موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


337. الموقف السابع والثلاثون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾[القصص: 28/68].

اعلم أن الحق تعالى ما تمدّح بشيء من نسب الأفعال، أو قل من الصفات كتمدحه بنسبة الخلق، أو قل صفة الخلق، حيث الخلق خصيص بالإله؛ والمراد خلق المواد والأجناس، وقد خلقها تعالى وتناهت وهذا هو الخلق الحقيقي، ومابقي الخلق إلاَّ في الأحوال والأكوان، وهذا الخلق هو الذي شا رك فيه المخلوق الحق تعالى كتحريك الساكن وتسكين المتحرك مثلاً، وهو المشار إليه بقوله تعالى: ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾[المؤمنون: 23/14]. ونحوه، لا الخلق الحقيقي فإنه لا شركة فيه أصلاً، وهو الذي تمدح به تعالى. ولهذا ترى الكمّل من أهل الله تعالى إذ أعطاهم الله تعالى الخلق والتكوين بـ «كن» لا يرونه غاية الأمر ونهاية الكمال، لعلمهم أنه خلق مجازي لا حقيقي، والاختيار المنسوب إلى الرّب تعالى معناه أنه لا مكره له من غير وسوى، فإن الفاعل من غير إرادة ولا اختيار شأن الفاعل بالعلية، وهو الذي يتأتى من الفعل دون الترك، والفاعل بالإرادة والاختيار يفعل إذا شاء ولا يفعل إذا لم يشأ. وليس إلاَّ الرب تعالى ولهذا قال بعض أهل الله تعالى : المشيئة عرش الألوهة، يعني بالمشيئة ثبتت للحق تعالى الألوهية، وأنه ملك يفعل إذا شاء ويترك إذا شاء. فالاختيار المنسوب إليه تعالى هو لدفع ما يتوهم أن فعله تعالى لمفعولاته هو كفعل العلة، لأن الاختيار المنسوب إليه كالاختيار المنسوب إلى الخلق، وهو التردد بين الشيئيين، ثم يقع الاختيار والاعتماد على أحدهما، فإن الاختيار بهذا المعنى محال على الرب تعالى ـ. بل نقول وإن خالفنا أرباب العقول أنه لا اختيار للرب تعالى بالمعنى المتعارف بين العموم، لأحدية مشيئته تعالى وسبق العلم، قال تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ﴾[ق: 50/29].

وقال: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾[هود: 11/119].

و«ما» في قوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾[القصص: 3/68]. يصح أن تكون نافية بوجه ويصح أن تكون موصولة بمعنى الذي، بوجه آخر، فأما وجه كونه نافية، وهو المعروف عند العامة، فإنه تعالى نفى الاختيار عن مخلوقاته، فيما هم فيه مختارون له فهم مجبورون على الاختيار فيما يختارون ويشاؤون: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ﴾[الإنسان: 76/30، و التكوير: 81/29]. وما تشاؤون شيئاً من الأشياء التي تتعلق بها مشيئتكم إلا أن يشاء الله مشيئتكم إياها واختياركم لها، وذلك في مرتبة الإيجاد العيني الحسي.

وإن الله كان عليماً، أي وجد الله، فليست بكان الناقصة عليماً بأعيانكم في العدم الثبوتي والاستعداد الذاتي الكلي، وبما تطلبه من النعوت والأحوال إذ صارت موصوفة بالوجود العيني الحسي، فإنَّ حضرة الثبوت في العلم لا تركيب فيه وإنما كل عين ناظرة إلى نعوتها وأحوالها من غير حمل ولا تركيب، حكيماً يعطى كل ذي حق حقه، ويوفى كل مستحق ما استحقه، مما يطلبه لسان استعداده وخلقه. أعطى كل شيء خلقه في مرتبة الوجود العيني الحسي، وهو عبارة عما تطلبه الأعيان الثابتة طلباً ذاتياً استعدادياً من الرب تعالى لايم مرتبة الحس أولاً. ولو أعطاها على فرض المحال غير ما اختارته في ثبوتها، وا ستعدت له ما قبلته، ولا يكون هذا أصلاً، جميع ما يصدر من المخلوقات بالاختيار في الظاهر فهم مجبورون فيه على الاختيار في مرتبة الحس والوجود العيني، لا في الباطن والثبوت. وأما ما يصدر عنهم مما لا اختيار لهم فيه ظاهراً، فالجبر فيه ظاهر كحركة المرتعش مثلاً، و المراد بالجبر الجبر على الاختيار والإرادة كما ذكرنا لا الجبر الذي هو حمل المخلوق على الفعل مع وجود الإباية من المخلوق، فإنه غير مناف لنسبة الفعل إلى المخلوق.

وأما وجه كون «ما» موصولة بمعنى الذي و الواو للاستئناف فهو من حيث ثبوت الأعيان واستعدادها وطلبها لما هي مستعدة له قابلة من الرب تعالى بلسان الاستعداد الذي هو اصدق من طلب الحال الذي هو أصدق من طلب المقال. و الحق تعالى ـ جواد لا يبخل يده ملأى فيختار لها ما اختارته لذواتها، فيعطيها حالة الإيجاد الحسي والعيني طلبها الثبوتي، ومختارها الذي نسيته لما صارت في مرتبة الحسي ولذ قال: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾[القصص: 28/68].

أي الذي كان مختارهم في الأزل ومطلوبهم بالاستعداد القديم الثبوتي. وهذ الاستعداد الثبوتي العام شعر به الواضع للغة العربية بعض الشعور فوضع الاستعداد الملائم لما في الوجود العيني الحسي كالجد والحظ والسعد والبخت، ووضع للاستعداد غير الملائم لما في الوجود العيني لفظة النحس والبخس والحرمان. والعامة تتداول هذه الألفاظ والأسامي من غير شعور لما وضعت له. ولو لم تكن الأعيان الثابتة طالبة ومختارة حالة الثبوت بما يصدر عنها من الحق تعالى من حسن وقبيح وطاعة ومعصية، بخلق الله تعالى في عالم الحس والتكليف، ماكانت له تعالى الحجة البالغة على مخلوقاته، وقد ثبت له تعالى الحجة البالغة على مخلوقاته عقلاً وشرعاً، فتفطن لم فصلناه وتفهم ما بيناه من بعض إشارات هذه الآية الكريمة فإنك ربما لا تجد هذ البيان والتفصيل في كتاب ولا تسمعه في خطاب، والله تعالى الملهم للصواب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!