موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


198. الموقف الثامن والتسعون بعد المائة

 ورد في صحيح البخاري وغيره: ((من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره (أي عمره) فليصل رحمه)).

ووردت أحاديث كثيرة في الباب، كلّها ترجع إلى أن فعل البر يزيد في الرزق والعمر، هذا مع قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾[الأعراف: 7/ 34].

ومع قوله (صلى الله عليه وسلم) كما هو في الصحيحين، في أثناء الحديث الطويل: ((ويؤمر الملك بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد))

يعني فلا يزاد ولا ينقص من ذلك. وقد سألني بعض إخواني كشف هذا الإشكال، حيث ما أقنعه ما قال شراح الحديث، فتوجّهت إلى الله تعالى في كشفه فغيبني تعالى عن العالم وعن نفسي، وألقي علي قوله: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً﴾[الإسراء: 17/ 82].

وألقي عليَّ ما تسمع، فهذا التعارض الباطل المدفوع وارد في القرآن، قال تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ ﴾[فاطر: 35/ 11].

﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾[الأعراف: 7/ 34] [يونس: 10/49]، [النحل: 16/16].

والقرآن لا اختلاف فيه ولا تعارض لأنه من عند الله: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾[النساء: 4/ 82].

فمن كان القرآن شفاء له بيّن له تعالى الوجه المراد، فانعدم الاختلاف عنده، ومن جعل الله له القرآن خساراً أعمى الله عنه الوجه المراد فزاده القرآن خسارا: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً ﴾[البقرة: 2/ 10].

لظنّ الاختلاف في القرآن، وكذلك هذه الأحاديث، فإن من الأمور ما له سبب واحد لا يكون غيره، ومنها ماله أسباب كثيرة متعددة، كما قال القائل: «تعدّدت الأسباب والموت واحد».

فمن سبق القضاء الأزلي، ولا يكون القضاء إلاَّ تابعاً للمقضى، لطلبه ذلك القضاء باستعداده ونفذ الحكم الإلهي بشفائه من أمراض القلوب وأدواء العقول، وهي المذاهب الباطلة والآراء الفاسدة، فلا سبب لشفائه إلاَّ القرآن: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ ﴾[آل عمران: 3/ 72].

أي لا هداية إلاَّ هداية الله، ولا هداية لغيره إلاَّ بالمجاز، ومن لم يسبق القضاء الأزلي والحكم الإلهي بشفائه، زاده القرآن خسارا، وكذا أعمال البّر التي ورد في الأحاديث أنها تزيد في العمر والرزق، المراد: إذا سبق القضاء و الحكم بزيادة عمر إنسان، على أعمار أمثاله، في الصفات والزمان والمكان، وبزيادة رزقه على أشباهه، في التكسب ومعاطاة أسباب الرزق فلا سبب لذلك إلاَّ ما ذكر في الأحاديث، ومرجعه كلّها إلى معنى واحد، وهو عمل البرّ؛ وأما إذا لم يسبق القضاء والحكم الإلهي، بزيادة في عمر إنسان ولا في رزقه فإنه وإن فعل أعمال البر، التي كانت سبباً في زيادة عمر غيره ورزقه فلا تكون سبباً له هو في ذلك، إذ الشيء قد يكون سبباً، وقد لا، لأن ذلك راجع للاستعداد، والاستعدادات متباينة متخالفة، فالاستعداد هو السبب الأوّل، والقضاء مترتّب عليه، وهما غيب، والأسباب المشهودة لواحق مترتّبة عليه، والأشياء في عالم الغيب، الذي هو العلم الذاتي ليس فيها سبب ومسببه عنه، ولا تقدم ولا تأخر، ول ترتيب، وذلك لوسع هذا العلم. وإنما كانت الأسباب والمسببات، والتقدم والتأخر، والترتيب كتقدم العلّة على المعلول، والشطر على المشروط، والسبب على المسبب في هذا العالم لضيقه، وهو عالم الشهادة المسمّى بعالم الحكمة، وعالم الأسباب، فلا يوجد فيه موجود إلاَّ عن سبب غالباً، ولا يبقى ويثبت إلاَّ بسبب ولا يزول ويمحى إلاَّ بسبب، وهذ هو لوح المحو والإثبات، كما قال تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[الرعد: 13/ 39].الذي لا محو فيه ولا إثبات، فيمحو ما يشاء ويزيله بسبب، كإزالة الأمراض بالأدوية النافعة، ويثبت ما يشاء بسبب، وهي الأسباب المثبتة للأشياء بعد إيجادها، وهي لا تحصر كثرة. وأمَّا اللوح المحفوظ من المحو والإثبات، الذي هو مظهر العلم الذاتي، فهو العلم الغيبي، ليس فيه شيء ممّ ذكر في لوح المحو والإثبات. وإنما لم يفصّل (صلى الله عليه وسلم) هذا التفصيل لأن هذا الكلام خرج منه (صلى الله عليه وسلم) مخرج الترغيب والتنويه بعمل البرّ، والتعريف بعلو مكانته، أي هو بحيث أنه يكون سبباً لزيادة الرزق والأجل إذا سبق القضاء بزيادة ذلك، على أمثاله، مطلقاً، وإذا لم يسبق القضاء بزيادة في ذلك فلا جرم أن له أجراً جزيلاً وثواباً جميلاً، وعبّر عنه (صلى الله عليه وسلم) بقوله: ((من أحبّ)) اعتباراً لما جعله الشارع للإنسان من الكسب والاختيار، إذ هو فاعل مختار في ظاهر الأمر وبادئ الرأي، وإلاَّ فالأمر كما ذكرنا، وربك العليم الحكيم.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!