موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


69. الموقف التاسع والستون

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾[الحجرات: 49/ 15].

ورد الوارد أيام السلوك بهذه الآيات، فعلمت أن المراد من هذا الإلقاء، الحث على المجاهدة والرياضة، فإنه حصل الإيمان «بأنما» في المجاهد بماله ونفسه. والمراد من طريق الاعتبار الجهاد الأكبر الذي قال فيه (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه الكرام: ((رجعتم من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر)).

أي ابذلوا جهدكم وطاقتكم في طلب معرفته تعالى والوصول إليه، مستعينين على ذلك بأموالكم، أي ببذل ما زاد على حاجتكم من أموالكم، في وجوه البرّ وأنواع الخيرات. لأن السالك إذا كان له مال زائد على ضروراته تعين عليه إخراجه في وجوهه، ول تغنيه مجاهدة نفسه بغير إخراج المال الزائد في أنواع المجاهدات والرياضات.

قيل لذي النون (رضي الله عنه):

إن فلاناً له مالٌ كثير، ولا يخرج منه شيئاً في وجوه البرّ، وهو يصوم النهار، ويقوم الليل. فقال: (مسكين، ترك حاله ودخل في حال غيره).

يريد أنَّ السالك إلى الله، أوّل حالاته أن يقول بفاضل ماله هكذا وهكذ في عباد الله تعالى

و«أنفسهم» أي جاهدوا مستعينين بأنفسهم، فإنَّ النفس مطيّة السالك في سيره إلى الله تعالى ونعمت المطيّة لمن وفقه الله وهداه رشده في سبيل الله، أي في طريق الوصول إلى الله تعالى ومعرفته. ولولا وجود النفس ما سار سائر إلى حضرة الحقّ ولا وصل إليها. فهي الحجاب على العبد، وهي موصله إلى ربّه، ووسيلته إليه، وأولئك هم الصادقون في محبة الله ومحبة الوصول إلى حضرة قربه، فإذا ظهرت على مدّعى محبته تعالى والسلوك إليه، علامة الصدق، وهي بذل ماله ونفسه، وتحقق صدقه في دعواه محبّته تعالى ومن ادَّعى ذلك بلسانه، ولم تظهر عليه العلامة، فهو إمَّا كذاب، وإمَّا دنيء الهمة، ضعيف العزمة، وإنما قدَّم الجهاد بالمال على الجهاد بالأنفس، لأن الإنسان في الغالب قد يجود بجهاد نفسه بالصيام والقيام وأنواع الرياضات والمجاهدات، ولا يقدر أن يجود بماله، لما جبل عليه الإنسان من الشحّ، إذ الشحّ صفة نفسية للإنسان.

قال تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[الحشر: 59 /9، التغابن: 64/16].

وذلك لأن وجوده الذي هو به، هو مستعار من غيره، وهو الحق تعالى فهو أبداً يحب أن يأخذ ولا يعطي.

﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ ﴾[الحجرات: 49/ 16].

الهمزة للاستفهام الإنكاري، ومعناه النفي، والدين من معانيه الجزاء، كم في:

﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾

فيجب على السالك أن لا يطلب جزاء على سلوكه وأعماله؛ وإنْ طلب فإنم يكون طلبه على وجه الذلّة وإظهار الحاجة والافتقار مع تفويض الأمر إليه تعالى فيما يريد ويختار، فإن مطلوب الحقّ من عباده ترك الاختيار معه، فأحرى من السالكين كما قيل على طريق الترجمة:

مرادي منك نسيان المراد             إذا رمت السبيل إلى الرشاد

فربما طلب السالك شيئاً يراه خيراً له، من غير تفويض، فكان فيه هلاكه وشره. فكأنه تعالى يقول للسالكين: لا تعلموني بجزائكم، ولا تخبروني بحاجتكم وحالكم، فإني عليم بما في السماوات والأرض، أعلم كلّ مخلوق وما يصلحه، وما يطلبه لسان استعداده، وما تقتضيه الحكمة في حقه، بحيث لو اطلع كل سائل عليها لكان راضياً بما أعطيته من خير وشرّ، ونفع وضرّ. ولو اطلع على باطن الحقيقة، والأمر قبل السؤال، ما سأل إلاَّ ما أعطاه الحق كائناً ما كان، بل لا يعطي الحق مخلوقاً شيئاً خيراً أو شرّاً إلاَّ وهو سائل لذلك بلسان استعداده، وإن خالف لسان نطقه لسان استعداده؛ فإنه قد يكون السائل مستعداً للسؤال باللسان النطقي، ولسان استعداده يسأل ضده.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!