موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


250. الموقف الخمسون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ﴾[الأعراف: 7/ 156].الآية.

سألني بعض إخوني إيضاح جواب السؤال السابع، من أسئلة الحكيم الترمذي (رضي الله عنه) لسيدنا ختم الوراثة المحمدية محي الدين (رضي الله عنه) فأجبته لذلك.

قول سيدنا: ((الأدب الإلهي أنه لا يجب على الله شيء بإيجاب موجب غير نفسه، فإن أوجب على نفسه أمراً ما فهو الموجب والموجوب والموجب عليه لا غيره))، يعني: أن الأدب العابد مع معبوده والعبد مع سيده «الله» أنه لا يجب عليه شيء بإيجاب موجب غيره، الوجوب الذي معناه: إلزام ما يستحق تاركة الذم وفاعله المدح. وفي هذا الكلام رائحة إنكار على السائل (رضي الله عنه) حيث عبّر بالوجوب في قوله: ((بأي شيء استوجبوا هذا على ربهم تبارك وتعالى!؟))، ولم يرد في هذه المسألة نصٌّ من كتاب الله، ولا خبر نبويٌّ بالوجوب، فلا يحسن غذا إطلاق الوجوب عليه تعالى. فإن أوجب السيد «الله» على نفسه أمراً ما فذلك إليه تعالى. فهو الموجب الملزم نفسه اسم فاعل من أوجب بمعنى ألزم، والموجب عليه (اسم المفعول) بمعنى الملزم، والوجوب، أي المعنى المصدري، أو الحاصل بالمصدر. فأما الموجب اسم فاعل والموجب عليه اسم مفعول فظاهر أنه هو، أي عين الحق تعالى ، وكذلك الوجوب بالمعنى الحاصل، بالمصدر، وأمَّا الوجوب بالمعنى المصدري، فإنه هو من حيث وحدة الوجوب الذات، فإن الوجود واحد، وإن تعدّدت أنواعه، فقيل وجود عيني وذهني ولفظي وخطي، فالوجوب الذي هو من المصادر التي لها الوجود الذاتي فقط، لولا سريان الوجود الذاتي في كلّ عين ومعنى ما ظهرت له حقيقة، ولا تميّز ، حتى صحت العبارة عنه، والإخبار بأَنَّهُ كذا قول سيّدنا، لكن إيجابه على نفسه، لمن أوجب عليه، مثل قول: ﴿فَسَأَكْتُبُهَ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف: 156].

يعني الرحمة الواسعة، فأدخلها تحت التقييد بعد الإطلاق، من أجل الوجوب. يعني أنه في هذا ومثله يسوغ إطلاق الوجوب عليه تعالى، حيث أطلق ذلك هو تعالى على نفسه فقال: «فسأكتبها» الآية، وما أوجب تعالى على نفسه الرحمة إلاَّ لمن أوجب عليه تعالى من عباده أموراً، كالتقوى وإيتاء الزكاة والإيمان والتوبة. ففرض تعالى على نفسه الرحمة لقوم خواصّ، نعتهم بعمل خاصّ، فهو جوّز نعته بالوجوب لمن هذه صفته، وهو عوّض عن هذا العمل الخاص، فأدخل تعالى الرحمة الواسعة المطلقة تحت التقييد، أي تقييدها وحصرها فيمن هذه صفاتهم، من أجل الوجوب الذي أوجبه عليهم. فظاهر كلام سيدنا (رضي الله عنه) أن الضمير المنصوب في قوله: ﴿َسَأَكْتُبُهَا﴾ عائد على الرحمة، التي وسعت كلّ شيء، وكتابتها للذين يتّقون. وما عطف عليهم تقييداً لهم بمن هذه صفاتهم، وهذا كلام مجمل من سيّدنا (رضي الله عنه) فإن الرحمة من الرحمن، والرحمن اسم للوجود العام، الذي عمَّ كلُّ شيء ووسعه، والرحمة وسعت كل شيء: ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾[غافر:40/7].

وبالرحمة التي وسعت كلّ شيء ظهر العالم من العدم إلى الوجود. وبها كانت هداية من اهتدى إلى الأعمال الموجبة لتحصيل رحمة الوجوب، وهي رحمة خاصة، لذوي صفات خاصة، فالتوفيق لهذه الأعمال من الرحمة المطلقة، والجود المطلق. فالرحمة المطلقة على إطلاقها، وهي رحمة الامتنان، لا بشرط شيء. ورحمة الوجوب جزء منها.

قول سيدنا: ((فهل هذا كله من حيث مظاهره؟!.. أو هو وجوب ذاتي لمظاهره من حيث هي مظاهره لا من حيث الأعيان؟!))، يعني: فهل هذا الوجوب الذي ذكر تعالى أنه أوجبه على نفسه لأهل هذه الصفات الخاصّة المذكورة في آية ﴿فسأكتبها﴾ وفي آية ﴿كتب ربكم﴾ مطلقاً، سواء أكانوا مظاهر بالفعل أو بالاستعداد الإمكاني، حال كونهم أعياناً ثابتة قبل أن يصيروا مظاهر بالفعل؟! أو هذا الوجوب أوجبه لهم على نفسه تعالى ، من حيث هم مظاهر بالفعل في الحال، لا من حيث هم أعيان ثابتة في العدم، مستعدة لأن تكون مظاهر في الاستقبال، عند اتصافهم بالوجود وخلع حلّته عليهم؟...

وقال سيدنا: ((فإن كان للمظاهر فما أوجبه على نفسه إلاَّ لنفسه. فل يدخل تحت حدّ الواجب ماهو وجوب على هذه الصفة، فإنَّ الشيء لا يلزم نفسه)). يعني أن الوجوب الذي ذكر تعالى أنه أوجبه على نفسه، لمن وصفهم بما وصفهم، إن كان الوجوب من حيث هم مظاهر في الحال بالفعل فما هو وجوب حقيقة، لأنه لا يدخل تحت حد الواجب. فإن الواجب ما يستحق فاعله المدح وتاركة الذم، وهو تعالى ما أوجب ما أوجب من الرحمة إلاَّ على نفسه لنفسه. فإن المظهر عين الظاهر، فمن هو الموجب؟! ومن هو الموجب عليه؟! فلا وجوب إذن، فإنَّ الشيء لا يلزم نفسه.

قول سيدنا: ((وإن كان للأعيان القابلة أن تكون مظاهر، كان وجوبه لغيره، إذ الأعيان غيره، والمظاهر هويّته)) يعني: وإن كان وجوبه تعالى لمن أوجب لهم عليه الرحمة، إنما ذلك من حيث الأعيان الثابتة المعدومة، القابلة بالاستعداد لأن تكون مظاهر بالفعل، كان وجوبه ما أوجب لغيره، إذ الأعيان غيره، فإنها معدومة أبداً وأزلاً، وهو تعالى وجود، والوجود غير العدم. وبعد خلع الوجود عليه يصير عينه، فيرجع كالقسم الأول، بخلاف المظاهر، وهي المعّبر عنها بأحوال الممكنات ونعوتها وصفاتها، فإنه هويّته وعينه، لأنها معان لا قيام لها بأنفسها، ولا عين لها في الوجود. وكلّ م يقع عليه إدراك إنما هو الوجود الحق، ظاهراً بأحكام الأعيان الثابتة، مسمّى بأسماء الممكنات، فهو تعالى عين الأشياء في وجودها، ماهو عين الأشياء في ذواتها.

قول سيدنا: ((فقل بعد هذا البيان ما شئت في الجواب، ويكون الجواب بحسب ما قيده الموجب))، يعني جواباً لسائل يسأل: لم أوجب الحق تعالى على نفسه الرحمة لهؤلاء؟! فإن شئت قلت: من حيث أنهم مظاهر بالفعل في الحال موصوفون بالتقوى وما عطف عليها، وبعمل السوء بجهالة والتوبة والإصلاح. وإن شئت قلت: من حيث أنهم أعيان ثابتة، مستعدة بالاستعداد الإمكاني الكلّي للاتصاف بالصفات المذكورة، ويكون الجواب مقصوراً مقيداً بالشيء. الذي أوجبه عليهم، فاستوجبوا الرحمة بفعله.

قول سيدنا: ((فاستوجبوا ذلك على ربّهم بكونهم يتقون ويؤتون الزكاة على مفهوم الزكاة لغة وشرعاً)).

﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ﴾[الأعراف: 157].

فهؤلاء طائفة مخصوصة من أهل الكتاب. هذا بيان لقوله: «ويكون الجواب بحسب ماقيده الموجب تعالى»، فلا يطلق الوجوب عليه تعالى إلاَّ مقيداً ببيان الوجوب لمن هو؟ وعلى ماذا هو؟ فالوجوب في أية ﴿َسَأَكْتُبُهَا﴾ مقيّد بأهل الكتابين: اليهود والنصارى. فمن لم يكن يهودياً ولا نصرانياً فهو غير داخل في وجوب الرحمة، التي استوجبتها هذه الطائفة، بفعل ما أوجبه الحق تعالى عليها من التقوى وإيتاء الزكاة لغة. ومن معاني الزكاة صفوة الشيء، وشرعاً، وهو أن يقصد بها تطهير المال، فإن أخرج ما لهلا على مفهوم الزكاة لغة وشرعاً فما أخرجها، ولو أخرج من ماله أكثر من الزكاة.

قول سيدنا: ((فخرج من ليس بأهل الكتاب من هذا التقيد الوجوبي، وبقي الحق عندهم، من كونه رحماناً على الإطلاق، يعني أن هذه الآية أفادت وجوب الرحمة لليهود والنصارى، القائمين بما أ وجب الحق تعالى عليهم من التقوى، وما عطف عليها، بدليل أنه قال آخر الآية)) ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾.

فمن لم يكن من أهل الكتابين، التوراة والإنجيل، فليس هو داخلاً في هذ الوجوب، ولو عمل ما عمله أهل الكتابين، وبقي ينتظر الرحمة المطلقة التي وسعت كل شيء. ولا تتوقّف على وجود شرط.

قول سيّدنا: ((واستوجبت طائفة أخرى ذلك على ربها: ﴿أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ﴾[الأنعام: 6/54].

فقيّد بالجهالة، فإن لم يجهل لم يدخل في هذا التقييد، وبقيت الرحمة في حقه مطلقة، ينتظرها من عين المنة التي منها كان وجوده أي منها كان مظهراً للحق، لتتميز عينه، في حالة اتصافها بالعدم عن العدم المطلق، الذي لا عين فيه... الخ، هذا بيان لطائفة أخرى ورد النص بوجوب الرحمة لهم، بصفة أنهم عملوا السوء، وهو كلُّ ما نهى الشارع عنه بجهالة، وتسويل النفس الأمارة بالسوء، وتزيين الشيطان وغلبة الشهوة مع الإيمان بأنها سوء ومعصية.

﴿ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ﴾[النحل: 16/ 119].

فإن لم يجهلوا بأنه السوء، مستحلّين له، كافرين غير مؤمنين بتحريمه، فل يدخلون في هذا الوجوب المقيّد بهذا القيد، وهو عمل السوء بجهالة، وبقيت الرحمة في حقهم مطلقة، لخروجهم بهذا القيد. فهم ينتظرون الرحمة من عين المنّة، لا من طريق الوجوب، الذي كان للطائفتين المذكورتين. فإن رحمة الامتنان هي التي وسعت كل شيء، وبه كان وجود كلّ شيء، وبها كان وجود كلّ ما سوى الحق تعالى ومن هذه الرحمة الامتنانية كان كلّ ممكن مظهراً للحق، أي مستعداً لأن يكون مظهراً للحق تعالى فإن معنى كون الشيء ممكناً هو كونه قابلاً لظهور الوجود الحق تعالى به، لتتميز عين الممكن وحقيقته في حالة اتصافها بالعدم الإضافي، وهو الإمكان والثبوت، فتكون لها صورة علمية عن العدم المطلق، وهو المحال الذي لا عين له في العلم الإلهي، إذ المحال لا صورة له في العلم، بخلاف الممكن.

قول سيدنا: ((ألا ترى إبليس كيف قال لسهل في هذا الفصل: يا سهل!! التقييد صفتك لا صفته، فلم ينحجب بتقييد الجهالة والتقوى عمَّا يستحقه من الإطلاق)) أشار سيدنا (رضي الله عنه) إلى الحكاية المشهورة عن سهل بن عبد الله التستري (رضي الله عنه) الذي قال فيه بعض سادة القوم: سهل حجة الله تعالى على الصوفيّة، ويقول سيدنا محي الدين في حقه، نقلاً عمّن تقدمه، إذا نقل كلامه قال: عالمنا سهل. قا لسهل: لقيت إبليس فعرفته، وعرف منّي أني عرفته، فوقعت بينن مناظرة، فقال لي وقلت له، وعلا بيننا الكلام وطال النزاع بحيث أن وقف ووقفت، وحرت وحار فكان من آخر ما قال لي: يا سهل!! الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾[الأعراف: 7/156].فعمِّم. ولا يخفى عليك أني شيء بلا شك، لأن لفظة "كل" تقتضي الإحاطة والعموم، وشيء أنكر النكرات، فقد وسعت رحمته، قال سهل: فو الله لقد أخرسني وحيّرني بلطافة سياقه وظفره بمثل هذه الآية، وفهم منها مالم نفهم، وعلم منها ومن دلالتها ما لا نعلم. فبقيت حائراً متفكراً، وأخذت أتلو الآية في نفسي. فلما جئت إلى قوله تعالى﴿فسأكتبها‌﴾ الآية، سررت وتخيّلت أني قد ظفرت بحجة وظهرت عليه بما يقصم ظهره وقلت له: يا ملعون!!... إنَّ الله قد قيّدها بنعوت مخصوصة، تخرجها عن ذلك العموم، فقال: ﴿فسأكتبها﴾، فتبسّم، إبليس، وقال: يا سهل!! ماكنت أظن أن يبلغ بك الجهل هذا المبلغ، ولا ظننت أنك ها هنا، ألست تعلم يا سهل أن التقييد صفتك لا صفته. قال سهل: فرجعت إلى نفسي وغصصت بريقي وأقام الماء في حلقي. ووالله ما وجدت جواباً ولا سددت في وجهه باباً، وعلمت أنه طمع في مطمع، وانصرف وانصرفت.ووالله ما أدري بعد هذا ما يكون، فإن الله سبحانه ما نصّ على ما يرفع هذا الإشكال، فبقي الأمر عندي على المشيئة منه في خلفه، لا أحكم عليه في ذلك بأمر ينتهي، أو بأمر لا ينتهي. قال إمام العلماء بالله سيدنا محي الدين، لمَّ قصَّ حكاية سهل مع إبليس: ((فاعلم يا أخي أني تتبعت ما حكى عن إبليس من الحجج فم رأيت أقصر منه حجة، ولا أجهل منه بين العلماء، لما وقفت له على هذه المسألة التي حكى عنه سهل ابن عبد الله فتعجّبت وعلمت أنه علم علماً لا جهل فيه، فهو أستاذ سهل في هذه المسألة، أما نحن فما أخذناها إلاَّ من الله، فما لإبليس علينا منّة في هذه المسألة ولا غيرها بحمد الله)) أ هـ.وإيضاح حجّة إبليس هو: التقييد للممكن صفة ذاتية له، لا ينفكّ عنها أصلاً أبداً والحق ئئ له الإطلاق الذاتي، وما بالذات ل يزول إلاَّ بزوال الذات. والتقييد إنما عرض للحق تعالى من عروض نسبة العالم إليه تعالى ، فلو فرض ارتفاع العالم ماكانت للحق تعالى مرتبة التقييد. فمرتبة الإطلاق أصل ذاتي له تعالى، وللمطلق أن يقيّد نفسه إذا شاء، مع إطلاقه في تقييده. إذ كل ما يصحُّ إطلاقه على الحق تعالى فلا يكون له ضدٌّ ولا نقيض، فإن عين كلّ منهما. ومرتبة الإطلاق لا حكم فيها بإثبات ولا نفي لشيء. فلم ينحجب إبليس بتقييد وجوب الرحمة بالتقوى، وما عطف عليها، ولا بالجهالة، ولا بكلّ تقييد ورد في كتاب أو سنة عمَّا يستحقه الحق تعالى من الإطلاق الذاتي، فهو ينتظر الرحمة ويرجوها من عين المنّة والجود المطلق. أقول: ولو قال إبليس كلمة لحج سهلاً أوّل وهلة، وذلك أن يقول: لِمَ خافت الأنبياء والرسل بعد تأمينه تعالى لهم وعلمهم بسعادتهم؟! يقول محمد (صلى الله عليه وسلم): ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾[الأحقاف: 46/9].ويقول شعيب (عليه السلام) ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾الأعراف: 8/89].

ويقول لهم الحق: ﴿فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأعراف: 8/ 99].

والأنبياء (عليهم السلام) أعلم الخلق بما يجب وما يستحيل وبما يجوز على الله تعالى . فلو علموا أن مرتبة التقييد، تحكم على مرتبة الإطلاق ماكان منهم ذلك. فلابدَّ أن يقول سهل ذلك، لشهودهم مرتبة الإطلاق، وسعة العلم. فيقول إبليس: مشاهدة ما خوفهم بعد التأمين والبشارة بالسعادة، هو الذي جعلني أرجو رحمته بعد طردي وإبلاسي. فرجاء إبليس في نيل الرحمة، من عين المنة صحيح، وطمعه في محله. وقد سلّم له ذلك الإمامان الكبيران: سهل ومحي الدين وما ذكره صاحب الإبريز، عن شيخه القطب عبد العزيز الدباغ (رضي الله عنه) لا يخفى ما فيه من المخالفة لما قدّمناه. ولعل الشيخ عبد العزيز أجاب بذلك، لمقتضى الوقت والحال. فإن العارف له ثلاث أثواب: ثوب إيمان، وثوب كفر، وثوب نفاق).

قول سيدنا: ((فلا وجوب عليه أصلاً، فمهما رأيت الوجوب فأعلم أن التقييد يصحبه))، يعني أنه لا وجوب على الحق أصلاً، من حيث حقيقة الوجوب، الذي هو إلزام الغير، بحيث يستحق تاركة الذم، وأن الأمر رحمة امتنانية مطلقة وسعت كلّ شيء، ورحمة مقيّدة هي جزء من الرحمة المطلقة. فما جلب جوده إلاَّ جوده، وما حكم عليه سواه، ول قيّده غيره، فهو الذي أوجب على نفسه ما أوجب. وبالرحمة المطلقة تاب على من تاب وأصلح، وبها هدى من هدى إلى التقوى، وما عطف عليها، فالحكم لله العلي الكبير عن التقييد في التقيد، فمهما رأيت في كتاب أو سنة الوجوب على الحق تعالى فاعلم أن التقييد لطائفة مخصوصة على عمل مخصوص يصحبه. ومسألة وجوب الرحمة عليه تعالى والجواب عنها زادها سيدّنا لذكر السائل، الوجوب على الحق تعالى كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما سئل عن ماء البحر فقال: ((هو الطّهور ماؤه، الحل ميتته)) فزاد مالم يسأل عنه.

قول سيدنا: ((وأمَّا من رأى أنهم استوجبوا ذلك على ربّهم، غير ما ذكره الله تعالى عن نفسه، فقالوا ببذلهم مراكبهم في زمن الزيادة، طلباً للمواصلة، وإيثارً لجناب الحق في زعمهم، وإن كان في ذلك نقص فهو عين الكمال بهذه المراعاة، فهذا عندي مثل ما قال الشاعر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه)).

«ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ

زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظْلمة

 

فاغفر هداك مليك النّاس يا عمر

ما آثروك بها إذ قدّموك له

لا بل لأنفسهم قد كانت الأثر».

هذا رجوع إلى جواب السؤال، يعني أنَّ من رأى من أهل الطريق، أنهم استوجبوا على ربّهم أن يكونوا أهلاً لهذه المجالس، ببذلهم مراكبهم، أي أجسامهم التي هي المراكب لأرواحهم، فإنَّ الأرواح التي تسميها الحكماء بالنفوس الناطقة كالمراكب. والأجسام بما اشتملت عليه من القوى الظاهرة والباطنة كالدواب المركوبة. فاستوجبوا هذه المجالس ببذلهم مراكبهم بالرياضات النفسية والمجاهدات الظاهرة البدنية، في زمان الزيادة، وهو زمان التكليف، طلباً للمواصلة بالحق تعالى مواصلة علم لا غير ذلك مما عساه يتوهم، فإنَّ الوصول إلى الحق تعالى هو الوصول إلى العلم به، وإيثار الجناب الحق تعالى في زعمهم، وهذا الزعم، وإن كان نقصاً في حقهم فإنه لا دليل على صحة الزعم، فهو عين الكمال التام، بسبب هذه المراعاة، وهي طلب وصلتهم بالحق، والإيثار له تعالى على نفوسهم، حيث لم يعطوها مشتهاها، ول ساعدوها على نيل أغراضها. والإيثار في الحقيقة بهذه المراعاة والبذل لأنفسهم إنم هو عائد عليهم لا له تعالى ، إذ من عمل صالحاً فلنفسه سعى. فلا يرجع إلى الحق ـ تعالى من بذلهم مراكبهم شيء، كما قال الحطيئة الشاعر المشهور لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لما سجنه لشكوى الناس منه بسبب كثرة هجوه لهم، وعندما أحضره عمر (رضي الله عنه) قال له: نشدتك الله يا أمير المؤمنين إلا قطعت لساني، فإني والله هجوت أبي وأمي وزوجتي ونفسي، وبعدما مضت عليه مدة في السجن كتب إلى عمر (رضي الله عنه) بهذه الأبيات: كنّى عن صبيته بالأفراخ الحمر الحواصل، يعني صغاراً ما نبت لهم ريش، فيسعون في طلب المعاش سعي الطير، ولا ماء ولا شجر بين أيديهم، وذو مرخ بالتحريك والخاء المعجمة واد بالحجاز، والشاهد منه في قوله، ما آثروك بها.. البيت.

قول سيدنا: ((فإن كانوا بذلوا مراكبهم عن طلب إلهي، يقتضي ذلك وجوباً إلهياً، كان مثل الأول، فإنه لو لم يرد عنه تعالى الوجوب على نفسه لم نقل به. فإنه سوء أدب من العبد، أن يوجب على سيّده))، يعني أن أهل هذه المجالس، الذين قيل: إنهم استوجبوا على ربّهم أن يكونوا أهلاً لها، ببذلهم مراكبهم، فإن كان بذلهم مراكبهم عن طلب إلهي يقتضي ذلك الطلب وجوباً إلهياً طلبه الحق منهم، وذكر تعالى أنه أوجب على نفسه لهم ما أوجب، كان مثل الوجوب الأول، أعني وجوب الرحمة للطائفتين المذكورتين في الآيتين المتقدّمتين، وقد تقدم ما فيه، وإن كان بذلهم مراكبهم لا عن طلب إلهي يقتضي وجوباً، ولا ذكر الحق تعالى أنه أوجب لهم شيئاً على نفسه، ول ورد خبر نبويّ بذلك، لم نقل بالوجوب، ولا يسوغ لنا القول به، فإن سوء أدب من العبد أن يوجب شيئاً على سيده، لم يوجبه على نفسه. فإن أوجب على نفسه في موطن فذلك إليه ولا يقاس عليه.

قول سيدنا: ((غير أن هذه رقيقة دقيقة لا يشعر بها كثير من العارفين بهذه المجالس وذلك أنه كما نطلبه لوجود أعياننا يطلبنا لظهور مظاهره، فلا مظهر له إلاَّ نحن. ولا ظهور لنا إلاَّ به، فبه عرفنا أنفسنا وعرفناه، وبنا تحقق عين م يستحقه الإله)). لما ذكر (رضي الله عنه) أن الحق تعالى غني عن بذلهم مراكبهم طلباً للمواصلة، وأنه لا يؤثر أحد الحق تعالى وإنما إيثارهم راجع إلى أنفسهم، كم قال: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾[الإسراء: 17/7].

استدرك وبيّن أن الأمر كما ذكر، ولكن من جهة أخرى، الحق يطلبنا كم نطلبه، لأن مرتبة الألوهة لا غنى لنا عنها، وعبّر عن هذه المسألة باللطيفة الدقيقة، فالمراد باللطيفة هنا المعنى الدقيق العزيز المنال، وإن ينل ينفرد به أفراد الرجال. والتعبير عن مثل هذه المسألة باللطيفة من باب التوسع، فإن اللطيفة في الاصطلاح كل إشارة دقيقة المعنى، تلوح في الفهم، لا تسعها العبارة، وهي من علوم الأذواق والأحوال، فهي تعلم ولا تنقال، ولا تأخذها الحدود وإن كانت محدودة في نفس الأمر، ولدقة هذه المسألة ولطافتها قال: «لا يشعر بها كثير من أهل هذه المجالس» فأحرى غيرهم، لأن لأهل الطريق فيما يهبهم الحق تعالى من العلوم تفاوتاً ل ينحصر ولا ينضبط إلاَّ له تعالى، أكثر من تفاوت علماء الرسوم ممالا يتقارب. وبيان هذه اللطيفة الدقيقة هو أنَّ الممكنات مع الحق تعالى من حيث مرتبة الألوهة كالمتضايفين، لا تثبت الإضافة إلاَّ بهما معاً. فكما نطلبه نحن لوجود أعيانن الثابتة في العلم والعدم، يطلبنا هو تعالى لظهور مظاهره. فإنه لا مظهر له يظهر به تعالى ، إلاَّ نحن معاشر الممكنات، لأنه إنما يظهر بأسمائه، ونحن آثار أسمائه، أو نحن أسماؤه. ولكن بين الطلبتين فرقان. فهو يطلبنا ليؤّثر فينا. ونحن نطلبه لنتأثر به، فإنه لا ظهور لنا إلاَّ به، فيه عرفنا أنفسنا، لأنه وجودنا. ولولا خلعة الوجود التي خلعها علينا بماذا كنا نعرفه؟! فما عرفنا إلاَّ به كما ورد في بعض الأخبار النبوية: ((عرفت ربي بربي)).

وبمعرفتنا نفوسنا عرفناه، إنها مقدمة معرفة الربّ، ومعرفة الرب نتيجتها، وما عرفنا أنفسنا إلاَّ به، فانظر ما أعجب هذا الأمر، وبنا تحقّق م يستحقه الإله من العبودية، فإنَّ معبوداً بغير عابد وجوداً أو تقديراً بغير معقول، ومالك من غير مملكة لا يكون.

«فلولاه لما كن

 

ولولا نحن ماكان

فإن قلنا بأنا هو

يكون الحق إيان

فأبدانا وأخفاه

 

وأبداه وأخفان

فكان الحق أكوان

وكنا نحن أعيان

فيظهرنا لنظهره

 

سرارًا ثم إعلانا».

قوله: «فلولاه لما كنا».

يريد : لولا هو إله معبود ماكنّا مألوهين عابدين، ولولا هو وجود ظاهر ما كنا مظاهر وجوده، ولولا هو فاعل ما كنّا قابلين.

قوله: «ولولا نحن ما كنا».

يريد: ولولا نحن العابدون المألوهون ما ثبتت ألوهته، ولولا نحن المظاهر لوجوده ما كان ظاهراً، ولولا نحن القابلون لفعله وخلقه ماكان فاعلاً خالقاً. فالأمر بيننا وبينه منقسم بنصفين، فلا تثبت ألوهته بدوننا موجودين أو مقدرين، كم أنه لا ظهور لوجوده بدون مظهريّتنا، ولا فعل له بدون قابليتنا للانفعال. فإنَّ إلهاً بمعنى معبودًا بدون عابد موجود أو مقدّر محال، وفاعلاً بدون محل قابل للانفعال محال. فهو تعالى، ونحن من هذه الحيثيات المذكورة كالمنتسبين، لا ثبوت للنسبة بأحدهما دون الآخر.

قوله: «فإن قلنا بأنا هو».... البيت.

يريد: أننا إذا أطلقنا القول بأننا نحن الحق تعالى من جهة وجودن فإنه لا وجود لنا إلاَّ وجوده لا قديماً ولا حادثاً، فنحن هو، إذ «نحن» عبارة عن الوجود الذات الظاهر بأحوال أعيانانا الثابتة في العلم أزلاً وأبداً، فمسمّى الممكن المخلوق كان ما كان ليس هو إلاَّ الوجود الحقّ متعيّناً بأحوال ذلك المخلوق المسمّى حيواناً أو إنساناً أو ملكاً أو غير ذلك، مع عدم عين ذلك المخلوق بالنسبة إلى الوجود، المسمّى بالوجود في الخارج.

«يكون الحق إيّانا»

يريد: أنه يلزم من قولنا: أننا الحق تعالى أن يكون الحق إيّانا، من حيث ما ظهر فينا من أسمائه، لا مطلقاً، فهو إيّانا أي عيننا، ولسنا إياه مطلقاً من كل وجه، بل من حيث ما ظهر فينا منه، فإننا مرآة ظهوره وتجليه، ولا يظهر في المرآة إلاَّ ما نقبله من الصفات لا عين المتجلّي وحقيقته، فالوجود الذي هو وجوده، ووجودن واحد لا يتجزأ ولا ينقسم ولا يظهر إلاَّ بحسب المرايا.

قوله: «فأبدانا وأخفاه».

يريد: أنه تعالى أظهرنا معاشر الممكنات، وأخفى نفسه، وذلك في مرتبة الاسم الباطن بالنسبة لعامة المحجوبين، فإن الحق تعالى عندهم باطن خاف، والخلق ظاهر باد، فلا يرى الحق عندهم، ولا يدرك بمشعر من المشاعر، وإنما يدرك بالعقل من وراء حجب الصفات، لأنه تعالى عندهم مباين لخلقه، منفصل عنهم بالذات والصفات والأحكام والأفعال، فلا يشهدون إلاَّ خلقاً.

قوله: «وأبداه وأخفانا».

يريد: أنه تعالى أظهر نفسه وأخفانا معشر الممكنات المخلوقات، وذلك في مرتبة تجلّيه بالاسم الظاهر لأهل وحدة الشهود، فإنهم لا يشهدون إلاَّ حقاً، ويقولون في كلّ شيء أدركوه، بأي مشعر كان من المشاعر الظاهرة والباطنة، هو الحق تعالى ، فإذا سئلوا عن هذه الكثرة المحسوسة، والحق تعالى واحد؟! لا يجيبون بشيء. فالحق هو الظاهر البادي، ولكن حكمت عليه أحوال الممكنات فأخفته عن المحجوبين أصحاب العقول، وهذا من أعجب العجاب، حيث أن أحكام الممكنات أحكام معقولة، حكمت على الحق الوجود الظاهر، فما في الوجود حقيقة إلاَّ الله، ظاهراً بأحكام الممكنات، عند طائفة، متحجباً بها، عند طائفة، ولم يذكر سيدنا الطائفة الثالثة، أهل وحدة الوجود، الذين يشهدون حقاً وخلقاً، يشهدون البطون في الظهور، والظهور في البطون، لا يحجبهم هذا عن هذا، لأن مراده (رضي الله عنه) ذكر ما تلازم فيه الحق والخلق، وطلب كل منهما الآخر، فخلق بلا حق لا يوجد، وحق بلا خلق لا يظهر.

قوله: «فكان الحق أكوانا».

يريد: أنه تعالى هو الكائن عند قوله «كن» يأمر نفسه بالكون فيكون لنفسه. فالكون والمكون والكائن عين واحد، لأن «كن» حرف وجودي، ولا وجود إلاَّ هو، فل يكون إلاَّ هو.

قوله: «وكنا نحن أعيانا»

يريد: نه لما كان المسمّى مخلوقاً وموجوداً، ليس هو إلاَّ الوجود الحق الظاهر بأحوال المخلوقات وأحكامها، كنا معاشر الموجودين أعيانا، أي ذواتا مشهودة محسوسة من حيث قيام أحكامنا بالوجود الحق النور.

قوله: «فيظهرنا لنظهره».

يريد: أن الحق تعالى يظهرنا من حيث نسبة الوجود لنا، لظهور أحكامن أعياننا، فإنها ما ظهرت ولا تظهر دنيا ولا آخرة، ليظهر هو، فإنه الظاهر بأحكام أعياننا، وهي مظاهر، لأن أحوالنا ونعوتنا معان لا تقوم بأنفسها، فظهورنا في الحقيقة ظهوره هو تعالى، فهو الظاهر بنا.

قوله: «سراراً ثم أعلانا».

يريد: أنه تعالى هو الظاهر في نفس الأمر على كلّ حال، سواء كان الظهور سرّاً، بالنسبة إلى أهل العقول المعقولة عن السراج في فضاء المشاهدات، أو كان ذلك الظهور علناً لا متستراً ولا متحجباً، كما هو لأهل وحدة الشهود، ووحدة الوجود.

قوله: ((فلما وقفوا على هذه الحقائق من نفوسهم ونفوس الأعيان سواهم تميّزوا على من سواهم بأن علموا منهم مالم يعلموا من أنفسهم))، يعني أنَّ أهل هذه المجالس، لمَّا علموا هذه الحقائق المشار إليها باللطيفة الدقيقة وقفوا عليها من نفوسهم ونفوس غيرهم من الأعيان، تميّزوا بفضيلة العلم على من سواهم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر: 39/ 9].

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُو الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 58/ 11].

وهؤلاء علموا من نفوسهم ونفوس الأعيان مالم يعلم غيرهم من الأعيان من نفوسهم.

قوله: ((واطّلع الحق على قلوبهم، فرأى ما تحلّت به مما أعطتها العناية الإلهية وسابقة القدم الرباني استوجبوا على ربّهم ما استوجبوه، من أن يكونوا أهلاً لهذه المجالس الثمانية والأربعين)) يعني: أن الحق اطلع على قلوب هذه الطائفة الشريفة فرأى ما تحلّت به قلوبهم من زينة المعارف والعلوم، بهذه اللطائف الرقيقة والحقائق الرشيقة، ممّا أعطت قلوبهم العناية الإلهية، وهي عند السادة عبارة عن إفاضة النور الوجودي على من انطبع في مرآة غيبه وحضرته العلمية، التي هي نسب معلوميّته، ومنحتهم سابقة القدم الربّاني المشار إليها بقوله: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ﴾[يونس: 10/2].

والقدم لغة السابقة، وفي اصطلاح القوم ماثبت للعبد في علم الحق تعالى ـ، استوجبوا على ربّهم، هذا جواب قوله: «فلما وقفوا وأطلع الحق على قلوبهم» يعني بوقوفهم على هذه الحقائق، وبما أعطتهم العناية والسابقة، استوجبوا على ربّهم م استوجبوا، بمعنى تأهلّوا واستعدّوا لأن يكونوا أهلاً لهذه المجالس، كما قال تعالى: ﴿وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾ [الفتح: 48/ 26].

بمعنى: أهلهم الحق لها بالعناية والسابقة، لا بمعنى الوجوب على الله، فإنه لم يرد نصٌّ بهذا، وإن كان الحق يعطي كلّ شيء استعداده، ولابدَّ، فلا تطلق على ذلك لفظة الوجوب، فإنه سوء أدب، إلاَّ فيما ورد فيه نصٌّ من كتاب أو سنة.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!