موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


342. الموقف الثاني والأربعون بعد الثلاثمائة

﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[التين: /4].

اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان،  على صورة ما خلق عليها أحداً من المخلوقات، وهي الصورة الإلهية التي هي خاصة ب الإنسان، وأبدعه على شكل وهيئة ما جعلها لشيء من المبدعات، وجعلها بين لطيف وكثيف، فهو من اللطائف بلطيفة، ومن الكثائف بكثيفة. فالصورة الإنسانية أكمل صورة وأفضلها، فهي أفضل وأكمل من صورة الملائكة الكرام. وخصه تعالى بالقوة الخيالية التي يتصرف بها في الواجب والمستحيل فضلاً عن الممكن ويحفظ بها المحسوسات بعد غيبتها عنه، وجعل تعالى هذه القوة الخيالية محلاً ت جتمع فيه جميع المدركات، ولذا سميت بالحس المشترك، وبها صح الحكم على المدركات مع ب عضها بعضاً، إذ كل قوة من قوى الإنسان لها إدراك يخصّها لا تتعداه في العموم، فلول اجتماعها عند حاكم واحد أدرك الجميع ما صح الحكم عليها، كقولنا هذا الأبيض حلو، فإن الذائقة ما أدركت إلا الحلاوة لا غير، والبصر ما أدرك إلا اللون، وهو البياض ل غير، والذي اجتمع عن إدراك الذوق وإدراك البصر حكم بأن هذا الأبيض حلو وهو السكر مثلاً. ولو تجردت الروح الجزئية عن صورتها العنصرية الطبيعية التي هي مركبها م تخيلت ولا أدركت الأشياء إلاَّ إدراكاً كلياً كإدراك الملائكة، ولهذا أحبت الأرواح أجسامها وصورها الطبيعية ولم تفارقها عند الموت إلا بكره، حيث أدركت بها الجزئيات، ولم تدركها في تجردها. لأن الأرواح إذا تجردت عن المواد العنصرية والأجسام الطبيعية التجرد التام لا تلتذ ولا تتألم ولا يحكم عليها سرور ولا حزن، وكانت الأشياء عندها علماً فقط. لأن التلذذ والتألم الروحاني إنما سببه إحساس الحس المشترك بما يتأثر به المزاج من الملائم وا لمنافرة. فإن رأيت عارفاً تمرُّ عليه أسباب اللذة والألم ولا يلتذ ولا يتألم، فاعلم أن وقته التجرد التام عن طبيعته. وأما إذا لم تتجرد الروح الجزئية عن الجسم وحصل للجسم سبب لذة أو ألم أحست به الروح الحيوانية حساً، وكان ذلك الملذ أو المؤلم للروح الجزئية خيالاً. وللرحمن الوجود المفاض علماً.

ولما خص الحق تعالى الإنسان بالقوة المتخيلة دون الملك أمره الشارع أن يتخيل معبوده في عبادته. ففي الصحيح في حديث جبريل: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه)) ، فهو مأمور أن يجعل لمعبوده صورة يخلقها كيف شاء حسب استعداده، وهو تعالى ينفخ في تلك الصورة روحاً. فتصوير المعبود تعالى، أي جعل صورة له في الخيال، غير ممنوع بل مشروع. ففي الصحيح: «أنه تعالى قبل وجه المصلى»، وفي رواية: ((إنه بينكم وبين القبلة))، وفي رواية: ((في قبلة أحدكم)). ونحو هذه الروايات. وما في العالم من يعبده على الشهود إلا الإنسان، والإذن الحاصل في تخييل الحق تعالى في العبادة هو مع الإطلاق عن كل صورة، فل تق يده صورة كانت ما كانت ممن كانت من كامل وناقص، إنما الممنوع تخيل صورة مقيدة له تعالى بأن لا يكون على غيرها في اعتقاد المتخيل أو يكون مقيداً عند المتخيل، ل يكون عند غيره، أو جعل الصورة له تعالى محسوسة كعبدة الأوثان والأصنام، أو اعتقاد ألوهة بعض الصور العلوية كالشمس والنجوم والملائكة، أو أرضية كالأشجار والحيوانات والنار. وكما جعل تعالى للملك والجن التطور في الصور كيف شاء متى شاء، وجعل للإنسان خلق الصور كيف شاء متى شاء، غير أن الصور التي يخلقها الإنسان تبقى باطنة في خياله، إلاَّ إذا كان من الكمل فإنه يخلق ماشاء من الصور خارج خياله يشاهده ببصره ويكلمها وتكلمه وتبقى مادام ملاحظاً لها فإذا غفل عنها انعدمت، فلا يقول الإنسان أردت كذا وما كان، بل كان وتكون، ولكن في خياله المتصل، إنما لم يخرج عن خياله ما يكون لنقص اقتداره.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!