موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


2.الموقف الثاني

قال الله تعالى: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 1/ 5].

ظاهرة يعطى أن العبد قادر على بعض الفعل، وعاجز عن بعضه، لأنَّ كلَّ من المتعاونين نسبة في الفعل، أي الحاصل بالمصدر، فاعلم أن مخاطبة الحق تعالى لعباده في كتبه المنزلة، وعلى ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام إنما جاءت على حسب مبلغ علم عامة العباد، ومنتهى عقولهم، وما أدّت إليه بديهتهم، ولما كان عامة العباد يتوهمون أنَّ لهم وجوداً مستقلاً مبايناً لوجود الحق، حادثاً أو قديماً، تركهم الحق على وهمهم لأن حالتهم التي هم عليها لا تحتمل أكثر من ذلك، ولحكم هو يعلمها، وخاطبهم على أن لهم وجوداً كما زعموا، وأضاف لهم الأفعال والتروك، والقدرة، والمشيئة، وغير ذلك على حسب دعواهم، فقال لهم: افعلوا واتركوا.

﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾[البقرة: 2/ 43 ]، ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى﴾[الإسراء: 17/32]، ﴿ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾[التوبة: 9/105]، ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾[محمد: 47/35]، ﴿ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾[الكهف: 18/29].

ونحو ذلك.

ومن المعلوم البين أنَّ القدرة على الفعل والترك والمشيئة وسائر الإدراكات، تابعة للوجود، فما لا وجود له، لا فعل ولا ترك ولا إدراك له، والإنسان وكل ممكن، لا وجود له مستقلاً لا قديماً ولا حادثاً برهاناً وكشفاً. أما الكشف فالعارفون مجمعون على هذا؛ وأما البرهان فلأنه لو كان لممكن، أيّ ممكن كان، وجود مستقل مباين لوجود الحق تعالى، فوجوده عارض لماهيته، والفطرة السليمة قاضية بديهة بأن ثبوت كلّ صفة لموصوف، فرع ثبوت الموصوف في نفسه، فالممكن على هذا ممتنع الوجود، إذ لو وجد لكان وجوده عارضاً لماهيّته، وعروض الوجود له متفرع على وجوده أولاً، فهذا الوجود السابق إما أن يكون عين اللاحق، أو غيره.

والأول مستحيل، ضرورة تقدم الشيء على نفسه، والثاني مستحيل أيضاً، لأنن نحوّل الكلام إلى الوجود السابق، فيلزم الدور أو التسلسل وكلاهما محال.

ولما كان خطاب الحق عبادة إنما هو على حسب تخيلهم، وتمشية لدعواهم، وكان الأمر دائرًا بين ما توهمته عامة الخلق، وبين ما هو الأمر عليه في نفسه، جاءت نسبة الأفعال الصادرة من العباد في بادئ الرأي ونظر العقل، متنوعة مختلفة في الكتاب والسنة، فمرة جاءت منسوبة إلى الله بالإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾[التوبة:9/14 ].

ونحوه، ومرة منسوبة إلى الإنسان بالله، كما في قوله تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ﴾ [البقرة: 2/ 249].

ونحوه، وتارة منسوبة إلى الإنسان وحده، كما في قوله تعالى:﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ﴾[البقرة: 2/ 277].

ونحوه، وتارة نفاها عن الإنسان صراحة، كما في قوله: ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾[البقرة: 2/ 264]، ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾[الأنفال: 8/ 17]، ونحوه، قوله تعالى: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 1/ 5].

جاء أمراً وخطاباً على ما توهمته العامة، لأنه لولا توهم العبد أنَّ له قدرة على بعض الفعل ما طلب العون على البعض المعجوز عنه، فإن قلت: قال تعالى ـ: ﴿وَمَ خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 51/ 56].

وظاهر هذا ينافي ما قلت من أن علّة التكليف هي الدعوى، قلت: العبادة التي خلق لها الجن والإنس هي العبادة الذاتية كسائر المخلوقات، ولاشك أنَّ للجن والإنس عبادة ذاتية، والعبادة التي قلنا سببها الدعوى، هي العبادة التكليفية، التي نشأت من اجتماع النفس الناطقة بالجسم العنصري.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!