موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف

للأمير عبد القادر الحسني الجزائري

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


18. الموقف الثامن عشر

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[الحجر 87]

كلّ من رحمه الله تعالى وعرفه بنفسه وبحقيقة العالم كله علوه وسفله، وجعل يشتاق إلى رؤية عالم الغيب والخيال المطلق، وما غاب عن الأبصار الحسيّة من الصور التقديرية والنسب العدمية التي لا حقيقة لها، إلاَّ الوجود الحق، وهي ظهوراته واعتباراته ونسبه العدمية، فهو مخطئ غير مصيب شيئاً من الأدب. وكنت ممّن رحمه الله ـ تعالى وعرفه بنفسه وبحقيقة العالم على طريقة الجذبة، لا على طريق السلوك، فإن السالك أول ما يحصل له الكشف عن عالم الحسّ، ثم عن عالم الخيال المطلق، ثم يرتقي بروحه إلى السماء الدنيا، ثم إلى الثانية، ثم إلى الثالثة، ثم إلى العرش. وهو في كلّ هذا من جملة العوام المحجوبين، إلى أن يرحمه الله تعالى بمعرفته، ويرفع عنه الحجاب؛ فيرجع على طريقه فيرى الأشياء حينئذٍ بعين غير الأولى، ويعرفها معرفة حقّ. وهذه الطريقة وإن كانت أعلى وأكمل ففيها طول على السالك، وخطرها عظيم. فإن هذه الكشوفات كلها ابتلاء. هل يقف السالك عندها أولاً؟ فربما وقف السالك عند أول كشف أو عند الثاني إلى آخر ابتلاء واختبار، فإن كان السالك ممّن سبقت له العناية، ودام مصممّاً على طلبته، ماضياً على عزمته، معرضاً عن كل ما سوى مطلوبه، فاز ونجا. وإلاَّ طرد عندما وقف، ورجع من حيث جاء، وخسر الدنيا والآخرة. ولذا قال في الحِكم: «ما تبرجت ظواهر المكونات لسالك إلاَّ ونادته هواتف الحقيقة: ما تطلب أمامك! إنما نحن فتنة فلا تفكر!!»، قال بعض القوم:

ومهما ترى كل المراتب تجتلي           عليك فحل عنها مثلها حلن

فإذا حصلوا على المعرفة المطلوبة حجبوا عند نهايتهم عن هذه الكشوفات. وأما عن طريق الجذبة فهي أقصر وأسلم. والعاقل لا يعدل بالسلامة شيئاً. وإلى هذين النوعين يشير قوله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى﴾[طه 135].

أي ينكشف لكم من هم المهتدون بالوصول إلى معرفته تعالى بسلوكهم على الطريق السوي المعتدل، الذي لا عوج فيه، وهو صراط الله تعالى وصراط رسوله (صلى الله عليه وسلم) ومن اهتدى، أي وصل إلى معرفة الله تعالى من غير سلوك ولا شيء، على المقامات، بل بجذبة إلهية وعناية رحمانية، وهو المراد الذي عرفوه بأنه المجذوب عن إرادته، مع تهيُّئ الأمور له. فجاز الرسوم كلها، والمقامات من غير مكابدة، والمقابل لهما محذوف. وهو الذي ما وصل إلى معرفة تعالى لا بسلوك ولا بجذبة. وقد خطر لي في بعض الأيام: لو أن الله تعالى كشف لي عن عالم الخيال المطلق، ودام عليَّ هذ الخاطر يومين، وحصل لي قبض، فكنت أذكر الله، فأخذني الحق تعالى عن نفسي، ثم ألقى عليَّ قوله: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾[التوبة: 9/ 128].

ففهمت أن الحق أشفق ممّا حصل لي، وفي حالة القبض دعوت في بعض الصلوات وقلت: «اللهم حققني بحقائق أهل القرب، واسلك بي مسلك أهل الجذب»، فسمعت في سري: «وقد فعلت» فتنبّهت من غفلتي، وعرفت أن ما طلبته إمَّا لم يحضر وقته، وإمَّا الحكمة اقتضت عدم حصوله، وأني غالط في هذا، وأن مثلي مثل من دعاه الملك إلى حضرته والجلوس معه للمحادثة والمباسطة، وهو مع ذلك يتمّنى أن لو خرج لمشاهدة دواب الملك وسواسه وخدامه والتفرج في الأسواق!! فرجعت إلى الله وسألته أن يحققني بما خلقني لأجله من معرفته وعبودته. وكان مثل هذا الخاطر خطر لي وأنا بطيبة المباركة، وتوجهت للذكر، فأخذني الحق عن نفسي، ثم ألقى إليَّ، قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر:15/ 87]. ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾ [الحجر: 15 / 88].

فلما رجعت إلى حسي قلت: حسبي حسبي!! وغاب عني هذا وما تذكرته إلاَّ بعد.

ملاحظة:

الآية رقم 128 من سورة التوبة هي: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾{128}ـ وليست كما ذكر في الكتاب [ص 126 سطر 10 ] وقد قمت بتصحيح العديد من الآيات.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب الفتوحات المكية


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!