترعكم هجمة الموت فما هو إلا نقلة من هاهن

فحياتي وسن في مقلتي خيبة الموت تطير الوسنا

لا تظنوا الموت موتا إنه لحياة هي غايات المن

فاخلعوا الأجساد عن أنفسكم تبصروا الحق جهارا بيّنا

حسّنوا الظنّ بربّ راحم تشكروا السعي وتأتوا أمن

ما أرى نفسي إلا أنتم واعتقادي أنكم أنتم أنا

عنصر الأنفس شيء واحد وكذا الجسم جميعا عمّن

فمتى ما كان خيرا فلنا ومتى ما كان شرّا فبنا

أشكر الله الذي خلّصني وبنى لي في المعالي ركن

فأنا اليوم أناجي ملأ وأرى الحق جهارا علنا

عاكف في اللوح أقرأ وأرى كل ما كان ويأتي ودن

وطامي وشرابي واحد وهو رمز فافهموه حسنا

ليس خمرا سائغا أو عسلا لا ولا ماء ولكن لبن

هو مشروب رسول الله إذ كان يسري فطره مع فطرنا

فافهموا السرّ ففيه نبأ أي معنى تحت لفظ كمن

قد ترحّلت وخلّفتكم لست أرضى داركم لي وطنا

فخذوا في الزاد جهدا لا تنوا ليس بالعاقل منّا من ون

أسأل الله لنفسي رحمة رحم الله صديقا أمّنا

وعليكم من سلامي صيب وسلام الله بدءا وثن

وكتبت عنان إلى الفضل بن الربيع:

كن لي هديت إلى الخليفة شافعا بوركت يا ابن وزيره من مسلم

حثّ الإمام على شراي وقل له ريحانة دخرت لأنفك فاشمم

وفيها يقول أبو نواس:

عنان ي من تشبه العينا أنت على الحبّ تلومينا

حسنك حسن لا يرى مثله قد صيّر الناس مجانين

وقالت غريبة جارية المأمون:

وأنتم أناس فيكم الغدر شيمة لكم أوجه شتى والسنة عشر

عجبت لقلبي كيف يصبو إليكم على عظم ما يلقى وليس له صبر

ويقال: إن هذه الجارية هي التي يقول فيها أمير المؤمنين المأمون يخاطبها:

أن المأمون والملك الهمام على أني بحبك مستهام

ترضى أن أموت عليك وجدا ويبقى الناس ليس لهم إمام

فقالت له: يا أمير المؤمنين، أبوك الرشيد أعشق منك، حيث يقول:

ملك الثلاث الآنسات عناني وحللن من قلبي بكل مكان

ما لي تطاوعني البرية كلها وأطيعهنّ وهنّ في عصياني

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى وبه قوين أعزّ من سلطاني

فقدم ذكرهن على ذكر نفسه، وأنت قدمت نفسك على من تزعم أنك تهواها. قال له المأمون: غير أني منفرد لك، والرشيد قسم بين ثلاث، . قالت: أعرفهن: الواحدة المقصودة وهي فلانة، والثنتان محبوبتان لها، فأحبهما لحبّها إذ ذاك مما يسرّها، كما قال خالد بن يزيد بن معاوية في رملة:

أحب بني العوّام طرّا لأجلها ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا

وقال الآخر:

أحبّ لأجلها السودان حتى أحبّ لأجلها سود الكلاب

فهؤلاء أحبوا القبيلة من أجلها فأحرى من أحبت هذا المخرج لأمير المؤمنين الرشيد، فأين المخرج لأمير المؤمنين؟ فسكت وعظم وجد.

ولنا في هذا المعنى في صاحب حبشي أخلص لي في محبته واسمه بدر:

أحب لحبّك الحبشان طرّا وأعشق لاسمك البدر المنيرا

حدثنا مصعب بن محمد الخشنيّ القاضي الخطيب الجناني، في مجلس كان بيني وبينه في الأدب، في حق شخص كان وسيم الوجه، وقد أصاب عينيه رمد فاحمرت عيناه، فقلت له: ي سيدي، ما أحسن قول القائل في مثل هذا، فقال: وما قال؟ قلت:

قالو اشتكت عينه فقلت لهم من كثرة الفتك نالها وصب

حمرتها من دماء من قتلت والدم في السيف شاهد عجب

فقال رحمه الله لنا في هذا المعنى في زمان الصبا شيء، قلت: فأنشدني:

أكر صحبي إذ رأوا طرفه ذا حمرة يشفي بها المغرم

لا تنكروا الحمرة في طرفه فالسيف لا ينكر فيه الدم

ولنا في هذا المعنى:

ل تنكروا الحمرة في طرف من يسفك بالطرف دماء البشر

وإنما الإنكار من أنفس أرضية سالت بعين القمر

والنفوس هنا الدماء، كما قال القائل:

تسيل على حد السيوف نفوسنا وليس على غير السيوف تسيل

ثم تذاكرنا فيما قال الأدباء في فنون شتى، إلى أن وقع ذكر النساء المتقدمات فقال:

ما نرى في زماننا من مثل أولئك أحدا، فقلت له: يا سيدي، هنا عندنا بالبلد أمّ النساء بنت عبد المؤمن التاجر الفاسيّ، وهي تجيد الشعر، وقد أنشدت للسيد أبي علي صاحبك عند ما ولّي علينا قصيدتها، وكنت أحفظها فأنشدته إياها، فاستحسنها، ولا أذكر الآن منها إلا أول بيت، وهو قولها:

جاء البشير بوعد كان ينتظر فأصبح الحقّ ما في صفوه كدر

من خير هاد غدا بالهدى يأمرنا وفي أوامره التسديد والنظر

وفيها تصفه بالحرب:

ليث إذ اقتحم الأبطال حومتها يفني الكتائب لا يبقي ولا يذر

فجرينا في هذا الميدان ساعة، فأمتعني منه ما ملأ القلب أنسا وطبت به نفسا، إلى أن جرى في أثناء ذلك المجلس الزاهر، النمام بأعراف هذه الأزاهر. وذكر فضل الشاعرة و آدابها، وأنها ممن جمعت بين الشعر والصوت، فكانت تقول الشعر وتلحنه، ثم تغني به على العود. فقلت له: هل تحفظ من شعرها الذي لها فيه صوت؟ فقال: كثير، فقلت: فإن رأي سيدي في ذلك، فقال: روينا من حديث قاسم بن عبد الله أنه قال: كنت عند سعيد بن حميد الكاتب وقد افتصد، فأتته هدايا فضل الشاعرة ألف جدي، وألف دجاجة، وألف طبق رياحين وطيب، فلما وصل ذلك كتب إليها: إن هذا يوم لا يتم السرور فيه إلا بك و بحضورك. قال القاسم يصفها: وكانت من أجود الناس شعرا، وأملحهم صوتا، وأحسن الناس ضربا بالعود. فأتته فضرب بينها وبينه حجابا، وأحضر ندماه، فلما استوى المجلس بالقوم وسرى السرور أخذت العود وغنّت، والشعر لها:

يا من أطلت تفرّسي في وجهه وتنفسي

أفديك من متدلل يزهو بقتل الأنفس

هبني أسأت وما أسأ ت بلى أقول أنا المسيء

أحلفتني أن لا أسا رق نظرة في مجلس

فنظرت نظرة عاشق أتبعتها بتنفّس

ونسيت أني قد حلف‍ ت فما يقال لمن نسي

وضربت أيضا وغنّت:

عاد الحبيب إلى الرضا فصفحت عما قد مضى

من بعد ما بصدوده شمت الحسود وحرّض

تعس البغيض فلم يزل لصدودنا متعرّضا

هبني أسأت وما أسأ ت وإن أسأت لك الرض

قال: فما أتى عليّ يوم أسرّ من ذلك اليوم.

حكومة: جرت للمنصور عند محمد بن عمران، ثنا يحيى، عن محمد بن أبي منصور، عن ثابت بن شداد، عن عبد الوهاب المليحيّ، عن المعافى بن زكريا، عن محمد بن مزيد، وحدّثنا عبد الرحمن بن علي، عن أبي منصور، عن محمد بن علي بن ميمون، عن محمد بن علي العلوي و محمد بن أحمد بن علاّن قالا: حدثنا محمد بن عبد الله النهرواني، عن الحسن بن محمد السكواني، عن أحمد بن سعيد الدمشقي، قالا:

حدثن الزبير بن بكار والسياق لأبي يحيى، حدثني عمر بن أبي بكر، عن نمير المدني قال:

قدم علينا أمير المؤمنين المنصور المدينة، ومحمد بن عمران الطلحي على قضائه، وأن كاتبه، فاستعد الحمالون على أمير المؤمنين في شيء ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتابا بالحضور معهم وإنصافهم، فقلت: تعفيني من هذا، فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب، فكتبت، ثم ختمته، وقال: لا يمضي به غيرك، فمضيت به إلى الربيع، وجعلت أعتذر إليه، فقال: لا عليك، فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس، وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام، ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا أعلم أحدا قام إليّ إذا خرجت، أو بدأني بالسلام، ثم خرج المسيّب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزار ورداء، فسلّم على الناس فما قام إليه أحد، ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم التفت إلى الربيع فقال: ويحك يا ربيع أخشى أن يراني ابن عمران فتدخل قلبه هيبة فيتحول عن مجلسه، وتالله لئن فعل ذلك لأولي لي ولاية أبدا، قال: فلما رآه ابن عمران وكان متكئا أطلق رداءه على عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم والحمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادعى عليه القوم، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع:

اذهب، فإذا خرج من عنده الخصوم فادعه، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلا بعد

أن فرغ من أمور الناس جميعا، فدعاه، فلما دخل عليه سلّم عليه، فرد عليه السلام وقال:

جزاك الله عن دينك وعن نبيك، وعن حسبك، وعن خليفتك، أحسن الجزاء، قد أمرت لك بعشرة آلاف دينار فاقبضها، فكانت عامة أموال محمد بن عمران من تلك الصلة.

وروين من حديث ابن ودعان، عن أبي الحسن بن السماك الواعظ، عن أبيه، عن ابن عرفة، عن العباس بن محمد بن كثير، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيته ضحك حتى بدت ثناياه، فقيل له: ممّ تضحك يا رسول الله؟ قال: «رجلان من أمتي جثيا بين يدي ربي عز وجل، فقال أحدهما:

يا رب خذ لي بظلامتي من أخي، فقال الله تعالى: أعط أخاك مظلمته، فقال: يا رب ما بقي من حسناتي شيء، قال: يا رب فليحمل من أوزاري» ، وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «إن ذلك ليوم يحتاج الناس إلى أن يحمل من أوزارهم، ثم قال الله تعالى للمطالب بحقه: ارفع رأسك فانظره إلى الجنان، فرفع رأسه، فرأى ما أعجبه من الخير والنعمة، فقال: لمن هذا يا رب؟ فقال: لمن أعطاني ثمنه، قال: ومن يملك ذلك يا رب؟ قال:

أنت، قال: بما ذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب قد عفوت عنه، قال: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة» ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله وأصلحو ذات بينكم، فإن الله عز وجل يصلح بين خلقه المؤمنين يوم القيامة» .

ومن وقائع بعض الفقراء إلى الله تعالى، ما حدثنا به عبد الله ابن الأستاذ المروزي بإشبيلية غير مرة من لفظه قال: قال لي بعض المريدين: رأيت في أبي حامد الغزالي، و أشياخ الصوفية، ومعهم الشيخ أبو مدين، فقال له بعضهم: أعد علينا كلامك في التوحيد، فقال لهم: التوحيد أصل في الوجود، وعليه أخذت المواثيق والعهود، وهو دليل على كل مفقود، فمن بقي على أصله فقد وفى، ومن عدل عن رسمه فقد أخطأ الطريق و جفا، ومن أتاه بقلب سليم تلذذ بالنظر إلى وجهه الكريم، به يسيرون، وبه يتلذذون، و به يهتدون، وأكثر الخلق للجزاء يعملون، ولعليين قوم آخرون، هو قلب الوجود به قام، وهو المحرّك والمسكّن لسائر الأجرام، سره في مخلوقاته قد انتشر، وحكمه في مصنوعاته كما قدّر وأمر، فما من شيء قلّ أو جلّ إلا هو معه، ولا ظاهر، ولا باطن إلا وقد أتقنه وصنعه، إن قلت فقوله سبق الأقوال، وإن علمت فهو خالق الأعمال، هو الممدّ للحركات والسكون، وإذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون، فسرّ هذ التوحيد مستور بالغيرة، وإذا صحّت الوحدة بطلب الكثرة، فمن انتهت همته إلى هذ المقام، كان شفعه بالخالق العلاّم، لا يلتفت إلى غيره، يتخلق بأخلاقه ويسير بسيره و هو الأول والغاية، وهو الآخر وإليه

النهاية، به حي كل حي، وله نشأ كل شيء، ونحن الفقراء و هو الغني، فسبحانه هو الواحد العلي، فمن كانت هذه رتبته، فقد علت همته، بنوره أشرف كل نور وسطع، وعما سواه انقطع، تعزز به كل عارف وتاه، وتنزه عن ملاحظة م سواه ولم يقنع من مولاه إلا بمولاه.

وسماعن على قول الشريف الرضيّ:

يا طرب لنفحة نجدية أعدل حر القلب باستبرادها

وما الصبا ريحيّ لو لا أنها إذا جرت مرت على بلاده

السماع في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لله نفحات، ألا فتعرّضو لنفحات ربكم العلوية التي تحصل للإنسان عند سجوده في مقام القرب عند مناجاته» ، قال: اجعلوها في سجودكم، يقول: وما أتقيد بريح مخصوصة، إلا أن الصبا لما كانت تهب من أفق الشروق، ومطلبنا الشهود والروية، لذلك أريدها، وأسمع حديثها، وعلى قوله أيضا بالنفس:

حلفت بالمقصرين ركبوا فأوجفوا

لانوا على العيس وخا فوا فوتها فعنفو

رجوا لأثقال الذنو ب ساعة تخفّفوا

فاستنقذوا بجهدهم سارين حتى وقفو

فلثموا ومسحوا وجمّروا وطرفوا


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!