موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


334. الموقف الرابع والثلاثون بعد الثلاثمائة

قال تعالى: ﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[آل عمران: 3/188].

ظهر الآية بحاله تفسيراً وفيها إشارتان، فاعلم أنه قرئ في السبع المتواتر (ولا يحسبن) بالياء، صدر الآية وآخرها، أي لا يظن الذين يفرحون بما صدر منهم من الطاعات والعبادات ظاهراً، وهم في ذلك يحبون أن يحمدهم الناس عليها ويثنون عليهم بها، فيعظمونهم لذلك ويعزرونهم فإن هذا شأن المرائي المسمع، وهو شرك. والله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك معه غيره فيه فهو الذي أشرك، وهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئاً يستحقون به الحمد والثناء، وإنما الفاعل فيهم ربّهم الله تعالى فهم محل ظهور فعله، وأعيانهم واستعداداتهم اقتضت هذا الشرك، فظهر الحق تعالى به وخلقه في صورهم عند ظهوره بها، ومع هذا الشرك فهم يرجون الفوز بالجنة والنجاة من النار، فرد عليهم تعالى وقال: ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ﴾[آل عمران: 188].

أي لا يحسبن أنفسهم بمنجاة من العذاب قطعاً، كالمحسنين الذين ما عليهم من سبيل، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، إلا أن يعفو الله عنهم، فهم تحت المشيئة الإلهية المجهولة للخلق، وإن كانوا مستحقين العذاب المؤلم بفعلهم وريائهم وسمعتهم.

الإشارة الثانية: ولا يحسبن الذين يفرحون بما صدر منهم وأتوا به من الطاعات وأنواع القربات معتقدين أنهم أتوا به وفعلوه بأنفسهم وأنه صادر منهم بإرادتهم واختيارهم، كما هو شأن غالب العباد والزهاد ا لجهلاء أصحاب السجادة والمحراب، وليس الأمر كذلك، ولا أن العبادة المطلوبة من العباد هي على هذا الوجه، فإن الذي يعبد الله بنفسه ما عبده ولا أعطى الحقيقة حقها، ورضي الله تعالى عن السيد أحمد الرفاعي حيث يقول:

دع المساجد للعباد تعمره

 

انهض بعزم لمن سواك من طين

أنا حميد المعنى ما حظيت به

حتى أدقت عظامي بالهواوين

ولما كانت عبادة هؤلاء بأنفسهم، لا بالله، نسبها إليهم كما هو اعتقادهم فقال: ﴿بِمَا أَتَواْ﴾ وهم مع هذه الجهالة يحبون أن يحمدهم الله تعالى على ذلك ويثني عليهم ويثيبهم بالجنة ويعيذهم من النار، وهم لم يفعلوا ما يستحقون به ذلك، وإنم الفاعل الله تعالى ﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ﴾ أي يحسبن أنفسهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم بالحجاب، وهو العذاب المعنوي لا الحسي، وهو ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾[الهمزة: 104/7].

فإن العذاب وإن تنوعت مظاهره فأصله الحجاب وهو أشدّ العذاب. واعلم أن العبادة التي هي جارية على الحقيقة ونفس الأمر أن يعبد العابد ربه تعالى به ل بنفسه فيجب على العابد أن يستحضر عند الشروع في العبادة والقصد إليها أنه يتقرب إلى الله تعالى ـ، ويعبد الله با لله، فلا يفعل شيئاً من الأفعال الصادرة منه في ظاهر إلاَّ وهو يعلم أن الله تعالى هو الفاعل لذلك الفعل، والعابد محل ظهوره، فإن الله تعالى يقول: ((كنت سمعه وبصره فبي يسمع وبي يبصر وبي يتحرك)).

وفي الصحيح: ((أن الله قال على لسان عبده: «سمع الله لمن حمده»)).

فنسب القول إليه تعالى وأما الطائفة التي كشف الله تعالى عنه الحجاب وسقاها لذيذ الشراب فما يضرها نسبة الفعل إليها منه تعالى بعد علمه بحقيقة الأمر، واطلاعها على باطنه، فإنها مع نسبة الحق تعالى لها الفعل الذي كلفوا به، وقيامهم به، فقد فنوا عن رؤية الأفعال منهم بشهود مجريها ومنشيها منهم، علمو الأمر على ما هو عليه، فعبدوا الله على الوجه المرضي، فهم العبيد العباد على الحقيقة، فهم عمال لا عمَّال، ولهذا خاطبهم الحق تعالى بما هو الأمر عليه فقال لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ـ: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾[الأنفال:17].

وقال له ولأصحابه الكرام: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾[التوبة: 9/14].

وقال لهم: ﴿وفَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾[الأنفال: 8/17].

وهم القاتلون في الحس والشهادة. وهكذا هو الأمر علم أو جهل. وشرف العالم على من لم يعلم إنما هو بالعلم، وأما الحقائق فإنها لا تتغير ولا تتبدل. وهذه الآية وأمثالها وإن كان سببها خاصاً فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وكل م أعطى الله تعالى من أعطى من عبيده من الفهم في كتابه تعالى فهو مراد له هداه به أو أضله من أدنى زنديق إلى أعلى صديق.

﴿وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾[الأحزاب: 33/4].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!