موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


367. الموقف السابع والستون بعد الثلاثمائة

قال تعالى:﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.

أما بعد، حمد الله بالثنائ عليه يستفتح كل كتاب، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد مفتاح الحضرة الإلهية والباب، وعلى آله وأصحابه خير آل وأفضل أصحاب. فإنه رغب مني ولي الشيخ محمد الخاني - فتح الله عليه - فهم هذه المعاني، وبلغه كل الأماني، ايضاح ألفاظ الفص الأول من فصوص الحكم ، فأجبته لذلك موضحاً كلام سيدنا رضي الله عنه بكلامه، فإنه خزانت التي منها نستفيد ما نكتب إمّا من روحانيته وإمّا مما كتبه في الكتب.

قول سيدنا: (فص حكمة إلهية في كلمة آدمية). الفص لغة، كلّ ملتقى عظمين، والفص فصل الأمر، أراد رضي الله عنه بالفص هنا أنه وي كل حكمة حقها وأعطاه مستتحقها، مع تلخيص الكلام الفاصل بين الحق والباطل. والحكمة تطلق على عدة أشياء، منها: العلم، وهوالمراد هنا. والحكمة إذا وصف بها الحق فهي علم خاص. والفرق بينها وبين العلم أن الحكمة لها الجعل، والعلم ليس كذلك، لأن العلم يتبع المعلوم، والحكمة تحكم في الأمر أن يكون هكذا، فإنّه تعالى بحكمته رتب هذا وخصّ كل نبيّ من المذكورين بعلم وتجلّ أسمائي تجلّى عليه، فأضيف إليه. فالحكمة من الحكيم تعالى أفادت علمه بشيء مما غلب عليه من العلم، وانتسب إليه من الفوائد والحكم. والإلهية منسوبة إلى الإله، وإنما اختصت الحكمة الآدمية بالإلهية مع أن جميع الحكم الإلهية لأن آدم عليه السلام مجمع جميع الأسماء الإلهية التي توجهّت علىالعالم، فإن الحق تعالى توجّه على كلّ مخلوق باسم خاص، وتوجه على آدم بجميع الأسماء التي تطلب العالم، فهو يدل على جميع الأسماء. ولذا قال الإنسان الكامل الوارث لآدم في الكمال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه وأمثاله من الورثة الكاملين «أنا الله»، يريد أنه يدل على الله تعالى دلالة الاسم الله على الإله تعالى . والكلمة الآدمية هي عين آدم عليه السلام من قوله تعالى:﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ﴾.

أراد من كونه متكلماً، والعالم كله كلمات الله، منها كلمات تامة، وهي أعيان الأنبياء والرسل الملائكة ومن التحق بهم، ومنها كلمات غير تامة بالنسبة إلى التامّة، وإلا فكل كلمة تامة بالنسبة إلى مرتبتها. لا يقال لم اختصت كل كلمة من كلمات الأنبياء بحكمة مع أن كل نبي يعلم هذه الحكم، لأنا نقول وإن كان الشأن كم قيل، فكل نبيّ غلبت عليه حكمة فانتسب إليها، وانتسبت إليه، فكل نبيّ لا بد أن يغلب عليه تجلي اسم من الأسماء الإلهية، إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه جمع الكل على غاية التمام والكمال والاعتدال، فهوالإنسان الكامل على الحقيقة، وآدم وارثه وإن كان أباه.

قول سيدنا رضي الله عنه : (لما شاء الحق -سبحانه - من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر له الأمر كلّه، لكونه متصفاً بالوجود، ويظهر به سرّه إليه). يقول رضي الله عنه مشيراً إلى بيان المرتبة السادسة من المراتب الكلية، وهي المرتبة الجامعة لجميع المراتب المسماة بالتعينات والمجالي والمنصات والمظاهر. وهذه المرتبة السادسة مرتبة الإنسان الكامل آدم عليه السلام ومن ورث مرتبته من أولاده، لكونه عليه السلام أول موجود من هذا الجنس، وإلا فالإنسان الكامل هو محمد صلى الله عليه وسلم وقد بسطا الكلام على هذه المراتب في المواقف، أي هذا الكتاب، فقال رضي الله عنه : (لما شاء الحق سبحانه) مشيئته تعالى هي تعلق الذات بالممكن من حيث سبق العلم على كون الممكن، فالمشيئة لا تتعلق إلا بالممكنات، والممكنات كلها زمانية. كما قال تعالى :﴿ إِذَا أَرَدْنَاهُ﴾ فأدخل إذا على الإرادة الإلهية، وإلا فالزمان لا يدخل إليه. فهو تعالى شاء الأشياء في غير زمان ولا تقديم فيها ولا تأخير، كما علمها في غير زمان، فقد علم الأشياء وشاءها على ماهي عليه في أنفسها. والأزمنة التي لها من جملة معلوماته ومشاءاته، ومستلزمة لها، وأمكنتها إن كانت لها، ومحالها إن كانت مما يطلب. فالمراد تعلق المشيئة لا حدوث المشيئة، لأن المشيئة صفة له تعالى قديمة أزلية. والحق من أسمائه تعالى معناه الثابت، ويقابله الباطل فهو سلب مالا يليق به تعالى. والحق لغة يطلب على الموجود في الأعيان مطلقاً ويطلب على الواجب لذاته وعلى غيره. وفواجب الوجود هو الحق المطلق، كما أن الممتنع الوجود هو الباطل المطلق، والممكن الوجود هو باعتبار نفسه باطل، وهوالذي عناه القائل الذي صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد:

(ألا كلُّ شيء ماخلا الله باطلُ)

وباعتبار موجته واجب، وبالنظر إلى رفع سببه ممتنع، وإلى عدم الالتفات إلى السبب وعدم السبب ممكن. ولما كان الحق تعالى هو الثابت المطلق، والعالم بأسره غير ثابت لأنه يتجدّد في كل نفس، كثر ترداد الاسم الحق في ألسنتهم وكتبهم أكثر من سائر الأسماء الإلهية. وهذا التعلق للمشيئة بالممكنات عموماً وبالصورة الآدمية الكمالية خصوصاً ليس هو من حيث الذات الغنية عن العالمين، فإنه ليس للذات باعتبار تجردها عن المرتبة الإلهية ما يطلب الممكنات، لأن الطلب لا يكون إل لمناسبة بين الطالب والمطلوب، وليس بين الذات وبين الممكنات مناسبة أصلاً بوجه ول حال.

فائدة:كان تعلق المشيئة بإيجاد الكون الجامع بعد أن مضى من عمر العالم الطبيعي المحصور بالزمان المقيد بالمكان أحد وسبعون ألف سنة لما انتهى خلق المولدات من الجمادات والنباتات والحيونات وتهيأت المملكة للخليفة، وانتهى الحكم إلى السنبلة ظهر نشأ هذا الكون الجامع. وكان أول وجود الزمان في الميزان، ثم دار بعد انقضاء الدورة التي هي ثمان و سبعون ألف سنة، ولم مضى من دورة الزمان أربع وخمسون ألف سنة خلق الله الدار الدنيا، وهي السموات السبع والأرضون السبع وما فيهما وما بينهما، وجعل لها أمداً معلوماً تنتهي إليه. ولم مضى من دورة الزمان ثلاث وستون ألف سنة خلق الله الدار الآخرة، وكان خلق الجان قبل آدم بستين ألف سنة. وتعلق المشيئة بالممكنات وبالصورة الآدمية من حيث أسماؤه الحسنى حيث قد يراد بها الزمان والمكان والتقييد، وهي هنا للتقييد، أي من حيث أسماؤه لا من حيث ذاته، وليست الأسماء الحسنى سوى الحضرات الإلهية التي تطلبه أحكام الممكنات، وليس أحكام الممكنات سوى الصور الظاهرة في الوجود الحق الذي هو جوهر العالم. وهذه الحضرات الأسمائية هي مراتب الذات ولا عين لها في الوجود الخارجي العيني كسائر المراتب، كالسلطنة مرتبة السلطان، والقضاء مرتبة القاضي، والحسبة مرتبة المحتسب. فالحكم للمراتب ولا عين لها، وليست المرتبة بشيء زائد خارج عن ذات صاحب المرتبة، والاسم عند الطائفة كل ماظهر في الوجود وامتاز من الغيب على اختلاف أنواع الظهور والامتياز، وهو في التحقق التجلّي المظهر لعين الممكن الثابتة، ووصف أسماء الحق تعالى بالحسنى إما أن يكون وصفاً كاشفاً لا مخصصاً. فإن أسماء الله كلّها حسنى. وإما أن يكون باعتبار العرف، فإن من أسماء الله الأسماء التي تسمى به العالم كله. فإنه تعالى يقول:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ﴾[فاطر:35/15].

فقد تسمى في هذه الآية بكل ما يفتقر إليه إذ لا يفتقر إلا إليه تعالى، وإن لم يطلق عليه لفظ من ذلك شرعاً والموصوف بالحسنى هي المعاني لا الألفاظ التي هي حروف وكلمات.

تنبيه

ليس المراد من قول سيدنا من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغه الإحصاء الأسماء التسعة والتسعين، فإنها محصاة معدودة. وورد في الصحيح: «من أحصاها دخل الجنة» وإنما مراده الأسماء الحسنى التي تبلغ فوق أسماء الإحصاء عدداً وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة، وهي المفاتيح الأول التي لا يعلمها إلا هو تعالى، وهي المؤثرة في العالم. فالأسماء الحسنى المرادة هنا لا يبلغها الإحصاء ولا يضبطه العد، فليس لها نهاية تقف عندها ولا حد، فإن الممكنات لا نهاية لها، وكل ممكن له اسم إلهي يخصه هوالذي يتوجه عليه ويطلب من الاسم الجامع الله إيجاده. وأيضاً الأسماء الحسنى غير موجودة وجوداً خارجياً عينياً، وما ليس بموجود في الخارج ل يوصف بالتناهي وإنما يلزم التناهي الموجود في الخارج إذ كل ما دخل في الوجود فهو متناه.

قوله : (أن يرى أعيانها) أي أعيان أسمائه الحسنى وليس أعيان الأسماء الحسنى إلا ما عينته أحكام الأعيان الثابتة الممكنة، وأحكام الممكنات هي الصور الظاهرة في الوجود الحق وأصلها معان فهي تظهر في حضرة الحس محسوسة، وفي حضرة الخيال متخيلة، فأصل العالم جميعه هي المعاني. ورؤيته لأعيان الأسماء هي رؤية الممكنات التي هي تعينات أسمائه تعالى إذا ما في الوجود إلاّ تعالى وأسماؤه الظاهرة بوساطة تعيناتها أو هي نفس تعيناتها. (وإن شئت قلت بعبارة أخرى أن يرى نفسه. أي ذاته إذ ليس في الوجود الخارجي إلا الذات، والأسماء أمور معقولة ونسب ل وجود لها في الخارج، بخلاف ما يقوله المتكلمون من الأشاعرة. والموجودات الممكنة ليس لها وجود ثاني وإنما هي ظهور الحق لنفسه بنفسه. فالعالم مظهر الحق إذا اعتبر الإنسان الكامل في جملته وإلا فليس العالم بمظهر كامل.

قوله: (في كون جامع يحصر الأمر. الكون يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هودونه، والكون عند الفلاسفة حلول صورة جديدة في الهيولي، وعند المتكلمين هوالحصول في الحيز والكيف، وكثير من المتكلمين يستعملونه بمعنى الإبداع، وهومراد سيدناهنا، أي في مبدع جامع لماتفرق في العالم من الحقائق الإلهية المؤثرة والحقائق الكونية المتأثرة عنها، من ملك وفلك وروح وجسم وطبيعية وجماد ونبات وحيوان. والحصر عرفا إثبات الحكم ونفيه عما عداه، ولغة المنع والتضييق والجمع، وهو المراد هنا. والأمر قد يطلق على مقصد وشأن تسمية المفعول بالمصدر. والمراد هنا أمر الله الذي قال في حقه تعالى: ﴿{ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾[الطلاق:65/5].

وهوعين الوجود في كل موجود، وهو الروح كل الذي قال تعالى فيه:﴿ قُُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾[الإسراء: 17/85].

أي هو من أمر ربّي، فمن بيانية، فهو أول ما صدر عن الله تعالى بل واسطة ولا حجاب، فهو أمر واحد من حيث حقيقته، وإلى ذلك الإشارة بقوله:﴿ وَمَ أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾[القمر:54/50].

وقوله: ﴿وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾[ الأنبياء: 21/27].

وهو أمور كثيرة من حيث العالم الذي هو تعيناته ومظاهره، وإليه الإشارة بقوله:﴿ ِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾[الشورى: 42/53].

وقوله:﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ﴾[هود: 11/123].

وصورة هذا الأمرهو النور المحمدي، أي يحصر الأمر الإلهي المتفرق في العالم تفرق الكلى في جزئياته، فلا تشذُ عنه حقيقة إلهية ولا كونية، فيظهر بالكل من حيث جسمه وروحه. وعله هذا هو كون المبدع متصفاً بالوجود أي متصفاً بجميع م اتصف به الوجود الحق المطلق، فهو مظهر كامل للوجود المطلق، إذ الفرق بين الوجود المطلق والمقيد اعتباري، فهو عين الوجود قد ظهر فيه بجميع خواصه. فليس في الموجودات كلها من يقبل الوجود على حقيقته كهذا الكون الجامع، فإن الله خلقه على صورته كما ورد في الخبر النبوي وغيره، وإن اتصف بالوجود فما له هذه المظهرية الكاملة. قوله: (يظهر سرّه به إليه) . الضمير في (سرّه) يعود على الحق تعالى والضمير في (به) يعود على الكون الجامع والضمير في (إليه) يعود على الحق تعالى والسر لغة ما يكتم وما يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها، والمراد بالسرّ الذي يظهر بالكون الجامع هو الحقائق الإلهية والكونية، فالكون الجامع هو الإنسان الكامل مجلى الحق، والحق مجلى حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان الكامل.

قول سيدنا: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ماهي مثل رؤيته نفسه بأمر آخر يكون له كالمرآة؛ فإنه تظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجلّيه له). فالضمير في «له».الأول يعود على الناظر، والضمير في «تجليه». على الناظر أيضاً المتوجّه على المحل المنظور فيه. والضمير «له». يعود على المحل المنظور فيه. يقول رضي الله عنه : الحق تعالى رأى نفسه بنفسه فشاهد كماله الذاتي، ثم شاء أن يرى كمالاته الأسمائية وهي لا تظهر إلا بآثارها فظهر بنفسه في صورة الإنسان الكامل الروح الكلي الجامع الحاصر، وقدر فيها صورة كل شيء كماهي في علمه تعالى فقامت له نفسه في صورة المغايرة مقام المرآة من غير انفصال ولا تعداد، فنظر إليها بوجهه الذي به كل شيء موجود، فظهر كل ما في الصورة الإلهية في تلك المرآة التي هي نفس الحق في الحقيقة، والروح الكلي الحقية المحمدية في الخلق الأول، وحقائق العالم في حضرة التفصيل، وآدم في حضرة الخلافة الإنسانية، فرأى الحق فيها نفسه ظاهراً بجميع معلوماته من غير حلول ولا اتحاد. فأعطى الحق تعالى نظره نفسه في هذه المرآة أشياء لم تكن تظهر له من غير وجود المحل المرآة ولا تجليه تعالى له، فأعطاه التقييد والتحديد. والحق غير مقيد ول محدود إلى غير ذلك مما ظهر بالمرآة.

قول سيدنا: (وقد كان الحق - سبحانه - أوجد العالم كله وجود شبح مسوى ل روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوّة). الشبح الشخص لا يطلق إلا علىالجسم، والشخص يخرج بالتجزي عن كونه شخصاً، والجسم لا يخرج عن كونه جسماً. والمراد بخلق العالم خلق أجناسه وأنواعه وبعض أشخاصه، مستوي تام الخلقة كامل الأعضاء والتسوية، فعل في المحل ليقبل نفخ الروح فيه بحسب مرتبته ونوعيته. إذ التسوية في كل نوع من العالم وجنس بحسب ما تقتضيه مرتبته من القبول للروح. ولما كان قبول الروح في أجناس العالم وأنواعه مختلفاً، وكان ظهور خواص الروح في العالم مختلفاً، فليس قبول الجماد للروح كقبول النبات، ولا قبول النبات كقبول الحيوان، ولا قبول الحيوان كقبول الإنسان الكامل. ومافاز بالتسوية والتعديل على الكمال والتمام إلا الإنسان الكامل وقول «كُن» خاص بالإنسان الكامل لأنه سوا على صورة العالم كلّه وعدله ولم يكن ذلك لغيره من المخلوقين. فإنه تعالى لم يذكر في غير نشء الإنسان تسوية ولا تعديلا، ولما كان تعالى قال:﴿ فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾[القيامة: 75/38].

فقد يعني بذلك خلق الإنسان، فالتسوية والتعديل معاً خاصان بالإنسان، والتسوية والنفخ عامان لكل مخلوق.

وقوله: (لا روح فيه) أي لا نفس له ناطقة، فكان العالم حين التسوية كالجنين في بطن أمه، وحركته بالروح الحيواني منه الذي صحّت له به الحياة. إذ العالم قبل ظهور الإنسان الكامل فيه كجسد سوّى من غير روح ونفس ناطقة، فإن مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان، فكان كمرآة غير مجلوّة ولا مصقولة، إذ نظر الحق فيها لا يرى الصورة الإلهية على الكمال والتمام، لعدم وجود الإنسان الكامل فيه، إذ العالم ليس بإنسان كبير إلاّ بوجود الإنسان الكامل فيه، والمرآة إذا كانت غير مجلوة سترالصدأ وجهها لا تقبل الصورة وإن كانت محاذِية للصورة.

تنبيه

الوجود الذي وصف به العالم ليس هو كما تقول الحكماء من الفلاسفة الأقدمين، ولا كما يقول المتكلمون من الإسلاميين، وإنما معنى أوجد الحق العالم: كساه خلعة الوجود بعد أن كان موصوفاً بالعدم، مع ثبوت أعيانه في الحالتين. ما خرجت أعيانه من حضرة الإمكان وإنما أحكام الأعيان الثابتة المعدومة ظهرت في الوجود الحق ـ تعالى فوجود العالم كالصورة في المرآة ما هي عين الرائي ولا هي غير عين الرائي، ولكن بالمحلّ المرئي به وبالناظر المتجلّى فيه ظهرت هذه الصورة، فهي مرآة من حيث ذاته، والصورة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها كالمرآة إذا كانت تأخذ طولاً ترى الصورة على طولها، والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه وعلى صورته من وجه. فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها، ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه، علمنا أن الناظر في المرآة ما أثرت فيه المرآة من حيث الذات، ولم يتأثر، ولم تكن تلك الصورة هي عين المرآة ولا عين الناظر، وإنما ظهرت من حكم التجلّي للمرآة، علمن الفرق بين الناظر وبين المرآة، وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها.، فالمرآة حضرة الإمكان، والحق الناظر فيها، والصورة أنت بحسب إمكانيتك، فإما ملك، وإم فلك، وإما إنسان، وإما فرس. فالتجلّي الإلهي يكسب الممكنات الوجود، والمرآة تكسبه الأشكال والهيئات في الطول والعرض والاستدارة، فيظهر الملك والجوهر والجسم والعرض. والإمكان هو هو لا يخرج عن حقيقته. وإذا كانت المرآة في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى، رفعت الصورة اليد اليسر تقول بلسان حالها: إنى وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنا أنت ولا أنت أنا فافهم.

فائدة

أجناس العالم ستة، ما ثم غيرها. وكل جنس تحته أنواع وتحت الأنواع أنواع.

الأول: الملك. والثاني: الجان. والثالث: المعدن. والرابع:النبات. الخامس: الحيوان. وانتهت المملكة وتمهّد الملك. والسادس: جنس الإنسان، وهوالخليفة على المملكة. وإنما تقدمت تسوية العالم ليظهر عنه صورة نشأة الإنسان الكامل وجسمه. وأما الأنواع العالم فمبلغها مائتا مرتبة وسبع آلاف مرتبة وستمائة مرتبة، وقام هذ العدد من ضرب ثلثمائة وستين في مثلها، ثم أضيف إليها ثمانية وسبعون ألفا، فكان المجموع ما ذكرناه، وهوعلم العقل الأول وعمر الدنيا من حين ولى النظر فيه هذ المفعول الإبداعي، وما قبل ذلك فمجهول لا يعلمه إلا الله تعالى ـ. وما من خلق خلق إلا وتعلق القصد الثاني منه وجود الإنسان الذي هو الخليفة في العالم. وأم القصد الأول فمعرفة الله وعبادته التي خلق لها العالم فافهم.

قول سيدنا: (ومن شأن الحكم الإلهي أنها ما سوىّ محلا ولا بدّ أن يقبل روحاً إلهياً عبّر عنه بالنفخ فيه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال). الشأن الحال والأمر، ول يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور. والحكم الفصل والبت والقطع. ولا بدّ فعل من التبديد، وهو التفريق. فلابدّ أي لا فراق. يقول: ومن أمر الحكم الإلهي أو القضاء البت الذي لا يتخلف سنة الله: ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾[الأحزاب:33/62 و الفتح:48/23].

أنه ما سوّى محلا أي صورة في صور العالم إلاّ ولابدّ ولا فراق ولا محيص أن يقبل روحاً إلهياً بحسب مرتبته يدبره. وإن الأرواح لا تكون إلاّ مدبرة، فإن لم تكن لها أعيان وصور يظهر تدبيرها فيها بطلت حقيقتها إذ هي لذاتها مدبرة، عبر تعالى في كلامه القديم عن هذا القبول بالنفخ فيه، أي في القابل وماهو، أي القبول، إل حصول الاستعداد والتهيؤ لقبول الفيض التجلّي الدائم المعبر عنه بالنفخ فيه، وهو الفائض على كل قابل بحسب قبوله، وهذا الفيض دائم أزلا أبدا لم يزل ولا يزال. والحاصل أنه ماسوّى تعالى محلا، أي صورة إلا أنشأ منه، أي من قبوله، ما ينفخ فيه من أوجده، وهو الفيض الدائم، روحاً مدبرة له على صورة قبوله. فقبول الصورة، أي المحل للروح، من الفيض التجلي الدائم المعبر عنه بالنفخ فيه، سبب في حدوث الروح في المحل من خالق الروح. لا يقال لم حدث الروح الآن لا قبل مع وجود الفيض، لأنا نقول: لم يكن المحل قابلاً، فلما حدثت التسوية ظهر القبول من المحل لفيض الروح على المحل، وهذا الفيض المعبر عنه بالنفخ فيه مثل فيضان نور الشمس على كل قابل للاستتارة عند ارتفاع الحجاب بينهما. والقابل للاستتارة بنور الشمس مختلف القبول ما بين كثيف وشفاف وصقيل وغير صقيل. فكذلك قبول المحال المختلفة التسوية لفيض الروح ونفخه. فتفاضلت الأرواح لتفاضل صور العالم، فلم يكونوا على مرتبة واحدة إل في كونهم مدبرين. فالأرواح إنما ظهرت بصورة مزاج القوابل.

يقول سيدنا رضي الله عنه

وما الفخر إلا للجسوم فإنه

 

مولدة الأرواح ناهيك من فخر

زيادة توضح: لما سوّى الله جسم العالم، وهوالجسم الكل، في جوهر الهباء المعقول قبل فيض الروح الإلهي، الذي لم يزل منتشراً غير معين، إذ لم يكن ثمّ من يعينه. فكما تضمن جسم العالم أجسام شخصياته كذلك تضمن روحه أرواح شخصياته. ولهذ قال - من قال - : إن الروح واحد في أشخاص الإنسان، وأن روح زيد هو روح عمر، وهذ غير صحيح. كذلك الروح المديرة لعالم بأسره، كما لو قدرنا الأرض مستوية وانتشرت الشمس عليها ولم يتميزّ نورها بعضه من بعض، ولا حكم عليه بالتجزي والانقسام ول على الأرض، فلما ظهرت البلاد الديار والضلالات وانقسم نور الشمس وتميز بعضه عن بعض، فإذا اعتبرت هذا ماعلمت أن النور الذي يخص هذا المنزل غير النور الذي يخص المنزل الآخر، وإذا اعتبرت الشمس وهي عين واحدة قلت: الأرواح روح واحدة، وإنم اختلفت بالحال، كالأنوار نور واحد غير أن حكم الاختلاف في القوابل له لاختلاف أمزجتها وصورها.

فائدة

اختلف الناس في أرواح صور العالم هل هي موجودة بعد صوره أو قبلها أو معها، والتحقيق في ذلك أن الأرواح المدبرة للصور كانت موجودة في حضرة الإجمال، كالحروف الموجودة بالقوة في المداد، فلم تتميز لأنفسها، وإن كانت متميزة عند الله مفصلة في حال إجمالها. فإذا كتب القلم في اللوح ظهرت صور الحروف مفصلة بعد ما كانت مجملة في المداد. ولما سوّى الله صور العالم، أيّ عالم شاء، كان الروح الكل كالقلم، واليمين الكاتب، والأرواح كالمداد في القلم، والصور كمنازل الحروف، فنفخ الروح في صور العالم، فظهرت الأرواح متميّزة بصورها، ففي أي صورة شاء من الصور الروحية ركبها، إن شاء في صورة خنزير أو كلب أو إنسان أو فرس، على ماقدره العزيزالعليم. فَثَمَّ شخص الغالب عليه البلادة والبهيمية فروحه روح حمار. وكذلك كل صفة تدعى إلى كتابها، فيقال: فلان كلب، وفلان أسد، وفلان إنسان، وهو أكمل الصفات وأكمل الأرواح، فامتازت الأرواح لصورها. ثم إذا فارقت هذه المواد فطائفة من أهل الله تعالى تقول: أنه تتجرّد كلياً وتعود إلى أصلها كما تعود شعاعات الشمس المتولدة من الجسم الصقيل إذ صدئ إلى الشمس، ثم اختلفوا فقالت طائفة: لا تمتاز بعد المفارقة. وقالت أخرى: بل تكتسب مجاورتها الجسم هيئات ردية وحسنة فتمتاز بتلك الهيئات إذا فارقت الجسم.

قول سيدنا: (وما بقي إلا قابل، والقابل لايكون من فيضه الأقدس). لم ذكر رضي الله عنه أن الحق أوجد العالم وأنه ما سوىّ محلا إلا ولابدّ أن يقبل روحاً إلهياً، نبّه على أن ما بقى في حضرة الإمكان من الممكنات التي لم توجد بعد كله إلا قابلة للروح بعد التسوية، فما يوجد هو مثل ماوجد قبل في قبول الروح من الفيض التجلّي المعبر عنه بالنفخ. والقابل لا يكون موصوفاً بالقبول إلا من فيضه تعالى الأقدس عن شوائب نسب الكثرة لأنه فيض ذاتي ما تخللته كثرة أسمائية لا علم ول مشيئة ولا إرادة ولا قدرة، فكل ما ينسب إلى الذات من حيث هوالذات يسمى أقدسياً، وكل ما ينزل عن التجلّي الذات، كتجلّي الأسماء والصفات، يسمى قدسياً. فالفيض الأقدس تجلّ ذاتي غيبي، الغيب حقيقته، وبهذا الفيض الأقدس حصلت وتميزت القوابل الممكنة في حضرة الإمكان، وهي الأعيان الثابتة التي هي صور الأسماء الإلهية في حضرة العلم الذاتي القابلة للفيض التجلّي الذاي، لا تأخرّ لها عن الحق تعالى إلا بالذات تأخر رتبة، وإلا فهي أزلية أبدية حيث أنها معلومة العلم القديم، لأن كينونة كلّ شيء في شيء إنما تكون بحسب المحل، وسواء كان المحل معنوياً أو صورياً. ولذا وصفت المعلومات الممكنة من حيث ثبوت أعيانها في علم الحق بالقدم، وإن كان كل متعين في علم الحق من وجه آخر لا يخلو عن حكم الحدوث. وله تعالى فيض وتجل أسمائيان قدسيان شهاديان في عالم الشهادة طبق الفيض التجلّي الذاتي حذو بالقذة إذ هو مسبب عن الفيض الأقدس.

تنبيه

حقائق الممكنات، وهي الأعيان الثابتة، من حيث حقائقها من حيث حقائقه تتعالى أن تكون متأثرة. فإنها من حيث هذا الوجه عين شؤن الحق فلا جائز أن يؤثر فيها غيرها، بل لا أثر لشيء في شيء أصلا، وإن الأشياء هي المؤثرة في أنفسها، لا أن ثمّ في حقيقة غيرها، وهكذا الأمر في المدد، فليس ثمة لشيء يمدّ غيره، بل المدد يصل من باطن الشيء إلى ظاهره، والتجلّي الوجودي النور يظهر ذلك، وليس الإظهار بتأثير في حقيقة ما أظهر. فالنسب هي المؤثرة بعضها في بعض، بمعنى أن بعضها سبب لإنشاء بعض، وظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتد هذا إذ نسبة الأشياء إلى الحق تعالى كلّها نسبة واحدة.

قول سيدنا: (فالأمر كله من ابتداؤه). يقول رضي الله عنه : فالأمر الإلهي المسمى بالروح الكلّ وبالحقيقة المحمدية منه تعالى ابتداؤه، فإنه ما صدر إلا بمشافهة الأمر العزيز، إذ الوجود المطلق هو الله حيث لا تعين. وقد صدر الأمر العزيز بصورة النور المحمدي، وقام النور في تعينه بالأمر القديم، فهو سبب ثان بإضافته إلى الله. فهذا الأمر المذكور تعيّن من حضرة الغيب وتفصل منه جميع ما في العالم الكبير والصغير، فهو هيولي والصندوق ونحو ذلك. فهو الحق الظاهر بصور العالم كلها، وهو واحد لا يتجزي ولا يتبعض، وإنما أكّده بكل في قوله: «فالأمر كله» ول يؤكدّ بها إلاّ ذو أجزاء باعتبار الصور الإمكانية التي لاتعد ولا تحصى. فهو واحد من حيث الحقيقة. قال تعالى:﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾[القمر:54/50].

ومع وحدته فهو الظاهر في جميع مراتب الوجود، فكل المخلوقات ظهرت من أصل واحد، وهوالأمر الروح الإلهي الأمر المضاف إليه تعالى في قوله:﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾[الحجر:15/29، ص38/72].

وروحه تعالى صفته وصفته عين ذاته، فإنه غير مركب، فافهم واحذر الغلط فما هنالك حلول ولا اتحاد ولا امتزاج.

قول سيدنا: (وانتهاؤه،

﴿ِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ﴾[هود:11/123].

كما كان ابتداؤه منه، يقول رضي الله عنه : فكما كان الأمر كله منه ابتداؤه وهو واحد، وكثرته باعتبار مظاهره وصوره، كان إليه انتهاؤه. قال تعالى:﴿ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ ﴾[الشورى:42/53].

فكثرته باعتبار تعيناته:﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ ﴾.

كما كان ابتداؤه منه. فالكل هو وبه ومنه وإليه. فالكل هو من حيث الظهور، وبه من حيث قيامهم به، ومنه من حيث صدورهم، وإليه يرجعون عند انتهائهم، فتصير الأمور الكثيرة بالاعتبار أمراً واحداً حقيقة. وهذا الأمر ما له شبه إلاّ موج البحر يبدو من الماء بالماء ويعود إليه، وما ثمّ في نفس الأمر إلا الماء، والحكم على موج البحر باعتبار حدوثه، وبهذا الاعتبار ما ثمّ إلا الله ويرجع الأمر كله إلى حقيقة واحدة، وهي الذات العلية. وكما نقول مثلاً: العالم خلق من الماء، والماء خلق من الدرّة البيضاء، والدرّة البيضاء خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم والنور المحمد خلق من نور الله تعالى من غير اتحاد ولا امتزاج ولا حلول، فانتهى الأمر إليه تعالى.

قول سيدنا: (فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة). لما ذكر رضي الله عنه أن الحق تعالى أوجد العالم وسوّاه لا روح فيه فكان كمرآة غير مجلوة، ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوّى محلا إلا ول بدّ أن يقبل روحاً إلهياً. قال: فاقتضى الأمر الإلهي والحكم السابق النافذ جلاء مرآة العالم وصقالتها لظهور الصورة الإلهية للناظر في مرآة العالم على التمام والكمال. والعالم بأسره كصورة واحدة حيث أن جوهرة واحد، فكان وجود آدم الإنسان الكامل بجسمه في العالم عين جلاء مرآة العالم وصقالتها روح تلك الصورة المسوّاة بلا روح إذ الإنسان الكامل روح جلاء مرآة العالم وصقالتها روح تلك الصورة المسوّاة بلا روح إذ الإنسان الكامل روح العالم، والعالم الجسد، فبالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير الإنسان فيه، وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوّى بغير ورح. فبالإنسان الكامل ظهر كمال الصورة الإلهية في العالم، فهو قلب لجسم العالم الذي هو عبارة عن كلّ ما سوى الله تعالى والحاصل أنه ما كان العالم على صورة الحق على الكمال والتمام حتى وجد الإنسان فيه بجسمه. فحينئذ كمل العالم فهو الأول بالرتبة والآخر بوجود جسمه. فالعالم بالإنسان على صورة الحق على الكمال، والإنسان دون العالم على صورة الحق على الكمال، فكان العالم مستعداً بالاستعداد الكلي الحال بالفيض الأقدس لقبول الروح. فكان كمرآة من حيث أنها مرآة، لكنها غير مصقولة ولا مجلوة ولا مزينة، فلا تناسب نظر الملك وجهه فيها مثلاً، فلما جليت وزينت بوجود جسم الإنسان الكامل آدم صارت قابلة لنظر الملك وجهه فيها، وذلك عبارة عن الاستعداد الجزئي الذي هو رتبة أظهرها الاستعداد الجزئي الذي هو رتبة أظهره الاستعداد الكلي.

قول سيدنا: (فكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورةالعالم المعبّر عنه في اصطلاح القوم «بالإنسان الكامل الكبير» فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية والجسمية التي في النشأة الإنسانية). يقول رضي الله عنه موطئاً لبيان كمال الصور الإنسانية وشرف الإنسان الكامل وما خصه الله به من علم الأسماء التي جهلتها الملائكة، وأن صفته صفة الحضرة الإلهية، وإنما خصّ آدم بالذكر لأنه أول موجود وجد من هذاالجنس، وإلا فآدم ومن ورث الإنسانية من بنيه إنما كمالهم مستعار من محمد - صلى الله عليهم وسلم وعليهم جمعيهم وسلم - فإنه الإنسان الكامل بالأصالة والحقيقة . ولما كان كل ماسوى الله تعالى جزء من الإنسان الكامل، وكان العالم المسمى بالإنسان الكبير إنساناً واحداً ذا نشأتين نشأة صورته المشارإليه بقوله:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاق﴾[فصلت:41/53].

ونشأة روحه، وهوالإنسان الكامل المشار إليه. بقوله:﴿ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ فالإنسان الكبير العالم كله ماعدا الإنسان، والإنسان الصغير هو الإنسان الكامل روح العالم وعلته وسببه، وما سمي صغيراً إلا لكون صورته الجسمية اجتمعت من حقائق العالم بأسره، وصورة العالم محتوية على صورته، وبهذا الاعتبار قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾[غافر:40/57].

فهما كالأبوين للإنسان من جهة صورته. ولما كان العالم بأسره كجسد واحد كان الإنسان الكامل بالأصالة وهو محمد صلى الله عليه وسلم روحه. فحمد صلى الله عليه وسلم هو روح العالم، فهوالإنسان الكامل الذي لا أكمل منه، ومرتبة الكمل النازلين عن درجة هذا الكمال الذي هو الغاية منزلة القوى الروحانية من العالم، وهم الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - ومنزلة من نزل في الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسيّة، وهم الورثة - رضوان الله عليهم - وما بقى ممن هو على صورة الإنسان في الشكل فهو من جملة الحيوان، فهم بمنزلة الروح الحيواني. والإنسان الحيوان حكمه حكم سائر الحيوان، إلاّ أنه يتميّز عن غيره من سائر الحيوان بالفصل المقوم له كسائر الحيوان هو من جملة الحشرات، فرتبة الإنسان الحيوان من الإنسان الكامل رتبة النسناس والقرد. قال تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾[الانفطار: 82/7].

هذا كالنشأة العنصرية الطبيعية، ثم قال: ﴿ {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّ شَاء رَكَّبَكَ﴾[الانفطار:82/8].

إن شاء في صورة الكمال فيجعلك خليفة، أو في صورة الحيوان فتكون من جملة الحيوان يفصلك المقوم لك، ومرتبة الملائكة الكرام من جسم العالم، وهو الإنسان الذي الإنسان الكامل روحه، مرتبة الصور في خيال الإنسان.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!