موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


279. الموقف التاسع والسبعون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ﴾[البقرة: 2/187].

سبب نزول هذه الآية خاصّ، واللفظ عامّ، فإن «ما» نكرة عامة. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأمر بالطلب عام، وإذن الشارع يخصصه بغير الممنوع شرعاً، أخبر تعالى أنه كتب لنا ما كتب، ولابدَّ من وصول ما كتب لنا إلينا، قصدناه أو لم نقصده، طلبناه أو هربنا منه.

﴿إِِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾[الأنعام: 6/134]

ولا يصل إلينا ما كتبه لنا إلاَّ بسببه الذي جعله الحق سبباً لوصوله إلينا، سنّة الله التي قد خلت في عباده وحكمته. وله تعالى ثلاثة كتب: كتاب الاستعدادات الكلية، وكتاب العلم القديم، وكتاب اللوح المحفوظ. ومع هذا كلّه أمرن بابتغاء ما كتب لنا في هذه الكتب، وإن كان الكتاب الأوّل غير موجود، فالكتابان بعده مفرعان عنه وناشئان منه. وابتغاؤنا ما كتب لنا هو باستعمال ما جرت السنّة الإلهية والحكمة الأزلية بحصوله عندها، حصل أو لم يحصل. فإنَّا نقول: السبب م يعلمه الله سبباً، لا ما نعلمه نحن. فما كان سبب لزيد في الحصول على مطلوب ما قد لا يكون سبباً لعمرو على حصوله على ذلك المطلوب. قال تعالى: ﴿ابتغوا﴾ يعني اطلبوا، وما قال اسكنوا ولا تبتغوا ما كتب الله لكم حتى يصلكم من غير ابتغاء وطلب. ولول مراعاة حكمة الأسباب وملاحظتها ما أرسل رسول ولا نزلت شريعة، ولا كان أمر ولا نهي من الله تعالى ورسله (عليه السلام) وقد وصف إمام العلماء بالله تعالى محي الدين الذي لا يقول بالأسباب بالمرض، فإنه لم يحصل له مقام الصحّة، حيث فاته من العلم بالله قدر ما تعطيه حكم الأسباب، فما علم حكمتها، فهو مريض ناقص، إذ الأسباب إنما وضعها الله حكمة منه في خلقه، لما علم من ضعف يقينهم. فلا يعطل حكمة الله عالم بالله، لا على طريق الاعتماد على الأسباب، فإن ذلك يقدح في الاعتماد على الله، وهذا مذهب من يرى وجوب استعمال الأسباب من العارفين بالله. والقائل بعدم الوجوب يقول بالاستحباب، فهي مأمور بها عند الجميع، وإن اختلفت أحكامهم فيها، لأنهم علموا أنَّ العالم على قسمين: عالم أمر، وعالم خلق، فعالم الخلق جميعه لا يوجده الله إلاَّ عند سبب، سنّة الله وحكمته اقتضت ذلك. فلهذا كانت كلّ من ذرات عالم الخلق لها وجهان، وجه إلى الحق تعالى خالقها، ووجه إلى سببها، وعالم الأمر ليس له إلاَّ وجه واحد.

﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[الأعراف: 7/ 54].

وممّا ذكرناه يعلم: أن ما ورد في بعض الأحاديث النبويّة، كقضية تأبير النخل الواردة في الصحيح وغيره لا يفهم منه أن ترك الأسباب أفضل من تعاطي الأسباب، مع الاعتماد على الله تعالى ، ورؤية وجه الحق فيها، وإنما قال (صلى الله عليه وسلم) ما قال أولاً وآخراً، كما ورد في الروايتين، لأنه (صلى الله عليه وسلم) أطبّ طبيب، وأحسن مؤدب، وأشفق مربّ، وقد علم من حال أصحاب النخيل في ذلك الوقت، أن حالهم لا يحتمل الجمع بين العلم بحكم الأسباب، وبين العلم بتجريد التوحيد، فخاف عليهم من القدح في التوحيد، فأشار عليهم بترك السبب من غير عزيمة، ارتكاباً لأخفّ الضررين، تربية لهم وإرشاداً، فإن ترك الأسباب إذا قرن بالقدح في التوحيد كان لا شيء. فلا يفهم من الأحاديث أنه (صلى الله عليه وسلم) أشار بترك السبب رأساً، ولا أنَّ تركه أفضل من فعله، ولا أنه (صلى الله عليه وسلم) غير عالم بأمثال هذه الأشياء الضرورية للحيوة الدنيا، فإنه يستحيل في حقّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الأمر بترك الأسباب الضرورية جملة واحدة، فإنهم أرسلو لعمارة الدارين، وترك الأسباب رأساً بتخريب للدار الدنيا فإن مبناها على الحكمة الإلهية، كما أنَّ الآخرة مبناها على القدرة المحضة، والرسل عليهم الصلاة و السلام أعلم الخلق بالله تعالى وبحكمته في مخلوقاته، وبحقائق الأشياء التي لا غنى للخلق عنها في معاشهم ومعادهم. وإنما الذي يجوز أن تغفل عنه الرسل عليهم السلام ول تلقى إليه بالاً ماكان من الأشياء التي لا تتوقّف عليها مصلحة للخلق معاشية ول معادية، وذلك كدقائق الهيئة و الحساب، ومعرفة الخسوف و الكسوف، وأكثر علوم الفلاسفة ممّا لا يرجع إلى تهذيب النفوس ورياضتها، وكل ما لا ترجع إليه فائدة معتبرة عند الشارع لدين ولا لدنيا، فهي أمور غير ضرورية حاجية، بل ولا متمّمة، فهكذ ينبغي أن تعطى الحقائق حقها، والنبوّة مستحقها. وقد تكلّمنا على حديث مسلم، وأوضحن إشكالاته في موقفين من هذه المواقف، كل على حسب وارد الوقت، والله المرشد لا رب سواه ولا معطي غيره.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!