موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


51. الموقف الواحد والخمسون

قال تعالى: ﴿ َنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[الواقعة: 56/ 61].

إنَّه يوجد في كلام سادات القوم (رضوان الله عليهم) لفظة الانسلاخ، كم يوجد لفظة المعراج التحليلي، ومعنى اللفظتين واحد، وإيضاحه: هو أن يعلم أن كل م يطلق عليه اسم موجود في أي مرتبة من مراتب الوجود كان، ليس هو إلاَّ الحق تعالى ـ ظاهراً ومقيداً بحسب تلك المرتبة التي حصل الظهور فيها. فهو الظاهر في ملابسه اللبسية المتعين بأسمائه القدسية. والظهورات والتعينات والتقيدات كلها أمور اعتبارية عقلية لا وجود لها خارج العقل، كسائر الأمور المصدرية، ولما ظهرت حقيقته المطلقة، مقيدة في بادئ الرأي والوهم، وإلا فهي مطلقة حالة الحكم عليها بالتقييد. ولا يكون العارف كاملاً حتى يشهد الإطلاق في التقييد. والتقييد في الإطلاق، في آن واحد. انحجب من حيث تقييده عن نفسه، من حيث إطلاقه، فاشتاق المطلق إلى الاتحاد بالمقيد، وإلى هذا يشير سلطان العاشقين بقوله:

فكلّي لكلّي طالب متوجه

وبعضي لبعضي جاذب بالأعنّة

فأرسل الرسل لذلك، وشرع الشرائع، وأمر باستعمال الأدوية والأسباب المعينة على رفع الحجب المسدولة على المقيد، بالوهم والخيال، حتى يتحد المطلق بالمقيد، الاتحاد النسبي المعروف عند أهله. وليست الأسباب الرافعة للحجب إلاَّ الأدوية التي ركبتها الرسل (عليه السلام) والكمل من ورثتهم بأمره تعالى من العبادات والأوامر والنواهي والرياضات والمجاهدات.

ثم ليعلم ثانياً أنَّ صورة كل شيء، كائناً ما كان، حقاً أو خلقاً، هي مابه ظهور ذلك الشيء وتعينه من غيبه النسبي. فالأجسام صور الأرواح، والأرواح صور الأعيان الثابتة، والأعيان الثابتة صور الأسماء الإلهية، والأسماء الإلهية صور الذات العلية، الغيب المطلق. فلولا الأسماء التي هي كالصور للذات الغيب البحت، م ظهرت الذات ولا عرفت. ولولا الأعيان الثابتة التي هي صور ومظاهر للأسماء الإلهية، م ظهرت الأسماء ولا تعينت. ولولا الأرواح التي هي صور الأعيان الثابتة ما عرفت الأعيان الثابتة. ولولا الأجسام التي هي صور الأرواح، ما عرفت الأرواح ولا ظهر له أثر. فإذا استعملت حقيقة من الحقائق المقيدة الأدوية التي جاء بها الرسل (عليه السلام) على وجه مخصوص، وكيفية معروفة عند أهل هذا الشأن، حصل له علم ضروري كسائر الضروريات بأن هذا الجسم ليس هو بشيء حق له حقيقة وثبوت، وإنما هو خيال ووهم كسراب بقيعة تراه شيئاً محسوساً، فإذا حققته وجدته لا شيء، وكما إذا أخذت عوداً على رأسه جمرة نار، وأدرته بسرعة، فإنك تراه دائرة من نار محسوسة عندك لا تشك فيها، فإذ أمعنت النظر فيها بعقلك، حكمت أنه ليس ثمة إلا الجمرة التي على رأس العود، ول دائرة هناك أصلاً. وكذا إذا حركته مستقيماً ترى خطاً من نار ولا شيء غير الجمرة، فكل ما يدركه الحس من الصور والأجسام فهو مثل دائرة النار والخط لا حقيقة له إلاَّ في المدارك. وحينئذٍ يصير الجسم عنده ليس بشيء يعتد به ويعول عليه، ويرى في ذلك الشهود وذلك العلم أنه روح. فإذا داوم على التوجه والإقبال على الله، ودأب على ذلك، حصل له علم وشعور بأن هذا التعين الروحي مثل التعين الجسمي لا حقيقة له، ويرى أن حقيقته الحقية إنما هي عينه الثابتة في العلم القديم. وحينئذٍ يصير في علمه وشعوره عيناً ثابتة؛ ثم بعد هذا يحصل له علم بأنَّ حقيقته إنما هي الأسماء الإلهية، وحقيقته الحقية هي الذات العلية، لأن الاسم عين المسمى، ماهو بشيء زايد على ذات المسمى إلاَّ في التعقل. وإلى هذه الملابس الوهمية والخيالات المتخيّلة يشير ابن الفارض بقوله:

إذا ما أزال اللبس لم يبق غيره

 

ولم يبق بالأشكال أشكال ريبة

وإليها يشير الشيخ الكبير بقوله:

جلَّ الإله الحق أن يبدو لن

فردا وعيني ظاهر وبقائي

وإذا أردت تعرّفاً بوجوده

 

فظهوره وقف على إخفائي

يريد تحليل النشأة العنصرية، والغرماء هم العناصر الأربعة: الماء والتراب والنار والهواء. فإن السالك ما دام مقيداً بهذا الهيكل لا يعرف الله تعالى ـ. فإنه لا يعرف الله إلا الله. فإذا تجرد السالك من كل تعيّن جسمي وروحي وقلبي وفني وصل إلى العلم بالله تعالى ـ، وتحصل له علوم وأسرار ما كانت تخطر له ببال، وبعد هذا إما أن يمسكه الحق عنده، أو يرده فيلبس ملابسه الأول التي كان خلعها فيلبسها لكن على غير اللبس الأول. ففي اللبس الأول حق ظهر بخلق باطنه حق، وظاهره خلق، وفي اللبس الثاني حق ظهر بحق. فهذا هو الانسلاخ والمعراج التحليلي، وإن اختلفت العبارات عنه، وكل واحد عبر بما حصل عنه، فإنه ما سلك اثنان على طريق واحدة من كل الوجوه. ولولا القهر الإلهي ما عبرت عن هذا﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف: 18/29].

وبعد ما كتبت هذا الموقف، ألقى الحق تعالى عليَّ في الواقعة قوله تعالى:

﴿إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾[الإنسان: 76/ 22].

والحمد لله رب العالمين.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!