موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


86. الموقف السادس والثمانون

قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا{1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا{2} وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا{3} وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا{4} وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا{5} وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا{6} وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7}﴾[الشمس: 91/ 1 7].

هذه الأشياء المقسم بها : هي كناية عن بعض مراتب تجليه، وتعين تنزله وتدليه، وهي مراتب كلية، فما أقسم الحق تعالى في الحقيقة إلاَّ بذاته، لأن المراتب والتنزلات كلها أمور اعتبارية لا وجود لها إلاَّ في اعتبار المعتبر، مادام معتبراً، فكل المراتب والتعينات والتنزلات من أول مرتبة وتعين وتنزل، وهو الحقيقة المحمدية،  إلى آخر تعيّن وتنزّل، وهو الصورة الإنسانية، إنما هي اعتبار وتعين وظهور وتنزل، لا وجود لها خارج العقل، كسائر الأمور المصدرية. فهي لا موجودة ولا معدومة، فهي خيال لا حقيقة لها، غير الوجود الحق الذي به ظهرت كما قيل:

مراتب بالوجود صارت

حقائق الغيب والعيان

وليس غير الوجود فيه

 

بظاهر والجميع فان

فالوجود ليس إلاَّ للذات العلية، وكل ما قيل فيه مرتبة وتعين وسوى وغير. فهو اعتبار ونسبة وإضافة لا غير.

فقوله: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾

هم قسم بمرتبة الأحدية، وهو أول المجالي، فهو مجلًي ذاتي، ليس للأسماء ولا للصفات ولا لشيء من المكونات فيه ظهور، فهو ذات صرف، مجرد عن الاعتبارات الحقية والخلقية، وإن كان الجميع موجوداً فيها، ولكن بحكم البطون، فنسبة الواحد إلى ذاته نسبة واحدة هي عين أحديّته لا واحديته. ونسبته إلى الثاني هي واحديته. فالأحدية هي تجليه تعالى لذاته، إذ لا غير في هذه المرتبة. فإن لفظ الأحد ينفي أن يكون هناك اعتبار غير وسوى، فلا يحتاج في أحديّته إلى تعين، يمتاز به عن شيء، إذ لا شيء، فهو الوجود بشرط لا شيء، ولاحظ للمخلوقات من هذه المرتبة إلاَّ الاعتبار والتعقل. لأن هذه المرتبة مرتبة الكنة، لا ينكشف لأحد ولا يدرك بحس ولا عقل، ومن طلب معرفته من هذا الوجه طلب المحال، لأن الذي لا تعين له بوجه من الوجوه لا يعرف وجهه. ووجه الكناية عن هذا التجلي بالشمس وضحاها، إن الشمس تدرك بها الأشياء، ول تدرك هي، ولا يظهر معها نور من أنوار الكواكب. وكذلك الأحدية، فهي ماحية للأنوار، ماحقة للآثار. فهي مرتبة اللاَّتَعَيُّن. فما للخلق من ملك ورسول وولي في هذه المرتبة إلا الإيمان بالغيب، فإنهم لما وصلوا ب الكشف و النظر بالبصائر إلى التعين الأول، عرفو أن وراءه شيئاً لا يعرف منه إلا وجود لا يرى. إذ الوجود المجرد عن الظهور بالغير والتعين به لا يعرف ولا ينعت ولا يوصف لأنه الذات الغنيّة عن العالمين. وهذه المرتبة في الحق والتحقيق هي حقيقة الحقائق، وإن كانت هذه التسمية أطلقها القوم على الوحدة المطلقة، و الحقيقة الكلية، وقد وصل بعض الرهبان والبراهمة وغيرهم من أهل الرياضات والمجاهدات على غير سبل الرسل (عليه السلام) إلى العقل الأول، فظنو أنه هو حقيقة الحقائق، وأنه لا شيء وراءه فخسروا وباءوا ورجعوا من حيث جاءوا.

وقوله: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴾

هو كناية عن المرتبة الثانية، وا لتعين الأول المسمى با لروح الكلي، وبنفس الرحمن، وبالوجود الإضافي، وبالحقيقة المحمدية، وببرزخ البرازخ... وله أسام كثيرة، ويعبر عنه بالوحدة المطلقة، وذلك أن الوجود إذا أخذ بشرط لا شيء فهو الأحديّة. وإذا أخذ بشرط كل شيء فهو الواحدية. وإذا أخذ مطلقاً لا بشرط شيء، ولا بشرط ل شيء، فهو الوحدة. فالوحدة منشأ الأحدية و الواحدية، لأنها عين الذات من حيث هي، أي المطلق الذي يشمل كونه بشرط لا شيء أو بشرط شيء. والوحدة إذا اعتبرت من حيث هي هي، لا تغاير الأحدية بل هي عينها، و الوحدة هنا لا تتعقل في مقابلة كثرة، ولا يتوقف تحقُّقها على تصور ضد له ا. وهذا الوجود الإضافي المشترك بين جميع الوجودات، المتعين بها، هو عين الوجود الباطن المجرد عن التعين والظهور، ولا يغايره إلا بالاعتبار. والحق تعالى في هذه المرتبة مرئي للرائين، معروف للعارفين، لأنها مرتبة اسمه تعالى الظاهر، وهو محجوب، مجهول للغافلين، فهم يرونه ولا يعرفونه. وهذه المرتبة أ ول ظهور الله تعالى من كنز الخفاء، ومعرفة القوم رضوان الله عليهم وغاية وصولهم إليها، وبها يتغزلون في أشعارهم، وعنها يكنون بليلى وسعدي، والبرق والنسيم، والخمر والكأس.... وهي الظاهر في سائر الخلق، وهي أمر الله كما قال: ﴿ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ﴾[الطلاق: 65/5].وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 17 / 85].

أي الروح أمر ربّي، فـ"مِنْ" بيانية، وهو الذي صدر عن الله بلا واسطة. وهو نور محمد (صلى الله عليه وسلم) فما صدر إلاَّ بمشافهة الأمر العزيز، وهو أي الأمر العزيز السبب الثاني، بالإضافة إلى الوجود المطلق. فإن الوجود المطلق هو الله، حيث لا تعين. وقد صدر هذا الأمر المذكور بصورة النور المحمدي عنه تعالى ، فهو التعين الأول، لأنه تعالى ظهر بعلمه في هذ التعين، من غير تمييز شيء من شيء. فالله سبب ظهور الأمر القديم، في حضرة النور الكريم، وقام النور في تعينه بالأمر القديم. فهو أي الأمر الكريم سبب ثانٍ بالإضافة إلى الله. فالنور الأول المذكور هو التعين الثاني باعتبار قيامه بالأمر، والتعين الثالث باعتبار نزوله في عالم الخلق، فهو ثلاث مراتب، وهو واحد، وكون الأمر ظهر بالنور المحمّدي، فهو السبب الأول باعتبار الإضافة إلى الوجود المقيد، وهو النور المحمّدي المتعين في عالم الخلق. ووجه الكناية عن هذه المرتبة والتعين بالقمر، هو أن القمر واسطة بين الشمس والأرض، فهو يستمد النور من الشمس، ويمدُّ الأرض به، وكذ هذا التعين الأول، فإنه يستمد من الوجود الباطن الأحدي الذاتي، ويمد العالم أعلاه وأسفله، بما يفيضه الحق تعالى عليه. فله وجهة إلى الحق، ووجهة إلى الخلق، ولهذ سمي ببرزخ البرازخ، لأن البرزخ جامع بين الطرفين، لا يكون غيرهما ولا عينهما. فمن وجهه الذي للحق هو حق، ومن وجهه الذي للخلق هو خلق، فه و حق وخلق، ولا حق ولا خلق، وهو بالنسبة إلى الوجود الأحدي فقير مستمد قابل، وبالنسبة إلى العالم غني ممّد فاعل، وكذا القمر، من وجهه الذي للشمس مستمد قابل، ومن وجهه الذي للأرض ممد فاعل، والتعينات والظهورات كلّها ممكنة حادثة، والمتعين والظاهر قديم واجب، ولهذه المرتبة قدم باعتبار، وحدوث باعتبار آخر.

وقوله: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا﴾

هو كناية عن المرتبة الواحدية، وهو التعين الثاني، وهي اعتبار الذات، من حيث انتشار الأسماء والصفات منها، ووحدتها لها مع تكثرها بالصفات، فالواحد اسم الذات بهذا الاعتبار، فهي مجلى ظهرت الذات فيه صفة والصفة ذاتاً. فظهر كل من الأسماء والأوصاف عين الآخر، فهي بهذا الاعتبار حيث ظهرت في شيء من أسمائها أو صفاتها أو مؤثراتها، فذلك الشيء عينها وهي عينه. وكل شيء مما ظهر فيه الذات بحكم الواحدية فهو عين الآخر. وإلى ذلك أشرت في بعض القصائد التوحيدية:

فقل عالم، وقل إله وقل أنا،            وقل أنت، وهو، لست تخشى به رد

ووجه الكناية عن هذه المرتبة بالنهار، هو أن النهار تظهر فيه وبه الأشياء، ويتميز بعضها من بع ض، وكذلك هذه المرتبة، فإن إليها تستند الآثار كلها،  فهي المجلية للمرتبة التي قبلها، كما أن النهار مجلّ ومظهر للشمس. وأيضاً هذه المرتبة هي عبارة عن علم الحق تعالى بذا ته، وبجميع أسمائه وصفاته، وبجميع حقائق مكوناته،  على التفصيل، وقد كان علمها في المرتبة التي قبلها، وهي الوحدة المطلقة إجمالاً، ل تتميز الذات من الصفات من حقائق المكونات. ولا يتوهم متوهم أن قولنا: "إجمالاً" أن العلم الإجمالي موجب للجهل كما عليه جمهور المتكلمين. بل هو تعالى بعلم الأشياء كما هي، المفصّلة تفصيلاً،  والمجملة إجمالاً، فلو قيل: العلم المتعلق بالأحدية وبالوحدة علم تفصيلي، للزم الكذب و المناقضة، لأن قولنا الأحدية والوحدة ينافي هذا، فالعلم المضاف إلى مرتبة الوحدة يسمى علماً إجمالياً، لاتصاف معلوماته بالإجمال. وأما العلم نفسه فلا يوصف من حيث هو انكشاف وظهور ب الإجمال و التفصيل، لأنه من لوازم الكمّ، ولا كم، ولا كيف، وقد زل هنا عالم كثير، وعالم كبير.

وقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾

هو كناية عن الطبيعة الكثيفة،  والتعين بالأجسام العنصرية المظلمة الظاهرة في المعدن والنبات، والحيوان و الجان والإنسان. لأن العالم الجسماني الطبيعي محل الظهور الإلهي الكمالي، إذ لولا الكثيف ما عرف ولا سمع خبر اللطيف. فظهور الحق تعالى بالأجسام أكمل من ظهوره بالأرواح. ولذا قيل: ظهور الحق تعالى ـ، بأجهل الناس وأعظمهم انقياداً للأمور الطبيعية والنفسانية، أتم من ظهوره في أعلم الناس وأعظمهم تحقيقاً بالأمور الروحانية، إذ عالم الشهادة أكمل من عالم الغيب، وعالم الغيب أشرف من عالم الشهادة. فالشرف بقلة الوسائط، و التمام بكثرتها، ووجه الكناية عن هذه المرتبة بالتجلي بالليل، هو أن الليل أصل للنهار. وقال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾[يس: 36/ 37].

وكذا الأجسام الطبيعية لكثافتها وحجابيتها سبب وأصل لظهور الأرواح الجزئية، وتعينها من الروح الكل، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾[الحجر: 15/29].

فالطبيعة تفعل الصور على الدوام، والروح يفيض الأرواح الجزئية على الصور على الدوام، فالأجسام ليل والأرواح شمس ونهار، فقوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَ يَغْشَاهَا﴾

هو كناية عن مرتبة التعين بالأرواح، لأن الأرواح سماء الأشباح، وله العلوّ، وهو في الحقيقة ونفس الأ مر روح واحد، عددته الصور المنفوخ فيها، كما عددت الطاقات والأبواب والخروق و الأماكن الشمس، وحقيقة الشمس واحد لا يتعدَّد،  ولا يتبعّض ولا يتجزّء ولهذا ما ورد في القرآن العزيز إلا مفرداً، فإذا اعتبر الروح مع الأجسام المدبرة، (اسم مفعول)، تعدد بتعددها مجازاً لا حقيقة، وكما تسلم أنَّ كلَّ جسم له روح واحد يدبره مع تعدد أعضاء الجسم وقواه الظاهرة و الباطنة، وت باين آثار القوى، وهو في كل قوة الفاعل للأثر المنسوب إلى تلك القوة؛ كذلك يلزمك أن تسلّم: أن العالم كلّه له روح واحد، يدبره على تعدد أنواعه وأشخاصه، من الذرة إلى العرش، والفعل وا لتأثير له في كل ما ينسب إلى العالم من الأفعال والتأثيرات. ووجه الكناية عن هذا التعيين بالسماء هو أن السماء لها العلو والشرف الحسي و المعنوي، وأنها منبع الأنوار، ولها الفاعلية بما فيها من الكواكب والأملاك ،    وكذلك الأرواح مع الأجسام. وكما أن السماء بم فيها، تدبّر الأرض وما فيها، من معدن    ونبات وحيوان، من غير اتصال ولا انتقال ول امتزاج، وأمر الروح لا يدرك إلاَّ بالكشف، ولا يدرك بالعقل أبداً، وكل كلام العقلاء فيه من حكيم ومتكلم خطأ، وقد عزمت أن أكتب فيه شيئاً، ما علمت أحداً سبقني إليه فصعقت، فألقي عليَّ قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوِيْتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيْلا﴾[الإسراء: 17 / 85].

فتأدبت و اقتديت بمن قبلي، فإنهم الأدباء مع الله،  الناصحون لعباد الله، وكلام القوم فيه إنما هو إيماء وتلويح، وإشارة و تلميح، وما ذلك إلاَّ لبعد منالها، وعظم إشكالها، فهو القديم الحادث، الواجب الممكن، الموجود المعدوم، الحامل المحمول، ليس له ند، ولا مثل، ول ضد.

وقوله: ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾

هو كناية عن التعين بالنفس الكلّية، المنبعثة من العقل الأول، كانبعاث حواء من آدم، وهي المسماة باللوح المحفوظ، وهي الحاوية لتفصيل ما أجمل في العقل الأول من العلوم. فالعقل يدفع ما يفيض عليه إلى النفس، و النفس تدفع إلى ما تحتها، بحسب تقدير العزيز الحكيم، إلى أن يصل إلى العناصر، إلى المعدن، إلى النبات، إلى الحيوان، إلى الإنسان. فا لنفس الكلية، إذ أقبلت على الجسم يسمى إقبالها نفساً. و العقل الكلي، إذا أفاض على الجسم، يسمى إقباله عقلاً. فالنفوس من فيض النفس الكلية، والعقول من فيض العقل الكلي، وللنفس وجه إلى العقل الأول، ووجه إلى الطبيعة، لأنَّ الطبيعة لها ثالث رتبة في الإيجاد. وجه الكناية عن هذه المرتبة و التعين بالأرض هو أن الأرض لها صفة الانفعال عن الأمور السماويةوكذلك النفس له رتبة الانفعال عن العقل الأول. والأرض محل لما يتكوّن فيها، وكذلك النفس محل لم ينفصل فيها من علوم العقل المجملة فيه، فقوله "طحاها" كناية عن تفصيل العلوم ومدّها فيها.

وقوله: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا﴾.

هو كناية عن مرتبة التعين بالنفس الجزئية الإنسانية، وهي مخلوقة من نور واجب الوجود لذاته، ولهذا وجد فيها من الكمال جميع ما للحق تعالى ووصفت بجميع صفاته، ما عدا الوجوب بالذات؛ وحوت من النقائص جميع ما كان في الوجود، فجمعت صفات الحق والخلق. فحقيقة النفس الروح، وحقيقة الروح الحق تعالى ولذا ورد في الأثر:

«من عرف نفسه عرف ربه»

فإذا نظر العارف إلى نفسه وجدها الروح الأعظم، القايم بظهور الذات الإلهية، المحيطة بكل شيء، ومن جملة الأشياء: العرش وما حواه. ولذا قال العارف الكبير، أبو يزيد (رضي الله عنه):

«لو أنَّ العرش وما حواه ألف ألف مرة، في زاوية من زوايا قلب العارف م أحسَّ به».

فإذا نزلت الروح إلى عالم الأجسام الطبيعية وأخلدت إليها مسخاً نفساً. و النفس الغافلة بيت الشيطان. والنفس من حيث هي، لا خبث فيها، فهي طاهرة قدسيّة، وإنم هي منقذة للخبث بالعبد، فتنزل في كلّ هيكل على حسب ما يليق به، وتدبّره بما هو مكتوب له وعليه من الأزل، إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر. ومنها ماهو مطيع للروح، ومنه عاص. فالمطيع يسمى عالم الجبروت، وهي التي لا خبث فيها، لأنها بهذا الاعتبار هي الروح التي هي أمر الله، المنفوخ في الأجسام الإنسانية، والممد للأجسام الحيوانية، وهو وجه النفس إلى الملكوت، ووجهها الذي إلى الملك هي العاصية التي نزلت إلى أسفل سافلين، فقد دنّست بدنس أوانيها، كالماء الطاهر، ينزل في الأواني النجسة، فشرّع الله تعالى الشرائع، وأرسل الرسل لتطهر النفس من خبائثها، وتتزّكى من رذالتها، فتعود روحاً كما كانت، وأنه لا يتم لها هذا إلاَّ باتباع الرسل قولاً وفعلاً وحالاً، ولا يصح لها هذا أيضاً إلاَّ بجذبة آلهية، وخطفة ربانية، أو بالسلوك على يد شيخ عارف.

والحاصل أن جملة الإنسان: روح وعقل ونفس. فالروح واحد يتعدَّد بتعدد الأعضاء، فهو واحد كثير، ولا يدبر الجسم. والعقل هو نور الروح، وهو يدبر الجسم بأمر الروح. والنفس هي نور العقل، وهي بمنزلة الخادم للعقل. فإن كمل كملت النفس، وبالعكس. وجملة هذه الثلاث أمر واحد، وهو أمر الله. وقولنا في هذه المراتب: تعين الحق تعالى بكذا، لا يفهم منهم الحصر والتقييد. وإنما الحق في كل تعين قابل للحكم عليه بأنه متعين، مع العلم بأنه غير محصور في التعين، وأنه من حيث هو هو غير متعين حال الحكم عليه بالتعين. فهو مطلق في آن تقييده، مقيد في آن إطلاقه، فهو تعالى على ما تقتضيه ذاته من الإطلاق والتعين و التجلي والاستتار، لا يتغير ولا يتحول، ول يلبس شيئاً فيترك غيره، ولا يخلع شيئاً فيأخذه سواء. بل هو على ما هو عليه،  أزلاً وأبداً، وإنما هذه التعينات والتغييرات والتحولات في الصور وفي النسب والإضافات والاعتبارات، إنما هو بحسب ما يتجلَّى به علينا، ويظهر به لنا، وهو في ذاته على ما هو عليه من قبل تجليه وظهوره.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!