موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


258. الموقف الثامن والخمسون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[آل عمران: 3/ 18].

هذه الشهادة شهادة علم، لا شهادة شهود ورؤية. فإنها شهادة بالألوهة، والألوهة تعلم ولا تشهد، فإنها مرتبة الذات. والمراتب أمور معقولة، وإنما المشهود آثارها، فالألوهة مشهودة الأثر مفقودة في النظر، تعلم حكماً، ولا ترى رسماً، بخلاف الذات، فإنه تشهد من بعض وجوهها؛ ولا تعلم علماً إحاطياً؛ فإنَّ العلم يقتضي الإحاطة بالشيء من جميع جهاته، والذات مطلق، والمطلق إذا علم لا تعلم حقيقته، وإنما يعلم بعض وجوهه واعتباراته. فالذات مرئية العين، مجهولة الابن، ترى عياناً، ولا يدرك لها بيان. ألا ترى أنك إذا رأيت رجلاً مثلاً، تعلم أنه موصوف بأوصاف متعدّدة، فتلك الأوصاف إما تدركها بالعلم والاعتقاد أنها فيه، ولا ترى لها عيناً، وأما ذاته فإنك تراه بجملتها ولكن تجهل ما فيها من بقية الأوصاف، إذ يمكن أن يكون لها ألف وصف وما بلغك إلاَّ بعضها، فالذات مرئية والأوصاف مجهولة. والوصف لا يرى وإنما المرئي أثره، فل يرى من الشجاعة إلاَّ الأثر وهو الإقدام، ولا من الكرم إلاَّ البذل، والملائكة عباد الله المكرمون، علمهم بالألوهة ضروري لا مكتسب بدليل برهان. وأولوا العلم الأنبياء و الرسل والأولياء والمؤمنون، وهؤلاء الثلاثة شهدوا بثلاثة أشياء:

أولها: إثبات الألوهة للذات، المشار إليها بالهو الذي هو في حقه تعالى إشارة إلى كنه الذات، باعتبار أسمائه كلها، مع الفهم بغيبوبة ذلك في اصطلاح الطائفة العلية. فهوية الحق تعالى غيبه الذي لا يمكن ظهوره، لكن باعتبار جميع أسمائه تعالى . ومعنى قولهم الهويّة غيب أنها لا تدرك، لا أن للحق غيباً وشهادة مثل ما للمخلوقين، فإنَّ غيب الحق عين شهادته، وشهادته عين غيبه، ولا يعلم غيبه وشهادته على ماهي عليه إلاَّ هو تعالى . فقوله هو، عين قوله: أنا باعتبار شمول ظهوره لبطونه، وبطونه لظهوره، فإنه القائل: ﴿ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ ﴾[النمل: 27/ 9].

يقول : الهويّة، المشار إليها بالهو المتصل، بأن هي عين الإنية المشار إليها بلفظة «أنا» وهذا معنى قولهم: ظاهر الحق عين باطنه، وباطنه عين ظاهره، من جهة واحدة، لا أنه باطن من جهة وظاهر من جهة أخرى.

ثانيها: الشهادة بوحدة الألوهة التي شهدوا بثبوتها للذات الإله، و العلم بوحدة الإله هو المأمور به في الكتب الإلهية، والإخبارات النبويّة، وما بعثت الرسل إلاَّ به ولأجله. وكل كلام ورد فيما يتعلق بالإله من الله تعالى أو من رسله أو من ورثة رسله (صلى الله عليه وسلم) عليهم جميعاً، إنما هو في هذه المرتبة، وهي الألوهة. وأمَّا الذات فما ورد فيها كلام عن الله، ولا عن رسله، بل ما تكلم الحق فيها إلاَّ بالنهي عن الخوض فيها وطلب معرفتها، قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: 3/ 28 و30].

وما تكلم رسوله (صلى الله عليه وسلم) فيها إلاَّ كذلك قال: ((تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذاته)).

وآلاؤه هي آثار أسمائه الفعلية، وهي أحد أقسام أسماء الألوهة، وكلّ من تكلم في الذات، بأنها ليست جوهرًا مثلاً ولا عرضاً ولا كذا ولا ك ذا من المتكلمين، فقد أساء الأدب وتعدّى الحدّ، وإن جلّت رتبته في العلم.

ثالثها: قيامها بالقسط أي العدل، بمعنى أنه لا تفاوت في قيوميته التي هي عين ذاته بين مخلوقاته، فإن قيّوميته لا تتجزأ ولا تتبعض، فهي واحدة مع كلّ مخلوق، العرش والبعوضة على حدّ سواء فيها . ومع هذا فلا يظهر من آثار قيّوميته تعالى على كل مخلوق إلاَّ بقدر استعداد ذلك المخلوق، بحسب مزاج صورته الطبيعية، أو الطبيعية العنصرية، وبحسب عينه الثابتة أعطى كل شيء خلقه، لا يزيده ذرّة ولا ينقصه عن استعداده ذرّة، ولا يظلم ربك أحداً، بنقص من استعداده أو زيادة. فهذا هو القيام بالقسط الذي حارت فيه الأفهام، وكلّت دونه الأوهام. ولهذا قرن تعالى وصفه بأنه قائم بالقسط، بالألوهة، إذ هي إعطاء كلّ ذي حق حقه من الوجود والعدم والحق والخلق: ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾[البقرة: 2/ 163].

هذه شهادة الحق تعالى لنفسه بنفسه بالألوهة ووحدتها كما يعلم هو بانفراده من غير مشاركة مخلوق من ملك وإنس وجنّ. فلا يعلمه كما هو إلاَّ هو العزيز الذي انقطعت الأوهام دون العلم الحقيقي بألوهته، فما كشف تعالى من ذلك لمخلوقاته إلاَّ النزر الذي تحتمله عقولهم ولا تتلاشى عند كشفه الحكيم في تنّزله على عقول مخلوقاته من ملك ورسول ونبيّ ووليّ ومؤمن، حتى شهد كل صنف منهم بما ع لمه من ذلك، مع تفاوت أشخاص شخصاً شخصاً فيما علموه من ألوهته، التفاوت الذي لا يدرك ولا ينحصر، فإنه م اتفق اثنان من المخلقات فيما شهدوا به من كلّ وجه، والله واسع عليم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!