موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


235. الموقف الخامس والثلاثون بعد المائتين

قال تعالى: ﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَ بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾[الرحمن: 55/ 19-20].

كل شيئين متقابلين فلابد أن يكون بينهما حاجز معقول يفصل بينهما، بحيث لا يختلط أحدهما بالآخر، يسمي برزخاً لا يكون عينهما ولا غيرهما. وفيه قوتهما معاً بمعنى أنه لا يكون عين كلّ واحد من المتقابلين من كلتي وجهتيه، بل له وجه إلى هذ ووجه إلى هذا، مع أنه لا يتجّزأ ولا يتبعّض، ولا ينقسم، يكون بين محسوسين، كالخط المعقول الفاصل بين الظل والشمس، وقد يكون بين معقول ومحسوس، وقد يكون بين موجود ومعدوم. وبرزخ البرازخ كلّها وأجمعها الحقيقة المحمدّية. ولها أسماء متعددة باعتبارات وتنزلاتع وظهورات وهي هي لا غيرها. وهذه الحقيقة البرزخيّة هي أحد الأشياء الثلاثة التي يتعلق العلم بها، وما عدا هذه الثلاثة فعدم محض لا يعلم ول يجهل ولا توصف بوجود ولا عدم في حدّ ذاتها، ولا بحدوث ولا قدم، ولا بتقدم على العالم ولا بتأخر عنه، وهي حقيقة جميع الموجودات، وهي في القديم قديمة، وفي الحادث حادثة، كالحقائق الكلية المعقولة، مثل العالمية والقادرية و الإراديّة ونحوها. فليس هي الحق تعالى بوجه، ولا العالم الحادث بوجه، وهي الحق تعالى بوجه، وهي العالم بوجه، كل هذا تصدّق فيه إذا حكمت به، فهي البرزخ بين الوجود المطلق والعدم المطلق. ومرتبة الإنسان الكامل برزخ بين مرتبة الألوهية و المخلوقات. فهو برزخ بين معقول ومحسوس. والبرزخ من حيث هو لا موجود ولا معدوم، ولا مجهول ولا منفي ول مثبت، كالصور المدركة في المرايا وفي كل جسم صقيل، فإنك تعلم أنك أدركت شيئاً بوجه، وتعلم أنك ما أدركت شيئاً بوجه، فأنت صادق إن قلت أدركت أو قلت ما أدركت. الصورة ما حلّت في المرايا وفي غيرها من الأجسام الصقيلة، ولا هي بينك وبين المرايا، وليست تلك الرؤية بانعكاس صورة المرئي إلى العين، وإنما الحق تعالى أجرى العادة بخلق رؤية الصور البرزخية الخيالية، عند مقابلة الصور الجسمانية للأشياء الصقيلة كالمرآة ونحوها من الأجسام الصقيلة، وليس البرزخ غير الخيال، فهو هو عينه، وله أربع مراتب، وحقيقة البرزخية الخيالية في الجميع واحدة.

الأولى البرزخ المسمّى بالخيال المنفصل، وبالخيال المطلق، وبالعماء وبالحق المخلوق به كل شيء، وهو البرزخ بين المعاني التي لا أ عيان لها في الوجود كالعلم والثبات ونحوها وبين الأجسام النورية والطبيعية، وفيه تظهر الصور المرئية في الأجسام الصقيلة مثل المرايا ونحوها. وشأن هذا البرزخ الخيالي العمائي تكثيف اللطيف المطلق وهو الحق تعالى ـ. فإنَّ من هذا البرزخ الخيالي ظهر موصوفاً بصفات المحدثات منعوتاً بنعوتها كما ورد في الكتب الإلهية وسنن الأنبياء من المتشابهات، وتلطيف الكثيف المطلق، ومنه اتصف الممكن المحدث بالصفات الإلهية كالحياة والعلم والقدرة ونحوها. فالبرزخ العمائي هو الخيال، والصور المرئية فيه هي المتخيلات، وفي هذه المتخيلات ما يرى بعين الحسّ ومنه ما يرى بعين الخيال، كرؤية تحول الحرباء في الألوان التي تمر عليها، فهذه رؤية بعين الخيال لا بعين الحس، وذلك أنَّ العين الباصرة لها الإدراك بعين الحس وبعين الخيال، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يرى جبريل في صورة دحية الكلبي بعين الحس، فيعرف أنه جبريل، وأنه روح متجسدة، ويراه غيره بعين الحس فلا يعرف أنَّه جبريل، ولا يشك أنه دحية الكلبي نفسه. وأهل الشهود أرباب التخيلات يشهدون العالم متحولاً متبدلاً متنقلاً في كل لحظة، لأنهم يشهدونه بعين الخيال. وبهذه العين يدركون جميع التخيلات الحاصلة لهم في الدنيا والآخرة. وأهل الحجاب يشهدون العالم ثابتاً على حالة واحدة لأنهم يشهدونه بعين الحس، لأنَّ موطن الدنيا موطن النظر بعين الحس، وإنَّما خص الحق تعالى بعض الخواص بالنظر بعين الخيال في الدنيا أحياناً لأنهم تجاوزوا موطن الدنيا حكماً ووصلوا إلى البرزخ، الذي هو موطن النظر بعين الخيال، وصور جميع الجسمانيات هي في هذا البرزخ الخيالي صور روحانية خيالية على وجه الطيف، لا يمتنع فيه التداخل ولا التزاحم ول إيراد الكبير على الصغير، بل ولا الجمع بين الضدين، ولا وجود شخص واحد في مكانين، وفيه رأى (صلى الله عليه وسلم) موسى (عليه السلام) قائماً يصلي في قبره،  ورآه في السماء السادسة كما في الصحيح، ولا يقال لشيء أنه مستحيل وجوده في هذه الحضرة أبداً، ففيه تتجّسد المعاني، كتصور الموت في صورة كبش وفيه توزن الأعمال، وفيه تجادل سور القرآن عن صاحبها كما جاء في الأخبار الصحيحة، وفيه تتروحن الأجسام الكثيفة كما ورد في حديث الإسراء الذي أنكره كثير من الفلاسفة المتعقلة.

الثانية البرزخ المسمى بالخيال المتصل والخيال المقيد ويسمى بأرض السمسمة وأرض الحقيقة، وهو البرزخ الخيالي تظهر فيه الصور الجسمانية الكثيفة التي تقبل التجرؤ والتبعيض و الخرق و الالتئام، وهي المركبة من العناصر صوراً مركبة لطيفة، لا تقبل التجزؤ ولا الخرق، ولا التبعيض، ولا يمتنع فيها إيراد الكبير على الصغير ولا تصور المحال، ومنه ورد: «اعبد الله كأنك تراه».

ومن شأن هذه المرتبة تلطيف الكثيف المقيد، لأنَّ المحسوسات الكثيفة تظهر فيها بصور لطيفة روحانية كما قدمنا، وتكثيف اللطيف المقيد، ومنشأ هذه المرتبة البرزخية الخيالية مقدم الدماغ، هي التي تمسك صور المحسوسات عند غيبوبتها كما يرى الإنسان مثلاً مدينة ثم يغيب عنها، فإذا تذكرها رآها كما كان رآها، فيظن أنه رآه في موضعها في غير هذه المرتبة الخيالية. وهو ما رآها إلاَّ في هذه المرتبة البرزخية الخيالية الدماغية، والفرق بين البرزخ المسمى بالخيال المنفصل والبرزخ المسمى بالخيال المتصل هو أن المتصل يذهب بذهاب المتخّيل (اسم فاعل) كما هو في أنواع السحر والسيميا ونحوهما، كما قال تعالى: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾[طه: 20/ 66].

وهي لا تسعى في الحقيقة وإنما تسعى في خيال المسحور بسبب السحر لا غير، والخيال المنفصل لا يذهب بذهاب المتخيّل له، فإنه حضرة ذاتية قابلة لتجسد المعاني والأرواح دائماً.

الثالثة: البرزخ الخيالي النومي، وهو البرزخ بين الموت والحياة. فإنَّ النائم لا حيُّ ولا ميت بل له وجه إلى الموت ووجه إلى الحياة، وفي هذه المرتبة يرى الإنسان ربّه متصوراً بصور المحدثات، ومنها ما ورد في الخبر عنه (صلى الله عليه وسلم) : «رأيت ربّي في صورة شاب أمرد له وفرة وفي رجليه نعلان، وعلى وجهه فراش من ذهب».

فهو من صور البرزخ المسمى بالخيال المقيد، ويرى الإنسان نفسه في مكان غير المكان الذي هو فيه، فهو في مكانين وهو هو لا غيره وأمثال هذه من المحالات المنامية، والكل صحيح.

الرابعة: البرزخ الخيالي الذي تنتقل إليه أرواحنا بعد الموت الطبيعي وهو المسمى بالصور في قوله: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾[المؤمنون: 23/101]، [الحاقة: 69/13].

وبالناقور في قوله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾[المدثر: 74/ 8].

فإنه مثل المراتب المتقدمة في كون صوره خيالية. وكل ما ندركه في البرزخ من نعيم لأهله وعذاب لأهله، فإنما يدركونه بإدراكات هذه الصور البرزخية الخيالية، كم قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾[غافر: 40/ 46].


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!