موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


62. الموقف الثاني والستون

قال تعالى:﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[القمر: 54/ 50].

اعلم أن كلّ ما يقع عليه الإدراك من المحسوس ومعقول ومتخيّل، فهو متغير متجدّد في كلّ نفس، يوجد ويعدم، إذ كل مدرك فهو صورة قائم بغيره، كقيام العرض بالجوهر عند علماء الكلام. وذلك الغير المقوّم لتلك الصورة هو نفس الرحمن، وأمر الله وحقيقة الحقائق، وله أسماء كثيرة بحسب اعتباراته. والكون كله وما حوى من عالم الأرواح وعالم المثال وعالم الأجسام، أعراض. ونفس الرحمن مقوّم لها، وهي قائمة به.

قال بعضهم: ما الكون إلاَّ عرض، سيّان في ذلك الجوهر والعرض، ولولا أن هذه الصور المدركة بأي مدرك كان من أنواع الإدراكات، أعراض، ما صحّ انقلاب العص حيّة، ولا العرجون سيفاً، ولا صحّ مسخ، إذ لو كانت هذه الصور المدركة هي حقائق الأشياء، ما صحَّ انقلابها، لأن قلب الحقائق محال، فحقيقة الأشياء غير هذه الصور المدركة. بل حقيقة كل شيء هو المقوّم لصورته، وهو غير مدرك بالحس؛ بل يدرك بالحس، ول يعرف أنه هو، لأنه لا يتميّز عن الصورة ولا تتميّز عنه. وإذا صحّ أنَّ كلَّ م يتعلق به الإدراك مطلقاً صورة، بمعنى عرض قائم بغيره، فهو لا يبقى زمانين، بل زمان وجوده عدمه، كما تقول الأشاعرة من المتكلّمين: العرض لا يبقى زمانين، وقال بعدم بقاء الجسمية زمانين قوم من الحكماء قديماً، بل عقلاً. والقوم (رضي الله عنه) قالوه كشفاً. فكل صورة مطلقاً، لا يقع عليها إدراك أي إدراك كان إلاَّ إذ تميّزت عند المدرك، لأنَّ موجودية الأشياء تابعة للإدراكات لا غير، عن الوجود العام المفاض عليها المقوّم لها، وزمان تميزها حيث يتعلق الإدراك بها هو زمان عدمها، لأنه ما حصلت على اسم الموجود إلاَّ بملابسة الوجود الحق الظاهرة فيه، وبه، من غير حلول ولا اتحاد، فإذا تميّزت عنه في المدارك المدركة حصلت على العدم، بمثابة الصورة المرئية في المرآة. فمهما نظر الناظر الصورة في المرآة لا يرى المرآة، فانعدمت المرآة في نظره، وانعدمت الصورة لأن المقوم لها هو المرآة. ولو بقيت الصورة في ظنه وفي خياله فهي معدومة في المرآة موجودة في خياله، فهو يراها في خياله ويظنّ أنَّه يراها في المرآة، أعني زمان انعدامها، وأيضاً الوجود الحق تعالى من حيث هو غنيّ عن العالمين، فهو ظاهر بذاته الأحدية لذاته، ووحدته تطلب عدم الكثرة لأنَّ مقتضى الأحدية إعدام الكثرة، وأسماؤه تعالى تطلب ظهورها بظهور آثارها، وهو مقتضى الكثرة.

فالكون دائماً بين مقتضى اللأحدية وهو عدم الكثرة وبين مقتضى الأسماء وهو ظهور الكثرة. وإن كان ظهور الكثرة بظهور الأسماء بآثارها هو ظهور الذات في الحقيقة، حيث أنها أعْدَام ونسب، لا قيام لها بدون الذات، ولهذا كان الحق تعالى ـ ظاهراً باطناً، أولاً، آخراً، من حيثية واحدة، وجهة متحدة.

ولا يفهم من تمثيلنا بالجوهر والعرض المعروفين عند المتكلمين، أن العالم والمقوّم له مثلهما من كل وجه، وإنَّما هو للتقريب، إذ لا يشترك في التمثيل التساوي من كل وجه.

وأكثر الناس يعلمون هذه المسألة، ولا يعلمون أنهم يعلمون، لأنَّك إذ قلت للمنطقي مثلاً: ما حقيقة الإنسان؟! فيقول: الحيوان الناطق، فتقول له: الحيوانية والناطقية، جوهر أو عرض؟! فيقول: عرض، عند المحقّقين، فكأن الإنسان الذي هو أعظم الجواهر وأشرفها وأجمعها لحقائق الأجسام عندهم عرض تجري عليه أحكام الأعراض، إذن ولابدَّ.

وكذا، تقول للطبيعي: هذه الأجسام العلوية مثل العرش والكرسي والأطلس وفلك الثوابت والسفليّة المشهودة وغير المشهودة من أي شيءٍ هي مركبّة؟! فيقول لك: من العناصر الأربعة، وهي التراب والماء والهواء والنار. فنقول له: والعناصر الأربعة، من أي شيء هي مركبة؟ فيقول لك: التراب مركب من البرودة واليبوسة، والماء مركب من البرودة والرطوبة، والهواء مركب من الحرارة والرطوبة، والنار مركبة من الحرارة واليبوسة. فتقول له: وهذه الطبائع الأربعة: جواهر أو أعراض؟!.. فيقول: هي أعراض. فكانت الجواهر والأجسام كلّها مركبة في الأعراض، تجري عليه أحكام الأعراض ولابدَّ.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!